مهذب الاحكام في بيان حلال والحرام المجلد 10

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: سبزواري، سیدعبدالاعلي، 1288؟ - 1372.

عنوان العقد: عروة الوثقي . شرح

عنوان واسم المؤلف: مهذب الاحکام في بیان حلال والحرام المجلد 10/ تالیف عبد الاعلي الموسوي السبزواري .

تفاصيل المنشور: قم : دار التفسیر ، -1388

مواصفات المظهر: 30 ج.

ISBN : دوره 978-964-535-155-5 : ؛ ج.1 978-964-535-156-2 : ؛ ج.2 978-964-535-157-9 : ؛ ج. 3 978-964-535-158-6 : ؛ ج.4 978-964-535-159-3 : ؛ ج. 5 : 978-964-535-160-9 ؛ ج. 6 978-964-535-161-6 : ؛ ج.7 978-964-535-162-3 : ؛ ج.8: 978-964-535-163-0 ؛ ج.9، چاپ اول: 978-964-535-164-7 ؛ ج.10 978-964-535-165-4 : ؛ ج.11: 978-964-535-169-2 ؛ : ج.12، چاپ اول: 978-964-535-170-8 ؛ ج. 13 978-964-535-171-5 : ؛ ج.15،چاپ اول: 978-964-535-173-9 ؛ ج.14: 978-964-535-172-2 ؛ ج.16 978-964-535-174-6 : ؛ ج.17 978-964-535-175-3 : ؛ ج.18 978-964-535-176-0 : ؛ ج.19 978-964-535-177-7 : ؛ ج.21 978-964-535-179-1 : ؛ ج.20 978-964-535-178-4 : ؛ ج.22 978-964-535-180-7 : ؛ ج.23 978-964-535-181-4 : ؛ ج.24 978-964-535-182-1 : ؛ ج.25 978-964-535-183-8 : ؛ ج.26 978-964-535-184-5 : ؛ ج.27 978-964-535-185-2 : ؛ ج.28 978-964-535-186-9 : ؛ ج.29 978-964-535-187-6 : ؛ ج.30 978-964-535-188-3 :

حالة الاستماع: فاپا

ملاحظة : عربی.

ملاحظة : ج. 2 - 16 تا 30 (چاپ اول: 1430ق. = 2009م. = 1388).

ملاحظة : هذا الكتاب هو وصف ل ''عروه الوثقي ''، محمد کاظم یزدي هو .

ملاحظة : فهرس.

محتويات: ج.4. الطهاره.- ج.7، 8. الصلاه.- ج.10. الصومر.- ج.11. الزکاه الخمس.- ج.14. الحج.- ج.16. المکاسب.- ج.17. البیع.- ج.18. البیع الی الودیعة.- ج.19. الاجارة المضاربة.- ج.20. الشرکة الی الکفالة.- ج.21. الدین الی الغصب.- ج.22. الوقف الی الکفارة.- ج.23. الصیدوالذباحة الی اللقطة.- ج.24، 25. النکاح.- ج.26. الطلاق.- ج.27. القضاء.- ج.28. الحدودالقصاص.- ج.29. الدیاتج.30. الارث.

ملاحظة : یزدي، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي -- النقد والتعليق

ملاحظة : فقه جعفري -- قرن 14

الحلال والحرام

المعرف المضاف: یزدي، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقي. شرح

ترتيب الكونجرس: BP183/5/ی4ع402152 1388

تصنيف ديوي: 297/342

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1 5 6 8 0 2 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المقدمه

.....

______________________________

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين.

كتاب الصوم الصوم: كالصلاة- و سائر موضوعات الأحكام- من المفاهيم المبينة لدى المسلمين «بل عند جميع الأديان- لأنّ لكل منهم صوم كما في الكتاب الكريم (1) و إن اختلفت الخصوصيات.

و المعروف بين الفقهاء أنّه: الإمساك المخصوص- الأعم من الحقيقي و التنزيلي الشرعي-، فيشمل من أكل ناسيا، لكونه صائما شرعا. و من عرّفه بأنّه: الكف عن المفطرات. أو هو: توطين النفس على تركها أراد الأعم من التفصيليّ منها و الإجمالي، فيشمل من نوى الصوم و نام قبل الفجر ثمَّ استيقظ بعد الغروب. و جميع هذه التعبيرات لوازم متعارفة لتلك الحقيقة المعهودة يصح أن يشار بكل واحد منها إليها. و لا وجه للمناقشة فيها، لأنّها شروح لفظية لا أن تكون حدودا حقيقية.

و لعل الأولى أن يقال: إنّه أمر بسيط حاصل في زمان خاص بشروط مخصوصة.

ثمَّ إنّ الصوم من أشرف الطاعات و أفضل القربات و يكفيه فضلا و منقبة أنّه

ص: 5


1- سورة البقرة: 182.

.....

______________________________

تشبه بالكروبيين و الملائكة الروحانيين في الخروج عن حضيض النفس البهيمية إلى ذروة المقامات الروحانية، و به وصل أبونا آدم إلى مقام الاصطفاء بعد أن ابتلي بما قصّه اللّه تعالى عنه من الابتلاء (1)، فهبط من الجنّة فصام حتّى تاب اللّه عليه و هدى.

و الصوم من أهم عبادات الأنبياء و الأولياء، و كيف لا يكون كذلك و هو أحد الخمسة التي بني عليها الإسلام (2) و به تضعف القوى الشهوية التي تضل بها الأنام، و به يصفو العقل و الفكر الذي يصل به الإنسان إلى أعلى درجة و مقام. و ما أقول في عبادة: قال اللّه تعالى فيها: لخلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك (3) و قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّها تباعد الشيطان عنكم كما يتباعد المشرق من المغرب» (4)، و قال الصادق (عليه السلام): «نوم الصائم عبادة و صمته تسبيح و عمله متقبّل، و دعاؤه مستجاب» (5) و قال الرضا (عليه السلام): «إنّ للّه ملائكة موكلين بالصّائمين و الصّائمات يمسحونهم بأجنحتهم، و يسقطون عنهم ذنوبهم، و إنّ للّه ملائكة قد وكلهم بالدعاء للصائمين و الصائمات لا يحصي عددهم إلا اللّه تعالى» (6).

إلى غير ذلك مما لا يحصى و لا يستقصي.

ص: 6


1- الوسائل باب 12 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
5- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 24.
6- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 36.

كتاب الصوم

اشارة

كتاب الصوم

فصل في أنواع الصوم

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو الإمساك عما يأتي من المفطرات (1)، بقصد القربة (2) و ينقسم إلى الواجب، و المندوب، و الحرام، و المكروه (3)- بمعنى: قلّة الثواب (4).

و الواجب منه ثمانية

و الواجب منه ثمانية (5): صوم شهر رمضان، و صوم القضاء، و صوم الكفارة- على كثرتها- و صوم بدل الهدي في الحج، و صوم النذر و العهد و اليمين، و صوم الإجارة و نحوها- كالشروط في ضمن العقد- و صوم الثالث من أيّام الاعتكاف، و صوم الولد الأكبر عن أحد أبويه.

______________________________

(1) بضرورة المذهب، بل الدّين عند جميع المسلمين الذين يكون لهم صوم و إن اختلف ما يمسك عنه لديهم، فإنّهم يرون الإمساك عن المفطّرات خاصة من مقوّمات الصوم.

(2) لأنّه عبادة بالضرورة، و كل عبادة متقوّمة بقصد القربة كذلك.

(3) بإجماع المسلمين، بل بضرورة الدّين، و تدل عليه نصوص كثيرة تأتي في محلها.

(4) لأنّ العبادة متقوّمة بالرجحان الذاتي، فلا بد في العبادات المكروهة مطلقا من لحاظ جهة تخرجها عن المرجوحية الذاتية إلى المرجوحية الجهتية، كأقلية الثواب و نحوها و المسألة محرّرة في الأصول، فراجع.

(5) هذا الحصر شرعي، لأدلة خاصة تأتي في محالها إن شاء اللّه تعالى.

ص: 7

و وجوبه في شهر رمضان من ضروريات الدّين (6)، و منكره مرتد (7) يجب قتله (8). و من أفطر فيه- لا مستحلا- عالما عامدا يعزّر (9) بخمسة و عشرين سوطا (10)، فإن عاد عزّر ثانيا، فإن عاد

______________________________

(6) بحيث يعرفها سائر الملل من المسلمين، فكيف بأنفسهم، فإنّ الجميع يعرفون أنّ شهر رمضان شهر الصّيام في الإسلام.

(7) فيه تفصيل مرّ بعضه في كتاب الطهارة في نجاسة الكافر، و يأتي بعضه الآخر في الحدود إن شاء اللّه تعالى.

(8) إن ولد على الإسلام و إلا فبعد الاستتابة و عدم تحقق التوبة منه و يأتي التفصيل في الحدود.

(9) للنص، و الإجماع، ففي صحيح العجلي: «سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل شهد عليه شهود أنّه أفطر شهر رمضان ثلاثة أيّام قال (عليه السلام): يسأل هل عليك في إفطارك شهر رمضان إثم، فإن قال: لا، فإنّ على الإمام أن يقتله. و إن قال: نعم، فإنّ على الإمام أن ينهكه ضربا» (1).

(10) لخبر مفضل بن عمر عن الصادق (عليه السلام)- فيمن أتى امرأته و هما صائمان-: «و إن كان أكرهها، فعليه ضرب خمسين سوطا، نصف الحدّ. و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا، و ضربت خمسة و عشرين سوطا»(2)، و لكنه مضافا إلى قصور سنده و مخالفته لإطلاق ما تقدم في صحيح العجلي، و إطلاق كلمات الفقهاء من أنّ التعزير غير مقيد بحد خاص. بل موكول إلى نظر الحاكم الشرعي إلا في مورد خاص- و هو فيمن تزوج أمة على حرّة و دخل بها قبل الإذن- و التعدّي منه إلى غيره يحتاج إلى دليل و هو مفقود. إلا أن يقال: إنّ ذكر إتيان المرأة من باب المثال لا الخصوصية، و كلمات الفقهاء إنّما هو من باب الغالب لا التقييد الحقيقي

ص: 8


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

قتل على الأقوى. و إن كان الأحوط قتله الرابعة (11). و إنّما يقتل في

______________________________

الدائميّ و إلا فقد ورد تحديد التعزير باثني عشر سوطا و نصف ثمن حدّ الزاني. ثمَّ إنّه تجب الكفارة عليه أيضا مضافا إلى التعزير على تفصيل يأتي.

(11) أما وجوب تكرر التعزير، فللإجماع، و الإطلاق. و أما القتل في الثالثة، فنسب إلى المشهور، لموثق سماعة: «سألته عن رجل أخذ في شهر رمضان، و قد أفطر ثلاث مرّات، و قد رفع إلى الإمام ثلاث مرّات قال (عليه السلام): يقتل في الثالثة» (1)، و مثله خبر أبي بصير (2).

و أما الاحتياط بقتله في الرابعة، فلاحتمال أن يكون المراد بقوله (عليه السلام)- «يقتل في الثالثة»- مجرّد المنشئية للقتل إن أفطر بعد ذلك، مع أنّه إذن منه (عليه السلام) في قتله في المورد الخاص، فيشكل التمسك به في مقابل أصالة احترام النفس، و حرمة القتل، و المرسل: «أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة» (3).

مضافا إلى ما ورد من أنّه «ادرءوا الحدود بالشبهات» (4) و أنّها مبنية على التخفيف قبل الثبوت، و ما قلناه يصلح لعروض الشبه لدى الفقيه، لأنّ الشبهة أعمّ من الموضوعية و الحكمية، كيف و قد نسب إلى المشهور في الزنا أنّه يقتل في الرابعة، و ادعي عليه الإجماع، و استدل عليه بموثق أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «الزاني إذا زنا يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة» (5) و لا ريب في أنّ ذلك أيضا يوجب الشبهة الموجبة للتوقف في سائر الكبائر.

إن قيل: هذا تعطيل لحدّ اللّه و هو غير جائز يقال: حرمة التعطيل إنّما هو فيما إذا ثبت الموضوع، لا فيما إذا تردد و اشتبه.

ص: 9


1- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2 و ملحقة.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2 و ملحقة.
3- ورد مضمونه في الوسائل باب: 11 من أبواب حد المسكر حديث: 7.
4- راجع الوسائل باب: 24 من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها حديث: 4.
5- الوسائل باب: 20 من أبواب حد الزنا حديث: 1.

الثالثة أو الرابعة إذا عزّر في كل من المرتين أو الثلاث (12). و إذا ادعى شبهة محتملة في حقه درئ عنه الحد (13).

______________________________

و أما صحيح يونس عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام): «أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة» (1) فشموله للمقام متوقف على صحة إطلاق الحد على التعزير أيضا و هو و إن كان صحيحا بالعناية، و لكن ظهوره العرفيّ عند الفقهاء و في السنة في مقابل التعزير يمنع عن الجزم بالحكم. و يأتي التفصيل في الحدود إن شاء اللّه تعالى.

(12) لأصالة احترام النفس، و حرمة القتل إلا في المتيقن من مورد الدليل، مضافا إلى الإجماع، و التصريح به في صحيح يونس المتقدم.

(13) للإجماع، و إطلاق قول عليّ (عليه السلام): «ادرءوا الحدود بالشبهات» (2)و بناء الحدود على التخفيف ما لم يثبت.

ص: 10


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمات الحدود حديث: 5.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب حد الزاني حديث 11.

فصل في النية

اشارة

(فصل في النية) يجب في الصوم القصد إليه (1)، مع القربة (2)، و الإخلاص (3) كسائر العبادات (4). و لا يجب الإخطار (5)،

______________________________

(فصل في النية)

(1) لأنّ كلّ فعل اختياريّ متقوّم بالقصد تكوينا و لا ربط لذلك بالفقه و الفقهاء.

(2) بضرورة الدّين فضلا عن المذهب.

(3) لما تقدم في الثالث عشر من شرائط الوضوء في كتاب الطهارة و فصل النية من كتاب الصّلاة، فراجع، لأنّه لا فرق بين المقام و بينهما موضوعا و حكما و دليلا.

(4) لتقوّم كلّ عبادة بالقربة و الإخلاص بإجماع المسلمين، و وجدان كلّ عابد بالنسبة إلى معبوده.

(5) للأصل بعد عدم دليل عليه من عقل أو نقل. و هذا البحث ساقط في هذه الأعصار، لاتفاق المحققين على كفاية مجرّد الدّاعي و هو الموافق للوجدان بالنسبة إلى جميع الأفعال الاختيارية، و يمكن إرجاع الإخطار إليه أيضا إلا أنّهم (رحمهم اللّه) عبروا بذلك اهتماما منهم بالعبادات لا أن تكون لنفس الإخطار من حيث هو موضوعية خاصة، بل هو طريق إلى الدّاعي و عدم الغفلة حين صدور العمل فالنزاع لفظيّ لا أن يكون معنويا، لأنّ من عبّر بالإخطار أجلّ من أن يخفى عليه كفاية الدّاعي، فراجع الكلمات تجد ما قلناه صحيحا.

ص: 11

بل يكفي الداعي (6) و يعتبر فيما عدا شهر رمضان- حتّى الواجب المعيّن أيضا- القصد إلى

______________________________

ثمَّ إنّ في المقام بحث آخر منهم (رحمهم اللّه) بالنسبة إلى النيّة جار في جميع العبادات و هو: أنّ النية فيها جزء أو شرط و هذا البحث أيضا ساقط بناء على ما هو الحق من كفاية الدّاعي فيها، بل ساقط من أصله، لأنّ النية على أيّ تقدير من عمل القلب، فإن عمّمنا أجزاء المكلّف به حتّى بالنسبة إلى عمل القلب، فهو جزء، و إن خصصناها بخصوص الخارجيات فهو شرط، فلها نحو برزخية بين الجزئية المحضة و الشرطية الصّرفة و في مثل هذه الأمور تختلف الأنظار، و يمكن جعل النزاع لفظيا أيضا و قد ذكرنا في نية الوضوء و الصلاة بعض ما ينفع المقام.

(6) لأصالة البراءة عن اعتبار ما زاد عن مجرد الدّاعي، فكما لا يعتبر الإخطار التفصيليّ في جميع ما يصدر عن الناس- في جميع أفعالهم و مقاصدهم- بل يكفي مجرّد الدّاعي النفسيّ، فكذا الصّوم و سائر العبادات إذ ليست هي إلا من الأمور الاختيارية الحاصلة عن المكلّف. نعم، تزيد على سائر الاختياريات باعتبار القربة فيها لتقوّمها بها، و تحصل القربة بأيّ وجه أمكن إضافة صدور العمل إليه تبارك و تعالى على ما تقدم تفصيله في نية الوضوء و الصلاة.

ثمَّ إنّ ظواهر الأدلة، و مرتكزات الصائمين أنّ الصوم أمر وجوديّ و عمل خارجيّ قائم بالصائم سواء عبّر عنه بالإمساك الخاص، أم توطين النفس على تروك خاصة، أو كفّ النفس عنها، أو غير ذلك من التعبيرات، و ليست عمليته و خارجيته كعملية الصلاة- مثلا- و خارجيتها بحيث يكون للجوارح دخل في تحققها خارجا، بل يكون مثل الصّمت و السكوت و الطمأنينة و الاستقرار و نحو ذلك من الأعمال و الأفعال المستندة إلى عمل النفس و فعلها، و لها آثار خارجية أيضا، و يصح أن يقال: إنّها من أفعال الشخص عرفا، فإن كان مراد من يقول: إنّ مثل الصّوم عبادة فاعلية: ما قلناه، فنعم الوفاق، و إن كان غير

ص: 12

نوعه (7)، من الكفارة، أو القضاء، أو النذر مطلقا كان أو مقيّدا بزمان معيّن (8)،

______________________________

ذلك فليس له معنى محصل.

و بعبارة أخرى: للفعل الخارجيّ مراتب متفاوتة من حيث البروز و الظهور شدة و ضعفا، صدورا و قياما و حلولا و اعتبارا، و ذلك لا يوجب سلب الفعلية عنه و لا فرق من حيث النية بينه و بين سائر الأفعال، يقال: صمت البارحة و لا أصوم غدا، كما يقال: قرأت القرآن في الأمس و لا أقرأ غدا، فأيّ وجه لأن يقال: إنّ النية في الثانية فعلية و في الأولى فاعلية، مع أنّ أهل المحاورة لا يفرّقون بينهما و لا تترتب عليه ثمرة عملية، بل و لا علمية معتنى بها.

(7) لأنّ التكليف إنّما تعلق بالخصوصية النوعية، فلا بد من قصدها و إلا فلا يتحقق الامتثال، إذ الامتثال قصديّ في العبادات لا أن يكون انطباقيا قهريا. نعم، لو قصد ذات الصّوم طريقا إلى النوع الخاص يجزي، لأصالة عدم اعتبار الأزيد منه، ففي كل مورد ليس المأمور به متعينا ذاتا كما في شهر رمضان و نحوه لا بد من التعيين في القصد و الإرادة لأنّهما لا يتعلقان إلا بالمتعيّن إما ذاتا أو قصدا، و المسألة سيالة في موارد كثيرة، و يأتي في كتاب الزكوات (فصل الزكوات من العبادات) بعض ما يرتبط بالمقام و لا يخفى أنّ موضوع هذه المسألة إنّما هو فيما إذا كان ما في الذمة متعدّدا، و أما مع الوحدة فيجزي التعين عن التعيين كما هو واضح.

(8) البحث في الصوم الواجب بالعرض مطلقا- نذرا كان، أو عهدا، أو يمينا، أو إجارة، أو شرطا، أو أمر أحد الوالدين أو غير ذلك- تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب القاعدة. و ثالثة: بحسب الدليل الخاص.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم الإجزاء، لأنّ الشك يرجع إلى فراغ الذمة بعد العلم باعتبار النية بالنسبة إلى خصوصية النوع المأمور به و عدم كفاية قصد طبيعيّ الصّوم من حيث هو.

ص: 13

من غير فرق بين الصوم الواجب و المندوب (9). ففي المندوب أيضا يعتبر تعيين نوعه (10)-

______________________________

و أما الثاني: فمقتضى القاعدة المعروفة من أنّ كلّ ما هو معتبر في المأمور به يعتبر في القصد و النية و لو إجمالا لزوم قصد النوع أيضا، لفرض تعلق الأمر بالنوع الخاص دون الطبيعيّ و الذات.

و أما الأخير: فإن قلنا بأنّه يحصل في الواجبات العرضية نحو حق بالنسبة إلى الغير في الصّوم بحيث يوجب تعينه الذاتي و لا يصح غير ذلك الصوم فيه و لو في صورة الجهل و الغفلة يصير حينئذ كصوم شهر رمضان و إن قلنا: إنّ جميع تلك الموارد من مجرد الحكم التكليفيّ فقط فلا تعين ذاتي في البين أصلا، و مقتضى الأصل عدم حصول هذا الحق إلا أن يدل عليه دليل بالخصوص، و يأتي في كتاب النذر ما ينفع المقام. و على أيّ تقدير هذه التفصيلات ساقطة، لأنّه مع اتحاد ما في الذمة لا يجب التعيين و مع التعدد يجب مطلقا كل ذلك بحسب القاعدة كما سيأتي.

(9) لأنّ اعتبار تعين المنويّ في غير المتعيّن بالذات مطابق للقاعدة، و العرف، و لأصالة عدم تحقق الامتثال كما مرّ، فيجري في جميع الموارد من غير فرق بينها. و هذه كلها من فروع القاعدة المعروفة في العبادات من أنّه كل ما كان متعينا في المأمور به لا بد من تعيينه في القصد أيضا و هي قاعدة صحيحة في الامتثالات العبادية كلّها.

(10) الصوم المندوب على قسمين:

أحدهما: ما تعلق الأمر بذات طبيعة الصوم من حيث هي كما في قوله تعالى في الحديث القدسيّ: (الصّوم لي و أنا أجزي به) (1) و نحوه من الإطلاقات.

ص: 14


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 15.

من كونه صوم أيّام البيض مثلا أو غيرها من الأيّام المخصوصة- فلا يجزئ القصد إلى الصوم مع القربة من دون تعيين النوع (11) من غير فرق بين ما إذا كان ما في ذمته متحدا أو متعددا (12) ففي صورة الاتحاد أيضا يعتبر تعيين النوع. و يكفي التعيين الإجمالي (13)،

______________________________

ثانيهما: ما تعلق الأمر به بعنوان مخصوص- كصوم أيام البيض مثلا- و في الأخير لا بد من التعيين في إحراز الخصوصية بخلاف الأول، فيكفي قصد ذات الصوم فقط لمن لم يكن عليه صوم واجب كما يأتي. نعم، لو كان قصد مجرّد الصوم ملازما لقصد أيّام البيض في الجملة يكفي بالنسبة إليها أيضا، لما يأتي من كفاية القصد الإجمالي، و كذا الكلام في جميع الموارد التي تعلق الأمر بالطبيعة و بالخصوصيات الفردية أيضا و هي كثيرة في العباديات.

ثمَّ إنّه في مورد اختلاف العناوين الذي تعلق بها الأمر تارة: تكون الآثار الشرعية مختلفة بالنسبة إلى كل واحد من تلك العناوين و حينئذ لا بد من قصد العنوان الخاص.

و أخرى: لا تكون كذلك، و حينئذ يكفي قصد الأمر الفعليّ و إن لم يقصد الخصوصية، و الوجه في كلّ واحد منها واضح.

(11) في إدراك الخصوصية. و أما في امتثال الأمر بذات الصوم، فيحصل بقصد طبيعة الصوم.

إن قيل: لأيام البيض أيضا تعين ذاتيّ، فلا بد و أن يكفي قصد صوم الغد أيضا- كما في شهر رمضان- يقال: المراد بالتعين الذاتي عدم صحة صوم آخر فيه ذاتا مطلقا و ليس مثل أيام البيض هكذا كما هو معلوم.

(12) لأنّ في صورة الاتحاد أيضا تعلق الأمر بالخصوصية النوعية، فلا بد من قصدها لتحقق الامتثال عن قصد ما في الذمة حينئذ كما يأتي.

(13) لأصالة البراءة عن اعتبار الأزيد من ذلك بناء على ما هو التحقيق من صحة الرجوع إلى الأصل في القيود المشكوكة في كلّ من الأمر و المأمور به

ص: 15

كأن يكون ما في ذمته واحدا، فيقصد ما في ذمته، و إن لم يعلم أنّه من أيّ نوع (14)، و إن كان يمكنه الاستعلام أيضا، بل فيما إذا كان ما في ذمته متعددا أيضا يكفي التعيين الإجمالي (15) كأن ينوي ما اشتغلت ذمته به أولا، أو ثانيا أو نحو ذلك (16).

و أما في شهر رمضان فيكفي قصد الصوم و إن لم ينو كونه من رمضان (17)،

______________________________

و قد أثبتنا ذلك في الأصول فراجع.

(14) لعدم دليل على اعتبار الأزيد من ذلك، بل مقتضى الأصل عدمه.

(15) لأصالة عدم وجوب الاستعلام بعد عدم دليل عليه، و كفاية النية الإجمالية.

(16) إذ لا دليل على اعتبار أن يكون التعيين بنحو خاص و كيفية مخصوصة، و مقتضى الأصل كفاية كلّ ما كان مشيرا إلى تعيين متعلق الأمر بأيّ نحو من أنحاء الإشارة و الطريقية.

(17) لأنّ تعينه الذاتيّ بحيث لا يصح غيره فيه ذاتا يغني عن تعينه قصدا، بل هذا نحو تعيّن إجمالي، و قد مرّ كفاية التعيين الإجمالي، فيكون التعيين الذاتي أولى بالكفاية، مضافا إلى الأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و عدم قابلية المورد للترديد حتّى يحتاج إلى التعيين، لأنّ التعيين فرع قابلية المورد للترديد.

و قد نوقش في جميع ذلك: أما التعيين الذاتيّ، فلأنّه كتعيين أيّام البيض للصوم، مع لزوم التعيين فيها.

و أما الإجماع، فلعدم ثبوته. و أما الأصل و الإطلاق، فلعدم مورد لهما، مع قيام الضرورة على أن الصّيام قصديّ عباديّ.

و أما عدم الترديد، فلأنّه بالنسبة إلى الواقع النفس الأمري، و أما بالنسبة إلى نظر المكلّف فهو حاصل.

ص: 16

بل لو نوى فيه غيره جاهلا أو ناسيا له أجزأ عنه (18)

______________________________

و كل هذه المناقشات باطلة: أما الأولى: فلأنّ المراد بالتعيين الذاتيّ ما لا يصح صوم غيره فيه و هذه خصيصة شهر رمضان دون غيره من أنواع الصيام. و أما الثاني: فلو نوقش في مثل هذه الإجماعات لا بد و أن يستأنف فقه جديد من أوله إلى آخره.

و أما الثالث: فلتحقق قصد الصوم و العبادية في هذا الصوم بالوجدان و انطباقه على شهر رمضان تكوينيّ قهريّ لا يحتاج إلى القصد، فلا وقع حينئذ للتمسك بأنّ قصد الصوم معتبر بالإجماع و الضرورة.

و أما الأخير: فهو كلام غريب، لأنّه بعد كون الانطباق قهريا تكوينيا، فأيّ أثر للترديد الحاصل في نظر المكلّف مع تحقق قصد أصل الصوم منه و هل هو إلا من قبيل الشبهة في مقابل البديهية. هذا مع ظهور إجماعهم على الأجزاء- كما تقدم.

(18) لانحلال نيته إلى نيتين: نية أصل الصّوم، و نية الخصوصية التي ينويها، و يصح الصوم عن شهر رمضان من جهة النية الأولى، لما مرّ من عدم اعتبار قصد شهر رمضان في صحة صومه و تلغو النية الأخيرة لا محالة. هذا مضافا إلى ظهور الإجماع على الصحة، و في موثق عمار: «و إنّما ينوي من الليلة أنّه يصوم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأ عنه بتفضل اللّه، و بما قد وسع على عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس» (1).

و في خبر الزهري: «لو أنّ رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا و هو لا يعلم أنّه من شهر رمضان ثمَّ علم بذلك لأجزأ عنه، لأنّ الفرض إنّما وقع على اليوم بعينه» (2)، و مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «أجزأ عنه بتفضل اللّه» الشمول لجميع موارد العذر جهلا كان أو نسيانا، كما أنّ

ص: 17


1- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصّوم و نيته حديث 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصّوم و نيته حديث 8.

نعم، إذا كان عالما به و قصد غيره لم يجزه (19) كما لا يجزئ لما قصده أيضا (20) بل إذا قصد غيره عالما به مع تخيل صحة الغير فيه،

______________________________

قوله (عليه السلام): «ينوي أنّه من شعبان» من باب المثال، فلو نوى صوما آخر أيضا كما يأتي في [مسألة 17]، فيستفاد من الموثق أنّ قصد صوم خاص في يوم يكون واقعا من شهر رمضان غير مانع لصحته عن رمضان إن كان ذلك لعذر، و يستفاد ذلك عن التعليل المذكور في خبر الزهري أيضا بعد حمل لفظ التطوّع فيه على المثال، و يدل على الصحة كون هذه الموارد من باب الخطإ في التطبيق، و مقتضى القاعدة فيه الصحة كما مرّ مرارا. ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الخبرين عدم الفرق بين القصور و التقصير.

(19) للأصل بعد كون شهر رمضان قصديا و المفروض عدم تحقق القصد إليه، و ذهب إلى ذلك جمع منهم الشهيدان. و (فيه): أنّه لا ريب في تحقق القصد إلى الصوم، و الرمضانية ذاتية لا تحتاج إلى القصد- كما تقدم- فيقع قصد الغير لغوا في مقابل الأمر الذاتي، إذ لا وجه لتقديم الأمر العرضيّ على الذاتيّ، مضافا إلى شمول إطلاق ما تقدم من خبري سماعة و الزهري للمقام أيضا، بعد حمل الشك و عدم العلم فيهما على الغالب المتعارف، فلا وجه معهما للتمسك بالأصل. و لذا ذهب جمع- منهم المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة- إلى الصحة، فالجزم بعدم الإجزاء مشكل، بل ممنوع.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق كلماتهم عدم الفرق فيما إذا علم أنّه من شهر رمضان، و بين ما إذا علم بعدم صحة صوم آخر فيه أو لا، بناء على حصول قصد الصوم منه في الصورة الأولى، و يأتي في [مسألة 6] التصريح به من الماتن.

(20) أرسل ذلك إرسال المسلمات في الشريعة و قطعياتها، بل و ضرورياتها، و استدل عليه أيضا بما ورد في بطلان صوم شهر رمضان في

ص: 18

ثمَّ علم بعدم الصحة، و جدد نيته قبل الزوال لم يجزه أيضا (21)، بل الأحوط عدم الإجزاء إذا كان جاهلا بعدم صحة غيره فيه، و إن لم

______________________________

السفر- كقوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1)، و قول النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «ليس من البرّ الصيام في السفر» (2).

و مرسل ابن بسام عن رجل: «كنت مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمَّ رأينا هلال شهر رمضان، فأفطر، فقلت: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم، و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال (عليه السلام): إنّ ذلك تطوّع و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض و ليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا» (3)، و مثله مرسل ابن سهل (4) هذا.

و لكن لا ربط لها بالمقام، لأنّ بطلان صوم شهر رمضان في السفر غير بطلان صوم آخر في شهر رمضان حضرا، و لا وجه للاستدلال بما يدل على الأول، لكونهما موضوعان مختلفان.

و نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) في بعض كتبه صحة الصّوم عمّا قصده في شهر رمضان. و هو غريب، مع أنّه في سائر كتابه وافق المشهور، فعدم الجواز مفروغ عنه عندهم، و يأتي في [مسألة 6] بعض ما ينفع المقام.

(21) لأصالة عدم الإجزاء، و اختصاص تجديد النية إلى قبل الزوال بمورد خاص كما يأتي في [مسألة 12]، و لكن من قال بالصحة في الفرع السابق مثل المحقق في المعتبر، و العلامة في التذكرة يلزمه القول بالصحة هنا أيضا.

ص: 19


1- سورة البقرة: 184.
2- مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب من يصح الصوم منه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب من يصح الصوم منه حديث: 5.
4- الوسائل باب: 12 من أبواب من يصح الصوم منه حديث: 4.

يقصد الغير أيضا بل قصد الصوم في الغد مثلا (22). فيعتبر في مثله تعيين كونه من رمضان. كما أنّ الأحوط في المتوخي- أي المحبوس الذي اشتبه عليه شهر رمضان و عمل بالظنّ- أيضا ذلك، أي اعتبار قصد كونه من رمضان. بل وجوب ذلك لا يخلو عن قوة (23).

مسألة 1: لا يشترط التعرض للأداء و القضاء

(مسألة 1): لا يشترط التعرض للأداء و القضاء، و لا

______________________________

(22) الظاهر الصحة في هذه الصورة، لأنّه عالم بكون الغد من شهر رمضان و المفروض أنّه قصد صوم الغد، فينطبق صومه قهرا على رمضان، و يشمله التعليل في خبر الزهري (1)، و ما ذكر من تفضل اللّه و وسعته على عباده في موثق عمار (2)، و لعل منشأ الاحتياط عدم الجزم بنية صوم رمضان، و لكن ثبت في محلّه عدم اعتبار الجزم بالنية و كفاية قصد أصل العمل خصوصا في صوم شهر رمضان الذي ورد فيه ما ورد- كما سيأتي- مما يدل على التسهيل و التيسير و التفضل.

(23) مقتضى ما دل على اعتبار الظنّ في حقّه جريان حكم العلم عليه، فيجزي قصد صوم الغد حينئذ بالنسبة إليه أيضا، فلا وجه للتفصيل بين وجود الأمارة و عدمه- كما عن بعض- لفرض اعتبار مطلق الظنّ بالنسبة إليه إلا أن يراد لزوم الظنّ الأقوى مع وجود القويّ، و لكنّه من مجرّد الدّعوى بعد اعتبار أصل ظنه كالعلم. كما لا وجه لاعتبار وجوب التعيين بالنسبة إليه مطلقا، إذ لا دليل عليه بعد فرض اعتبار ظنه.

إلا أن يقال: إنّ اعتبار الظنّ إنّما هو بالنسبة إلى أصل الصوم لا سائر الخصوصيات. و هو مشكل، بل ممنوع، لأنّه إذا كان معتبرا بالنسبة إلى أصله يكون معتبرا بالنسبة إلى خصوصياته بالأولى، و يأتي في [مسألة 9] من (فصل ثبوت الهلال) بعض ما ينفع المقام.

ص: 20


1- الوسائل باب: 5 من أبواب نية الصوم حديث 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب نية الصوم حديث 8.

الوجوب و الندب، و لا سائر الأوصاف الشخصية (24)، بل لو نوى شيئا منها في محل الآخر صح (25)، إلا إذا كان منافيا للتعيين (26).

مثلا: إذا تعلق به الأمر الأدائي فتخيل كونه قضائيا فإن قصد الأمر الفعلي المتعلق به و اشتبه في التطبيق فقصده قضاء صح (27). و أما إذا لم يقصد الأمر الفعليّ، بل قصد الأمر القضائيّ بطل، لأنّه مناف للتعيين (28) حينئذ.

______________________________

(24) و ذلك كله لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة. نعم، لو كان بعض ذلك طريقا لتعيين المأمور به وجب قصده حينئذ من هذه الجهة.

و يمكن أن يجعل النزاع لفظيا، فمن قال بوجوب قصد الأداء أو القضاء أراد ذلك فيما إذا توقف التعيين عليه. و من قال بعدم وجوبه أراد ما إذا لم يتوقف التعيين عليه مع أنّ القضاء- إذا لم يكن عليه واجب آخر- انطباقيّ قهريّ لا أن يكون قصديا، و كذا الأداء من الأمور الانطباقية لا القصدية، لأنّ فعل الشي ء في وقته أداء، قصد أم لا.

(25) لأصالة عدم المانعية بعد تحقق القصد إلى أصل المأمور به، و يصح التمسك بالإطلاقات أيضا.

(26) فيبطل العمل حينئذ من حيث عدم التعيين لا من حيث قصد الخلاف.

(27) لوجود المقتضي و فقد المانع، أما الأول: فلتحقق القصد إلى الأمر الفعلي المتعلق بالمأمور به و تحقق التعيين الإجمالي. و أما الثاني:

فلأصالة عدم المانعية، بل و الإطلاقات أيضا.

(28) مراده (قدّس سرّه) بمنافاة التعيين عدم قصد الأمر، لأنّ من لم يقصد الأمر لا يتحقق منه قصد التعيين لا محالة، فالعمل باطل من جهة عدم قصد الأمر و يتبعه عدم قصد التعيين أيضا، فيصح انتساب بطلان العمل إليه أيضا ثانيا و بالعرض، و يشهد لما قلناه قوله (رحمه اللّه) فيما بعد:

ص: 21

و كذا يبطل إذا كان مغيّرا للنوع، كما إذا قصد الأمر الفعليّ لكن بقيد كونه قضائيا مثلا، أو بقيد كونه وجوبيا مثلا فبان كونه أدائيا أو كونه ندبيا، فإنّه حينئذ مغيّر للنوع، و يرجع إلى عدم قصد الأمر الخاص.

مسألة 2: إذا قصد صوم اليوم الأول من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا، أو العكس، صح

(مسألة 2): إذا قصد صوم اليوم الأول من شهر رمضان فبان أنّه اليوم الثاني مثلا، أو العكس، صح و كذا لو قصد اليوم الأول من صوم الكفارة أو غيرها فبان الثاني- مثلا- أو العكس، و كذا إذا قصد قضاء رمضان السنة الحالية فبان أنّه قضاء رمضان السنة السابقة و بالعكس (29).

مسألة 3: لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل

(مسألة 3): لا يجب العلم بالمفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عن أمور يعلم دخول جميع المفطرات فيها كفى (30).

مسألة 4: لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات

(مسألة 4): لو نوى الإمساك عن جميع المفطرات، و لكن تخيل أنّ المفطر الفلاني ليس بمفطر، فإن ارتكبه في ذلك اليوم بطل

______________________________

«و يرجع إلى عدم الأمر الخاص» و منه يظهر حكم باقي الفروع، فلا يحتاج إلى الإعادة، ففي مورد الخطإ في التطبيق تحقق قصد الأمر الفعلي وجدانا، و في مورد التقييد الحقيقي لم يتحقق قصد التكليف الفعلي كذلك.

(29) كل ذلك لتحقق القصد إلى المأمور به و تعينه القصدي الإجمالي، و أصالة عدم مانعية قصد الخلاف بعد تحقق القصد إلى الأمر الفعلي.

(30) إذ لا موضوعية للعلم بالمفطرات و إنّما هو طريقيّ إلى تحقق قصد الصوم و الإمساك عنها، فلو تحقق قصد الصوم مع الإمساك المعهود يتحقق الصوم المأمور به لا محالة، و كذا الكلام في منافيات سائر العبادات من الصلاة و غيرها، و المناط كله تحقق الترك واقعا و العلم طريق محض، و قد تقدم في [مسألة 27] من مسائل التقليد ما ينفع المقام.

ص: 22

صومه (31). و كذا إن لم يرتكبه (32) و لكنه لاحظ في نيته الإمساك عما عداه. و أما إن لم يلاحظ ذلك صح صومه في الأقوى (33).

مسألة 5: النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة

(مسألة 5): النائب عن الغير لا يكفيه قصد الصوم بدون نية النيابة (34) و إن كان متحدا. نعم، لو علم باشتغال ذمته بصوم، و لا يعلم أنّه له أو نيابة عن الغير، يكفيه أن يقصد ما في الذمة (35).

مسألة 6: لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره

(مسألة 6): لا يصلح شهر رمضان لصوم غيره (36) واجبا

______________________________

(31) لإتيانه بالمفطر الواقعيّ، فيشمله أدلة مفطريته.

(32) إن كان البطلان لأجل عدم قصد الصوم، فهو خلاف الوجدان، و إن كان لأجل التشريع فهو ممنوع صغرى و كبرى. أما الأول، فلتوقفه على العلم و العمد و المفروض عدمهما، و أما الأخير فلا دليل عليه إذا طابق العمل مع الواقع كما ثبت في الأصول. نعم، لو لم يتحقق القصد إلى الصوم المعهود في الشريعة يتعيّن البطلان من جهة عدم القصد و هو موافق للقاعدة.

(33) لوجود المقتضي- و هو تحقق القصد إلى الصوم الشرعي- و فقد المانع، للإطلاقات، و أصالة عدم مانعية ما تخيله.

فرع:- لو لم يكن شي ء مفطرا و نوى في صومه الإمساك عنه، فإن كان ذلك بعنوان التقييد بطل صومه، لفقد قصد الصوم الشرعيّ و إلا فلا، و يأتي في بطلان صوم الصمت نظير ذلك.

(34) لأنّه لا بد في النيابة من إضافة العمل إلى المنوب عنه و لو إجمالا و لا تتحقق الإضافة إلا بقصد النيابة، أو تنزيل نفسه منزلة نفس المنوب عنه، أو عمله منزلة عمله و كل ذلك مصحح النيابة و لو بنحو الإجمال و الارتكاز.

(35) لتحقق القصد الإجمالي إلى النيابة لو كان عن الغير مع التفاته إلى هذه الجهة إجمالا، و هذا المقدار يكفي، إذ مقتضى الأصل و الإطلاق عدم اعتبار الأزيد منه.

(36) هذه المسألة مكرّرة تقدم ما يتعلق بها عند قوله (رحمه اللّه):

ص: 23

كان ذلك الغير أو ندبا- سواء كان مكلفا بصومه أم لا كالمسافر و نحوه، فلو نوى صوم غيره لم يقع عن ذلك الغير سواء كان عالما بأنّه رمضان أم جاهلا، و سواء كان عالما بعدم وقوع غيره فيه أم جاهلا. و لا يجزئ عن رمضان أيضا إذا كان مكلفا به مع العلم و العمد. نعم، يجزي عنه مع الجهل أو النسيان- كما مرّ- و لو نوى في شهر رمضان قضاء رمضان الماضي أيضا لم يصح قضاء، و لم يجز عن رمضان أيضا مع العلم و العمد.

مسألة 7: إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نية الصوم بدون تعيين أنّه للنذر

(مسألة 7): إذا نذر صوم يوم بعينه لا تجزيه نية الصوم بدون تعيين أنّه للنذر، و لو إجمالا، كما مرّ (37) و لو نوى غيره، فإن كان مع الغفلة عن النذر صح (38)، و إن كان مع العلم و العمد ففي صحته إشكال (39).

______________________________

«و أما في شهر رمضان، فيكفي قصد الصّوم. و إن لم ينو كونه من رمضان» فراجع.

(37) عند قوله (رحمه اللّه): «و يعتبر فيما عدى شهر رمضان حتى الواجب المعيّن أيضا» و ذلك لأنّ عنوان المأمور به قصديّ لا بد من تحقق القصد إليه، كما أنّ عنوان النذر أيضا كذلك، فلا يتحقق بدون القصد و لو إجمالا، و التعيين العرضيّ بالنذر لا يوجب عدم صلاحية ذات الزمان، لعدم صحة صوم غير المنذور فيه، لأنّ ما يوجب ذلك إنّما هو التعيين الذاتيّ لا العرضيّ.

(38) لصلاحية ذات الزمان لمطلق الصّوم، و الأمر النذريّ إنّما يكون مانعا مع فعليته و لا يكون فعليا مع الغفلة، بل يأتي الإشكال في عدم المانعية مع الفعلية أيضا.

(39) إن كان وجه الإشكال أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه، فتفسد إن كان عبادة، فقد ثبت في محله عدم الاقتضاء.

ص: 24

مسألة 8: لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها و قضاء رمضان السنة الماضية

(مسألة 8): لو كان عليه قضاء رمضان السنة التي هو فيها و قضاء رمضان السنة الماضية، لا يجب عليه تعيين أنّه من أيّ منهما (40)، بل يكفيه نية الصوم قضاء. و كذا إذا كان عليه نذران كل واحد يوم أو أزيد. و كذا إذا كان عليه كفارتان غير مختلفتين في الآثار (41).

______________________________

و إن كان لأجل أنّه ينطبق على هذا الصوم عنوان تفويت الواجب و هو مبغوض ففيه أولا: أنّ الواجب كان هو الصوم و قد أتى به، و مخالفة النذر إنّما توجب الكفارة. و ثانيا: أنّ تفويت الواجب ليس إلا عبارة أخرى عن مسألة الضد، فلا وجه لجعله دليلا آخر.

و إن كان لأجل تعلق الحق بالمنذور، فيكون تصرفا في حق اللّه تعالى بغير إذنه، فيوجب البطلان، فقد تقدم دفعه في [مسألة 1] من أول (فصل الجماعة) فيما إذا نذر الإتيان بالصّلاة جماعة و خالف و أتى بها منفردة، فأفتى (رحمه اللّه) هناك بصحة الصّلاة و أشكل هنا، مع أنّه لا فارق بين المقامين فراجع و تأمل.

مع أنّ أصل ثبوت الحق محل البحث، و على فرضه فالتصرف في مثل هذا الحق هل يوجب البطلان أو لا؟ محل البحث أيضا.

(40) لأنّ النوع واحد، و لا تمييز بين أفراده من حيث النوعية و إن تميّزت من حيث الخصوصيات الفردية، و الأمر إنّما تعلق بذات النوع لا الخصوصيات الفردية فلا موجب لتعيين الخصوصية، لقاعدة أنّ ما لا يتعيّن في الأمر لا يتعيّن في القصد أيضا، فيكون التعيين النوعيّ خارجا يغني عن تعينه قصدا ما لم يكن اختلاف مؤثر في البين فلا بد من التعيين القصدي حينئذ كما يأتي.

(41) لتحقق التمييز بين مورد الأمرين حينئذ واقعا، و كل ما تحقق التمييز في مورد الأمرين أو الأوامر يستلزم ذلك التمييز القصديّ، لوقوع

ص: 25

مسألة 9: إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، و نذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن

(مسألة 9): إذا نذر صوم يوم خميس معيّن، و نذر صوم يوم معيّن من شهر معيّن، فاتفق في ذلك الخميس المعيّن يكفيه صومه، و يسقط النذران (42) فإن قصدهما أثيب عليهما (43) و إن قصد أحدهما أثيب عليه، و سقط عنه الآخر (44).

______________________________

الخصوصية حينئذ في الخطاب، و كلّ ما كان كذلك لا بد و أن يلحظ في القصد أيضا.

(42) لأنّ الموضوع لا يقبل إلا التداخل القهريّ الذي يعترف به كلّ عاقل بعد الالتفات إليه.

(43) لأنّ الأمر النذري طريق إلى ما هو العبادة بالذات، فتنحل العبادية حسب تعدّد الطرق إليها، فلكلّ منهما حصة من الثواب المنبعثة عن الذات العبادي.

(44) أما الإثابة على المقصود، فلتحقق القصد إليه. و أما سقوط الآخر، فلتحقق الوفاء قهرا و يلزمه سقوط الكفارة و القضاء إن كان له قضاء.

و هل يجب قصدهما تحصيلا للوفاء الواجب؟ وجهان: مقتضى الأصل و الإطلاق العدم بعد صدق الوفاء بهذا النحو من الإتيان، بل الظاهر أنّ قصد أحدهما قصد للآخر إجمالا مع الالتفات إليه، و يجزي هذا القصد الإجماليّ، لأصالة البراءة عن اعتبار أزيد منه، فيثاب عليهما معا حينئذ، بل يمكن أن يقال بالإجزاء و لو مع عدم الالتفات، لأنّ قصد أحد المتلازمين قصد للآخر واقعا بنحو الإجمال و إن لم يكن متوجها إليه فعلا- كما في القصد إلى المركب من الأجزاء- فمن قصد صلاة الظهر و غفل عن أنّها أربع ركعات و لم يقصدها يكون قصده لصلاة الظهر قصد لأربع ركعات لا محالة في حاق الواقع، و لا فرق فيه بين وحدة المأمور به و تعدده بعد وحدة المتعلق و التداخل القهري، فيسقط القضاء و الكفارة عن غير المنويّ أيضا مطلقا إلا إذا كان عدم القصد إليه عن تعمد تفصيليّ به. و يجري هذا الكلام بعينه في المسألة الثانية.

و أما ما يقال: من أنّه إن كان العنوان المأخوذ من كل واحد من النذرين

ص: 26

مسألة 10: إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا

(مسألة 10): إذا نذر صوم يوم معيّن، فاتفق ذلك اليوم في أيّام البيض مثلا، فإن قصد وفاء النذر و صوم أيّام البيض أثيب عليهما، و إن قصد النذر فقط أثيب عليه فقط، و سقط الآخر (45).

و لا يجوز أن يقصد أيّام البيض دون وفاء النذر (46).

مسألة 11: إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب

(مسألة 11): إذا تعدّد في يوم واحد جهات من الوجوب أو جهات من الاستحباب، أو من الأمرين فقصد الجميع، أثيب على الجميع (47). و إن قصد البعض دون البعض أثيب على المنويّ، و سقط الأمر بالنسبة إلى البقية (48).

______________________________

مرآة للزمان المعيّن كان النذر الأول صحيحا و الثاني لغوا و باطلا (فمخدوش)، لما يأتي في محلّه من صحة نذر الواجب مطلقا.

ثمَّ إنّه لا ريب في ترتب الكفارة على صدق حنث النذر عرفا و هو إما خارجيّ بأن يترك المنذور رأسا، أو قصديّ بأن يمكنه الامتثال شرعا و لو بقصد النذر الثاني بعنوان التداخل و لم يمتثل. إلا أن يقال: بأنّ المنساق من الكفارة المترتبة على الحنث إنّما هو الحنث الخارجيّ لا القصديّ مع عدم تحقق الحنث خارجا.

(45) لما تقدم في المسألة السابقة، فلا وجه للإعادة.

(46) لحرمة مخالفة النذر اختيارا و لكن تقدم في المسألة السابقة أنّ قصد الصّوم في اليوم المعيّن مع الالتفات إلى النذر مستلزم لقصد صوم النذر أيضا إجمالا و هو يكفي، بل و يجزي مع الغفلة عنه بحيث لو التفت لكان قاصدا، و ذلك لكفاية مجرد الداعي الارتكازي على ما مرّ في نية الوضوء، و الغسل، و الصلاة. نعم، مع الالتفات التفصيلي إن قصد العدم فلا يجزي.

(47) لوجود المقتضي و هو قصد الامتثال و فقد المانع، فلا بد و أن يؤثر المقتضي أثره.

(48) أما سقوط الأمر بالنسبة إلى البقية، فلعدم بقاء الموضوع لها بعد

ص: 27

مسألة 12: آخر وقت النية في الواجب المعيّن- رمضانا كان أو غيره- عند طلوع الفجر الصادق

(مسألة 12): آخر وقت النية في الواجب المعيّن- رمضانا كان أو غيره- عند طلوع الفجر الصادق (49) و يجوز التقديم في أيّ جزء

______________________________

كون الصوم مختصا بوقت خاص و عدم كونه موسعا كما هو المفروض فالسقوط قهريّ لا محالة. و أما الإثابة بالنسبة إلى المنويّ فلا ريب فيه لوجود المقتضي و فقد المانع- كما مرّ- و أما عدم الإثابة على غير المنويّ فهو مبنيّ على ما نسب إلى المشهور، من اختصاصها بما إذا قصد الامتثال فقط.

و فيه: بحث تعرضنا له في الأصول و أثبتنا أنّ الثواب أعمّ من قصد الامتثال، و كما أنّ تفضله تعالى يقتضي الإثابة على مطلق فعل الحسن قصد التقرب إليه تعالى أم لا، فكيف بما إذا قصد التقرب به إليه تعالى من بعض جهاته و لوازمه كما في المقام، و قد أثبتنا ذلك بالآيات و الروايات، كما تقدم مرارا.

(49) للإجماع، و لاعتبار تحقق المأمور به بتمامه عن داعوية الأمر، و إضافته من بدية إلى ختامه إلى المولى و لا تثبت الداعوية و الإضافة كذلك إلا بسبق النية رتبة على المأمور به. و منه يظهر أنّ في التعبير بالوقت مسامحة واضحة، لأنّ تقدم النية و الدّاعي على المنويّ رتبيّ لا زمانيّ، و لكن هذا إنّما يصح في الأعمال الخارجية المتدرجة الوجود بحسب ذاتها- كالصلاة، و العمرة، و الحج، و نحوها- و أما البسيط الذي لا تركب فيه، و إنّما التركب و التدرج في زمان وقوعه لا في نفسه- كالصوم الذي هو إمساك خاص بسيط في زمان محدود- يصح إضافته إلى المولى و تحقق داعوية أمره من أول زمانه، أو وسطه، أو آخره، إذ البسيط لا أول له و لا آخر و لا وسط له إلا باعتبار متعلقه، فالإمساك المضاف إلى المولى يصح إضافته إليه سواء حصلت الإضافة قبل الفجر، أم أول الظهر، أو قبيل الغروب كما في الصوم المندوب.

و ما يقال: إنّه لا ريب في كون الصّوم متقوّما بالقربة، فلا بد و أن يكون من حين صدوره كذلك و هو أول السحر مدفوع: بأنّ نسبة الزمان إلى الصوم

ص: 28

.....

______________________________

كنسبته إلى سائر الأمور في كونه ظرفا محضا، فله إضافة إلى الصّائم، و إضافة إلى الزمان الواقع فيه، و من جهة الإضافة الأولى يكون تحت اختيار الصائم و استيلائه، فله أن يضيفه إلى المولى بأيّ نحو أمكنه من أول زمانه، أو وسطه، أو آخره، و يكفي في تحقق العنوان الخاص البسيط المعبّر عنه بالصوم.

إن قلت: نعم، و لكن ترك المفطرات لا بد و أن يكون عن النية و أول زمان وجوبه أول الفجر، فلا بد من كون النية أول الفجر لهذه الجهة.

قلت: لا يعتبر القصد و القربة في نفس الترك من حيث هو، و إنّما يعتبران في العنوان الخاص الحاصل منهما، فلو حصلت التروك لعدم القدرة عليها من فقد المقتضي أو وجود المانع و حصلت القربة في العنوان الخاص المعبّر عنه بالصوم صح و كفي، لأنّ صحة التفكيك بين التروك و الصوم قرينة على عدم كون أحدهما عين الآخر، فيكون الصوم العنوان البسيط الخاص الحاصل عن التروك، فتكون النية و القربة معتبرة في عنوان التروك لا نفسها، و هذا العنوان كعنوان البيع و نحوه في صحة كون رضا المالك سابقا عليه، أو مقارنا معه، أو لاحقا له.

و يشهد لما قلناه ما ورد في الصوم المندوب من جواز وقوع نيته قبل الغروب اختيارا (1). و دعوى: كون الصوم المندوب غير الصوم الواجب حقيقة. مخالف لظواهر الأدلة، و مرتكزات المتشرعة.

و لذا نسب إلى ابن الجنيد اشتراك الصوم الواجب مع المندوب في صحة وقوع نيته قبل الغروب اختيارا، و نسب إلى السيد جوازه إلى الزوال كذلك، فمقتضى الأصل صحة الصوم بعد صدق صدوره عن داع قربيّ بلا فرق فيه بين كونه في أول زمانه، أو وسطه، أو آخره. هذا بحسب مقام الثبوت، و أصالة البراءة عن زوائد القيود، و لا فرق فيه بين كون الصوم وجوديا أو عدميا، لأنّه على الثاني من عدم الملكة التي أثبتنا في الحكمة أنّ له حظ من الوجود، مع أنّ

ص: 29


1- راجع الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7 و باب: 3 منه.

من أجزاء ليلة اليوم الذي يريد صومه (50)، و مع النسيان أو الجهل

______________________________

كونه عدميا خلاف مرتكزات المتشرعة، بل العرف و اللغة. هذا.

و لكن ادعي الإجماع على اعتبار مقارنة النية لأول طلوع الفجر الصادق، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة خلفا عن سلف حيث لا يفرّقون بينه و بين مثل الصلاة و العمرة و الحج، و لا يفرّقون بينهما من هذه الجهة.

و يمكن الخدشة في الإجماع بأنه اجتهاديّ، و في السيرة بأنّها احتياطية و حصلت عن متابعة أقوال الفقهاء.

و عن ابن أبي عقيل اعتبار كون نيّة الصّوم في الليل، فإن كان مراده كفاية الدّاعي مع بقائه إجمالا في النفس إلى الفجر، أو كونه من باب المقدمة، لتعسر المقارنة الحقيقية مع أول الفجر، فلا إشكال و لا خلاف فيه. و أما إن كان ذلك لأجل قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لا صيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل» (1)، فهو مضافا إلى قصور سنده قاصر من حيث دلالته أيضا لكثرة استعمال مثله في نفي الكمال دون الصحة، مع احتمال أن يكون المراد منه نفي صحة النية في اليوم لا اعتبار كونها في الليل.

ثمَّ إنّ هذا البحث ساقط من أصله بناء على كفاية الدّاعي كما هو الحق، لأنّ كل مسلم يكون له الدّاعي لأن يصوم شهر رمضان من أول بلوغه، و كذا فيما هو واجب معيّن عليه. فحق القول حينئذ أن يقال: إنّ قصد العدم مانع لا أن تكون المقارنة شرطا.

(50) للإجماع، و أصالة عدم تقييد النية بوقت خاص بعد صدق صدور الصوم عنها، مع أنّ هذا البحث ساقط بناء على أنّها الدّاعي، بل و كذا بناء على الإخطار أيضا لبقاء الإخطار إجمالا في النفس مع البناء على الصوم و هو يكفي إذ لا دليل على الاستحضار التفصيليّ بل الأصل و الإطلاق ينفيه.

ص: 30


1- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1 و ملحقة.

بكونه رمضان أو المعيّن الآخر، يجوز متى تذكر إلى ما قبل الزوال (51) إذا لم يأت بمفطر (52)،

______________________________

(51) لحديث الرفع (1) بناء على شموله لإسقاط القضاء و تنزيل الناقص منزلة التام كما هو كذلك، لكونه من أهمّ الامتنانيات على الأمة و لا ريب أنّ الامتنان يقتضي التوسعة مطلقا إلا مع الدليل على الخلاف، و لسهولة الشريعة- مضافا إلى الإجماع- مع أنّ عمدة الدليل على اعتبار المقارنة ظهور الإجماع، و المتيقن منه صورة العمد و الالتفات، و تقدم أنّ مقتضى الأصل عدم اعتبار المقارنة، و يدل عليه أيضا الحديث المشهور: «إنّ ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي، فشهد برؤية الهلال فأمر (صلّى اللّه عليه و آله) مناديا ينادي من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك» (2) بعد إلقاء خصوصية مورده، فيشمل مطلق العذر.

و الإشكال عليه: بأنّه لا وجه للاعتماد على شهادة رجل واحد في ثبوت الهلال مدفوع بأنّه يمكن حصول القطع الظاهري له (صلّى اللّه عليه و آله) من سائر الجهات، فحكم بقطعه (صلّى اللّه عليه و آله) لا بقول الأعرابي.

و يشهد للمقام ما يأتي من إجزاء النية في الواجب غير المعيّن اختيارا إلى الزوال، بل و يشهد له أيضا ما جعلناه مطابقا للقاعدة من كون ذات الصوم بسيطا و تتعلق به النية كيف ما تعلقت به إلا مع الدليل على الخلاف.

ثمَّ إنّ مقتضى إطلاق الكلمات عدم الفرق بين النسيان و الجهل بالنسبة إلى الموضوع أو الحكم إن كان الجهل لعذر، و لا في المعيّن بين كونه رمضانا أو نذرا معينا، أو مضيقا أداء كان أو قضاء.

(52) لأنّه لا أثر للنية مع تناول المفطر، و لا دليل على الصحة معه كما

ص: 31


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
2- لاحظ المبسوط للسرخسي ج: 3 صفحة: 62 و في المعتبر: مسألة وقت النية في الصوم.

و أجزأه عن ذلك اليوم (53)، و لا يجزيه إذا تذكر بعد الزوال (54). و أما في الواجب الغير المعيّن فيمتد وقتها اختيارا من أول الليل إلى الزوال (55)

______________________________

ورد في تناوله نسيانا، لأنّ إطلاق مفطرية المفطرات محكمة بعد عدم الدليل على الخلاف.

(53) لأنّه لا معنى لتنزيل الناقص منزلة التمام إلا ذلك، و يشهد له ما يأتي في الواجب غير المعيّن.

(54) أرسل ذلك إرسال المسلّمات، و ظاهرهم الإجماع عليه، و استدل عليه أيضا بأصالة الإجزاء إلا في مورد الدليل. و فيه ما تقدم سابقا من أصالة عدم تقييد النية في الصوم بوقت خاص إلا ما دل الدليل عليه، فإن تمَّ إجماع فهو و إلا فيجزي إلى قبل الغروب، و طريق الاحتياط أن يتمه مع النية رجاء ثمَّ يقضيه.

(55) للنصوص، و الإجماع، ففي صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام): «في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، و لم يكن نوى ذلك من الليل، قال: نعم، ليصمه و ليعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا» (1).

و في موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصّيام؟ قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر»(2)إلى غير ذلك من النصوص، و الظاهر أنّ ذكر قضاء شهر رمضان في بعضها من باب الغالب و المثال، فيشمل كلّ صوم غير معيّن، مضافا إلى الإجماع على عدم الفرق بين أقسام غير المعيّن.

ص: 32


1- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.

دون ما بعده على الأصح (56). و لا فرق في ذلك بين سبق التردد، أو العزم على العدم (57). و أما في المندوب فيمتد إلى أن يبقى من الغروب زمان يمكن تجديدها فيه على الأقوى (58).

______________________________

(56) للإجماع المدّعى عليه، و يدل عليه ما تقدم من موثق عمار بضميمة عدم الفصل بين قضاء شهر رمضان و غيره من الصّيام الواجب.

و عن ابن الجنيد جواز التأخير إلى ما بعد الزوال أيضا اختيارا، للأصل المتقدم ذكره، و لإطلاق بعض الأخبار، و صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما و كان عليه يوم من شهر رمضان إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامة النّهار؟ فقال: نعم، له أن يصومه و يعتد به من شهر رمضان» (1) و صحيح ابن سالم عنه (عليه السلام): أيضا قال: «قلت له: الرجل يصبح و لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم، فقال: إن هو نوى الصّوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى» (2).

و فيه: أنّ الإطلاق مقيّد بما تقدم من موثق ابن عمار، و معه لا مجال للأصل أيضا، و الأخبار موهونة بالإعراض، مع أنّ عامة النّهار يصدق بالزوال، مضافا إلى قصور سنده كما أنّه يراد من النية بعد الزوال- في الصحيح الأخير- الصوم المندوب يعني يصح أن يكون الصوم واجبا إن نوى قبل الزوال، و أن يكون مندوبا إن نواه بعده. هذا و لو لم تكن هذه الأخبار موهونة بالإعراض لحملنا الطائفة الأولى من الأخبار على الأفضلية، لأنّه الجمع الشائع في الفقه في نظائر هذه الأخبار.

(57) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(58) لجملة من الأخبار، و إجماع السرائر و الانتصار، ففي خبر

ص: 33


1- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 8.

مسألة 13: لو نوى الصوم ليلا ثمَّ نوى الإفطار

(مسألة 13): لو نوى الصوم ليلا ثمَّ نوى الإفطار ثمَّ بدا له الصوم قبل الزوال فنوى و صام قبل أن يأتي بمفطر صح على

______________________________

محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال علي (عليه السلام):

إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثمَّ ذكر الصّيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام، و إن شاء أفطر» (1)، و في موثق أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصّائم المتطوّع تعرض له الحاجة قال: هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و إن مكث حتى العصر ثمَّ بدا له أن يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء» (2)، و عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء و إلا صمت، فإن كان عندهم شي ء أتوه به و إلا صام» (3). و إطلاق الجميع يشمل قبيل الغروب أيضا.

و عن جمع، بل نسب إلى الأكثر عدم الإجزاء، للأصل، و خبر ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يجنب ثمَّ ينام حتى يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و نصف النهار» (4).

و فيه: أنّ الأصل لا أصل له لما مرّ، و الخبر محمول إما على الصّوم الواجب، أو على مطلق الفضيلة جمعا.

فرع: إطلاق ما دل من الأخبار على امتداد النية- في الواجب غير المعيّن أو المندوب- يشمل ما إذا فقد المكلف بعض شرائط وجوب الصوم أو صحته قبل النية، و لكنه يحتاج إلى التأمل، لصحة دعوى عدم كونها واردة

ص: 34


1- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

الأقوى (59)، إلا أن يفسد صومه برياء و نحوه، فإنه لا يجزئه لو أراد التجديد قبل الزوال على الأحوط (60).

______________________________

مورد البيان من هذه الجهة.

(59) لأنّ الزمان الذي لا يضرّ فيه فقد أصل النية كيف يضرّ فيه نية الإفطار، فإنّ نية الإفطار إنّما تضرّ لملازمتها مع فقدان استمرار النية، فإذا لم يعتبر أصل وجودها إلى الزوال لا موضوع لاعتبار الاستمرار و هذا هو المشهور بين الفقهاء أيضا.

(60) الرياء في الصوم يتصوّر على وجوه: الأول: أن ينوي في ترك بعض المفطرات الرياء مع تحقق القربة في عنوان الصوم الذي هو عنوان بسيط قائم بترك المفطرات و لا يوجب ذلك البطلان، لأنّ ترك المفطرات ليس قصديا التفاتيا عباديا حتّى يضرّه الرياء، فيكون من هذه الجهة نظير تروك الإحرام، فلو نوى الإحرام قربة إلى اللّه تعالى و ترك بعض تروك الإحرام أو جميعها رياء يصح إحرامه و لا شي ء عليه، و إن كان الأحوط خلافه.

الثاني: أن ينوي صوما واجبا معيّنا جامعا للشرائط ثمَّ رأيي فيه بعد الفجر و لا ريب في بطلان هذا الصّوم، لفقد استمرار النية و لو لم نقل بأنّ نفس الرياء من حيث هو مبطل للعبادة، لجملة من الإطلاقات الظاهرة فيه و إلا فالأمر في البطلان أوضح، إذ يكون حينئذ كتناول المفطر عمدا.

الثالث: عين الصورة المتقدّمة مع كون الصّوم واجبا غير معيّن، أو مندوبا، فإن قلنا: بأنّ الرياء، مبطل مطلقا يبطل و لا ينفع تجديد النية إلى قبل الزوال في الواجب غير المعيّن، و إلى قبيل الغروب في المندوب، لأنّ امتداد وقت النية إنّما هو فيما إذا لم يبطل أصل الصوم، و المفروض بطلانه بالرياء.

و إن قلنا: بأنّه غير مبطل بذاته يدخل حينئذ في كبرى فقد استمرار النية، فلا يضرّ في الواجب غير المعيّن إلى الزوال، و في المندوب إلى قبل

ص: 35

مسألة 14: إذا نوى الصوم ليلا لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر

(مسألة 14): إذا نوى الصوم ليلا لا يضرّه الإتيان بالمفطر بعده قبل الفجر، مع بقاء العزم على الصوم (61).

مسألة 15: يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نية على حدة

(مسألة 15): يجوز في شهر رمضان أن ينوي لكل يوم نية على حدة (62). و الأولى: أن ينوي صوم الشهر جملة و يجدّد النية

______________________________

الغروب، فلو جدّد في الأول إلى ما قبل الزوال، و في الثاني إلى ما قبل الغروب يصح صومه و لا شي ء عليه.

و يمكن استظهار هذا الوجه، لأنّ الرياء يوجب البطلان فيما لم يكن للشارع الأقدس توسعة فيه لترك نية العبادة، و مع هذه التوسعة كيف يضيق ذلك مع تحقق أصل النية بتجديدها في وقت أمضاه الشارع.

الرابع: أن يكون أصل النية حين حدوثها ريائيا و هو يوجب البطلان في الواجب المعيّن من حيث فقد النية، و في الواجب غير المعيّن يمكن القول بصحة التجديد إلى الزوال، و في المندوب إلى قبل الغروب.

و لكن الأحوط في جميع موارد تدخل الرياء بأيّ نحو أمكن هو الاستيناف، لكثرة ما ورد في التحرز (1) عن الرياء المستفاد منها: أنّ نسبتها إلى العبادات نسبة الحدث إلى الصلاة، و نسبة الشرك إلى الإيمان، أعاذنا اللّه تعالى و جميع المسلمين منها.

(61) لتحقق النية إلى الصوم من أول الفجر الذي هو زمان الصوم، فلا وجه لبطلانه من هذه الجهة، لأنّ الليل خارج عن مورد النية موضوعا و حكما. و نسب إلى البيان البطلان، و يمكن حمله على ما إذا كان ذلك مخلا بالنية المقارنة للفجر و إلا فبطلانه واضح.

(62) للأصل، و السيرة، و ظهور الإجماع، و ظهور الأدلة في أنّ كلّ

ص: 36


1- الوسائل باب: 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات.

لكل يوم (63). و يقوى الاجتزاء بنية واحدة للشهر كله (64). لكن لا يترك الاحتياط بتجديدها لكل يوم (65).

و أما في غير شهر رمضان من الصوم المعيّن فلا بد من نيته لكل يوم إذا كان عليه أيام، كشهر أو أقل أو أكثر (66).

______________________________

يوم من الأيام عبادة مستقلة و ليست كأجزاء عبادة واحدة حتّى يحتاج تمام الشهر إلى نية مستقلة.

(63) جمعا بين احتمال كونه عبادة واحدة و كونه عبادات مستقلة و إن كان لا دليل على الأول من عقل أو نقل.

(64) لأنّ النية إن كانت عبارة عن مجرّد الدّاعي، فلا ريب في صدور صوم كلّ يوم عنه وجدانا، و مقتضى الأصل عدم اعتبار الأزيد منه مضافا إلى دعوى الإجماع من السيدين و الشيخ (رحمهم اللّه) على الاجتزاء.

و إن كانت عبارة عن الإخطار، فالظاهر وجوده بنحو الإجمال و الارتكاز في نفوس الصائمين و الصائمات، و لا دليل على اعتبار الأزيد منه، بل أصالة البراءة تنفيه. نعم، لو كانت عبارة عن الإخطار الالتفاتيّ التفصيليّ عند فجر كلّ يوم لما صح الاجتزاء بنية واحدة للشهر كلّه إن كان منافيا للإخطار الالتفاتيّ التفصيليّ، و لكنّه لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل عدم اعتباره، و كذا مقتضى سهولة الشريعة المقدسة في هذا الأمر العام البلوى.

(65) لما نسب ذلك إلى المشهور بناء على ما ذهبوا إليه من أنّ النية هو الإخطار التفصيليّ و لا دليل لهم على ذلك كما ثبت في محلّه و لكن الاحتياط حسن في كلّ حال.

(66) مقتضى القاعدة عدم الفرق بين صوم شهر رمضان و سائر الصّيام- سواء كانت النية مجرّد الدّاعي أم مجرّد الإخطار الإجماليّ الارتكازيّ، أو الإخطار الالتفاتيّ. نعم، الفرق بينهما من جهتين:

ص: 37

مسألة 16: يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان

(مسألة 16): يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يبني على أنّه من شعبان، فلا يجب صومه (67) و إن صام ينويه ندبا، أو قضاء، أو غيرهما (68). و لو بان بعد ذلك أنّه من رمضان أجزأ

______________________________

الأولى: احتمال كون شهر رمضان عبادة واحدة، و كون الأيام أجزاء حقيقية لها كجزئية الركعات للصّلاة، و لكنّه لا دليل عليه من عقل أو نقل، بل الأصل و العرف، و ظواهر الأدلة تنفيه.

الثانية: دعوى الإجماع من الدّروس، و عدم وجدان الخلاف من الجواهر على اعتبار نية خاصة لكلّ يوم في صوم غير شهر رمضان، و في اعتبار مثل هذه الإجماعات كلام، بل منع، مع أنّ أصل البحث ساقط بناء على كفاية الدّاعي على ما هو الحق، إذ الدّاعي بنفسه منبسط على الأيّام انبساط الوجوب على الأجزاء.

(67) للأصل- موضوعا و حكما- و الإجماع، و نصوصا كثيرة- و في بعضها النّهي عن صومه- ففي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):

«في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال: عليه قضاؤه و إن كان كذلك»(1)، و في خبر الأعشى: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن صوم ستة أيام: العيدين، و أيام التشريق، و اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان» (2) و هو محمول على أن يصومه على أنّه من شهر رمضان بقرينة غيره (3).

(68) للنص، و الإجماع، ففي خبر بشير النبال عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن صوم يوم الشك فقال: صمه، فإن يك من شعبان كان تطوعا، و إن يك من شهر رمضان فيوم وفقت له» (4)،

ص: 38


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 3.

عنه (69)، و وجب عليه تجديد النية إن بان في أثناء النهار، و لو كان بعد الزوال (10). و لو صامه بنية أنّه من رمضان لم يصح و إن صادف

______________________________

و نحوه غيره و ظاهره مسلّمية أصل مشروعية صومه بغير قصد شهر رمضان كما أنّ الظاهر منه أنّ ذكر شعبان من باب المثال، فيصح صومه بعنوان القضاء أو غيره، و يقتضيه الأصل أيضا.

(69) للإجماع، و النصّ، ففي خبر ابن سنان أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل صام شعبان فما كان شهر رمضان أضمر يوما من شهر رمضان، فبان أنّه من شعبان، لأنّه وقع فيه الشك، فقال: يعيد ذلك اليوم، و إن أضمر من شعبان فبان أنّه من رمضان فلا شي ء عليه» (1).

و يمكن جعله مطابقا للقاعدة: بأن يقال: إنّ نية الغير من باب الخطإ في التطبيق، فهو قاصد لصوم شهر رمضان تعليقا، و لصوم شعبان على فرض عدم كونه من رمضان بأن يلاحظ الترديد في المنويّ لا في أصل النية.

(70) أما أصل الإجزاء في الجملة، فللإجماع، و النصوص المستفيضة تقدم بعضها. و أما لزوم تجديد النية مع إحراز الخلاف، فلأصالة عدم إجزاء المنويّ عن غيره إلا في المتيقن من مورد الدليل، و هو ما إذا بان الخلاف بعد الغروب و عدم إمكان تجديد النية، و أما مع إمكانه، فلا بد من التجديد.

إن قلت: نعم، و لكن مقتضى الإطلاق عدم الاحتياج إلى تجديد النية و لو بان الخلاف في أثناء النهار (قلت): كون الإطلاق واردا مورد البيان من هذه الجهة ممنوع، فلا بد فيه من العمل بالأصول، مع أنّ الظاهر أنّ تجديد النية فيما إذا بان الخلاف في أثناء النهار قهريّ لحصول داعي الصوم من شهر رمضان حينئذ في نفس الصائمين من المسلمين قهرا، و لعله لذلك لم تتعرّض النصوص له. هذا إن قلنا بالإجزاء من جهة النصوص، و أما إن جعلنا الإجزاء

ص: 39


1- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.

الواقع (71).

______________________________

مطابقا للقاعدة كما قلناه، فلا يحتاج إلى التجديد، لظهور أنّ قصده التعليقيّ وقع في محله و صادف الواقع.

(71) على المشهور نصّا، و فتوى، ففي صحيح ابن مسلم- المتقدم- عن أبي جعفر (عليه السلام): «في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان فقال (عليه السلام): عليه قضاؤه و إن كان كذلك» (1).

الظاهر في أنّ المراد صومه بقصد كونه من شهر رمضان، و في صحيح هشام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال في يوم الشك: «من صامه قضاه و إن كان كذلك، يعني: من صامه على أنّه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه، و إن كان يوما من شهر رمضان، لأنّ السنة جاءت في صيامه على أنّه من شعبان و من خالفها كان عليه القضاء» (2)، فإنّ التفسير سواء كان من الإمام (عليه السلام)، أم من هشام ظاهر في أنّ ذلك كان معهودا في عصره (عليه السلام) بين أصحابه، و كان ذلك بمرأى منه و مسمع منه (عليه السلام) و قريب منهما غيرهما.

و نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) الصحة و الإجزاء لما ادعاه من الإجماع.

و فيه: أنّه لا اعتبار به مع ذهاب المعظم، بل المشهور إلى الخلاف، و لموثق سماعه قال: «سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري أ هو من شعبان أو من شهر رمضان فصامه من شهر رمضان قال (عليه السلام): هو يوم وفق له لا قضاء عليه» (3)، و صحيح ابن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك، فقال: هو شي ء وفق له» (4).

و فيه: أنّهما موهونان بالإعراض، مع أنّ الأول ضبط في الكافي:

ص: 40


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 5.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 5.

مسألة 17: صوم يوم الشك يتصوّر على وجوه

اشارة

(مسألة 17): صوم يوم الشك يتصوّر على وجوه:

الأول: أن يصوم على أنّه من شعبان

الأول: أن يصوم على أنّه من شعبان و هذا لا إشكال فيه (72) سواء نواه ندبا، أو بنية ما عليه من القضاء، أو النّذر، أو نحو ذلك (73) و لو انكشف بعد ذلك أنّه كان من رمضان. أجزأ عنه،

______________________________

«فصامه فكان من شهر رمضان» فيكون موافقا لأدلة المشهور، بل الثاني يمكن أن يكون من أدلتهم أيضا بجعل «من شهر رمضان» متعلقا بقوله: «يشك» لا بقوله: «يصوم».

و يمكن الجمع بين النصوص بحمل ما دل على الإجزاء و الصحة على ما إذا كان في ذهنه أنّه يصوم من رمضان على فرض كونه منه، فيكون نحو ترديد في المنويّ لا في أصل نية الصوم بحسب التكليف الواقعيّ، و لعل هذا أيضا مراد الشيخ و المجمعين على فرض صحة الإجماع.

و بالجملة: الجزم بأنّه من شهر رمضان شي ء، و قصد رمضان رجاء و تعليقا شي ء آخر، و الصحيح هو الثاني دون الأول، و يدل على ما قلناه ظاهر الأخبار، كقوله (عليه السلام): «أزيده في شهر رمضان»(1)، و قوله (عليه السلام): «ليس منا من صام قبل الرؤية للرؤية» (2) إلى غير ذلك من القرائن و الشواهد الدالة على أنّ الجزم و التجزم به في النية مانع عن الصحة و هو مطابق للقاعدة حينئذ، لعدم دليل على صحة مثل هذه النية من عقل أو نقل، بل هو نحو تعبد بالرأي لا بالشرع.

فرع: لو نوى في يوم الشك صوم شهر رمضان ثمَّ بان أنّه منه فجدّد النية، فلا يبعد الإجزاء حتّى بناء على المشهور، لصحة دعوى انصراف أدلة المنع عن شموله، و عدم كون التشريع موجبا للبطلان.

(72) للأصل، و الإجماع، و النصوص التي تقدم بعضها.

(73) لإطلاق مثل خبر سعيد الأعرج قال: «قلت لأبي

ص: 41


1- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 8.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 9.

و حسب كذلك (74).

الثاني: أن يصومه بنية أنّه من رمضان

الثاني: أن يصومه بنية أنّه من رمضان، و الأقوى بطلانه و إن صادف الواقع (75).

الثالث: أن يصومه على أنّه إن كان من شعبان كان ندبا أو قضاء مثلا

الثالث: أن يصومه على أنّه إن كان من شعبان كان ندبا أو قضاء مثلا، و إن كان من رمضان كان واجبا و الأقوى بطلانه أيضا (76).

______________________________

عبد اللّه (عليه السلام): إنّي صمت اليوم الذي يشك فيه فكان من شهر رمضان أ فأقضيه؟ قال (عليه السلام): «لا، هو يوم وفقت له» (1)، و ما ذكر فيه أنّه يصوم من شعبان أي يبني على أنّه من شعبان ثمَّ يصام فيه سواء كان الصوم ندبا بعنوان شعبان، أو بعنوان غيره، فلا تنافي بين الأخبار هذا مضافا إلى أصالة الجواز في ذلك كله.

(74) لجملة من الأخبار منها: قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر محمد بن حكيم: «إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، و إن كان من غيره، فهو بمنزلة ما مضى من الأيّام» (2)، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يقطع بكونه من شعبان ثمَّ بان الخلاف أو لم يقطع، بل كان من مجرّد الشك و الظنّ، كما لا فرق بين كون تبين الخلاف في ذلك اليوم أو بعده بأيّام.

(75) تقدم ذلك في المسألة السابقة و قلنا: إنّه لا دليل على البطلان حتى مع كون القصد رجائيا و كون الترديد في المنوي، و لو نوى الصوم من شهر رمضان جهلا ثمَّ بان أنّه شهر رمضان، فجدّد النية قبل الزوال، فالظاهر الصحة مطلقا و لو كانت النية بنحو الجزم.

(76) كما نسب إلى أكثر المتأخرين، و استدل عليه تارة: بالإجماع المنقول في التذكرة.

و أخرى: بأنّ الأدلة ظاهرة في حصر صوم يوم الشك بأن يصام من غير

ص: 42


1- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7.

.....

______________________________

شهر رمضان تعيينا و هو ينافي الترديد.

و ثالثة: بأنّه لا بد من التعيين لاختلاف الأنواع في الآثار، فيجب من هذه الجهة و الكل باطل.

أما الأول: فلعدم اعتباره.

و أما الثاني: فلعدم الظهور، و المنساق منها عرفا بعد رد بعضها إلى بعض عدم جواز صومه من شهر رمضان استقلالا كسائر أيّامه- بأن يزيد في شهر رمضان يوما- كما في بعض الأخبار المتقدمة، أو يصوم للرؤية قبل الرؤية كما في بعضها الآخر، فتصح سائر الصور سواء صام معينا من غيره أم مرددا بينه و بين الغير، بل يمكن أن تستظهر الصحة من خبر بشير قال (عليه السلام): «صمه، فإن يك من شعبان كان تطوعا، و إن يك من شهر رمضان، فيوم وفقت له» (1) فإنّ إطلاقه يشمل صورة الترديد في النية أيضا.

و أما الثالثة: فبأنّ ذات الصوم من حيث هو راجح و المفروض كفاية قصد ذات الصوم في اليوم المشكوك و هو متحقق بلا أثر للتعيين، فيكون متعلق النية و القصد، و الترديد يقع في المنويّ لا محالة إذ لا يتصوّر الترديد في ذات النية و القصد لا حدوثا و لا بقاء، لكونها كالعلم، فكما لا يتصوّر الإجمال و الترديد في ذات العلم من حيث هو علم، بل و لا في المعلوم بالذات و إنّما هو في المعلوم بالعرض، فكذا القصد و النية، فالحق عدم الفرق بين هذه الصورة و الصورة الرابعة الآتية كما عن جمع منهم الشيخ و العلامة و الشهيد، مع أنّه لو فرض الترديد في النية و لو بهذا النحو من الترديد الإجماليّ الكائن في حاق الذهن غير المنافي لقصد أصل الصوم فعلا، و لو لم نستفد شيئا من الأدلة و وصلت النوبة إلى الأصول العملية، فمقتضى الأصل عدم المانعية في هذا النحو من الترديد و البراءة عن وجوب التعيين، كما ثبت في محلّه من صحة الرجوع إلى الأصل العمليّ في الشك في شرائط الأمر و المأمور به و القصد و غيرها.

ص: 43


1- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 3.
الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة

الرابع: أن يصومه بنية القربة المطلقة، بقصد ما في الذمة، و كان في ذهنه أنّه إما من رمضان أو غيره، بأن يكون الترديد في المنويّ لا في نيته فالأقوى صحته (77) و إن كان الأحوط خلافه (78).

مسألة 18: لو أصبح يوم الشك بنية الإفطار

(مسألة 18): لو أصبح يوم الشك بنية الإفطار، ثمَّ بان له أنّه من الشهر. فإن تناول المفطر وجب عليه القضاء، و أمسك بقية النهار وجوبا (79)

______________________________

و لباب الكلام في المقام: أنّ الترديد إما في أصل النية حدوثا و لا ريب في عدم تحقق النية، لمنافاة التردد مع القصد و النية وجدانا، و كذا بالنسبة إلى البقاء، لأنّ التردد مناف للقصد، و العزم، و الجزم الذي تكون النية عبارة أخرى عن ذلك كلّه، و كذا لو كان الترديد في متعلق النية أي: متعلقها الأوليّ الذاتيّ، لما ثبت في محله من أنّ تعلق العلم و القصد و الجزم بالمردد من حيث هو باطل و غير واقع. نعم، لو كان الترديد في متعلق النية أي: متعلقها الثانوي و بالعرض، فلا إشكال في وقوعه كما في العلم الإجماليّ، حيث إنّ الإجمال و التردد فيه في متعلقه بالعرض لا ما كان بالذات.

(77) لوجود المقتضي لها و فقد المانع عنها كما تبيّن في الصورة الثالثة فراجع و هذا إذا لم يكن في ذمته واجب آخر واضح لا ريب فيه. و أما لو كان في ذمته واجب آخر، فقد يتوهم أنّه لا يجزي، لأنّ إجزاءه عن شهر رمضان دون غيره ترجيح بلا مرجح و هو باطل، و لا ريب في بطلان هذا التوهم، لأنّ تخصيص الزمان بخصوص شهر رمضان تخصيص ذاتيّ، فلا وجه لتوهم الترجيح بلا مرجح كما هو معلوم.

(78) خروجا عن مخالفة من حكم بالبطلان، و لكنّه لا دليل عليه و لا ريب في حسن الاحتياط و إن لم يكن دليل على وجوبه.

(79) أما وجوب القضاء، فلعموم ما دل على وجوبه بتناول المفطر في شهر رمضان. و أما وجوب الإمساك تأدبا فللإجماع، و النصوص

ص: 44

تأدبا و كذا لو لم يتناوله و لكن كان بعد الزوال (80) و إن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر، جدّد النية و أجزأ عنه (81).

مسألة 19: لو صام يوم الشك بنية أنّه من شعبان

(مسألة 19): لو صام يوم الشك بنية أنّه من شعبان ندبا أو قضاء أو نحوهما- ثمَّ تناول المفطر نسيانا، و تبيّن بعده أنّه من رمضان، أجزأ عنه أيضا، و لا يضرّه تناول المفطر نسيانا، كما لو لم يتبيّن، و كما لو تناول المفطر نسيانا بعد التبين (82).

مسألة 20: لو صام بنية شعبان، ثمَّ أفسد صومه- برياء و نحوه

(مسألة 20): لو صام بنية شعبان، ثمَّ أفسد صومه- برياء و نحوه لم يجزه عن رمضان (83) و إن تبيّن له كونه منه قبل الزوال.

مسألة 21: إذا صام يوم الشك بنية شعبان

(مسألة 21): إذا صام يوم الشك بنية شعبان، ثمَّ نوى

______________________________

كقوله (صلّى اللّه عليه و آله) في يوم الشك: «من لم يأكل فليصم و من أكل فليمسك»(1) و يأتي ما يدل عليه في [مسألة 43] من الفصل التالي.

(80) بناء على انقضاء وقت تجديد النية حينئذ- كما نسب إلى المشهور- فيجب القضاء، و إمساك بقية النهار تأدبا، و لكنه مخالف لإطلاق قوله (عليه السلام): «هو يوم وفق له» (2) الشامل لما بعد الزوال أيضا و هو الأسهل و الأيسر في هذا الحكم العام البلوى، و طريق الاحتياط الإتمام رجاء ثمَّ القضاء.

(81) لما تقدم في [مسألة 12] فراجع و لا وجه للتكرار.

(82) كل ذلك لاعتبار العمد و الاختيار في مفطرية المفطرات و لا حكم لها مع السهو و النسيان على ما يأتي تفصيله في (فصل) المفطرات المذكورة ما عدا البقاء على الجنابة.

(83) لأنّه لا وجه لإجزاء الباطل و سقوط الأمر به بالضرورة.

ص: 45


1- راجع المعتبر للمحقق [مسألة وقت النية] كتاب الصوم.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 6.

الإفطار، و تبيّن كونه من رمضان قبل الزوال (84) قبل أن يفطر، فنوى، صح صومه (85). و أما إن نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا، ثمَّ تاب فجدّد النية قبل الزوال لم ينعقد صومه (86).

و كذا لو صام يوم الشك بقصد واجب معيّن (87)، ثمَّ نوى الإفطار عصيانا. ثمَّ تاب فجدّد النية، بعد تبين كونه من رمضان، قبل

______________________________

(84) لأنّ تجديد النية قبل الزوال إنّما ينفع فيما إذا كان أصل الإمساك صحيحا، و أما إذا كان مختلا لجهة من الجهات، فلا وجه للنية لانتفاء الموضوع.

(85) لأنّ مانعية الإفطار إنّما هي لأجل منافاتها لاستمرار النية، فإذا كان اليوم لم يصح فيه قصد صوم شهر رمضان حدوثا، فلا يضرّ نية الإفطار من هذه الجهة، فما قطع استمرار النية فيه لم يكن مأمورا به، و ما كان مأمورا به لم يحدث فيه نية أولا حتى يصدق قطع الاستمرار.

إن قلت: هذا صحيح فيما إذا قصد الإفطار عن خصوص صوم شعبان، و لكن لو قصد الإفطار عن ذات الصوم و لو كان من شهر رمضان، فيشكل الصحة حينئذ.

قلت: ظاهر حال الصائم المسلم أنّه لا ينوي الإفطار هكذا و مع الشك نستصحب الصحة، فيجوز التجديد فيها.

(86) لبطلان الصوم بفقد استمرار النية و لا أثر لتجديد النية فيما صار باطلا.

(87) لعين ما تقدم في سابقة، و لكنّه إذا قصد الإفطار عن خصوص صوم الواجب المعيّن و كان قاصدا للصوم على فرض كونه من رمضان لا وجه للبطلان. نعم، لو قصد الإفطار عن ذات الصوم مطلقا و لو كان من شهر رمضان يتعيّن البطلان حينئذ، لكنّه خلاف ظاهر حال الصّائم المسلم، و مع الشك نستصحب الصحة حتّى لو كان الصّوم من شهر رمضان كما مرّ.

ص: 46

الزوال (88).

مسألة 22: لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه

(مسألة 22): لو نوى القطع أو القاطع في الصوم الواجب المعيّن بطل صومه (89)، سواء نواهما من حينه، أو فيما يأتي (90).

و كذا لو تردد (91). نعم، لو كان تردده من جهة الشك في

______________________________

(88) لما تقدم من أنّ التجديد لا ينفع في الصوم الباطل و لا بد من تقييده بما إذا نوى الإفطار.

(89) لانقطاع استمرار النية بذلك، فيحصل البطلان لا محالة من جهة فقد النية، و نية القطع عبارة عن رفع اليد عن أصل النية، و نية القاطع عبارة عن قصد ارتكاب إحدى المفطرات، و كلاهما ينافي البقاء و الاستمرار كما هو واضح، و لا فرق في ذلك بين كون الصوم أمرا بسيطا، لأنّه على فرض البساطة يكون جميع الآنات من المقدّمات الوجودية لتحقيق ذلك الأمر البسيط، فلا بد فيها من عدم قصد الخلاف.

(90) الاستمرار على النية يتصوّر على قسمين:

الأول: أن يكون في كل آن ناويا و بانيا على الصوم إلى الغروب: بأن ينوي إتمام الصوم إلى المغرب في كل آن.

الثاني: أن ينوي في كل آن صوم ذلك الآن و لم يقصد خلافه و هكذا في تمام الآنات. و مقتضى الأصل هو الأخير، و ظاهر الكلمات، و مقضي المرتكزات، و أنّ الكل عمل واحد له وحدة اعتبارية يتعلق بها القصد و الإرادة هو الأول، و عليه يكون قصد القطع أو القاطع فيما يأتي منافيا للاستمرار بخلاف الثاني. و بذلك يمكن الجمع بين الكلمات، فمن قال: بأنّ نية القطع أو القاطع فيما يأتي تفسد الصوم أراد المعنى الأول. و من قال: بعدم الإفساد أراد الثاني، و يمكن تأييده بأنّ الوحدة الاعتبارية لا تنافي انحلال النية لنسبة إلى الآنات، مع أنّه أسهل و الشريعة مبنية عليه.

(91) لمنافاة التردد للنية، لأنّها عبارة عن القصد و الإرادة و هما متقوّمان

ص: 47

بطلان صومه و عدمه لعروض عارض، لم يبطل و إن استمر ذلك إلى أن يسأل (92) و لا فرق في البطلان بنية القطع أو القاطع أو التردد بين أن يرجع إلى نية الصوم قبل الزوال أم لا (93). و أما في غير الواجب المعيّن فيصح لو رجع قبل الزوال (94).

مسألة 23: لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النية

(مسألة 23): لا يجب معرفة كون الصوم هو ترك المفطرات مع النية، أو كف النفس عنها معها (95).

______________________________

بالجزم و العزم و لا ريب في منافاتهما للتردد.

(92) لتحقق القصد و الإرادة بالنسبة إلى أصل الصّوم حينئذ كما في جميع موارد العبادات الاحتياطية التي يؤتى بها بقصد القربة، و جميع الأعمال التي يؤتى بها بقصد القربة مع الشك و التردد في بعض خصوصياتها.

(93) لما مرّ مكرّرا من أنّ تجديد النية لا ينفع فيما صار باطلا، و لا يجعل الباطل صحيحا.

(94) لجواز ترك نيته اختيارا إلى الزوال، فلا موضوع لقطع استمرار النية حينئذ، لأنّ موضوعه إنّما هو فيما إذا اعتبرت النية في زمان ثمَّ قطعت، لا فيما لا يعتبر فيه أصلا. و منه يعلم أنّه لا يضرّ نية القطع أو القاطع في الصوم المندوب إلى قبيل الغروب، و يشهد له قول عليّ (عليه السلام) لأهله: «إن كان عندكم شي ء و إلا صمت» (1) على ما روي في الصحيح عن الصادق (عليه السلام).

(95) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة بعد تحقق القصد الإجمالي إلى الصوم المعهود في الشريعة، و لا موضوعية للعلم بالأجزاء و الشرائط و الموانع و سائر الخصوصيات في العبادات مطلقا، و إنّما هو طريق لإتيان الوظيفة مطابقة للواقع، فمع المطابقة يصح و إن لم يعلم بشي ء منها، و مع المخالفة لا تصح و إن علم جميعها و لا دليل من عقل أو نقل على اعتبار الموافقة التفصيلية من

ص: 48


1- الوسائل باب: 2 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 7.

مسألة 24: لا يجوز العدول من صوم إلى صوم واجبين كانا أو مستحبين

(مسألة 24): لا يجوز العدول من صوم إلى صوم واجبين كانا أو مستحبين، أو مختلفين (96)، و تجديد نية رمضان إذا صام يوم الشك بنية شعبان ليس من باب العدول، بل من جهة أنّ وقتها موسع لغير العالم به إلى الزوال (97).

______________________________

كل حيثية و جهة في النية، و لذا اتفق المحققون على صحة عبادة تارك طريق الاجتهاد و التقليد إذا طابق الواقع، و على ذلك بنيت الشريعة السهلة السمحاء.

ثمَّ ان الكف أمر وجودي من عمل النفس، و الترك أمر عدمي، و لكنه ملازم للكف إذا لو خط بالنسبة إلى النفس و لا ثمرة عملية بين كون الصوم هو الكف أو الترك بعد الإجماع على صحة صوم النائم و الغافل إن تحققت منهما النية إجمالا، بل و لا ثمرة علمية معتنى بها في ذلك بعد كونهما متلازمين.

(96) للإجماع، و الأصل، و قاعدة (إنّ الشي ء لا يتغيّر عما وقع عليه). و يرد الأخير: بأنّها في التكوينات دون الاعتبارات التي منها التكاليف.

و يرد ما قبله: بأنّه يصح في الأعمال الوجودية التدريجية الخارجية دون الصوم الذي هو بسيط قائم بالصائم و يصح تجدد إضافته إلى المولى في أيّ جزء من أجزاء زمانه، فالعمدة هو الإجماع لو تمَّ.

(97) لا ثمرة عملية بين أن يكون ذلك كلّه من باب العدول، أو رفع اليد عن النية الأولى و تجديد نية أخرى.

ثمَّ إنّ هذا منه (رحمه اللّه) إجمال ما فصّله في المسائل السابقة.

و خلاصة الكلام في الأقسام أنّها سبعة:

الأول: أن يكون كلّا من المعدول عنه و المعدول إليه مندوبا، فيجوز فيه العدول إلى قبيل الغروب.

الثاني: أن يكون كلا منهما واجبا موسعا يجوز فيه العدول إلى الزوال.

الثالث: أن يكونا معيّنين لا يجوز العدول إلا فيما إذا كان المعدول إليه من شهر رمضان و في غيره يتداخلان على تفصيل تقدم في [مسألة 11].

ص: 49

.....

______________________________

الرابع: كون المعدول عنه مندوبا و المعدل إليه واجبا موسعا يجوز فيه العدول إلى الزوال.

الخامس: عكس الرابع، و حكمه مثل سابقة في قضاء شهر رمضان و في غيره يأتي التفصيل في [مسألة 27] من (فصل أحكام القضاء).

السادس: كون المعدول عنه مندوبا، و المعدول إليه واجبا معينا تقدم حكمه في [مسألة 12 و 16].

السابع: كون المعدول عنه واجبا معينا، و المعدول إليه واجبا موسعا لا يجوز العدول، و يظهر منه عدم العدول عن المعيّن إلى المندوب بالأولى.

ثمَّ إنّ المراد بالعدول تجديد النية و عبّرنا به تسهيلا في التعبير.

ص: 50

فصل فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات

اشارة

(فصل فيما يجب الإمساك عنه في الصوم من المفطرات) و هي أمور:

الأول و الثاني: الأكل و الشرب

اشارة

الأول و الثاني: الأكل و الشرب (1)، من غير فرق في المأكول و المشروب بين المعتاد- كالخبز و الماء و نحوهما- و غيرهما كالتراب، و الحصى، و عصارة الأشجار، و نحوها، و لا بين القليل و الكثير-

______________________________

(فصل فيما يجب الإمساك عنه)

(1) كتابا، و سنة، و ضرورة من الدّين. قال تعالى وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1)، و قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «لا يضرّ الصّائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (2)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «خمسة أشياء تفطر الصّائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و رسوله و على الأئمة (عليهم السلام)» (3) و لا ريب في أنّ الحصر فيهما إضافيّ، فلا تنافي بينهما و بين غيرهما، كما أنّ ذكر الطعام و الشراب من باب المثال و الغالب، و إلا فالمناط كلّه صدق الأكل و الشرب بأيّ شي ء كان و أيّ نحو تحقق، للإطلاقات، و الإجماعات، و الارتكازات.

!

ص: 51


1- سورة البقرة: 187.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث 6.

كعشر حبة الحنطة، أو عشر قطرة من الماء أو غيرها من المائعات- حتى أنّه لو بل الخياط الخيط بريقه أو غيره ثمَّ رده إلى الفم، و ابتلع ما عليه من الرطوبة، بطل صومه (2) إلا إذا استهلك ما كان عليه من الرطوبة بريقه على وجه لا يصدق عليه الرطوبة الخارجية (3) و كذا لو استاك. و أخرج المسواك من فمه، و كان عليه رطوبة ثمَّ رده إلى الفم فإنّه لو ابتلع ما عليه بطل صومه، إلا مع الاستهلاك (4)، على الوجه المذكور. كذا يبطل بابتلاع ما يخرج من بقايا الطعام من بين أسنانه (5).

______________________________

(2) للإطلاق، و الاتفاق الشامل لجميع ذلك كلّه بعد صدق الأكل و الشرب عرفا و لغة على جميع ذلك.

(3) لعدم صدق الأكل و الشرب بالنسبة إلى المستهلك من جهة غلبة الريق، فيصدق أنّه بلع ريقه لا أنّه بلع شيئا خارجيا، و يصح التمسك بأصالة الصحة في الشبهة الموضوعية، و بأصالة الإطلاق، و البراءة في الشبهة الحكمية، لأنّ تقييد إطلاقات أدلة الصّوم بمعلوم المفطرية معلوم و بمشكوكها مشكوك، فيرجع فيه إلى أصالتي الإطلاق و البراءة.

(4) لعين ما تقدم في سابقة لكل من المستثنى و المستثنى منه.

(5) لشمول الإطلاق، و الاتفاق له أيضا. و أما صحيح ابن سنان:

«عن الرجل الصائم يفلس، فيخرج منه الشي ء من الطعام أ يفطر ذلك؟ قال (عليه السلام): لا، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه قال (عليه السلام): لا يفطره ذلك» (1).

فلا عامل بإطلاقه، مع إمكان حمله على الغفلة و السهو، و عدم الاختيار.

ص: 52


1- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث 9.
مسألة 1: لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم

(مسألة 1): لا يجب التخليل بعد الأكل لمن يريد الصوم و إن احتمل أنّ تركه يؤدي إلى دخول البقايا بين الأسنان في حلقه و لا يبطل صومه لو دخل بعد ذلك سهوا (6). نعم، لو علم أنّ تركه يؤدي إلى ذلك وجب عليه، و بطل صومه على فرض الدخول (7).

مسألة 2: لا بأس ببلع البصاق و إن كان كثيرا مجتمعا

(مسألة 2): لا بأس ببلع البصاق و إن كان كثيرا مجتمعا، بل و إن كان اجتماعه بفعل ما يوجبه، كتذكر الحامض (8) مثلا. لكن

______________________________

و كذا خبر ابن صدقة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «إنّ عليا (عليه السلام) سئل عن الذباب يدخل في حلق الصّائم؟ قال (عليه السلام): ليس عليه قضاء، لأنّه ليس بطعام» (1) فموهون بقصور السند و الإعراض فلا بد من طرحه أو حمله.

(6) أما عدم وجوب التخليل مع احتمال الدخول، فلأصالة البراءة عنه.

و أما عدم البطلان مع الدخول سهوا، فلأنّه ليس من الأكل العمديّ، و يعتبر في المفطرية التعمد كما يأتي.

(7) لكونه حينئذ من الأكل العمديّ إذ لا فرق فيه بين كونه بالمباشرة أو بالتسبيب كما يأتي في [مسألة 6] من الفصل الآتي، و نظير هذه المسألة متكرّر فجزم هنا بالبطلان، و كذا في [مسألة 6] من الفصل التالي، و في [مسألة 71] من هذا الفصل احتياط وجوبا فراجع.

(8) لاستصحاب صحة الصوم، و إطلاق أدلة الصوم بعد الشك في شمول أدلة المفطرية لمثله، و أصالة البراءة عن القضاء و الكفارة، و ظهور عدم الخلاف و السيرة، و يشهد له خبر الشحام: «في الصائم يتمضمض قال (عليه السلام): لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرّات» (2)، فإن كان التمضمض يوجب تكوّن الرطوبة في الفم بلا إشكال فإذا بلعها بعد البزاق ثلاث مرّات

ص: 53


1- الوسائل باب: 39 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب 31 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

الأحوط الترك في صورة الاجتماع، خصوصا مع تعمد السبب (9).

مسألة 3: لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط

(مسألة 3): لا بأس بابتلاع ما يخرج من الصدر من الخلط و ما ينزل من الرأس ما لم يصل إلى فضاء الفم (10) بل الأقوى جواز الجر من الرأس إلى الحلق (11)، و إن كان الأحوط تركه (12).

و أما ما وصل منهما إلى فضاء الفم، فلا يترك الاحتياط فيه بترك الابتلاع (13).

مسألة 4: المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو غير المتعارف

(مسألة 4): المدار صدق الأكل و الشرب و إن كان بالنحو غير المتعارف (14)، فلا يضرّ مجرد الوصول إلى الجوف إذا لم يصدق

______________________________

يصدق أنّه بلع البصاق المتكوّن بالاختيار.

(9) لأنّ الاحتياط حسن على كل حال.

(10) لاستصحاب صحة الصوم، و أصالة البراءة عن القضاء و الكفارة، و الإطلاقات بعد الشك في شمول أدلة المفطرية لمثله.

(11) لما تقدم في سابقة من غير فرق.

(12) خروجا عن خلاف من أوجب الترك و لا ريب في حسن الاحتياط على كلّ حال.

(13) منشأ التردد صدق الأكل في الجملة، فيكون مفطرا، و أنّه يمكن دعوى ظهور الأكل و الشرب فيما إذا دخل من الخارج إلى فضاء الفم، لا ما إذا حصل فيه من الصدر أو الرأس، و يشهد له موثق غياث: «لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته» (1). و عن جمع من الفقهاء و اللغويين أنّها أعمّ مما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما إذا بلعها بعد الازدراد أو لا.

(14) لاشتمال الأدلة على الطعام و الشراب، و الأكل، و الشرب

ص: 54


1- الوسائل باب: 39 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

الأكل أو الشرب، كما إذا صبّ دواء في جرحه أو شيئا في أذنه أو إحليله فوصل إلى جوفه (15). نعم، إذا وصل من طريق أنفه، فالظاهر أنّه موجب للبطلان إن كان متعمدا، لصدق الأكل و الشرب حينئذ (16).

______________________________

و الأولان طريق إلى تحقق الأخيرين و المرجع في صدقهما العرف، فكل ما صدق عليه عند العرف الأكل أو الشرب يكون مفطرا و ما لا يصدق لا يفطر، و في مورد الشك يرجع إلى استصحاب صحة الصوم، و أصالة البراءة عن القضاء و الكفارة، فإذا انسد الطريق المعتاد للأكل و الشرب و صدقا بالنسبة إلى غير المعتاد يفطر أيضا، لإطلاق الأدلة المنزلة على الصدق العرفيّ.

و أما التغذية بالابر المصنوعة في هذه الأعصار، فيشكل الإفطار بها، و مع الشك فالمرجع ما تقدم من أصالة الصحة و البراءة عن القضاء و الكفارة، و يشهد له قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعه الوارد في عدم مفطرية الكحل: «ليس له طعم في الحلق فلا بأس به» (1)، و عنه (عليه السلام) أيضا: «إنّ عليّا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا بالكحل للصائم إذا لم يجد طعمه» (2)، فإنّ المتفاهم منهما أنّ للصدق العرفي نحو موضوعية خاصة.

(15) لعدم صدق الأكل و الشرب بالنسبة إلى شي ء من ذلك لا لغة و لا عرفا.

(16) لأنّ الحلق هو الممرّ المشترك بين الأنف و الفم و يمكن أن يستفاد من مفهوم قوله (عليه السلام): «ليس له طعم في الحلق»- كما تقدم- إذ يستفاد منه أنّ كلّ ما له طعم في الحلق يوجب الإفطار. و أما تقييده بالتعمد فلأنّه يعتبر في مفطرية المفطرات مطلقا أن تكون عن عمد كما يأتي في الفصل التالي.

ص: 55


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12.
مسألة 5: لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما

(مسألة 5): لا يبطل الصوم بإنفاذ الرمح أو السكين أو نحوهما بحيث يصل إلى الجوف و إن كان متعمدا (17).

الثالث: الجماع

اشارة

الثالث: الجماع (18) و إن لم ينزل (19) للذّكر و الأنثى (20) قبلا أو دبرا (21) صغيرا كان أو كبيرا، حيّا أو ميتا، واطئا كان أو موطوءا (22)

______________________________

(17) لعدم كونه من الأكل و الشرب أصلا لا لغة و لا عرفا.

(18) كتابا و سنة مستفيضة، و إجماعا من المسلمين قال تعالى أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ (1) فإنّه بمفهومه يدل على المطلوب، و في صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (2) و لا ريب في أنّ الوطي في القبل هو المتعيّن من هذه الأدلة.

(19) للإطلاق، و الاتفاق، و تحقق الجنابة و لو مع عدم الإنزال.

(20) للإطلاقات الشاملة لها أيضا، مضافا إلى الإجماع.

(21) لإطلاق الأدلة المشتملة على النكاح، و الوطي، و إصابة الأهل الشامل للوطي في الدبر أيضا (3). و احتمال انصرافه إلى القبل بدويّ لا يعتني به مضافا إلى دعوى الإجماع عليه عن جمع، و صحة دعوى أصالة المساواة بينهما في الأحكام إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخلاف، مع ظهور التسالم على تحقق الجنابة بالدخول في دبر المرأة و لو لم ينزل، فيشمله دليل مفطرية الجنابة على ما يأتي، و منه يظهر حكم الإيلاج في دبر الغلام و لو لم ينزل، فإنّ دعوى إجماعهم على تحقق الجنابة به يلحقه بموضوع مفطرية الجنابة، فالمفطرية و الجنابة متلازمان، و كلّ من يقول بالجنابة لا بد أن يقول بالمفطرية، فيكون النزاع صغرويا لا كبرويا.

(22) كل ذلك لدعوى الإجماع على تحقق الجنابة في جميع تلك

ص: 56


1- سورة البقرة: 187.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

و كذا لو كان الموطوءة بهيمة (23) بل و كذا لو كانت هي الواطية (24)، و يتحقق بإدخال الحشفة، أو مقدارها من مقطوعها (25) فلا يبطل بأقل من ذلك، بل لو دخل بجملته ملتويا و لم يكن بمقدار الحشفة لم يبطل، و إن كان لو انتشر كان بمقدارها (26).

مسألة 6: لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به و عدمه

(مسألة 6): لا فرق في البطلان بالجماع بين صورة قصد الإنزال به و عدمه (27).

مسألة 7: لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين

(مسألة 7): لا يبطل الصوم بالإيلاج في غير أحد الفرجين

______________________________

الموارد و كل ما تحقق فيه الجنابة تتحقق فيه المفطرية أيضا للتلازم بينهما.

(23) لدعوى الإجماع على تحقق الجنابة بذلك و لو لم ينزل، فيلحقه حكم المفطرية من باب الملازمة. و قد تردد (رحمه اللّه) في تحقق الجنابة في وطي البهيمة في كتاب الطهارة، فيلزمه التردد في بطلان الصوم هنا أيضا فإنّ الحكم واحد من حيث المدرك، فمن يفتي بالجنابة يلزمه القول ببطلان الصوم، و من يتردد فيها يلزمه التردد في البطلان.

(24) بناء على تحقق الجنابة بذلك، فتثبت المفطرية للملازمة و قد تقدم في (فصل الجنابة) ما ينفع المقام.

(25) لأنّ ذلك هو الحدّ الشرعيّ للدخول الموجب لأحكام كثيرة في الفقه من أول الطهارات الى الحدود، و يأتي ذلك كله في الموارد المتفرقة من النكاح، و العدة، و الطلاق، إلى غير ذلك.

(26) كل ذلك للأصل بعد عدم الدليل على تحقق الدخول الشرعيّ بذلك، و كذا في سائر الآثار الشرعية المترتبة على عنوان الدخول و الجماع، فلا تترتب تلك الآثار أيضا.

(27) لظهور الإطلاق، و الاتفاق في أنّ لنفس الدخول و الجماع الشرعيّ موضوعية خاصة في المفطرية أنزل أولا.

ص: 57

بلا إنزال (28) إلا إذا كان قاصدا له، فإنّه يبطل و إن لم ينزل من حيث أنه نوى المفطر (29).

مسألة 8: لا يضرّ بإدخال الإصبع و نحوه لا بقصد الإنزال

(مسألة 8): لا يضرّ بإدخال الإصبع و نحوه لا بقصد الإنزال (30).

مسألة 9: لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائما أو كان مكرها

(مسألة 9): لا يبطل الصوم بالجماع إذا كان نائما أو كان مكرها بحيث خرج عن اختياره، كما لا يضرّ إذا كان سهوا (31).

مسألة 10: لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل

(مسألة 10): لو قصد التفخيذ مثلا فدخل في أحد الفرجين لم يبطل (32). و لو قصد الإدخال في أحدهما، فلم يتحقق كان

______________________________

(28) لأصالة الصحة، و عدم وجوب القضاء و الكفارة، و أصالتي الإطلاق و البراءة في الشبهة الحكمية.

(29) لما تقدم في [مسألة 22] من الفصل السابق، و لكن لا بد و أن يكون ملتفتا إلى مفطّرية قصد الإنزال حتى يتحقق منه قصد الإفطار و لو لم يكن متوجها إلى هذه الجهة لا يتحقق منه قصد المفطرية، فيصح صومه لو لم ينزل.

(30) للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق.

(31) لما يأتي في الفصل التالي من اعتبار العمد و الاختيار و الالتفات في مفطرية المفطرات مطلقا، فخرج بذلك النائم، و المكره و الساهي، و لكن المكره على قسمين فتارة: يكون مفصولا، فيتصور فيه المقهورية من كل جهة فلا وجه للبطلان حينئذ، لسلب الاختيار عنه مطلقا. و أخرى: يكون فاعلا بحيث يختار الفعل خوفا من توعيد المكره (بالكسر) و في مثله يبطل الصوم و يأتي في [مسألة 4] من الفصل التالي ما ينفع المقام.

(32) لعدم تحقق العمد، و الاختيار الموجب للإفطار و لكن لا بد من تقييده بما إذا علم بعدم الدخول. و أما إذا علم به، فلا يجوز خصوصا مع الاعتياد.

ص: 58

مبطلا، من حيث إنّه نوى المفطر (33).

مسألة 11: إذا دخل الرجل بالخنثى قبلا لم يبطل صومه و لا صومها

(مسألة 11): إذا دخل الرجل بالخنثى قبلا لم يبطل صومه و لا صومها (34).

و كذا لو دخل الخنثى بالأنثى و لو دبرا (35) أما لو وطأ الخنثى دبرا بطل صومها. و لو دخل الرجل بالخنثى و دخلت الخنثى بالأنثى، بطل صوم الخنثى دونهما (36) و لو وطأت كل من الخنثيين الأخرى لم يبطل صومهما (37).

مسألة 12: إذا جامع نسيانا أو من غير اختيار، ثمَّ تذكر أو ارتفع الجبر

(مسألة 12): إذا جامع نسيانا أو من غير اختيار، ثمَّ تذكر أو ارتفع الجبر، وجب الإخراج فورا فإن تراخى بطل صومه (38).

______________________________

(33) راجع [مسألة 22] من الفصل السابق.

(34) لاحتمال أن يكون المدخول فيه غير الفرج، فمقتضى الأصل صحة صومهما.

(35) للأصل بعد احتمال أن يكون العضو الداخل عضوا زائدا و لم يكن آلة الذكورة.

(36) أما بطلان صوم الخنثى، فلأنّها إن كانت أنثى وقعت مدخولا بها و إن كانت ذكرا كان داخلا في الأنثى. و أما عدم بطلان صوم الرجل، فلاحتمال أن يكون المدخول فيه ثقبة غير الفرج المعهود، كما أنّ عدم بطلان صوم الأنثى لاحتمال أن يكون العضو الداخل في فرجها شيئا آخر غير آلة الذكورة.

(37) لاحتمال أن يكون كلّ من عضوي الداخل و المدخول فيه شيئا آخر غير الفرج و الذكر المعهودين، فيرجع إلى أصالتي الصحة و البراءة عن القضاء و الكفارة.

(38) أما وجوب الإخراج فورا، فلأنّ الإبقاء إفطار عمديّ اختياريّ و هو

ص: 59

مسألة 13: إذا شك في الدخول أو شك في بلوغ مقدار الحشفة، لم يبطل صومه

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 10، ص: 60

(مسألة 13): إذا شك في الدخول أو شك في بلوغ مقدار الحشفة، لم يبطل صومه (39).

الرابع: من المفطرات: الاستمناء

اشارة

الرابع: من المفطرات: الاستمناء (40) أي: إنزال المنيّ متعمدا بملامسة، أو قبلة، أو تفخيذ، أو نظر، أو تصوير صورة الواقعة، أو تخيل صورة امرأة، أو نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها حصوله (41)

______________________________

حرام، إذ لا فرق في مفطرية المفطرات بين الحدوث و البقاء. و أما البطلان مع التراخي، فلأنّه إيجاد للمفطر عن عمد و اختيار، فلا بد من الإفطار بلا ريب و إشكال.

(39) للأصول الثلاثة: أصالة عدم الدخول، و أصالة الصحة، و أصالة البراءة عن القضاء و الكفارة.

(40) للنصوص، و الإجماع، و لأنّه من الجنابة العمدية التي يأتي حكمها في الثامن من المفطرات، و في صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرّجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني قال (عليه السلام): عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع» (1)، و مثله غيره فيستفاد منه أنّ كل إجناب عمديّ حكمه حكم الجماع في جميع الجهات إلا ما خرج بالدليل، لأنّه مقتضى إطلاق المماثلة بين الإمناء و الجماع كما أنّ الظاهر، بل المعلوم أنّ ذكر العبث بالأهل و ملاعبتها في الأدلة لمجرد المثال فقط، فيشمل جميع الموجبات بأيّ سبب كان و أيّ وجه يكون حلالا كان أو حراما.

(41) للإجماع على عدم الفرق بين الأسباب، و أنّ المناط تعمد الجنابة، و إمكان استفادة التعميم من الأدلة بعد حمل الملاعبة و العبث الوارد

ص: 60


1- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

فإنّه مبطل للصوم بجميع أفراده (42) و أما لو لم يكن قاصدا للإنزال و سبقه المنيّ من دون إيجاد شي ء مما يقضيه، لم يكن عليه شي ء (43).

مسألة 14: إذا علم من نفسه أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم

(مسألة 14): إذا علم من نفسه أنّه لو نام في نهار رمضان يحتلم، فالأحوط تركه (44) و إن كان الظاهر جوازه خصوصا إذا كان

______________________________

فيها على مجرّد المثال، فالمناط كلّه صدق تعمّد الإجناب و هو يتحقق بكل ما يتصوّر من الأسباب.

(42) لظهور الإجماع على التعميم، و ما ذكر في الأدلة من شهر رمضان إنّما هو من باب المثال و الغالب و قد جرت العادة على استفادة أحكام سائر الصيام مما ورد في شهر رمضان إلا ما خرج بالدليل و أحكام سائر الصلوات من الفرائض اليومية كذلك.

(43) للأصل، و الإجماع، و اختصاص مفطرية المفطرات بحال التعمد و الالتفات و المراد بقوله (رحمه اللّه): «إيجاد شي ء مما يقتضيه» أي: بقصد الإنزال.

و خلاصة الكلام: إنّ الاستمناء على أقسام:

الأول: ما إذا وقع بقصد الإنزال مع علمه بذلك و اعتياده.

الثاني: العلم بالإنزال و عدم الاعتياد.

الثالث: الاعتياد مع الغفلة، و الحكم في هذه الأقسام الثلاثة البطلان بلا شبهة.

الرابع: عدم قصد الإنزال و عدم العلم، و عدم الاعتياد، فاتفق خروج المنيّ، فلا شي ء عليه و يأتي التفصيل في [مسألة 17] كما يأتي في الحج، و في الحدود و التعزيرات ما ينفع المقام.

(44) مقتضى كون النوم مع العلم بالجنابة من التسبيب إلى الجنابة هو الحرمة و المفطرية، إذ لا فرق في إيجاد المفطر بين كونه بالمباشرة أو التسبيب كما يأتي في [مسألة 6] من الفصل التالي، و تقدم في [مسألة 1]، و لكن في

ص: 61

الترك موجبا للحرج (45).

مسألة 15: يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات

(مسألة 15): يجوز للمحتلم في النهار الاستبراء بالبول أو الخرطات، و إن علم بخروج بقايا المنيّ في المجرى و لا يجب عليه التحفظ بعد الإنزال من خروج المنيّ إن استيقظ قبله (46) خصوصا مع الإضرار و الحرج (47).

مسألة 16: إذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال

(مسألة 16): إذا احتلم في النهار و أراد الاغتسال،

______________________________

خبر عمر بن يزيد قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) لأيّ علة لا يفطر الاحتلام الصائم و النكاح يفطر الصائم؟ قال (عليه السلام): لأنّ النكاح فعله، و الاحتلام مفعول به»(1)، و مقتضى إطلاق التعليل عدم البطلان و لو حصل النوم بالاختيار، و لو لا إطلاق هذا الخبر لقلنا بالبطلان كما مرّ و يأتي، و المراد بقوله (عليه السلام): «و الاحتلام مفعول به» كونه خارجا عن اختياره حين الاحتلام.

(45) لا ريب في زوال الحكم التكليفيّ أي: حرمة الإفطار مع الحرج.

و أما الوضعيّ و هو المفطرية، فلا يرفع به، فيجوز النوم و يجب عليه القضاء إن احتلم هذا إذا لم نقل بإطلاق ما تقدم من خبر ابن يزيد و إلا فلا تصل النوبة إلى الحرج.

(46) كل ذلك لأصالة الصحة، و عدم وجوب القضاء و الكفارة، لأنّ المنساق من الأدلة حدوث الجنابة العمدية لا خروج المنيّ بعد حصول الجنابة المغتفرة الغير المفطرة. هذا مضافا إلى السيرة، و مرتكزات المتشرعة، و ظهور تسالم الفقهاء.

(47) فيجوز حينئذ مطلقا.

ص: 62


1- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.

فالأحوط تقديم الاستبراء (48) إذا علم أنّه لو تركه خرجت البقايا بعد الغسل، فتحدث جنابة جديدة.

مسألة 17: لو قصد الإنزال بإتيان شي ء مما ذكر و لكن لم ينزل

(مسألة 17): لو قصد الإنزال بإتيان شي ء مما ذكر و لكن لم ينزل، بطل صومه من باب نية إيجاد المفطر (49).

مسألة 18: إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنية الإنزال لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل

(مسألة 18): إذا أوجد بعض هذه الأفعال لا بنية الإنزال لكن كان من عادته الإنزال بذلك الفعل، بطل صومه أيضا إذا أنزل (50).

______________________________

(48) إن كان المراد بالإنزال المفطر خروج المنيّ عن محل تكوّنه فيما يخرج بعد الغسل مع البول أو بواسطة الحركة العنيفة لا يكون مفطرا، لعدم خروج المنيّ عن محل التكوّن، بل يخرج من البقايا في المجرى و يمكن أن يدعى أنّ هذا هو المنساق من الأدلة. و أما إن كان المراد به مجرّد ما يوجب الغسل و لو كان من البقايا، فلا محالة يكون مفطرا و يوجب القضاء و الكفارة، فترك الاستبراء مع العلم بالخروج بعد الغسل لا ريب في كونه من التسبيب إلى الجنابة الموجبة للغسل. إنّما الكلام في أنّ أصل مثل هذه الجنابة يوجب بطلان الصوم أولا، و تكفينا أصالة الصحة و البراءة في عدم البطلان، و عدم وجوب القضاء و الكفارة، و كذا الكلام في البلل المشتبه الذي يكون بحكم خروج المنيّ في وجوب الغسل فهو متحد مع الجنابة الواقعية إن صح أصل المبنى، و لكنه مشكل جدّا.

(49) بحيث كان منافيا للداعي النفساني المرتكز في النفس الباعث للصوم، و أما إن كان مباينا لبعض مراتب الجزم به، فلا وجه للبطلان، بل مقتضى الأصل الصحة، و كذا مع الشك في المنافاة، و قد تقدم التفصيل في الفصل السابق.

(50) لأنّه مع كون عادته كذلك يكون من الجنابة العمدية، فتشمله الأدلة الدالة على مفطريتها، مضافا إلى ظهور الإجماع. و أما قول عليّ

ص: 63

و أما إذا أوجد بعض هذه، و لم يكن قاصدا للإنزال، و لا كان من عادته، فاتفق أنّه أنزل، فالأقوى عدم البطلان (51) و إن كان الأحوط

______________________________

(عليه السلام): «لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي ء» (1).

و خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «في رجل كلم امرأته في شهر رمضان و هو صائم فأمنى فقال (عليه السلام) لا بأس» (2) فمحمول على مجرد الاتفاق بلا قصد للإمناء و لا الاعتياد له.

(51) لعدم صدق التعمد عرفا مع عدم القصد، و عدم الاعتياد، و ليس مجرد سبق المنيّ من المفطرات ما لم يكن عن تعمد و هو متوقف على قصد الإمناء و اعتياده.

إلا أن يقال: إنّه يستفاد من بعض الأخبار أنّ المناط في عدم المفطرية ما إذا اعتاد عدم الإمناء و وثق به فاتفق الإنزال، فلا يكون مفطرا حينئذ كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه سئل: «هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال (عليه السلام): إنّي أخاف عليه، فليتنزّه عن ذلك إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه» (3).

فإنّ المنساق من قوله (عليه السلام): «إلا أن يثق أن لا يسبقه منيه» هو صورة اعتياد عدم السبق، فلا يشمل صورة عدم الاعتياد.

و خلاصة الكلام: أنّه إما أن يعتاد سبق المنيّ أو لا يعتاد ذلك، أو يعتاد العدم، و الأولان من التعمد بخلاف الأخير، و يمكن أن يستفاد ذلك من خبر ابن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما تقول في الصائم يقبل الجارية و المرأة؟ فقال (عليه السلام): أما الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس

ص: 64


1- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
2- راجع التهذيب ج: 4 صفحة 273 حديث: 837 طبعة النجف الأشرف.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 13.

القضاء خصوصا في مثل الملاعبة، و الملامسة، و التقبيل (52).

______________________________

و أما الشاب الشبق، فلا، لأنّه لا يؤمن» (1).

حيث إنّ الشيخ الكبير معتاد لعدم سبق المنيّ ظاهرا، مع أنّ مفهوم ذيله يدل على تحقق الأمن في مورد الجواز، و لكن يعارضهما مثل موثق سماعة عنه (عليه السلام) أيضا: «عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟ فقال (عليه السلام): ما لم يخف على نفسه فلا بأس» (2) حيث إنّه (عليه السلام) علّق الجواز على عدم الخوف و هو عبارة أخرى عن عدم الاعتياد.

و مثله صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) أيضا: «عن رجل يمس من المرأة شيئا أ يفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال (عليه السلام): إنّ ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المنيّ» (3).

و يمكن حمل مثل صحيح زرارة على مجرّد الأولوية و التنزّه، فيجوز مع عدم الاعتياد على كراهة و يشهد له خبر عليّ بن جعفر قال: «سألته عن الرجل هل يصلح له و هو صائم في رمضان أن يقلب الجارية، فيضرب على بطنها و فخذها و عجزها؟ قال: إن لم يفعل ذلك بشهوة فلا بأس به، و أما بشهوة فلا يصلح» (4).

و كذا خبر الأصبغ بن نباته قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أقبّل و أنا صائم؟ فقال له: عف صومك، فإنّ بدو القتال اللطام» (5) و منه يعلم وجه الاحتياط المذكور و لا يترك إلا مع الوثوق بعدم الإنزال.

(52) لورود النص في جميع ذلك، و كذا اللصوق بالأهل، كخبر سماعة أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يلصق بأهله في شهر

ص: 65


1- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 19.
5- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 15.

الخامس: تعمد الكذب على اللّه تعالى، أو رسوله، أو الأئمة- صلوات اللّه عليهم

اشارة

الخامس: تعمد الكذب على اللّه تعالى، أو رسوله، أو الأئمة- صلوات اللّه عليهم- (53) سواء كان متعلقا بأمور الدّين أو

______________________________

رمضان فقال: ما لم يخف على نفسه فلا بأس» (1)، و قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما إلى الليل، إنّ بدو القتال اللطام، و لو أنّ رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان عليه عتق رقبة» (2).

و لكن يمكن حمل ذلك كله على الكراهة الشديدة في غير معتاد الإمناء، لقرائن خارجية و داخلية و يأتي في (فصل يكره للصائم أمور) بعض الكلام.

(53) لجملة من الأخبار، مضافا إلى نقل الإجماع- منها موثق أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: الكذبة تنقض الوضوء، و تفطر الصائم، قال: قلت له: هلكنا، قال (عليه السلام): ليس حيث تذهب، إنّما ذلك الكذب على اللّه و على رسوله و على الأئمة (عليهم السلام)» (3).

و مثله موثقه الآخر (4)، و عنه (عليه السلام): «خمسة أشياء تفطر الصّائم: الأكل، و الشرب، و الجماع، و الارتماس في الماء، و الكذب على اللّه و على رسوله، و على الأئمة (عليهم السلام) (5) إلى غير ذلك من الأخبار.

و أشكل عليها بقصور السند، و اشتمال بعضها على ما لا يقول به أحد من نقض الكذب للوضوء، و لذا نسب إلى جمع من القدماء و أكثر المتأخرين عدم الإفطار به. و يرد: بأنّ في بعضها الموثق و هو المعتمد، و التفكيك بين أجزاء الخبر الواحد في العمل ببعضها و طرح بعضها الآخر شائع بين الفقهاء، و متداول في الفقه، فالمقتضي للحجية موجود و المانع عنها مفقود، فيتم ما هو المشهور.

ص: 66


1- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 6.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 5.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 4.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 6.

الدّنيا، و سواء كان بنحو الإخبار أو بنحو الفتوى بالعربيّ، أو بغيره من اللغات من غير فرق بين أن يكون بالقول، أو الكتابة، أو الإشارة، أو الكناية أو غيرها مما يصدق عليه الكذب (54) و من غير فرق بين أن يكون الكذب مجعولا له، أو جعله غيره و هو أخبر به مسندا إليه لا على وجه نقل القول. و أما لو كان على وجه الحكاية و نقل القول فلا يكون مبطلا (55).

______________________________

و لا وجه لما نسب إلى السيد في أحد قوليه، و المحقق، و العلامة من الكراهة، لأصالة البراءة. إذ لا وجه لها مع ظاهر الموثق. نعم، ما ادعي من الإجماع على مفطرية الكذب لا وجه للاعتماد عليه، لمخالفة حاكية له، مع أنّ الظاهر أنّه اجتهادي لا تعبّدي.

(54) كل ذلك لظهور الإطلاق، و صدق الكذب عليهم (عليهم السلام) في ذلك كله. نعم، الفتوى تارة: تكون بنحو الإخبار عن اللّه تعالى. و اخرى:

بما استظهره بفهمه من الأدلة، و الكذب عليه تعالى يتحقق في الأول دون الأخير.

(55) لفرض أنّه لم يسنده إلى اللّه تعالى، أو إلى المعصوم (عليهم السلام)، بل أسنده إلى الغير و المفروض أنّه صدق، لأنّه سمعه منه، فالأقسام أربعة.

الأول: أن يخترع الكذب على اللّه تعالى من عند نفسه.

الثاني: أن يخترعه غيره و هو يعلم بذلك و مع ذلك يسنده إلى اللّه أو المعصوم كما لو قال: قال الإمام (عليه السلام): الأكل في شهر رمضان لا يكون مفطرا، و قد أخبر به فلان الراوي و لا إشكال في تحقق الكذب في الجملة الأولى من كلامه.

الثالث: أن يقول قال لي فلان: إنّ الإمام (عليه السلام) قال: الأكل لا يفطر، و هو يعلم أنّه كذب على الإمام (عليه السلام) و هذا ليس بكذب منه على

ص: 67

مسألة 19: الأقوى إلحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبينا صلّى اللّه عليه و آله

(مسألة 19): الأقوى إلحاق باقي الأنبياء و الأوصياء بنبينا صلّى اللّه عليه و آله، فيكون الكذب عليهم أيضا موجبا للبطلان (56) بل الأحوط إلحاق فاطمة الزهراء- سلام اللّه عليها- بهم أيضا.

مسألة 20: إذا تكلم بالخبر غير موجه خطابه إلى أحد أو موجها إلى من لا يفهم معناه

(مسألة 20): إذا تكلم بالخبر غير موجه خطابه إلى أحد أو موجها إلى من لا يفهم معناه، فالظاهر عدم البطلان (57) و إن كان

______________________________

الإمام، بل يكون نقل قول الكاذب، و نقل- كذب من كذب على الإمام- عن الكاذب ليس بكذب من الناقل على الإمام (عليه السلام).

و قولهم (عليهم السلام): «كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع» (1) إنّما هو في مقام الاهتمام بأن لا ينقل إلا ما يثق به، و لا يشمل ما إذا أسند الكذب إلى الكاذب، و مع الشك فالمرجع أصالة الصحة و البراءة عن القضاء و الكفارة، نعم، هو حرام، لأنّه إشاعة للكذب عليهم (عليهم السلام).

الرابع: ما إذا نسبه إلى غيره و لم يعلم بأنّه كذب و كان في الواقع كذبا، فلا إشكال في عدم البطلان حينئذ.

(56) لصحة دعوى أنّ المناط كله جهة العصمة التي يصح استناد أقوالهم بتلك الجهة إلى اللّه تعالى و احتمال الانصراف إلى نبينا (صلّى اللّه عليه و آله) و أوصيائه من الانصرافات البدوية، و من جهة كثرة أنس الذهن، و منه يعلم الوجه في إلحاق الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام).

(57) لأنّ الكذب من صفات الأخبار، و مقتضى المحاورات اعتبار المخاطب في تحققه، و لكن الظاهر فرق العرف في ذلك بين ما إذا كان عنده أشخاص و لم يوجه خطابه إلى أحد، أو إلى ما لا يفهم و بين ما إذا كان في حال الوحدة مثلا، فيصدق الخبر في الأول دون الأخير، و لكنّه مع ذلك

ص: 68


1- سفينة البحار ج: 2 صفحة: 474.

الأحوط القضاء (58).

مسألة 21: إذا سأله سائل: «هل قال النبي صلّى اللّه عليه و آله كذا ..»

(مسألة 21): إذا سأله سائل: «هل قال النبي صلّى اللّه عليه و آله كذا ..» فأشار «نعم» في مقام «لا» أو «لا» في مقام «نعم» بطل صومه (59).

مسألة 22: إذا أخبر صادقا عن اللّه تعالى أو عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مثلا

(مسألة 22): إذا أخبر صادقا عن اللّه تعالى أو عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مثلا ثمَّ قال: «كذبت» بطل صومه (60)، و كذا إذا أخبر بالليل كاذبا، ثمَّ قال في النهار: «ما أخبرت به البارحة صدق».

مسألة 23: إذا أخبر كاذبا، ثمَّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر

(مسألة 23): إذا أخبر كاذبا، ثمَّ رجع عنه بلا فصل لم يرتفع عنه الأثر، فيكون صومه (61) باطلا، بل و كذا إذا تاب بعد

______________________________

مشكل لخروج الأول عن الأخبار المتعارفة و الأدلة منزلة عليها، و مقتضى الأصل الصحة بعد الشك في صدقها على مورد من الموارد.

(58) خصوصا في الصورة الأولى التي ذكرناها.

(59) لتحقق الكذب، فيشمله إطلاق الدليل لا محالة.

(60) لأنّ ظاهر قوله نفي الواقع عما أخبر به و هو كذب، فيشمله إطلاق الدليل. نعم، إن كان المراد تكذيب نفسه في أصل الأخبار، فليس ذلك تكذيبا على اللّه تعالى، و كذا قوله: ما أخبرت به البارحة صدق، فإنّه يحتمل له وجهان: الأول تصديق نفسه و هو لا يوجب البطلان. الثاني: تصديق الكذب على اللّه تعالى و هو يوجب البطلان.

(61) كما في ارتكاب سائر المفطرات التي لا يرفع أثرها بعد الارتكاب و لو ندم و تاب، لأنّ التوبة لا تؤثر في الوضعيات- كالقضاء، و الكفارة، و أداء حقوق الناس، و نحو ذلك.

(فروع)- (الأول): لو كتب الكذب في قرطاس ثمَّ محاه فورا، أو

ص: 69

ذلك، فإنّه لا تنفعه توبته في رفع البطلان (62).

مسألة 24: لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا

(مسألة 24): لا فرق في البطلان بين أن يكون الخبر المكذوب مكتوبا في كتاب من كتب الأخبار أو لا، فمع العلم بكذبه لا يجوز الإخبار به و إن أسنده إلى ذلك الكتاب (63) إلا أن يكون ذكره له على وجه الحكاية دون الإخبار (64)، بل لا يجوز الإخبار به على سبيل الجزم مع الظنّ بكذبه، بل و كذا مع احتمال كذبه (65) إلا على

______________________________

أحرقه، أو نحوهما مما يوجب زواله، ففي البطلان إشكال، و مقتضى الأصل الصحة.

(الثاني): لو قرأ القرآن غلطا و كان ذلك مغيّرا للمعنى مع العلم به و كان هناك من يسمع إليه و يخاطبه يبطل صومه، لأنّه كذب حينئذ، بل و كذا مع عدم المخاطب على الأحوط.

(الثالث): لو علم بأنّه يغلط في قراءة القرآن يشكل قراءته في شهر رمضان.

(62) فيجب القضاء و الكفارة، و لا أثر للتوبة في رفعها أيضا كما في التوبة عن سائر الديون الخلقية، و الخالقية.

(63) لإطلاق الأخبار الشامل له أيضا كما إذا قال- بقصد الإخبار عن المعصوم (عليه السلام)- قال الإمام (عليه السلام): لا يبطل الأكل الصوم و روي ذلك في الكافي- مثلا.

(64) كما إذا قال: روي في الكافي كذا. بقصد النقل عنه لا بقصد الإخبار عن المعصوم (عليه السلام).

(65) لأصالة عدم الحجية، و عدم صحة الانتساب ما لم تقم حجة معتبرة عليه هذا إذا كان المراد بالكذب ما لم تثبت حجيته كما لعله المراد في اصطلاح الكتاب و السنة و إن كان المراد به ما أحرز مخالفته للواقع، ففي مورد الظنّ و الاحتمال لا يتحقق الكذب، لعدم إحراز المخالفة مع الواقع. الا أن

ص: 70

سبيل النقل و الحكاية (66)، فالأحوط لناقل الأخبار في شهر رمضان- مع عدم العلم بصدق الخبر- أن يسنده إلى الكتاب، أو إلى قول الراوي على سبيل الحكاية (67).

مسألة 25: الكذب على الفقهاء و المجتهدين و الرواة و إن كان حراما- لا يوجب بطلان الصوم

(مسألة 25): الكذب على الفقهاء و المجتهدين و الرواة و إن كان حراما- لا يوجب بطلان الصوم (68) إلا إذا رجع إلى الكذب على اللّه و رسوله (69) صلّى اللّه عليه و آله.

مسألة 26: إذا اضطر إلى الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله في مقام التقية من ظالم لا يبطل صومه به

(مسألة 26): إذا اضطر إلى الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله في مقام التقية من ظالم لا يبطل صومه به، كما أنّه لا يبطل مع السهو، أو الجهل المركب (70).

______________________________

يقال: إنّ الجزم بالأخبار مع عدم إحراز الموافقة للواقع يلحقه بالكذب.

ثمَّ إنّ صدق الكذب في القسم الأول إنّما هو فيما إذا لم تقم حجة معتبرة على الاعتبار و إلا فلا يكون كذبا حتّى مع الاحتمال أو الظنّ غير المعتبر بالخلاف.

(66) كما تقدم آنفا.

(67) و لو بنحو البناء القلبي بأن يبني في قلبه أنّ في أول شهر رمضان كل ما ينقله في هذا الشهر إنما هو بعنوان الحكاية لا بعنوان الجزم به، و لكن الأحوط الذكر باللسان أيضا.

(68) أما الحرمة، فلعموم أدلة حرمة الكذب. و أما عدم البطلان، فلأصالتي: الصحة و البراءة عن القضاء و الكفارة، بعد عدم الدليل على البطلان فيه.

(69) كاستناد الفتوى المجعولة إليهم من حيث إنّهم حملة الشريعة، و حفاظ أحكام اللّه تعالى بحيث يصدق الكذب على اللّه عرفا، و هو يختلف باختلاف كيفية البيان و نحوه.

(70) أما في مورد الاضطرار، فإن كان بحيث يوجب سلب الاختيار،

ص: 71

مسألة 27: إذا قصد الكذب فبان صدقا دخل في عنوان قصد المفطر

(مسألة 27): إذا قصد الكذب فبان صدقا دخل في عنوان قصد المفطر، بشرط العلم بكونه مفطرا (71).

مسألة 28: إذا قصد الصدق فبان كذبا لم يضر

(مسألة 28): إذا قصد الصدق فبان كذبا لم يضر، كما أشير إليه (72).

مسألة 29: إذا أخبر بالكذب هزلا

(مسألة 29): إذا أخبر بالكذب هزلا بأن لم يقصد المعنى أصلا- لم يبطل صومه (73).

______________________________

فلا ريب في عدم البطلان، لما يأتي من اعتبار العمد و الاختيار في البطلان و إن لم يكن كذلك و كانت التقية من أهل الخلاف، فكذا أيضا لعمومات أدلة التقية المستفاد منها الصحة و عدم القضاء و الكفارة، و يأتي التفصيل في [مسألة 2] من الفصل التالي. و أما في مورد السهو، و الجهل فلا بطلان أيضا لما يأتي في الفصل المذكور.

(71) لاعتبار العلم بالمفطرية في قصد الإفطار أيضا كما يعتبر في فعل المفطر

(72) في [مسألة 26] عند قوله (رحمه اللّه): «لا يبطل مع السهو أو الجهل المركب».

(73) لتقوّم الصّدق و الكذب بالقصد الجديّ الاستعماليّ، فالهزل خارج عنهما و إن أطلق عليه الكذب في بعض الأخبار كقول عليّ (عليه السلام): «لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يترك الكذب جدّه و هزله» (1)، و قوله (عليه السلام) أيضا: «لا يصلح من الكذب جدّه و هزله»(2)، و لكنّه إطلاق من حيث مطلق المرجوحية لا الكذب الحقيقيّ، مع أنّه يكفي الأصل في الصحة بعد عدم جواز التمسك بالعمومات، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

ص: 72


1- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 2.
2- الوسائل باب: 140 من أبواب أحكام العشرة حديث: 3.

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه

السادس: إيصال الغبار الغليظ إلى حلقه (74)، بل و غير الغليظ

______________________________

(74) للإجماع المدّعى عن جمع، و لخبر المروزيّ: «سمعته يقول:

إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان، أو استنشق متعمّدا، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتا، فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك مفطر، مثل الأكل، و الشرب، و النكاح» (1).

و نوقش في الإجماع بمخالفة المحقق في المعتبر. (و فيه): أنّه لم يخالف، بل تردد في المسألة و ذلك لا يعدّ مخالفة، مع أنّها على فرض تحققها لا يضرّ بإجماع المتقدمين.

و نوقش في الخبر تارة: بجهالة المروزيّ. و أخرى: بالإضمار.

و ثالثة: باشتماله على ما لا يقول به أحد من مفطرية الرائحة الغليظة. و رابعة:

باشتماله على مطلق الغبار، مع أنّ الفقهاء قيّدوه بالغلظة. و خامسة:

بمعارضته بموثق ابن سعيد عن الرّضا (عليه السلام): «سألته عن الصّائم يدخل الغبار في حلقه قال (عليه السلام): لا بأس» (2) و الكل مردود:

أما الأولان: فلاهتمام أرباب الحديث به، و اعتماد المشهور عليه.

و أما الثالثة، فلصحة التفكيك في أجزاء الخبر الواحد بالعمل ببعضها و طرح الآخر على ما هو المتعارف بين الفقهاء.

و أما الأخيران: فلأنّ حمل الموثق على غير الغليظ، و خبر المروزي عليه من الجمع العرفيّ الشائع، مع أنّ تقييد الرائحة بالغليظة يمكن أن يكون قرينة على تقييد الغبار بها أيضا، بل التشبيه بأنّها مثل الأكل و الشرب قرينة على الغلظة، لأنّ غير الغليظ مستهلك غالبا، فلا محذور في الاستدلال بالحديث.

و أما الاستدلال على المفطرية بحرمة إيصال كلّ شي ء إلى الحلق حتّى الغبار، فإثبات كليته مشكل ما لم يصدق الأكل و الشرب.

ص: 73


1- الوسائل باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 2.

على الأحوط (75). سواء كان من الحلال- كغبار الدقيق- أم الحرام، كغبار التراب و نحوه. و سواء كان بإثارته بنفسه- بكنس أم نحوه- أم بإثارة غيره، بل أم بإثارة الهواء مع التمكين منه و عدم تحفظه (76) و الأقوى إلحاق البخار الغليظ، و دخان التنباك و نحوه (77). و لا بأس بما يدخل في الحلق غفلة، أو نسيانا، أو قهرا، أو مع ترك التحفظ بظن عدم الوصول، و نحو ذلك (78).

______________________________

(75) نسب وجوب الاجتناب عنه إلى المسالك جمودا على إطلاق خبر المروزيّ، و لأنّه من المتناولات. (و فيه) أنّ الإطلاق مقيّد بما مرّ، و صدق التناول كالأكل مشكل، فيكون المرجع هو الأصل، فهو مقتضى الصحة، و عدم القضاء و الكفارة.

(76) كل ذلك للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(77) على المعروف بين متأخري المتأخرين، و استندوا إلى السيرة، و أنّه من التناول، فيشمله أدلة مفطرية الأكل، و بشمول دليل مفطرية الغبار له. و يرد الأول: بعدم ثبوت تقرير المعصوم له. و الثاني: بأنّه مشكل، بل ممنوع. و الأخير: قياس.

إلا أن يقال: إنّ ذكر الغبار من باب المثال لما يكون من سنخه، فيشمل الدخان، و البخار أيضا. و أما موثق ابن سعيد عن الرّضا (عليه السلام) قال:

«سألته عن الصّائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه فقال:

جائز لا بأس به (1)، فيمكن حمله على الدخول غير الاختياري و لا فرق بين من تلذذ بالدخان و البخار و عدمه، لعدم دليل على التفرقة بينهما بعد شمول الدليل لهما.

(78) كلّ ذلك للأصل بعد اعتبار العمد و الاختيار في مفطرية المفطرات.

ص: 74


1- الوسائل باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 2.

السابع: الارتماس في الماء

اشارة

السابع: الارتماس في الماء (79)، و يكفي فيه رمس الرأس

______________________________

(79) للنص، و الإجماع، قال أبو جعفر (عليه السلام) في الصحيح:

«الصائم يستنقع في الماء، و يصب على رأسه و يتبرد بالثوب، و ينضح بالمروحة، و ينضح البوريا تحته و لا يغمس رأسه في الماء» (1)، و عن الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن شعيب قال: «لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم» (2)، و في صحيح ابن مسلم قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال:

الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (3)و المنساق من مثل هذه النواهي إنّما هو المانعية، لأنّها الأصل في النّواهي المتعلقة بالعبادات إلا ما خرج بالدليل.

و عن بعض القول بخصوص الحرمة التكليفية دون المفطرية، لذكر الارتماس الصياميّ في سياق الارتماس الإحراميّ، و الأخير لا يكون مبطلا للإحرام قطعا، فكذا الأول مع أنّه لم يذكر القضاء و الكفارة في أدلة المقام.

(و فيه) أولا: أنّه ذكر في سياق الأكل و الشرب و الجماع في صحيح ابن مسلم، مع أنّ خروج الإحرام بدليل خارج لا يضرّ بظهور السياق في المانعية، و الدليل الخارج ظهور الإجماع، بل النصوص في أنّ محرّمات الإحرام نفسية لا غيرية، بل هذا هو الأصل فيها إلا ما خرج بالدليل.

و عن بعض القول بالكراهة، لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال:

«يكره للصائم أن يرتمس في الماء» (4)، و موثق عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا عليه قضاء ذلك اليوم؟ قال: (عليه السلام): ليس عليه قضاؤه و لا يعودنّ» (5).

ص: 75


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 9.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

فيه، و إن كان سائر البدن خارجا عنه (80). من غير فرق بين أن يكون رمسه دفعة، أو تدريجا على وجه يكون تمامه تحت الماء زمانا (81).

و أما لو غمسه على التعاقب- لا على هذا الوجه، فلا بأس به (82) و إن استغرقه. و المراد بالرأس ما فوق الرقبة بتمامه (83)، فلا يكفي غمس خصوص المنافذ في البطلان. و إن كان هو الأحوط (84) و خروج الشعر لا ينافي صدق الغمس (85).

______________________________

(و فيه): أنّ الكراهة محمولة على الحرمة بقرينة غيره مما مرّ، و الموثق محمول على ما إذا نسي الصوم، مع أنّ إعراض المشهور عنهما أوهنهما.

(80) لذكر الرأس بالخصوص في جملة من النصوص كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الصائم يستنقع في الماء، و يصب على رأسه، و يتبرد بالثوب، و ينضح بالمروحة، و ينضح البوريا و لا يغمس رأسه في الماء» (1) و مثله غيره (2)، و انسباقه من لفظي الارتماس و الانغماس عرفا.

(81) لأنّه المنساق من الأدلة، و المتعارف في الانغماس و الارتماس عند جميع الناس.

(82) لما مرّ من أنّ المنساق من الأدلة كون الرّأس تحت الماء آنا ما و لا يتحقق ذلك بما ذكر من التعاقب و إن استغرقه، لأنّ الاستغراق حينئذ تدريجيّ لا أن يكون دفعيا آنيّا حتّى يحيط الماء بتمام الرّأس آنا ما.

(83) لتصادق العرف و اللغة على أنّه المراد بالرّأس في مثل المقام و إن كان له إطلاقات أخرى في غير المقام.

(84) أمّا عدم الكفاية، فلأصالتي: الصحة و البراءة عن القضاء و الكفارة. و أما الاحتياط، فللخروج عن شبهة الخلاف، و لأنّه حسن على كل حال.

(85) لأنّ الشعر خارج عن مفهوم الرأس لغة، و عرفا، و شرعا إلا فيما

ص: 76


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عن الصّائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عن الصّائم حديث: 7 و 8.
مسألة 30: لا بأس برمس الرّأس

(مسألة 30): لا بأس برمس الرّأس، أو تمام البدن في غير الماء من سائر المائعات، بل و لا رمسه في الماء المضاف (86) و إن كان الأحوط الاجتناب (87)، خصوصا في الماء المضاف.

مسألة 31: لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمَّ رمسه في الماء

(مسألة 31): لو لطخ رأسه بما يمنع من وصول الماء إليه ثمَّ رمسه في الماء، فالأحوط، بل الأقوى بطلان صومه (88) نعم، لو أدخل رأسه في إناء- كالشيشة و نحوها- و رمس الإناء في الماء، فالظاهر عدم البطلان (89).

مسألة 32: لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه

(مسألة 32): لو ارتمس في الماء بتمام بدنه إلى منافذ رأسه، و كان ما فوق المنافذ من رأسه خارجا عن الماء، كلّا أو

______________________________

دل عليه دليل بالخصوص كما ورد في كفاية المسح عليه في الوضوء (1).

(86) لذكر الماء في الأدلة، و أصالة الصحة في غيره و إن كان ماء مضافا، و لكن يشكل في بعض أقسام المضاف بعدم تفرقة العرف بينه و بين الماء المطلق، و مع الشك في الموضوع أو الحكم، فالمرجع أصالة الصحة، و عدم القضاء و الكفارة، لعدم جواز التمسك بالأدلة حينئذ.

(87) لاحتمال أن يكون المراد بالماء مطلق المائع، فيشمل الجميع خصوصا المضاف.

(88) لصدق الارتماس عرفا إلا أن يدّعي انصراف الدليل عنه، و مع الشك في الصدق يكون المرجع الأصل، و الظاهر اختلافه باختلاف اللطخة رقة و غلظة، فيصح الصدق في الأولى، و لا يصح في بعض المراتب الثانية.

(89) لعدم صدق غمس الرأس حينئذ عرفا، و مثله الآلات المصنوعة في هذه الأعصار للغوص و الغمس في البحار لأغراض خاصة.

!

ص: 77


1- راجع الوسائل باب: 31 و 32 و 37 من أبواب الوضوء.

بعضا، لم يبطل صومه على الأقوى (90) و إن كان الأحوط البطلان برمس خصوص المنافذ، كما مرّ.

مسألة 33: لا بأس بإفاضة الماء على رأسه و إن اشتمل على جميعه، ما لم يصدق الرمس في الماء

(مسألة 33): لا بأس بإفاضة الماء على رأسه و إن اشتمل على جميعه، ما لم يصدق الرمس في الماء. نعم، لو أدخل رأسه أو تمام بدنه في النهر المنصب من عال إلى السافل- و لو على وجه التسنيم- فالظاهر البطلان، لصدق الرمس، و كذا في الميزاب إذا كان كبيرا و كان الماء كثيرا كالنهر مثلا (91).

مسألة 34: في ذي الرأسين إذا تميّز الأصليّ منهما، فالمدار عليه

(مسألة 34): في ذي الرأسين إذا تميّز الأصليّ منهما، فالمدار عليه. و مع عدم التميز يجب عليه الاجتناب عن رمس كلّ منهما (92)، لكن لا يحكم ببطلان الصوم إلا برمسهما و لو متعاقبا (93).

______________________________

(90) لخروج بعض الرأس عن الماء، فلا يصدق الرمس و الغمس، و المناط على رمس الجميع، لأنّه الظاهر من الدليل، و مع عدم الصدق أو الشك فيه لا موجب للبطلان بل مقتضى الأصل الصحة.

(91) ظهر مما تتقدم حكم هذه المسألة، فلا وجه للإعادة.

(92) أما الأول، فلتحقق الموضوع، فيشمله الدليل قهرا. و أما الأخير، فلقاعدة الاحتياط.

(93) مقتضى قاعدة الاحتياط وجوب الاجتناب عن رمس أحدهما أيضا، لأنّ جريان الأصل في رمس واحد منهما فقط معارض بجريانه في الآخر، فمقتضى قاعدة الاشتغال الإتمام و القضاء إلا أن يقال: بعدم صدق العمد و الاختيار بالنسبة إلى فعل المفطر، لأنّه مع الشك في تحقق المفطر برمس واحد منها فقط لا يصدق إيجاد المفطر عمدا و اختيارا، لأنّ تحقق العمد و الاختيار متوقف على العلم بالموضوع، مع أنّ الالتزام بوجوب الكفارة مرّتين بعيد عن المرتكزات، و سهولة الشريعة، و خلاف ما ثبت في الأصول من أنّ

ص: 78

مسألة 35: إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء يجب الاجتناب عنهما

(مسألة 35): إذا كان مائعان يعلم بكون أحدهما ماء يجب الاجتناب عنهما، و لكن الحكم بالبطلان يتوقف على الرمس فيهما (94).

مسألة 36: لا يبطل بالارتماس سهوا، أو قهرا

(مسألة 36): لا يبطل بالارتماس سهوا، أو قهرا، أو السقوط في الماء من غير اختيار (95).

مسألة 37: إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء

(مسألة 37): إذا ألقى نفسه من شاهق في الماء بتخيل عدم الرمس، فحصل، لم يبطل صومه (96).

مسألة 38: إذا كان مائع لا يعلم أنّه ماء، أو غيره

(مسألة 38): إذا كان مائع لا يعلم أنّه ماء، أو غيره أو ماء مطلق أو مضاف، لم يجب الاجتناب عنه (97).

مسألة 39: إذا ارتمس نسيانا أو قهرا، ثمَّ تذكر

(مسألة 39): إذا ارتمس نسيانا أو قهرا، ثمَّ تذكر أو ارتفع القهر، وجب عليه المبادرة إلى الخروج، و إلا بطل صومه (98).

______________________________

في موارد العلم الإجمالي ما هو الواجب إنّما هو الاجتناب فقط. و أما سائر الآثار فلا تترتب على ارتكاب أحدهما فقط، بل إنّما تترتب على ارتكاب الجميع.

(94) الكلام في هذه المسألة عين الكلام في سابقتها من غير فرق.

(95) كلّ ذلك لما يأتي في الفصل التالي من اعتبار العمد و الاختيار في مفطرية المفطرات.

(96) لعدم تحقق العمد و الاختيار مع الاطمئنان بعدم الرّمس و يجري هنا ما تقدم في [مسألة 18] فراجع.

(97) للأصل فيما إذا تردد بين الماء و سائر المائعات و أما مع التردد بين الماء المطلق، و بعض أقسام المضاف، فالأحوط الاجتناب كما مرّ.

(98) لتحقق العمد و الاختيار في الارتماس حينئذ مع تمكنه من الخروج فورا. و أما عدم البطلان بالارتماس السهويّ و القهريّ، فلعدم الاختيار، مع اعتباره في جميع أقسام الإفطار.

ص: 79

مسألة 40: إذا كان مكرها في الارتماس لم يصح صومه

(مسألة 40): إذا كان مكرها في الارتماس لم يصح صومه بخلاف ما إذا كان مقهورا (99).

مسألة 41: إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه و إن كان واجبا عليه

(مسألة 41): إذا ارتمس لإنقاذ غريق بطل صومه و إن كان واجبا عليه (100).

مسألة 42: إذا كان جنبا. و توقف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمم إذا كان الصوم واجبا معينا

(مسألة 42): إذا كان جنبا. و توقف غسله على الارتماس انتقل إلى التيمم إذا كان الصوم واجبا معينا (101)، و إن كان مستحبا، أو كان واجبا موسعا وجب عليه الغسل و بطل صومه (102).

مسألة 43: إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن، بطل صومه و غسله إذا كان متعمدا

(مسألة 43): إذا ارتمس بقصد الاغتسال في الصوم الواجب المعيّن، بطل صومه و غسله إذا كان متعمدا (103) و إن كان ناسيا

______________________________

(99) أما عدم صحة الصوم مع الإكراه، فلأنّ المكره (بالفتح) مختار و إنّما يختار أقلّ المحذورين باختياره. و أما الصحة مع القهر، فلعدم الاختيار معه.

(100) أما البطلان، فلتحقق العمد و الاختيار في إيجاد المفطر. و أما وجوبه عليه، فلأهمية إنقاذ النفس عن إتمام الصوم، و الظاهر بطلان الصوم لو خالف و لم يرتمس، لأنّه من النهي في العبادة، لأنّ مرجع وجوب الارتماس إلى حرمة الإمساك و الصّوم.

(101) لأنّه لا بدل للصوم مع التعيّن، و للغسل بدل و هو التيمم و مقتضى القاعدة تقديم ما لا بدل له على ما له البدل، فيجب عليه إتمام الصوم لتعينه و التيمم لكونه بدلا عن الغسل مع عدم التمكن منه و لو لعذر شرعيّ.

(102) أما في المندوب، فلجواز الإفطار إلى الغروب، فلا تزاحم في البين، و كذا في الواجب الموسع، فإنّه يجوز فيه الإفطار إلى الزوال. و أما بعده فالظاهر أنّ حكمه حكم الواجب المعيّن، فيتبدل الغسل إلى التيمم لو لم يمكن التأخير إلى المغرب.

(103) أما بطلان الصّوم، فلتحقق الارتماس العمدي. و أما بطلان!

ص: 80

لصومه صحّا معا (104). و أما إذا كان الصوم مستحبا أو واجبا موسعا، بطل صومه، و صح غسله (105).

مسألة 44: إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي

(مسألة 44): إذا أبطل صومه بالارتماس العمدي، فإن لم يكن من شهر رمضان، و لا من الواجب المعيّن غير رمضان يصح له الغسل حال المكث في الماء، أو حال الخروج (106) و إن كان من شهر رمضان يشكل صحته حال المكث لوجوب الإمساك عن المفطرات فيه بعد البطلان أيضا (107) بل يشكل صحته حال الخروج أيضا، لمكان النّهي السابق، كالخروج من الدار الغصبية إذا دخلها

______________________________

الغسل فللنهي عنه، و النهي عن العبادة يوجب البطلان، إذ العبادة المنهيّ عنها لا تصلح للتقرب بها إلى اللّه تعالى.

(104) لسقوط النهي بالنسيان، فلا الصّوم يبطل، لعدم التعمد و لا الغسل يفسد لعدم فعلية النهي.

(105) لما مرّ من جواز الإفطار في المندوب إلى الغروب، و في الموسع إلى الزوال هذا مع التعمد، و أما مع النسيان فيصحان معا كما في الواجب المعيّن.

(106) لسقوط النهي ملاكا و فعلية، لأنّه إنّما كان لأجل الصوم و المفروض بطلانه، فلا وجه للنهي حينئذ بملاكه و لا بخطابه.

(107) لما عن صاحب الجواهر من دعوى الإجماع على وجوب الإمساك، فيمن أصبح يوم الشك بنية الإفطار ثمَّ بان أنّه من شهر رمضان بعد الزوال راجع بحث النية من صوم الجواهر، و ظاهرهم عدم الخصوصية في عدم النية، فيشمل ارتكاب المفطرات أيضا. هذا مضافا إلى ما ورد في البقاء على الجنابة (1).

ص: 81


1- راجع الوسائل باب: 15 حديث: 5، و باب: 16 حديث: 1 و 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

عامدا (108). من هنا يشكل صحة الغسل في الصوم الواجب المعيّن

______________________________

(108) هذه المسألة معنونة في الأصول مفصّلا، و إجمالها أنّه قد قيل:

بوجوب الخروج مولويا. (و فيه) أنّه لا وجه له أما النفسية فلا ملاك لها، و كذا الغيرية، لأنّها لا بد و أن تكون لأجل المقدمية إما للكون في المكان المباح، أو لتفريغ المحل عن الغصب، و لا وجه للأول إذ لا دليل على وجوب الكون في المكان المباح حتّى يجب مقدمته. نعم، يحرم الكون في المحل المغصوب و لا ربط لأحدهما بالآخر. كما لا وجه للأخير، لأنّ التفريغ و إن وجب لكن الخروج ملازم له لا أن يكون مقدمة له و قد ثبت في محله عدم الدليل على اتحاد المتلازمين في الوجود في الحكم أيضا، مضافا إلى أنّ وجوب المقدمة مولويا عند وجوب ذيها على فرض ثبوت المقدمية محل البحث.

و قيل أيضا: إنّ الخروج حرام مولويّ (و فيه): أنّه مع كونه مسلوب الاختيار فيه كيف تتعلق به الحرمة المتقوّمة بالاختيار. إلا أن يقال: بكفاية الاختيار حين الدخول في اختيارية الخروج أيضا. و لكنه دعوى بلا دليل خصوصا بعد التوبة. و منه تظهر المناقشة فيما قيل بأنّه واجب و حرام مولويان، لتركبه من أمرين لا يمكن إقامة الدليل على كل واحد منهما و حينئذ فتصل النوبة إلى مجرد حكم العقل و هو يحكم باختيار أقلّ المحذورين و أخفّ القبيحين هذا لباب الكلام فيمن ارتكب الحرام بسوء اختياره ثمَّ اضطر إلى التخلص منه.

و أما المقام فقد يقال: بعدم صدق إيجاد المفطر في شهر رمضان بعد الإفطار عن الخروج من الماء، لأنّه رفع الانغماس و الارتماس عرفا لا فعله حتّى يكون عن فعل المضطر (و فيه): أنّه ما دام في الماء يصدق عليه المرتمس لغة و وجدانا، فتشمله الأدلة قهرا، فيكون مثل الخروج عن الدار المغتصبة إذا دخل فيها باختياره.

و قد يقال: بأنّ الشك في الصدق يكفي في عدم جواز التمسك بالأدلة اللفظية، لكونه من التمسك بالدليل في الشبهة الموضوعية، فيرجع إلى أصالة

ص: 82

أيضا سواء كان في حال المكث أو حال الخروج (109).

مسألة 45: لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب فإن كان ناسيا للصوم و للغصب صح صومه و غسله

(مسألة 45): لو ارتمس الصائم في الماء المغصوب فإن كان ناسيا للصوم و للغصب صح صومه (110) و غسله. و إن كان عالما بهما بطلا معا (111)، و كذا إن كان متذكرا للصوم ناسيا للغصب (112) و إن

______________________________

البراءة (و فيه): ما مرّ من أنّ الصدق معلوم لغة و وجدانا إلا أن يقال: بانصراف الدليل عن مثل هذا الصدق الذي يكون من رفع الحرام لا فعله خصوصا إن كان بعد التوبة، لسقوط النهي السابق بها، و عدم تعقل حدوث نهي مولويّ آخر لمكان الاضطرار و لا أثر للنهي السابق خطابا، بل و لا ملاكا بعد التوبة، فلا وجه للحرمة. و منه يظهر أنّ قياس المقام بمن توسط الأرض المغصوبة فاضطر إلى الخروج مع الفارق، لأنّ عنوان المنهيّ عنه بالنهي السابق لا يصدق بعد تحقق الإفطار العمديّ، و إنّما هو نهي آخر يحدث تعبدا و يكفي الشك في حدوثه في عدم الحدوث و الأحوط القضاء و الكفارة.

(109) قد عرفت أنّه لا دليل على بطلان الغسل فيها في صوم شهر رمضان فكيف بالواجب المعيّن. هذا إذا أبطل صومه في الواجب المعيّن بالارتماس العمدي. و أما إذا ارتمس فيه قهرا ثمَّ أراد الغسل بالخروج أو المكث، فمقتضى الأصل صحة الصّوم من غير دليل حاكم عليه.

(110) لعدم فعلية النهي مع النسيان، و اختصاص مفطرية المفطرات بحال العمد و الالتفات فيصحان معا لا محالة. و منه يظهر أنّه مع العلم بهما يبطلان معا لحرمة التصرف في المغصوب مع العلم به فيبطل الغسل حينئذ و الصوم، لتحقق الارتماس العمدي.

(111) أما الصوم، فلتحقق الارتماس العمدي. و أما الغسل، فللنهي عنه من جهة التصرف في المغصوب و النهي في العبادة يوجب البطلان.

(112) لتحقق الارتماس العمدي فيبطل الصوم، و النهي عن الارتماس يوجب البطلان، لأنّه من النهي في العبادة الموجب للفساد. هذا في الواجب المعيّن و إلا صح غسله و بطل صومه.

ص: 83

كان عالما بالغصب ناسيا للصوم صح الصوم دون الغسل (113).

مسألة 46: لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس

(مسألة 46): لا فرق في بطلان الصوم بالارتماس بين أن يكون عالما بكونه مفطرا أو جاهلا (114).

مسألة 47: لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل

(مسألة 47): لا يبطل الصوم بالارتماس في الوحل، و لا بالارتماس في الثلج (115).

مسألة 48: إذا شك في تحقق الارتماس بنى على عدمه

(مسألة 48): إذا شك في تحقق الارتماس بنى على عدمه (116).

الثامن: البقاء على الجنابة عمدا إلى الفجر الصادق، في صوم شهر رمضان

اشارة

الثامن: البقاء على الجنابة عمدا إلى الفجر الصادق، في صوم شهر رمضان (117).

______________________________

(113) أما صحة الصوم، فلعدم تحقق فعل المفطر عن عمد و اختيار.

و أما بطلان الغسل، فلاشتراط إباحة الماء فيه.

(114) لما يأتي في الفصل التالي.

(115) للأصل بعد اختصاص الدليل بالماء، مع أنّه إذا لم يكن الارتماس في المائعات غير الماء مبطلا، ففي الوحل و الثلج بالأولى.

(116) لأصالة عدم تحقق الارتماس، و أصالة الصحة، و البراءة عن القضاء و الكفارة.

(117) لنصوص قريبة من التواتر- و قد عدّوا ذلك من قطعيات الفقه- منها: موثق أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمَّ ترك الغسل متعمّدا حتّى أصبح قال (عليه السلام): يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا»(1) و مثله غيره (2).

و بإزاء هذه الأخبار أخبار أخر تدل على الصحة كصحيح الخثعمي عنه (عليه السلام) أيضا: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصلي صلاة

ص: 84


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

أو قضائه (118) دون غيرهما من الصيام الواجبة و المندوبة على الأقوى (119)،

______________________________

الليل في شهر رمضان ثمَّ يجنب ثمَّ يؤخر الغسل متعمّدا حتّى يطلع الفجر»(1)و مثله غيره، و لكن لا بد من حملها إما على التقية، أو على غير التعمد، و طرحها لإعراض الأصحاب عنها، بل دعوى القطع على خلافها، فلا وجه لما نسب إلى الصدوقين من القول بالصحة.

(118) لصحيح ابن سنان: «أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يقضي شهر رمضان، فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتّى يجي ء آخر الليل و هو يرى أنّ الفجر قد طلع، قال (عليه السلام): لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره» (2)، و نحوه موثق سماعة (3)، و الظاهر أنّ الحكم من المسلّمات، و تشهد له قاعدة الإلحاق أيضا.

(119) لأصالة عدم المانعية و المفطرية إلا في مورد الدليل، بل قد ورد في المندوب ما يدل على الصحة، كصحيح الخثعمي: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أخبرني عن التطوع و عن صوم هذه الثلاثة أيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم أنّي أجنبت فأنام متعمّدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال (عليه السلام): صم» (4) و نحوه غيره.

و أما الصوم الواجب، فنسب إلى المشهور كونه كصوم شهر رمضان، لقاعدة الإلحاق المستفادة من الإطلاقات الواردة في شهر رمضان.

(و فيه) أولا: أنّ تصريحه (عليه السلام) بعدم المانعية في الصوم المندوب فيما مر من الصحيح، مع أنّ اتحاد حقيقة الصيام- بواجبها

ص: 85


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

.....

______________________________

و مندوبها- يدل على أنّه ليس البقاء على الجنابة مثل الأكل و الشرب منافيا لحقيقة الصوم.

و ثانيا: أنّ مقتضى الحصر في قوله (عليه السلام): «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام، و الشراب، و الارتماس» (1) و غيره مما تقدم في أول (فصل المفطرات) هو عدم المفطرية لشي ء إلا ما دل عليه دليل بالخصوص.

و ثالثا: أنّه يشكل التمسك بقاعدة الإلحاق، لموثق سماعه قال:

«سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتى أدركه الفجر، فقال (عليه السلام): عليه أن يتم صومه و يقضي يوما آخر، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي شهر رمضان، قال (عليه السلام): فليأكل يومه ذلك، و ليقض فإنّه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور» (2).

فإنّ مثل هذا الموثق أيضا ظاهر، بل صريح في الفرق بين شهر رمضان و غيره، و كذا ما دل على الاختلاف بينهما في الكفارة. و دعوى: أنّ مقتضى القاعدة الاتحاد في جميع الآثار إلا ما خرج بالدليل ليس بأولى من دعوى أنّ مقتضى الاختلاف في جملة من الآثار هو الاختلاف في جميعها إلا ما دل الدليل على الخلاف، مع أنّ عمدة دليل قاعدة الإلحاق إنّما هو الإجماع و شموله للمقام مشكل، لتحقق الخلاف ممن يعتني بخلافه، و لذا ذهب جمع- منهم صاحب المدارك و الذخيرة، و الرياض، و المحقق في المعتبر- إلى الاختصاص بخصوص صوم شهر رمضان، للأصل بعد عدم ما يصلح للاعتماد عليه لإلحاق غيره به. ثمَّ إنّه لو عبّر بأنّه يعتبر في الصوم الطهارة من الحدث الأكبر إلا ما خرج بالدليل لكان أجمع. و أولى.

ص: 86


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

و إن كان الأحوط تركه في غيرهما أيضا (120) خصوصا في الصيام الواجب، موسعا كان أو مضيقا (121).

______________________________

و خلاصة المقال: أنّ هنا أمور ثلاثة: الأول: تعمد البقاء على الجنابة، و مقتضى الأدلة اللفظية اختصاص مفطريته بصوم شهر رمضان و قضائه.

الثاني: الإصباح جنبا و تختص مفطريته بخصوص قضاء صوم شهر رمضان، و لا يجري في غيره حتّى في نفس شهر رمضان، كما تقدم.

الثالث: الاحتلام في اليوم الذي صام فيه، و لا يوجب ذلك الإفطار مطلقا، و يأتي تفصيل ذلك كلّه في المسائل الآتية.

ثمَّ إنّ البقاء على الحدث الأكبر- الذي منه الجنابة- أقسام كثيرة:

الأول: أن يكون عن عمد، و يكون مبطلا في صوم شهر رمضان، و قضائه.

الثاني: نسيان الغسل و يأتي حكمه في [مسألة 50].

الثالث: البقاء عن جهل بالموضوع و الحكم معا، و يأتي حكم البطلان في الفصل التالي، و حكم الكفارة في (فصل المفطرات المذكورة) كما أنّه موجبة للقضاء.

الرابع: عن جهل بالموضوع فقط، أو الحكم كذلك يظهر حكمها مما يأتي في ذلك الفصل.

الخامس: البقاء عن اضطرار أو إكراه و لا كفارة فيهما و الأحوط القضاء خصوصا في الإكراه.

(120) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور، و جمودا على قاعدة الإلحاق مطلقا إلا ما خرج بالدليل. و إن كان ذلك جمودا بلا دليل و مخالفا لما هو المأنوس في الشريعة من التيسير و التسهيل.

(121) لأنّه المتيقن من دعواهم الإجماع على الإلحاق، و لكن الظاهر

ص: 87

و أمّا الإصباح جنبا من غير تعمد فلا يوجب البطلان (122) إلا في قضاء شهر رمضان على الأقوى (123) و إن كان الأحوط إلحاق الواجب الغير المعيّن به (124) في ذلك.

______________________________

أنّ الإجماع اجتهاديّ لا تعبديّ، و قد خالفه المحقق في المعتبر.

(122) للأصل، و أدلة حصر المفطرات، و لصحيح القماط أنّه:

«سأل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عمن أجنب في شهر رمضان في أول الليل، فنام حتّى أصبح قال (عليه السلام): لا شي ء عليه، و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال» (1) و نحوه غيره المحمول على غير صورة التعمد، جمعا، و إجماعا. هذا مع ظهور الإجماع على عدم البطلان.

و أما صحيح ابن مسلم: «عن أحدهما (عليهما السلام) سألته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمَّ ينام قبل أن يغتسل، قال (عليه السلام): يتم صومه و يقضي ذلك اليوم» (2) فهو محمول على صورة التعمد، جمعا و إجماعا. و يكفي في عدم بطلان سائر أقسام الصّيام- واجبا كان أو مندوبا- الأصل، و أدلة حصر المفطرات.

(123) لصحيح ابن سنان قال: «كتب أبي إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) و كان يقضي شهر رمضان، و قال: إنّي أصبحت بالغسل و أصابتني جنابة فلم أغتسل حتّى طلع الفجر، فأجابه (عليه السلام) لا تصم هذا اليوم و صم غدا» (3)، و نحوه غيره، و يظهر منهم الإجماع عليه أيضا، و به يخرج عن أصالة التساوي بين الأداء و القضاء في الحكم.

(124) لما نسبه في جامع المقاصد إلى الأصحاب، و لإمكان ما ورد في

ص: 88


1- الوسائل باب: 13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

و أما الواجب المعين رمضانا كان أو غيره فلا يبطل بذلك (125). كما لا يبطل مطلق الصوم- واجبا كان أو مندوبا معينا أو غيره- بالاحتلام في النهار (126) و لا فرق في بطلان الصوم بالإصباح جنبا عمدا بين أن تكون الجنابة بالجماع في الليل أو الاحتلام (127)، و لا بين أن يبقى كذلك متيقظا أو نائما بعد العلم بالجنابة مع العزم

______________________________

صحيح ابن سنان من قضاء شهر رمضان على مجرد المثال لكل واجب موسع، و لكن كون الأول من الإجماع المعتبر مشكل، و كذا الثاني في مقابل ما دل على حصر المفطرات فلا حاكم على أصالة البراءة عن المانعية و المفطرية في غير مورد النص مضافا إلى ما تقدم من حصر المفطرات في غيره» و إن كان ذلك يكفي في الاحتياط بل الوجوبيّ منه إن كانت النسبة إلى الأصحاب عبارة أخرى عن دعوى الإجماع كما هو عادة بعض الفقهاء في التعبير عنه به.

(125) لما تقدم من صحيح القماط، و ظهور الإجماع.

(126) لنصوص مستفيضة- مضافا إلى الإجماع، بل الضرورة الفقهية- منها قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «ثلاثة لا يفطرن الصّائم:

القي ء، و الاحتلام، و الحجامة»(1). فتلخص أن الأقسام ثلاثة: البقاء على الجنابة إلى الفجر عمدا، و الإصباح جنبا، و الاحتلام في حال الصّوم، و مقتضى الأدلة اللفظية اختصاص الأول بخصوص شهر رمضان، و الثاني بقضائه، لا أثر للأخير في فساد الصّوم أصلا.

(127) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و صحيح الحلبيّ: «في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثمَّ نام متعمّدا في شهر رمضان حتّى أصبح؟

قال (عليه السلام): يتم صومه ذلك ثمَّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربه» (2)، و قريب منه صحيح البزنطي (3).

ص: 89


1- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.

على ترك الغسل (128).

و من البقاء على الجنابة عمدا الإجناب قبل الفجر متعمدا في زمان لا يسع الغسل و لا التيمم (129). و أما لو وسع التيمم خاصة فتيمم صح صومه و إن كان عاصيا في الإجناب (130) و كما يبطل الصوم بالبقاء على الجنابة متعمدا كذا يبطل بالبقاء على حدث الحيض و النفاس إلى طلوع الفجر فإذا طهرت منهما قبل الفجر وجب عليها الاغتسال أو التيمم و مع تركهما عمدا يبطل صومها (131) و الظاهر

______________________________

(128) لصدق تعمد البقاء على الجنابة على الجميع و قد ذكر النوم بعد الجنابة في جملة من النصوص- كما تقدم بعضها.

(129) لأنّه مع الالتفات إليه تعمد للبقاء على الجنابة أيضا، إذ المناط كلّه طلوع الفجر عليه جنبا بعمده و اختياره و هو حاصل في هذه الصورة أيضا مضافا إلى الإجماع.

(130) أما صحّة الصّوم، فلأن التراب أحد الطهورين (1)، فيترتب عليه جميع ما يترتب على الغسل من الآثار. إلا أن يقال: إنّه لا يشمل مورد إيجاد الموضوع اختيارا، و لكنّه خلاف إطلاق الأدلة، و كلمات الفقهاء، و كون التشريع لأجل التيسير و التسهيل. و أما العصيان، فظاهرهم التسالم عليه في نظائر المقام من موارد تفويت التكليف الاختياريّ بالعمد و الاختيار، و يأتي نظير المسألة في [مسألة 66] فراجع و المسألة سيالة في موارد كثيرة من الفقه.

(131) للإجماع، و النصّ في الحيض قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في موثق أبي بصير: «إن طهرت بليل من حيضها ثمَّ توانت أن تغتسل في رمضان حتّى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم» (2).

ص: 90


1- الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم.
2- الوسائل باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 1.

اختصاص البطلان بصوم رمضان (132) و إن كان الأحوط إلحاق فضائه به أيضا بل إلحاق مطلق الواجب بل المندوب أيضا (133) و أما لو طهرت قبل الفجر في زمان لا يسع الغسل و لا التيمم، أو لم تعلم بطهرها في الليل حتّى دخل النهار فصومها صحيح، واجبا كان أو ندبا على الأقوى (134).

______________________________

و اما في النفاس، فلظهور تسالمهم على أنّه كالحيض في جميع الأحكام إلا ما خرج بالدليل حتّى جعل ذلك قاعدة، و قد تقدّم في النفاس و مقتضى العمومات الدالة على وجوب الكفارة مع تعمد المفطر وجوبها أيضا، و يمكن أن يحمل الموثق على ذكر أحد المتلازمين و إرادة الآخر بالملازمة فلا وجه للتردد فيه كما نسب إلى الشهيد و المحقق اعتمادا على الأصل بعد عدم صحة الرواية، لأنّها من قسم الموثق الذي فرغنا في الأصول عن حجيته، و معها يسقط الأصل لا محالة. هذا في البقاء على حدث الحيض. و أما حدوثه فهو يوجب البطلان، لما يأتي أنّ من شرائط الصّوم الطهارة من الحيض، و يمكن أن يستشهد له للمقام أيضا.

(132) لاختصاص الدّليل به، فالمرجع في غيره الأصل، و أدلة حصر المفطرات.

(133) لاحتمال أن يكون ذكر رمضان من باب المثال لمطلق الصوم، و أصالة المساواة بين الأداء و القضاء، و قاعدة الإلحاق. و لكن الكلّ لا يصلح دليلا في مقابل الأصل، و أدلة حصر المفطرات إلا أن يكون إجماع معتبر في البين و هو مفقود، و لكن يصلح للاحتياط مستأنسا لذلك بعدّ الطهارة من حدث الحيض من شرائط صحة الصوم مطلقا.

(134) لعدم صدق التواني المعلق عليه وجوب القضاء، فمقتضى الأصل عدم وجوبه بلا فرق بين الواجب المعيّن و غيره و المندوب، لجريان الأصل في الجميع، فما في نجاة العباد من الاختصاص بالأول- و تبعه غيره-

ص: 91

مسألة 49: يشترط في صحة صوم المستحاضة- على الأحوط- الأغسال النهارية التي للصلاة

(مسألة 49): يشترط في صحة صوم المستحاضة- على الأحوط- الأغسال النهارية التي للصلاة (135)، دون ما لا يكون لها.

______________________________

مخدوش: لأنّ المناط إنّما هو التعمد في البقاء على حدث الحيض و هو عبارة أخرى عن التواني و لا يصدق العمد و لا التواني بالنسبة إليها حينئذ.

فروع- (الأول): لا فرق فيما ذكر بين ما إذا كان حصول الطهور بالطبع أو باستعمال الأدوية المعدّة له.

(الثاني) لو رأى في النوم أنّه احتلم و استيقظ فلم ير شيئا و صلّى ثمَّ رأى المنيّ في ثوبه و علم أنّه عين ما كان رآه في النوم فهل يكون ذلك من الإصباح جنبا أو لا؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ المنساق منه ما إذا توجه إليه في الجملة حين الإصباح، فلا يشمل المقام، و الأحوط الإتمام ثمَّ القضاء.

(الثالث): المراد بضيق الوقت المجوز للتيمم هو الضيق الواقعي لا الاعتقادي، لظهور الأدلة في الواقعيات ما لم يكن دليل على الخلاف.

(135) للنص، و الإجماع، ففي صحيح ابن مهزيار قال: «كتبت إليه (عليه السلام) امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثمَّ استحاضت فصلّت و صامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين هل يجوز (يصحّ) صومها و صلاتها أم لا؟ فكتب (عليه السلام) تقضي صومها و لا تقضي صلاتها، لأنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان يأمر فاطمة (عليها السلام) و المؤمنات من نسائه بذلك» (1).

و أشكل عليه تارة: بالإضمار و أخرى: باشتماله على ما لا يقول به أحد من عدم قضاء الصلاة، و ثالثة: بأنّ الصدّيقة الطاهرة لم تر الدم؟ مع أنها طاهرة مطهرة كما في النصوص (2)، و قد ورد، عن أبي جعفر (عليه السلام):

ص: 92


1- الوسائل باب: 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- راجع ج: 3 صفحة: 297.

.....

______________________________

«إنّ بنات الأنبياء لا يطمثن إنّما الطمث عقوبة» (1) فكيف ببنت خاتمهم (صلّى اللّه عليه و آله).

(و يرد الأول): بأنّه لا بأس به إن كان المضمر مثل ابن مهزيار.

و الثاني: بأنّه يصح التفكيك في الخبر بالعمل ببعضه و طرح بعضه، مع إمكان التوجيه- كما تقدم في كتاب الطهارة- و الأخير: بأنّه يمكن أنّه (صلّى اللّه عليه و آله) قال ذلك لأن تعلم غيرها من النساء، مع احتمال أن يكون المراد فاطمة بنت جحش- كما في مرسل يونس (2)المذكور في مباحث الدماء- لأنّها كانت دامية، مع أنّ رواية العلل و الفقيه خال عن ذكر فاطمة (3).

ثمَّ إنّ المرجع في المسألة- مع قطع النظر عن النص، و الإجماع- أصالة البراءة، و أدلة حصر المفطرات، و أما مع ملاحظتهما فالمسألة من صغريات الأقلّ و الأكثر، لأنّ المتيقن وجوب الأغسال النهارية سواء كانت أغسال الليلة واجبة أم لا، فإنّ احتمال كون الأغسال الليلية واجبة دون النهارية لا وجه له، كما أنّ الأغسال النهارية هي المتيقن من مورد الإجماع أيضا، و المنساق من النص بحسب القرائن المغروسة في الأذهان في صيام شهر رمضان إنّما هو غسل الفجر و غسل الظهرين. و أما غسل العشاءين سواء كان لليلة الآتية أم الماضية، فهو خلاف المتفاهم منه، و إن كان ذلك مقتضى الجمود على إطلاقه و إطلاق بعض الفتاوى، و لكنّه جمود بالنسبة إلى الصوم بلا دليل.

ثمَّ إنّ مورد النص الاستحاضة الكثيرة لذكر الغسل لكل صلاتين فيه الذي هو من أحكام الكثيرة، و يمكن إلحاق المتوسطة بها، لأجل أنّ ذكر الغسل لكل صلاتين من باب المثال لا الخصوصية، مع التصريح في بعض معاقد الإجماعات بعدم الفرق بين الوسطى و الكبرى- كما في طهارة الجواهر- مضافا إلى أنّه يمكن حصول الوثوق بأنّ المناط كله تحقق الحدث الأكبر و هو متحقق فيهما بلا فرق بينها كما مرّ في كتاب الطهارة.

ص: 93


1- علل الشرائع باب: 215 علة الطمث صفحة: 274 ط- قم ج: 1.
2- الوافي ج: 4 صفحة: 70. و راجع ج: 3 صفحة 214.
3- علل الشرائع باب: 224 صفحة: 277 ط- قم. ج: 1.

فلو استحاضت قبل الإتيان بصلاة الصبح أو الظهرين بما يوجب الغسل- كالمتوسطة أو الكثيرة- فتركت الغسل بطل صومها. و أما لو استحاضت بعد الإتيان بصلاة الفجر أو بعد الإتيان بالظهرين، فتركت الغسل إلى الغروب لم يبطل صومها (136) و لا يشترط فيها الإتيان بأغسال الليلة المستقبلة (137) و إن كان أحوط (138). و كذا لا يعتبر فيها الإتيان بغسل الليلة الماضية (139) بمعنى أنّها لو تركت الغسل

______________________________

(136) لعدم موضوع الغسل النهاريّ حينئذ، و مقتضى الأصل عدم اعتبار الغسل الليلي كما مرّ، و لو حدثت المتوسطة بعد صلاة الفجر، فتركت الغسل للظهرين بطل صومها.

(137) للأصل، و عن صاحب الجواهر- في كتاب الطهارة- «و قد قطع جماعة بعدم اعتباره لمكان سبق انعقاد الصوم».

(138) خروجا عن خلاف الشيخ، و ابن إدريس حيث اشترطا صحة صومها بكل ما عليها جمودا على النص، و قد مرّ أنّه من مجرّد الجمود بلا شاهد عليه من عقل أو نقل.

(139) للأصل، و عدم ظهور الصحيح في اعتباره، و إن كان مقتضى الجمود على الإطلاق ذلك أيضا، و فصّل في الروض بتقديم غسل الفجر ليلا و عدمه، فاجتزى بالأول عن غسل العشاءين دون الثاني، فيبطل الصوم حينئذ لو أخرته إلى الفجر هنا و إن لم يبطل لو لم يكره غيره.

و الظاهر أنّه مبنيّ على وجوب تقديم الغسل على الفجر، لأنّ لرفع هذا الحدث أيضا دخلا في صحة الصوم كالحائض المنقطع دمها قبل الفجر.

(و فيه): أنّ له وجها فيمن انقطع حدثها بالغسل بالمرة. و أما في مستمرة الحدث كما في المقام فلا وجه له، إذ لا إشكال في توقفه على غسل الظهرين مع عدم تصور تقديمه على الفجر، فيكون المناط كله كفاية الغسل للصلاة بالنحو المشروع للصوم أيضا، و بذلك يفترق حكم هذا الحدث عن حدث الحيض و الجنابة.

ص: 94

الذي للعشاءين لم يبطل صومها لأجل ذلك. نعم، يجب عليها الغسل حينئذ لصلاة الفجر فلو تركته بطل صومها من هذه الجهة (140) و كذا لا يعتبر فيها ما عدا الغسل من الأعمال (141) و إن كان الأحوط اعتبار جميع ما يجب عليها من الأغسال و الوضوءات و تغيير الخرقة و القطنة (142) و لا يجب تقديم غسل المتوسطة و الكثيرة على الفجر (143) و إن كان هو الأحوط (144).

______________________________

(140) لأنّ غسل الفجر من الأغسال النهارية و قد مرّ اعتبارها في صحة الصوم.

(141) للأصل، و إطلاق الصحيح.

(142) لاحتمال أن يكون المراد بالغسل لكلّ صلاتين جميع ما عليها من الوظائف، فيكون ذكر الغسل من باب المثال، و نسب ذلك إلى ظاهر الشيخ، و ابن إدريس، و لكنّه من مجرّد الاحتمال لا يعتمد عليه في الاستدلال.

(143) للأصل، و إطلاق الصحيح المستفاد منه أنّ المناط في صحة الصوم إنّما هو الغسل الصّلاتي بأيّ نحو تحقق، و نسب إلى الذكرى، و المعالم وجوب التقديم لاشتراط صحة الصّوم بالطهارة منها كما في الجنابة و الحيض (و فيه): أنّه مناف للأصل، و إطلاق الصحيح، فلا يصلح للتعويل.

(144) خروجا عن خلاف الذكرى و المعالم، و لكن الأحوط إما الغسل لنافلة الليل قريبا من الفجر كما تقدم في [مسألة 3 و 10] من (فصل الاستحاضة)، أو الإتيان بغسل قبل الفجر ثمَّ الإتيان بغسل آخر لصلاة الغداة بعد الفجر. و أما الإتيان بغسل واحد قبل الفجر لصلاة الغداة، فهو و إن وافق الاحتياط من جهة الصوم، لكنه مخالف له من جهة الصلاة إلا أن يجتزى في هذا الغسل أيضا بإتيانه بعنوان التهيؤ للصلاة قبل الوقت في الجملة، و لكنّه باطل، لفرض استمرار الحدث و لا بد فيه من الاقتصار على ما بعد دخول الوقت.

ص: 95

مسألة 50: الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر

(مسألة 50): الأقوى بطلان صوم شهر رمضان بنسيان غسل الجنابة ليلا قبل الفجر حتّى مضى عليه يوم أو أيّام (145) و الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من النذر المعيّن و نحوه به و إن كان الأقوى عدمه (146) كما أنّ الأقوى عدم إلحاق غسل الحيض و النفاس لو

______________________________

(145) لصحيح الحلبي قال: «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان، قال (عليه السلام): عليه أن يقضي الصّلاة و الصّيام» (1).

و قريب منه خبر ابن ميمون (2)، و في مرسل الصدوق: «من جامع في أول شهر رمضان ثمَّ نسي الغسل حتّى خرج شهر رمضان إنّ عليه أن يغتسل و يقضي صلاته و صومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنّه يقضي صلاته و صيامه إلى ذلك اليوم و لا يقضي ما بعد ذلك» (3)، و عن الأكثر الفتوى بمفاد الصحيح.

و عن ابن إدريس صحة الصوم و إن وجب قضاء الصلاة، لعدم اشتراط صحة الصوم بالطهارة عن الحدث الأكبر، و لحديث رفع النسيان (4)، و لما دل على حصر المفطرات.

و الكل مخدوش: لعدم الاعتبار بها في مقابل النص الصحيح الصريح، و عمل الأعاظم. و ما في خبر المرسل من استثناء صدور غسل الجمعة، فهو مبنيّ على التداخل القهريّ غير الاختياريّ و هو حسن ثبوتا و يشكل إقامة الدليل عليه إثباتا. نعم، لو كان في نيته غسل الجنابة و لو إجمالا، فهو صحيح و قد تقدم في [مسألة 5] من (فصل مستحبات غسل الجنابة) ما ينفع المقام فراجع، و هذه المرسلة من أدلة التداخل القهريّ.

(146) للاقتصار في الحكم المخالف لحديث رفع النسيان الوارد مورد

ص: 96


1- الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

نسيتهما بالجنابة في ذلك و إن كان أحوط (147).

______________________________

الامتنان على خصوص مورد النص، مضافا إلى دليل حصر المفطرات- كما تقدم- و أما قاعدة الإلحاق، فلم تثبت كليتها بحيث تشمل جميع الأحكام إلا ما خرج بالدليل، لأنّ عمدة مدركها الإجماع، فلا بد من الاقتصار على المتيقن منه، و لما تقدم في بعض الأخبار من أنّ شهر رمضان لا يشبه شيئا من الشهور (1)، فهي معتبرة في مورد قام الإجماع على الاعتماد عليها. و منه يظهر حكم إلحاق غسل الحيض، و النفاس، و الاستحاضة بغسل الجنابة، إذ لا دليل على الإلحاق إلا احتمال اشتراط صحة الصوم بالطهارة من الحدث الأكبر و هو إن كان حسن ثبوتا، و لكن لم تثبت هذه الكلية إثباتا، و كذا لم يعنون الحكم بهذا العنوان في كتب الفقهاء (رحمهم اللّه) و إن قلنا بصحة هذا العنوان في الجملة سابقا فراجع.

(147) للخروج عن خلاف مثل صاحب الجواهر الذي أفتى بالإلحاق، و لاحتمال أن يكون ذكر شهر رمضان في صحيح الحلبي- المتقدم- لكل صوم، و الجنابة مثلا لكل حدث أكبر، و لكن الأول بلا دليل، و الثاني من الاحتمال العليل، و كون الحيض أشدّ من الجنابة لا يوجب إلحاقه بها فإنّه قياس إلا إذا علم بالمناط و هو غير معلوم.

(فروع)- (الأول): مقتضى ظهور تسالمهم- أنّ القضاء في حكم الأداء إلا ما خرج بالدليل- هو أنّ نسيان غسل الجنابة في قضاء شهر رمضان يوجب البطلان أيضا! و لكنه (مخدوش) بإطلاق ما تقدم في بعض الأخبار من أنّ شهر رمضان لا يشبه شيئا من الشهور، مع أنّ حديث رفع النسيان ورد مورد الامتنان في الجميع بالنسبة إلى الجميع، و لا دليل لهم على الاختصاص بخصوص رفع المؤاخذة، بل يحكم بالتعميم ما لم يكن دليل على التخصيص.

(الثاني): لو أجنب في الليل و نسي الغسل و صام و تذكر في أثناء اليوم،

ص: 97


1- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
مسألة 51: إذا كان المجنب ممن لا يتمكن من الغسل لفقد الماء، أو لغيره من أسباب التيمم- وجب عليه التيمم

(مسألة 51): إذا كان المجنب ممن لا يتمكن من الغسل لفقد الماء، أو لغيره من أسباب التيمم- وجب عليه التيمم (148) فإن تركه بطل صومه (149). و كذا لو كان متمكنا من الغسل و تركه حتّى ضاق الوقت (150).

مسألة 52: لا يجب على من تيمم بدلا عن الغسل أن يبقى مستيقظا حتّى يطلع الفجر

(مسألة 52): لا يجب على من تيمم بدلا عن الغسل أن يبقى مستيقظا حتّى يطلع الفجر، فيجوز له النوم بعد التيمم قبل الفجر على الأقوى (151) و إن كان الأحوط البقاء مستيقظا لاحتمال بطلان تيممه

______________________________

فالظاهر دخوله فيما يأتي في [مسألة 56] من الأقسام فراجع.

(الثالث): لا فرق فيما ذكر بين أن تكون الجنابة في الليل بالعمد و الاختيار أو الاحتلام، فنسي الغسل، أو حصلت في اليوم بالاحتلام، فنسي الغسل، أو حصلت الجنابة قبل شهر رمضان، فلم يغتسل نسيانا، فالدليل يشمل الجميع.

(148) لكون التيمم أحد الطهورين يجزي عن الطهارة المائية عند عدم التمكن منه و لو عشر سنين (1).

(149) لكونه حينئذ من البقاء على الجنابة عمدا.

(150) لأنّ ضيق الوقت من مسوّغات التيمم كما تقدّم في السابع من مسوغات التيمم و حينئذ فإن تمكن من التيمم وجب عليه ذلك و إلا بطل صومه و يأتي في [مسألة 66] بعض ما يتعلق بالمقام.

(151) هذه المسألة مبنية على أنّ التيمم الذي يكون بدلا عن الجنابة هل يبطل بالحدث الأصغر أو لا؟ و قد مرّ ما يتعلق به [مسألة 24] من (فصل أحكام التيمم).

ص: 98


1- الوسائل باب: 25 من أبواب التيمم حديث: 7.

بالنوم كما على القول بأنّ التيمم بدلا عن الغسل يبطل بالحدث- الأصغر

مسألة 53: لا يجب على من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر إلى الغسل فورا

(مسألة 53): لا يجب على من أجنب في النهار بالاحتلام أو نحوه من الأعذار أن يبادر إلى الغسل فورا (152) و إن كان هو الأحوط (153).

مسألة 54: لو تيقظ بعد الفجر من نومه، فرأى نفسه محتلما لم يبطل صومه

(مسألة 54): لو تيقظ بعد الفجر من نومه، فرأى نفسه محتلما لم يبطل صومه، سواء علم سبقه على الفجر، أو علم تأخره، أو بقي على الشك لأنّه لو كان سابقا كان من البقاء على الجنابة غير متعمد. و لو كان بعد الفجر كان من الاحتلام في النهار.

نعم، إذا علم سبقه على الفجر لم يصح منه صوم قضاء رمضان مع

______________________________

(152) للأصل، و الإجماع، و إطلاق موثق ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يحتلم بالنّهار في شهر رمضان يتم يومه (صومه) كما هو؟ قال (عليه السلام): لا بأس» (1)، و يقتضيه إطلاق صحيح العيص(2) أيضا.

(153) لخبر عبد الحميد قال: «سألته عن احتلام الصّائم؟ قال: فقال (عليه السلام): إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتى يغتسل» (3)، و لكن قصور سنده يمنع عن التعويل عليه، لأنّه مرسل، و مضمر، و مجهول من جهة عبد الرّحمن بن حماد، فلا يصلح للدليل و صلوحه للاحتياط عليه التعويل لحسنه في جميع الأحوال فضلا عما كان في البين حديث مجهول الحال.

ص: 99


1- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصّوم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 35 من أبواب ما يمسك عنه الصّوم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصّوم حديث: 4.

كونه موسعا. و أما مع ضيق وقته فالأحوط الإتيان به و بعوضه (154).

مسألة 55: من كان جنبا في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال

(مسألة 55): من كان جنبا في شهر رمضان في الليل لا يجوز له أن ينام قبل الاغتسال إذا علم أنّه لا يستيقظ قبل الفجر للاغتسال، و لو نام و استمر إلى الفجر لحقه حكم البقاء متعمدا (155)، فيجب عليه القضاء و الكفارة (156) و أما إن احتمل الاستيقاظ جاز له النوم و إن كان من النوم الثاني أو الثالث أو الأزيد (157)، فلا يكون نومه حراما (158) و إن كان الأحوط ترك النوم

______________________________

(154) لدوران الأمر بين صحة صوم ذلك اليوم و فساده، لأنّ قوله (عليه السلام) فيما تقدم من صحيح ابن سنان: «لا تصم هذا اليوم و صم غدا» (1) إن كان شاملا للموسّع و المضيّق يكون هذا الصّوم فاسدا و يجب أن يصوم يوما آخر، و إن كان مختصّا بالموسّع و لو للانصراف يجزي صومه فقط و لا يجب صوم غيره، و لا يبعد استظهار الثاني خصوصا بملاحظة قوله (عليه السلام): «و صم غدا».

(155) لأنّ التعمد إلى السبب تعمد إلى المسبب خصوصا في الأسباب التوليدية كما إذا لم يحتمل الاستيقاظ و لم يكن معتادا له أيضا.

(156) لما يأتي في الفصل التالي من التفصيل.

(157) لأصالة البراءة عن الحرمة مع الاطمئنان المتعارف باليقظة و عليه الاعتماد في الفقه كلّه من عباداته و معاملاته.

(158) لأنّه لا وجه للحرمة النفسية للنوم من حيث هو، و إنّما الحرمة فيه غيرية طريقية محضة، لأجل عدم التعمد في دخول الفجر عليه جنبا، فكل ما صدق التعمد عليه عرفا يحرم، و مع عدم صدقه لا وجه للحرمة فضلا عن صدق العدم بحسب المتعارف.

ص: 100


1- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 2.

الثاني (159) فما زاد (160) و إن اتفق استمراره إلى الفجر غاية الأمر وجوب القضاء أو مع الكفارة في بعض الصور، كما سيتبين.

______________________________

و أما الاستدلال على إطلاق الحرمة باستصحاب بقاء النوم إلى الفجر، و بمرسل عبد الحميد: «و إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام إلى ساعة حتى يغتسل» (1).

و بصحيح عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يجنب في أول الليل ثمَّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء، قلت: فإنه استيقظ ثمَّ نام حتى أصبح، قال (عليه السلام):

فليقض ذلك اليوم عقوبة (2). (فمخدوش): إذ الأول لا يثبت التعمد الذي هو موضوع الحرمة، و الثاني: قاصر سندا، مع أنّه ضبط في بعض النسخ: «فلا ينام إلا ساعة» (3). و الأخير: أعمّ من الحرمة كما لا يخفى، فلا حاكم على أصالة البراءة عن الحرمة مع الاحتمال المتعارف بالاستيقاظ و قد اختار ذلك جمع من الفقهاء، و به يمكن أن يجمع بين إطلاق الكلمات، فمن يظهر منه إطلاق الحرمة أي: مع عدم احتمال الاستيقاظ، و من يظهر منه الجواز أي: مع احتماله و الاطمئنان به.

(159) خروجا عن خلاف من يظهر منه حرمة النوم الثاني مطلقا- كما نسب إلى المسالك- خصوصا في غير معتاد الانتباه و لا دليل له، مع أنّ ظاهر حال المسلم الصائم عدم التعمد في إبطال صومه بأيّ وجه أمكنه.

(160) يعني يجوز و إن اتفق استمرار النوم إلى الفجر، لأنّ اتفاق الاستمرار مع الاطمئنان بالاستيقاظ لا يجعله من تعمد البقاء على الجنابة، إذ الاتفاق خارج عن العمد و الاختيار.

ص: 101


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- راجع التعليقة على حديث 4 من باب: 16 من أبواب ما يمسك به الصائم.
مسألة 56: نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ

(مسألة 56): نوم الجنب في شهر رمضان في الليل مع احتمال الاستيقاظ أو العلم به إذا اتفق استمراره إلى طلوع الفجر على أقسام (161):

______________________________

(161) قد ذكر (رحمه اللّه) في أول كلامه أربعة منها، مع أنّ تمام الأقسام ستة:

الأول: النوم مع العزم على ترك الغسل و البقاء على الجنابة.

الثاني: النوم مع التردد في الغسل و عدمه مع الالتفات إلى أنّ البقاء على الجنابة مانع عن صحة النوم.

الثالث: النوم مع تردد في الغسل و عدمه مع عدم الالتفات و عدم التوجه إلى المانعية أصلا.

الرابع: النوم مع الذهول و الغفلة عن الجنابة مطلقا.

الخامس: النوم مع البناء على الاغتسال، و اعتياد الانتباه.

السادس: النوم مع البناء على الاغتسال و عدم اعتياد الانتباه. هذا كله بالنسبة إلى النومة الأولى، و حكم النومة الثانية يأتي بعد ذلك و لا ريب في أنه لا موضوعية لنفس النوم من حيث هو في بطلان الصوم، للأصل، و الإطلاق، و أدلة حصر المفطرات مما لم ينطبق عليه إحدى العناوين المبطلة لا يوجب البطلان، و ما يصلح للانطباق: إما ما صدق تعمد البقاء على الجنابة عليه، أو عدم تحقق نية الصوم، و مع عدم صدق أحدهما لا موجب للبطلان إلا أن يدل عليه دليل بالخصوص، و لا إشكال في انطباق تعمد البقاء على الجنابة على القسم الأول، كما لا ريب في عدم تحقق نية الصوم في القسم الثاني، و مقتضى الأصل، و أدلة حصر المفطرات صحة الصوم في بقية الأقسام إلا أن يدل دليل على البطلان من إجماع، أو نص معتبر، و يأتي التفصيل، و الأخبار مضطربة و كذا الكلمات أشدّ اضطرابا، و لا بد من تطبيق الجميع على العمومات ثمَّ ملاحظة النص المعتبر على الخلاف.

ص: 102

فإنّه إما أن يكون مع العزم على ترك الغسل، و إما أن يكون مع التردد في الغسل و عدمه، و إما أن يكون مع الذهول و الغفلة عن الغسل، و إما أن يكون مع البناء على الاغتسال، حين الاستيقاظ مع اتفاق الاستمرار، فإن كان مع العزم على ترك الغسل أو مع التردد فيه لحقه حكم تعمد البقاء جنبا (162) بل الأحوط ذلك إن كان مع الغفلة

______________________________

(162) القسم الأول: مع تعمد البقاء على الجنابة موضوعا لا أن يكون منه حكما، إذ المفروض بناؤه على ترك الغسل عن عمد و اختيار، و ليس معنى التعمد إلا ذلك.

و القسم الثاني يكون الصوم فيه باطلا، لأنّه لم تتحقق فيه نية الصوم، لأنّ النية و القصد الجزم بالشي ء و لا ريب في منافاة التردد مع الالتفات إلى المانعية و المفطرية مع القصد و النية، فيبطل الصوم من هذه الجهة كما تقدم في [المسألة 22] من أول كتاب الصوم.

و أما القسم الثالث: و هو ما إذا تردد في الغسل مع عدم الالتفات إلى مانعية البقاء على الجنابة للصوم، و مع ذلك قصد الصوم، فلا يبطل صومه من حيث فقد النية، لفرض تحقق قصد الصوم منه و إمكان ذلك، كما لا وجه للبطلان من حيث تعمد البقاء على الجنابة، لأنّ التعمد بشي ء هو البناء عليه عن علم و جزم و هما مفقودان مع التردد و الشك. إلا أن يقال: إنّ المستفاد من مجموع النصوص بعد رد بعضها إلى بعض إنّما هو لزوم البناء على الاغتسال و عدم التواني فيه، فلا بد في المجنب في ليلة شهر رمضان من قصد الغسل و نيته، و مع عدم القصد و النية يصدق التعمد سواء بنى على العدم أم تردد في الاغتسال و عدمه، و لذا عبّر المحقق في الشرائع: «فلو أجنب فنام غير ناو للغسل فسد صومه»، و في الجواهر تعميم العبارة إلى الذهول و التردد، و نسب التعبير بعبارة المحقق إلى الأكثر، و استظهر من العلامة الإجماع عليه.

أقول: و يمكن استفادته من صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليه السلام)

ص: 103

و الذهول أيضا (163) و إن كان الأقوى لحوقه بالقسم الأخير (164)، و إن

______________________________

أنّه: «سأل عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمَّ ينام؟ إنه قال (عليه السلام) إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماء يسخن أو يستقى، فطلع الفجر، فلا يقضي صومه» (1).

و في خبر إسماعيل عن الرضا (عليه السلام): «عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان- إلى أن قال- قلت: رجل أصابته جنابة في آخر الليل، فقام ليغتسل و لم يصب ماء فذهب يطلبه، أو بعث من يأتيه بالماء، فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): يغتسل إذا جاءه ثمَّ يصلّي» (2).

و يشهد له ما ورد من التواني في غسل الحيض كما تقدم في موثق أبي بصير (3)، و لكن في كفاية ذلك في الخروج عما اشتمل على التعمد من النصوص إشكال، بل منع، مع أنّ هذا نحو تعسير ينافي التسهيل و التيسير المبني عليه الشريعة خصوصا في هذا الأمر العام البلوى. إلا أن يقال: بصدق التعمد عليه أيضا في المتعارف بين المتشرعة، لأنّ بناءهم في ليالي شهر رمضان على التبادر إلى غسل الجنابة عند حصولها و عدم التأخير إلى الفجر، فيكون التأخير في الغسل و عدمه من التعمد في التأخير و هذا أيضا مشكل.

(163) بناء على أنّ المستفاد من الأدلة إنّما هو البناء على الاغتسال لا التعمد في ترك الغسل، و لكن تقدم أنّ هذه الاستفادة مشكلة.

(164) لعدم صدق تعمد البقاء على الجنابة مع الذهول و الغفلة، و لتحقق قصد الصوم و نيته معهما كما هو واضح، فلا وجه لاستناده إلى صدق التواني، لتوقفه على الالتفات، و لا التفات مع الذهول و الغفلة خصوصا مع اتصالها بحصول الجنابة، فلا وجه للبطلان إلا ما يظهر من العلامة من دعوى الإجماع و هو مخدوش أولا: بعدم الاعتماد عليه لعدم تعرض غيره له و ثانيا:

ص: 104


1- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

كان مع البناء على الاغتسال، أو مع الذهول- على ما قوّينا- فإن كان في النومة الأولى بعد العلم بالجنابة فلا شي ء عليه، و صح صومه (165) و إن كان في النومة الثانية- بأن نام بعد العلم بالجنابة، ثمَّ انتبه و نام ثانيا- مع احتمال الانتباه، فاتفق الاستمرار وجب عليه

______________________________

بأنّ المتيقن منه غير الذهول و الغفلة. و ثالثا: أنّه اجتهاديّ لا تعبديّ، فلا يصلح إلا للاحتياط الاستحبابيّ كما في المتن.

(165) للأصل، و ظهور الاتفاق، و إطلاق ما دل على جواز النوم بعد الجنابة، و في صحيح ابن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

الرجل يجنب في أول الليل ثمَّ ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال (عليه السلام) ليس عليه شي ء قلت: فإنّه استيقظ ثمَّ نام حتى أصبح قال (عليه السلام): فليقض ذلك اليوم عقوبة» (1) فإنّ صدره ظاهر، بل صريح في نفي القضاء و الكفارة على من علم بالجنابة ثمَّ نام و لم يستيقظ.

و في صحيح ابن أبي يعفور عنه (عليه السلام) أيضا: «الرجل يجنب في شهر رمضان ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام، ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام حتى يصبح قال (عليه السلام): يتم صومه و يقضي يوما آخر، و إن لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه (يومه) و جاز له» (2)، فإنّ المنساق من ذيله عدم الاستيقاظ أبدا من نوم الاحتلام حتى يصبح جنبا، فيكون دليلا على أنّ الإصباح جنبا في صوم شهر رمضان لا يوجب البطلان و لكنّه خلاف الظاهر، لأنّ المتفاهم من مجموع الحديث سؤالا و جوابا أنّه متكفّل لحكم صورتين من الاستيقاظ: الأولى:

تكرّره مرّتين بعد العلم بالجنابة و هذه هي التي سألها السائل. الثانية:

الاستيقاظ الواحد بعد العلم بالجنابة و هي التي بينها الإمام (عليه السلام) ابتداء من غير سؤال.

ص: 105


1- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

القضاء فقط، دون الكفارة على الأقوى (166) و إن كان في النومة الثالثة فكذلك على الأقوى (167) و إن كان الأحوط ما هو المشهور: من

______________________________

(166) أما وجوب القضاء، فلا خلاف فيه نصّا و فتوى، و تقدم في صحيحي ابن عمار، و أبي يعفور آنفا. و أما عدم الكفارة فللأصل و ظهور الإجماع، و لا دليل عليها إلا دعوى الملازمة بين وجوب القضاء و وجوبها، و خبر المروزي:

«إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم و لا يدرك فضل يومه» (1).

و مرسل ابن عبد الحميد: «فيمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح، فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم و يتم صيامه و لكن يدركه أبدا» (2).

و لكن الملازمة لا دليل عليها من عقل أو نقل، و الخبران مضافا إلى قصور سندهما محمولان على العمد بقرينة خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمَّ ترك الغسل متعمدا حتى أصبح؟ قال (عليه السلام): يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، قال: و قال (عليه السلام): إنّه حقيق (لخليق) أن لا أراه يدركه أبدا» (3).

(167) أما وجوب القضاء، فلدلالة النصوص الدالة عليه في النوم الثاني هنا بالأولوية- مضافا إلى ظهور الإجماع عليه. و أما وجوب الكفارة، فنسب إلى المشهور و ليس لهم مستند واضح، فإنّه إما دعوى الإجماع عليها، أو ما استدل على وجوبها في النوم الثاني مما مرّ آنفا، أو صدق عنوان التساهل و التواني.

ص: 106


1- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4,3.

وجوب الكفارة أيضا في هذه الصورة (168) بل الأحوط وجوبها في النومة الثانية أيضا (169). بل و كذا في النومة الأولى أيضا إذا لم يكن معتاد الانتباه و لا يعد النوم الذي احتلم فيه من النوم الأول. بل المعتبر فيه النوم بعد تحقق الجنابة فلو استيقظ المحتلم من نومه ثمَّ نام كان من الأول لا الثاني (170).

______________________________

و الكل باطل إذ الأول موهون لمخالفة جمع كثير منهم المحقق، و العلامة، و صاحب المدارك، مع أنّ الظاهر أنّه اجتهادي لا تعبدي، و تقدم الخدشة في الثاني آنفا، و الأخير أعمّ إذ من الممكن أن يكون بانيا على الغسل في النوم الثالث أو أزيد، مع أنّه قد تقدم الإشكال في كون المدار على التواني و التساهل.

(168) خروجا عن خلاف ما نسب إلى المشهور و إن لم يقم عليه دليل يصح الاعتماد عليه.

(169) لما عن جمع من الملازمة بين القضاء و الكفارة إلا ما خرج بالدليل، و لكن تقدمت المناقشة في أصل الملازمة و منه يظهر وجه الاحتياط في النومة الأولى مع عدم اعتياد الانتباه، لأنّ منشأ وجوب الكفارة ليس إلا الملازمة و لا دليل على صحتها من عقل، أو نقل.

(170) للأصل، و لأنّ المدار نصّا و فتوى على أنّه نام جنبا ثمَّ استيقظ و لا يصدق ذلك على النوم الذي احتلم فيه. نعم، يصدق عليه أنّه احتلم في النوم و ليس هو مورد الأدلة، لأنّ التعبيرات الواردة في النصوص هكذا:

ففي صحيح عمار: «الرجل يجنب في أول الليل ثمَّ ينام» (1)، و في صحيح ابن أبي يعفور: «الرجل يجنب في شهر رمضان ثمَّ يستيقظ ثمَّ ينام» (2)، و في صحيح ابن مسلم: «الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثمَّ ينام» (3)، و في موثق ابن أبي نصر «أو أصابته جنابة ثمَّ ينام» (4).

ص: 107


1- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
مسألة 57: الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأول

(مسألة 57): الأحوط إلحاق غير شهر رمضان من الصوم المعيّن به في حكم استمرار النوم الأول، أو الثاني، أو الثالث حتى في الكفارة في الثاني و الثالث، إذا كان الصوم مما له كفارة، كالنذر و نحوه (171).

مسألة 58: إذا استمر النوم الرابع أو الخامس

(مسألة 58): إذا استمر النوم الرابع أو الخامس، فالظاهر أنّ حكمه حكم النوم الثالث (172).

مسألة 59: الجنابة المستصحبة كالمعلومة

(مسألة 59): الجنابة المستصحبة كالمعلومة في الأحكام المذكورة (173).

مسألة 60: ألحق بعضهم الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات

(مسألة 60): ألحق بعضهم الحائض و النفساء بالجنب في حكم النومات، و الأقوى عدم الإلحاق (174)، و كون المناط فيهما

______________________________

و لا يخفى ظهور الجميع في وقوع النوم بعد العلم بالجنابة سواء تحققت في النوم أم في اليقظة و هذا هو المشهور بين الفقهاء أيضا.

(171) بدعوى أنّ ذكر شهر رمضان في الأدلة من باب المثال لا الخصوصية، فالمناط كله تعين الزمان للصوم سواء كان بتعيين إلهي، أم بتعيين المكلف مع تقرير الشارع، و لكن يبعده الأصل و أدلة حصر المفطرات، و أنّ شهر رمضان لا يشبه شيئا من الشهور، و منه يظهر الإشكال في إلحاق قضاء شهر رمضان به أيضا.

(172) لشمول دليل النوم الثاني و الثالث للزائد أيضا. هذا مع أنّه لم يرد دليل على تخصيص الزائد بحكم خاص و مقتضى الأصل عدمه أيضا.

(173) لما ثبت في محله من اعتبار الاستصحاب، فتكون الجنابة الثابتة بكل ما هو معتبر شرعا و لو بالأصل مثل الجنابة الواقعية.

(174) للأصل، و أدلة حصر المفطرات، فلا بد من الاقتصار على مورد النص و هو التواني كما تقدم في موثق أبي بصير.

ص: 108

صدق التواني في الاغتسال، فمعه يبطل و إن كان في النوم الأول، و مع عدمه لا يبطل و إن كان في النوم الثاني أو الثالث.

مسألة 61: إذا شك في عدد النومات بنى على الأقل

(مسألة 61): إذا شك في عدد النومات بنى على الأقل (175).

مسألة 62: إذا نسي غسل الجنابة، و مضى عليه أيام

(مسألة 62): إذا نسي غسل الجنابة، و مضى عليه أيام، و شك في عددها يجوز له الاقتصار في القضاء على القدر المتيقن (176) و إن كان الأحوط تحصيل اليقين بالفراغ.

مسألة 63: يجوز قصد الوجوب في الغسل و إن أتى به في أول الليل

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 10، ص: 109

(مسألة 63): يجوز قصد الوجوب في الغسل و إن أتى به في أول الليل (177). لكن الأولى مع الإتيان به قبل آخر الوقت أن

______________________________

(175) لأصالة عدم الأكثر و هي معتبرة في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر من غير اختصاص بالمقام.

(176) لأنّ الزائد عليه مشكوك، فيرجع فيه إلى البراءة و هذا أيضا من صغيرات الأقلّ و الأكثر، فيؤخذ بالأقل و يرجع في الأكثر إلى الأصل، و لا ريب في حسن الاحتياط على كل حال و في جميع الأحوال.

(177) لإمكان استفادة الوجوب مما ورد في تحريم البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر وجوبا طريقيا تهيئيا، و لا فرق في التهيؤ بين أول الليل و آخره هذا بحسب المنساق من الأدلة الخاصة.

و أما بحسب القواعد فالمسألة من صغريات ما ذكروه في الأصول من أنّ وجوب المقدمة متفرع عن وجوب ذيها، و يتبعها في الإطلاق و الاشتراط، فإذا كان وجوب ذيها مشروطا بشرط و قيد يكون وجوبها أيضا كذلك، و حيث إنّ وجوب الصوم مشروط بكونه من أول الفجر و لا وجوب له قبله، فلا وجه لاتصاف الغسل بالوجوب من أول الليل، إذ يلزم تحقق وجوب المقدمة قبل

ص: 109

لا يقصد الوجوب، بل يأتي به بقصد القربة (178).

مسألة 64: فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم

(مسألة 64): فاقد الطهورين يسقط عنه اشتراط رفع الحدث للصوم (179) فيصح صومه مع الجنابة، أو مع حدث الحيض أو النفاس.

______________________________

حصول وجوب ذيها، و هو من قبيل تحقق المعلول قبل علته و بطلانه غني عن البيان.

و أجيب عن هذا الإشكال بوجوه مذكورة في الأصول و أساس هذا الإشكال مبنيّ على كون وجوب ذي المقدمة من العلة الفاعلية لوجوب المقدمة و ليس عليه دليل من عقل أو نقل. و لنا أن نقول: إنه من قبيل العلة الغائية المتأخرة خارجا و المقدمة علما، فيكون تفرع وجوب المقدمة عن ذيها نحو المغيّ على الغاية، و لا ريب في كون وجوب الغاية هو الأصل في تفرغ وجوب المغيّ.

هذا إجمال ما لا بد و أن يفصّل في غير المقام فراجع ما سميناه بتهذيب الأصول.

(178) لأنّه لا ريب في أنّ غسل الجنابة مستحب نفسيّ كما تقدم- في كتاب الطهارة- عند قوله (رحمه اللّه) «فصل غسل الجنابة مستحب نفسي» بل أصل رجحانه مما لا ريب فيه، كما لا ريب في عدم اعتبار قصد الوجوب و الندب رأسا، فهذه المباحث فرض على فرض، و لا يتسع الوقت لأن يصرف فيها مطلقا.

(179) لظهور تسالمهم على أنّه شرط اختياريّ عند القدرة و التمكن، و يمكن أن تستفاد الشرطية الاختيارية من صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «سأل عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ثمَّ ينام؟ قال (عليه السلام) إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر، فإن انتظر ماء يسخن

ص: 110

مسألة 65: لا يشترط في صحة الصوم الغسل لمس الميت

(مسألة 65): لا يشترط في صحة الصوم الغسل لمس الميت كما لا يضرّ مسه في أثناء النهار (180).

مسألة 66: لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمم

(مسألة 66): لا يجوز إجناب نفسه في شهر رمضان إذا ضاق الوقت عن الاغتسال أو التيمم (181)، بل إذا لم يسع للاغتسال و لكن وسع للتيمم (182) و لو ظنّ سعة الوقت فتبيّن ضيقه فإن كان بعد

______________________________

أو يستقى، فطلع الفجر فلا يقضي صومه (1)».

و خبر ابن عيسى سأل الرضا (عليه السلام): «عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان- إلى أن قال-: رجل أصابته جنابة في آخر الليل فقام ليغتسل و لم يصب ماء فذهب يطلبه أو بعث من يأتيه بالماء فعسر عليه حتى أصبح كيف يصنع؟ قال (عليه السلام): يغتسل إذا جاءه ثمَّ يصلي» (2). هذا إذا اتفق فقد الطهورين، و أما إن علم به و مع ذلك أجنب نفسه، فيأتي حكمه في [مسألة 66].

(180) للأصل، و أدلة حصر المفطرات، و ظهور الاتفاق.

(181) لأنّ ذلك تفويت للمصلحة بالعمد و الاختيار و هو قبيح عقلا، و غير جائز شرعا إلا مع وجود أهمّ في البين، و لكن لو فعل و صام، فالصحة مبنية على شمول دليل صحة صوم فاقد الطهورين له، و الظاهر عدم الشمول إذ المتيقن من الاتفاق و المنصرف مما مرّ من الخبرين غير ذلك، فيصدق عليه تعمد البقاء على الجنابة إلى الفجر، فيفسد صومه، فيجب عليه القضاء و الكفارة.

(182) أما الحرمة تكليفا، فلتفويت بعض مراتب المصلحة اختيارا، و ظاهرهم التسالم على الحرمة. و أما صحة الصوم، فتقدم في أول هذا المفطر

ص: 111


1- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

الفحص صح صومه (183) و إن كان مع ترك الفحص فعليه القضاء على الأحوط (184).

التاسع: من المفطرات الحقنة بالمائع

اشارة

التاسع: من المفطرات الحقنة بالمائع (185) و لو مع الاضطرار إليها لرفع المرض (186)، و لا بأس بالجامد و إن كان الأحوط اجتنابه

______________________________

التصريح بها عند قوله (رحمه اللّه): «و أما لو وسع التيمم خاصة، فتيمم صح صومه».

(183) للأصل، و عدم صدق تعمد البقاء على الجنابة حينئذ.

(184) منشأ التردد الشك في صدق التعمد و عدمه، و مع الشك لا يصح التمسك بعمومات وجوب القضاء و الكفارة، لأنّه من التمسك بالدليل مع الشك في موضوعه، فلا بد من الرجوع إلى الأصل و هو أصالة الصحة و عدم وجوب شي ء عليه.

(185) لصحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام): «الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر رمضان، فقال (عليه السلام): «الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (1) الظاهر في المانعية كما في غيره من سائر المفطرات، و عن الناصريات: «لم يختلف في أنّه تفطر».

و المتفاهم من الاحتقان في المتعارف ما كان بالمائع، و يطلق على غيره الشاف، و اللطف، و الاستدخال، فراجع الكتب الموضوعة لذلك، مع أنّه يكفي الأصل في عدم مفطرية الجامد، و في موثق ابن فضال قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟

فكتب (عليه السلام): لا بأس بالجامد» (2).

(186) لأنّ المعهود من الاحتقان ما كان للعلة و المرض و قد ذكرت العلة فيما تقدم من الصحيح أيضا.

ص: 112


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

أيضا (187).

مسألة 67: إذا احتقن بالمائع، لكن لم يصعد إلى الجوف

(مسألة 67): إذا احتقن بالمائع، لكن لم يصعد إلى الجوف بل كان بمجرّد الدخول في الدبر فلا يبعد عدم كونه مفطرا (188). و إن كان الأحوط تركه (189).

مسألة 68: الظاهر جواز الاحتقان بما يشك في كونه جامدا أو مائعا

(مسألة 68): الظاهر جواز الاحتقان بما يشك في كونه جامدا أو مائعا (190) و إن كان الأحوط تركه (191).

______________________________

(187) أما عدم البأس به، لما تقدم من الأصل، و الموثق، و صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدّواء و هما صائمان؟ فقال (عليه السلام): لا بأس» (1).

و أما الاحتياط، فللخروج عن خلاف مثل السيد (رحمه اللّه) القائلين بالإفساد و قد ظهر مما سبق أنّه لا دليل لهم عليه و لو فرض أنّ الاستدخال المذكور في صحيح ابن جعفر أعمّ من المائع يكفي في عدم الإفساد، الموثق و لا بد من حمل صحيح ابن جعفر عليه أيضا جمعا.

(188) لأنّ الاحتقان المعهود ما وصل إلى الجوف و لا ظهور للدليل في غيره، فيرجع فيه إلى الأصل، و مقتضاه الصحة و عدم القضاء.

(189) لاحتمال أن يكون المراد بالاحتقان مطلق الإدخال و لو لم يصل إلى الجوف.

(190) للأصل بعد عدم جواز التمسك بالدليل للشك في موضوعه.

(191) خروجا عن خلاف من حكم بفساد الصوم بالاحتقان بالجامد أيضا، فيكون المردد بين المائع و الجامد مفسدا لديه قطعا.

(فروع)- (الأول): لو كان جامدا حين الاحتقان و صار مائعا بعد

ص: 113


1- الوسائل باب: 5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

العاشر: تعمد القي ء

اشارة

العاشر: تعمد القي ء (192) و إن كان للضرورة، من رفع مرض أو نحوه (193). و لا بأس بما كان سهوا، أو من غير اختيار (194)

______________________________

الوصول إلى الجوف لا يكون مفطرا، للأصل و إن كان الأحوط تركه.

(الثاني): لا فرق في الاحتقان المفطر بين كونه من الطريق الطبيعيّ أو من غيره مع انسداده إن صدق الاحتقان عرفا.

(الثالث): غسل المعدة و الأمعاء بالآلات الحديثة ليس من الاحتقان و الأحوط تركه، و كذا لا يفطر الاحتقان بالبخار و الهواء، و نحوهما مما حدث في هذه الأعصار.

(الرابع): لو غسل الأمعاء و المعدة بالآلات الحديثة من طريق الفم ثمَّ رجع ما غسل به من طريقه أيضا ليس ذلك من الأكل و لا القي ء.

(192) لجملة من النصوص: منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر و إن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه» (1)، مضافا إلى دعوى الإجماع عن جمع.

و أما قوله (عليه السلام): «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء، و الاحتلام، و الحجامة» (2) فمحمول على ما إذا ذرعه جمعا، و إجماعا، و ظهور قوله (عليه السلام): «فقد أفطر» في المانعية و المفطرية كسائر المفطرات مما لا ينكر، فلا وجه للقول بحرمته التكليفية فقط دون الإفطار.

(193) لأنّ المتعارف في القي ء أن يكون للضرورة، و الأدلة الشرعية منزلة عليه.

(194) لاعتبار التعمد في مفطرية المفطرات مطلقا- كما يأتي في الفصل التالي- فلا أثر لوقوعها سهوا، و عن الصادق (عليه السلام) في خبر ابن صدقة: «من تقيّأ متعمّدا و هو صائم فقد أفطر» (3)، و عنه (عليه السلام) أيضا

ص: 114


1- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 7.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.

و المدار على الصدق العرفي (195)، فخروج مثل النواة، أو الدود لا يعدّ منه.

مسألة 69: لو خرج بالتجشّؤ شي ء، ثمَّ نزل من غير اختيار

(مسألة 69): لو خرج بالتجشّؤ شي ء، ثمَّ نزل من غير اختيار، لم يكن مبطلا (196). و لو وصل إلى فضاء الفم فبلعه اختيارا بطل صومه (197)، و عليه القضاء و الكفارة (198)، بل تجب كفارة

______________________________

في موثق سماعه قال: «سألته عن القي ء في رمضان، فقال: إن كان شي ء يبدره فلا بأس»(1)و هو دليل عدم البطلان إن صدر بلا اختيار، مضافا إلى ظهور الإجماع.

(195) لأنّه بما هو من الموضوعات المتعارفة بين الناس أخذ موضوعا للحكم، و لا يصدق عرفا على خروج مثل النواة، و الدود، بل يجوز إخراج شي ء من معدته بالآلات المعدة لذلك إذ لا يصدق عليه القي ء عرفا و يأتي في [مسألة 77].

(196) للنص، و الإجماع، ففي موثق ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثمَّ يرجع إلى جوفه و هو صائم قال ليس بشي ء» (2) و نحوه غيره.

(197) لتحقق الأكل العمديّ حينئذ. و أما صحيح ابن سنان قال:

«سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء من الطعام، أ يفطر ذلك؟ قال: لا، قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه قال: لا يفطر ذلك» (3) فلا عامل به، و يمكن حمله على السهو و الغفلة.

(198) لما يأتي في الفصل التالي من وجوبها مع العمد إلى المفطر.

ص: 115


1- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 9.

الجمع إذا كان حراما من جهة خباثته، أو غيرها (199).

مسألة 70: لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار فسد صومه

(مسألة 70): لو ابتلع في الليل ما يجب عليه قيؤه في النهار فسد صومه إن كان الإخراج منحصرا في القي ء (200)، و إن لم يكن منحصرا فيه لم يبطل (201) إلا إذا اختار القي ء مع إمكان الإخراج بغيره (202). و يشترط أن يكون مما يصدق القي ء على إخراجه. و أما لو كان مثل درة، أو بندقة، أو درهم أو نحوها مما لا يصدق معه القي ء لم يكن مبطلا (203).

مسألة 71: إذا أكل في الليل ما يعلم أنّه يوجب القي ء في النهار من غير اختيار

(مسألة 71): إذا أكل في الليل ما يعلم أنّه يوجب القي ء في النهار من غير اختيار فالأحوط القضاء (204).

______________________________

(199) بناء على وجوب كفارة الجمع في الإفطار بالحرام، و يأتي التفصيل في [مسألة 1] من (فصل المفطرات المذكورة). و لو شك في أنّه صار خبيثا أم لا، فأصالة عدم الخباثة جارية.

(200) لأنّه مع الالتفات إلى أنّه يجب عليه ارتكاب هذا المفطر لا يحصل منه قصد الصوم. نعم، لو غفل عن ذلك و نوى الصوم تحصل منه نية الصوم حينئذ و يصح من هذه الجهة، و إنّما يبطل بتحقق القي ء خارجا، فيكون مثل ما إذا لم يكن إخراجه منحصرا في القي ء كما في الصورة الآتية.

(201) لوجود المقتضي للصحة و هو تحقق نية الصوم و فقد المانع عنها كما هو المفروض.

(202) لأنّه حينئذ من الإتيان بالمفطر عمدا و اختيارا، فيبطل لا محالة.

(203) لأصالة الصحة و عدم وجوب القضاء و الإعادة.

(204) مقتضى أنّ التعمد إلى السبب تعمد إلى المسبب خصوصا في مثل التوليديات هو الجزم بوجوب القضاء كما يأتي في [مسألة 6] من الفصل التالي، و لكن حيث يحتمل أن يكون إطلاق قوله (عليه السلام) في موثق سماعة: «إن كان شي ء يبدره فلا بأس، و إن كان شي ء يكره نفسه عليه فقد

ص: 116

مسألة 72: إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب

(مسألة 72): إذا ظهر أثر القي ء و أمكنه الحبس و المنع وجب، إذا لم يكن حرج و ضرر (205).

مسألة 73: إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه

(مسألة 73): إذا دخل الذباب في حلقه وجب إخراجه (206) مع إمكانه و لا يكون من القي ء (207)، و لو توقف إخراجه على القي ء سقط وجوبه و صح صومه (208).

______________________________

أفطر و عليه القضاء» (1)شاملا لما إذا حصل السبب بالاختيار أيضا يوجب ذلك التردد، فاحتاط لذلك.

(205) أما وجوب المنع مع عدم الحرج، فلوجوب الإمساك عن المفطرات مع الإمكان و أما عدمه مع الحرج و الضرر فلسقوط كل واجب معهما، لحكومتهما على الأدلة الأولية. ثمَّ إنّ وجوب الإمساك إنّما هو في الصوم الواجب المعيّن، و أما في الموسع و المندوب فلا يجب ذلك لجواز الإفطار فيهما.

(206) لحرمة بلعه من جهة الخباثة، فيجب الإخراج من هذه الجهة بلا فرق بين حالة الصوم و غيرها.

(207) لعدم صدقه عليه عرفا إن لم يخرج معه شي ء آخر بحيث يصدق عليه القي ء بحسب المتعارف.

(208) لكونه من موارد الأهم و المهم، لأنّ الأمر يدور بين إبطال الصوم و بلع الخبيث الذي دخل حلقه بلا اختيار منه، و لا ريب في أن الأول محتمل الأهمية لو لم يكن معلومها هذا في الصوم المعيّن. و أما في الموسع و المندوب، فالظاهر أنّ الثاني أهمّ لجواز الإفطار فيهما.

إن قيل: إن بلعه يكون من الأكل العمديّ، فيبطل الصوم من هذه الجهة، فلا يبقى موضوع للأهم و المهم (يقال): لا وجه للأكل العمدي،

ص: 117


1- الوسائل باب 29: من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
مسألة 74: يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا

(مسألة 74): يجوز للصائم التجشّؤ اختيارا و إن احتمل خروج شي ء من الطعام معه. و أما إذا علم بذلك فلا يجوز (209).

مسألة 75: إذا ابتلع شيئا سهوا

(مسألة 75): إذا ابتلع شيئا سهوا، فتذكر قبل أن يصل إلى الحلق وجب إخراجه، و صح صومه (210). و أما إن تذكر بعد الوصول إليه فلا يجب، بل لا يجوز إذا صدق عليه القي ء (211) و إن شك في ذلك، فالظاهر وجوب إخراجه أيضا مع إمكانه، عملا بأصالة عدم الدخول في الحلق (212).

______________________________

لفرض أنه دخل حلقه بلا عمد و لا اختيار، فلا يكون بلعه مفطرا و إنما يحرم من جهة الخباثة فقط، فيدور الأمر بين بلع الخبيث و إبطال الصوم بالقي ء، و يمكن الإشكال في صدق حرمة أكل الخبيث بالنسبة إليه أيضا بدعوى: أن المنساق منه إنّما هو الاختياري منه لا ما إذا توقف إخراجه على القي ء، فإنّه خلاف المتعارف و لا تشمله الأدلة الدالة على حرمة أكل الخبيث، فإن المنساق من أكل الخبيث المحرم ما كان بالنحو المتعارف من الأكل.

(209) أما الأول، فللأصل، و إطلاق صحيح ابن مسلم قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن القلس أ يفطر الصائم؟ قال (عليه السلام):

لا» (1)، و أما الأخير، فلأنّه من التعمد إلى القي ء، فيوجب البطلان.

(210) أما وجوب الإخراج، فلأنّ بلعه حينئذ يكون من الأكل العمديّ، فيوجب البطلان. و أما صحة الصّوم بعد الإخراج، فللأصل، و الإطلاق بعد عدم كونه من القي ء.

(211) أما عدم الوجوب، فلفرض أنّه دخل في الجوف. و أما عدم الجواز، فلصدق القي ء هذا إذا كان مراده (قدّس سرّه) من الحلق الجوف كما هو الظاهر. و أما إذا كان مراده غيره، فلا بد من الإخراج مع الإمكان.

(212) قد أشكل على هذا الأصل بأنّه من الأصول المثبتة إذ يثبت بعدم

ص: 118


1- الوسائل باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
مسألة 76: إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة فدخل في حلقه ذباب

(مسألة 76): إذا كان الصائم بالواجب المعيّن مشتغلا بالصلاة الواجبة فدخل في حلقه ذباب أو بق أو نحوهما أو شي ء من بقايا الطعام الذي بين أسنانه، و توقف إخراجه على إبطال الصّلاة بالتكلم ب (أخ) أو بغير ذلك، فإن أمكن التحفظ و الإمساك إلى الفراغ من الصلاة وجب (213) و إن لم يمكن ذلك و دار الأمر بين إبطال الصوم بالبلع أو الصلاة بالإخراج، فإن لم يصل إلى الحدّ من الحلق- كمخرج الخاء- و كان مما يحرم بلعه في حدّ نفسه- كالذباب و نحوه- وجب قطع الصلاة بإخراجه، و لو في ضيق وقت الصلاة (214) و إن كان مما يحلّ بلعه في ذاته- كبقايا الطعام- ففي سعة الوقت للصلاة- و لو بإدراك ركعة منه- يجب القطع و الإخراج (215)

______________________________

وصوله إلى الحلق أنّه أكل، فيحرم فتحقق الواسطة الغير الشرعية بين مجرى الأصل و الحكم الشرعيّ و يصير مثبتا بذلك.

و فيه: أنّ الحرمة مترتبة على عدم الوصول إلى الحلق عند المتشرعة بلا واسطة عرفية، فيقال: لم يصل إلى الحلق، فيحرم بلعه و يجب إخراجه، مع أنّه يصح التمسك بصدق الأكل عليه عرفا، فتشمله الأدلة اللفظية، فلا نحتاج إلى الأصل حينئذ حتى يشكل عليه بأنّه مثبت.

(213) لوجوب إتمام الصلاة، و حرمة قطعها بلا ضرورة و المفروض عدم الضرورة إلى قطع الصلاة.

(214) لأنّ عمدة الدليل على حرمة قطع الصلاة الإجماع، و المتيقن منه ما إذا لم تكن ضرورة في البين و بلع الحرام من الضرورة. هذا إذا تمكن من البدل الاضطراريّ للصلاة و إن لم يتمكن منه أصلا، فلا يبعد احتمال الأهمية بالنسبة إلى الصّلاة حينئذ، فيبلعه و يتم صلاته ثمَّ يقضي صومه.

(215) لأهمية وجوب الإمساك عن قطع الصّلاة حينئذ من جهة أنّها تدرك بعد القطع و لو بإدراك ركعة.

ص: 119

و في الضيق يجب البلع و إبطال الصوم، تقديما لجانب الصلاة لأهميتها (216) و إن وصل إلى الحدّ فمع كونه مما يحرم بلعه وجب إخراجه بقطع الصلاة و إبطالها على إشكال (217). و إن كان مثل بقايا الطعام لم يجب، و صحت صلاته و صح صومه على التقديرين (218) لعدم إخراج مثله قيئا في العرف.

مسألة 77: قيل يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمدا و هو مشكل

(مسألة 77): قيل يجوز للصائم أن يدخل إصبعه في حلقه و يخرجه عمدا و هو مشكل (219) مع الوصول إلى الحدّ، فالأحوط الترك.

______________________________

(216) هذا إذا كان الدّوران بين إبطال الصّوم و ترك أصل الصّلاة و لو بأبدالها الاضطرارية. و أما لو كان الدوران بين إبطال الصوم و إتيان الصلاة ببعض الأبدال الاضطرارية، فاحتمال الأهمية في وجوب الإمساك جار حينئذ أيضا.

(217) إن كان في سعة الوقت و كان يعدّ ذلك من أكل الخبيث فلا إشكال في وجوب القطع لوجوب الإخراج و هو متوقف على القطع و هذه ضرورة موجبة للقطع فيجب حينئذ و إن لم يعدّ من أكل الخبيث أو شك فيه، فلا دليل على وجوب القطع، لأنّه حرام إلا مع الضرورة و لا ضرورة في البين، لفرض عدم حرمة البلع.

(218) أي: على تقدير الإخراج و عدمه أما على الأول فلأنّه ليس قيئا عرفا حتّى يوجب بطلان الصّوم، و لا يكون إخراجه من منافيات الصلاة أيضا.

و أما على الأخير، فلأنّ بلع مثله ليس أكلا حتى يكون من منافيات الصّلاة و من مبطلات الصّوم، لأنّه عبارة عن إدخال شي ء خارجيّ في الفم ثمَّ بلعه إلا أن يبلع ما دخل في الحلقوم بغير عمد و اختيار فعلى هذا لو تسحر و بقي شي ء في حلقومه بغير اختياره ثمَّ بلعه في اليوم الصوميّ لا يوجب ذلك بطلان صومه.

(219) لا وجه للإشكال، لعدم كون الإدخال أكلا عرفا و لا الإخراج

ص: 120

مسألة 78: لا بأس بالتجشؤ القهري

(مسألة 78): لا بأس بالتجشؤ القهري و إن وصل معه الطعام إلى فضاء الفم و رجع (220)، بل لا بأس بتعمد التجشؤ ما لم يعلم أنّه يخرج معه شي ء من الطعام (221) و إن خرج بعد ذلك وجب إلقاؤه (222) و لو سبقه الرجوع إلى الحلق لم يبطل صومه (223) و إن كان الأحوط القضاء (224).

______________________________

قيئا في المتعارف، فبأيّ وجه يستشكل، فيكون الإشكال من مجرد الوهم.

(220) لعدم كون كل منهما اختياريا، فلا يكون من الأكل، و القي ء المبطل، مضافا إلى الإجماع، و صحيح ابن مسلم قال: «سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن القلس يفطر الصائم؟ قال (عليه السلام): «لا» (1)، و في خبر عمار عنه (عليه السلام) أيضا: «عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثمَّ يرجع إلى جوفه و هو صائم قال (عليه السلام): ليس بشي ء» (2).

و في موثق سماعة قال: «سألته عن القلس و هي الجشاء يرتفع الطعام من جوف الرجل من غير أن يكون تقيّأ و هو قائم في الصلاة، قال (عليه السلام): لا ينقض ذلك وضوءه و لا يقطع صلاته و لا يفطر صيامه» (3).

(221) للأصل، و إطلاق الأخبار، بل التصريح به فيما مر من خبر عمار.

(222) لأنّ أكله حينئذ من تعمد فعل المفطر، فيحرم.

(223) لعدم التعمد و الاختيار و يأتي اعتبارهما في الإفطار.

(224) لاحتمال كفاية تعمد السبب في صدق التعمد بالنسبة إلى الرجوع أيضا، و لكنه خلاف إطلاق ما تقدم من الأخبار.

ص: 121


1- الوسائل باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 30 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

فصل المفطرات المذكورة. ما عدا البقاء على الجنابة- الذي مرّ الكلام فيه- تفصيلا- إنّما توجب بطلان الصوم

اشارة

فصل المفطرات المذكورة. ما عدا البقاء على الجنابة- الذي مرّ الكلام فيه- تفصيلا- إنّما توجب بطلان الصوم إذا وقعت على وجه العمد و الاختيار (1)،

______________________________

فصل يعتبر العمد و الاختيار في الإفطار

(1) للنصوص، و الإجماع، و هو المرتكز في أذهان الناس قديما و حديثا.

ثمَّ إنّ النصوص التي يصح الاستدلال بها على اعتبار التعمد أقسام:

الأول: ما ذكر فيه لفظ «التعمد» كما ورد في الكذب و القي ء، و المقطوع به عدم الفرق بينهما و بين سائر المفطرات (1).

الثاني: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق سماعة: «لأنّه أكل متعمدا» (2). فإن له نحو شرح و تفسير بالنسبة إلى جميع الأخبار الواردة في المفطرات كما هو واضح.

الثالث: المستفيضة الدالة على صحة الصوم مع الإفطار نسيانا (3)، فإنّها حاكمة على جميع ما ورد في إفطار المفطرات مطلقا و شارحة لها كما في جميع موارد الحكومة.

ص: 122


1- راجع الوسائل باب: 1 حديث: 3 و باب: 2 حديث: 3 و 7 من أبواب ما يمسك به الصائم.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

و أما مع السهو و عدم القصد، فلا توجبه (2) من غير فرق بين أقسام

______________________________

الرابع: الأخبار الدالة على حصر المفطرات مثل قول أبي جعفر (عليه السلام): «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام، و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء» (1)، فإنّ ظهور مثل هذه التعبيرات في العمد و الاختيار مما لا ينكر.

الخامس: ما يأتي من المستفيضة الدالة على وجوب القضاء (2)، فإنّ التعمد و إن ذكر فيها في كلام السائل، لكن تقرير الإمام (عليه السلام) له في هذا الحكم العام البلوى للجميع يجعله نصّا في دخله في الحكم واقعا. هذا مع أنّه يكفي عدم ثبوت الردع في الأحكام الموافقة للارتكازات و لا نحتاج إلى التقرير.

(2) إن كان السهو و الغفلة عن تناول المفطر مع الالتفات إلى أصل الصوم، فيدل على عدم البطلان- مضافا إلى كونه من ضروريات الفقه كما في الجواهر- خبر سماعة فيمن أفطر بظن دخول الليل: «من أكل قبل أن يدخل الليل، فعليه قضاؤه لأنّه أكل متعمدا» (3) فإنّه نص في اعتبار التعمد في المفطرية و عام لجميع المفطرات، لأنّ الظاهر أنّ ذكر الأكل من باب المثال لكل مفطر، إذ لا يتصوّر الخصوصية للأكل في ذلك، و يأتي في (فصل يجب القضاء دون الكفارة في موارد) ما ينفع المقام هذا.

و كذا إن كان السهو و الغفلة عن أصل الصوم، فيصح صومه و لا شي ء عليه، و تدل عليه النصوص، و الإجماع:

منها: قول عليّ (عليه السلام) في الصحيح: «من صام فنسي فأكل و شرب، فلا يفطر من أجل أنّه نسي، فإنّما هو رزق رزقه اللّه تعالى فليتمّ

ص: 123


1- الوسائل باب: 1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1 و غيره.
3- الوسائل باب: 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

الصوم من الواجب المعيّن، و الموسع، و المندوب (3) و لا فرق في البطلان مع العمد بين الجاهل بقسميه و العالم (4) و لا بين المكره

______________________________

صيامه» (1). و نحوه غيره مما هو كثير، و مقتضى التعليل عدم الفرق بين جميع المفطرات، و إطلاقها يشمل صورة السهو عن تناول المفطر أيضا، هذا مضافا إلى حديث الرفع بالنسبة إلى نفي العقاب و الكفارة، و حديث: «كل ما غلب اللّه على العباد، فهو أولى بالعذر» (2) الذي هو من أهمّ الأحاديث الامتنانية خصوصا مع ملاحظة ما في ذيل بعض الأخبار، من أنّ «هذا من الأبواب التي يفتح كل باب منه ألف باب» (3).

(3) للإطلاق، و لقاعدة الإلحاق و ظهور الاتفاق.

(4) على المشهور، لإطلاق الأدلة الشامل للجميع، و لاعتبار ترك المفطرات في حقيقة الصّوم، فمع الإتيان بالمفطر لا صوم إلا أن يدل دليل على الصحة.

و عن جميع منهم الشيخ (رحمه اللّه)- في موضع من التهذيب، و صاحب الحدائق في مقدّمات كتابه- عدم البطلان بالنسبة إلى الجاهل مطلقا، و استدلوا عليه تارة: بأنّه لا ريب في اعتبار التعمد في المفطرية، و لا تعمد بالنسبة إلى الجاهل.

(و فيه): أنّ التعمد يحتمل فيه معان: الأول فعل المفطر مع عدم الغفلة و عدم النسيان، و عدم السهو عنه، و بهذا المعنى يصدق التعمد في صورة الجهل مطلقا، لعدم صدور الفعل من الجاهل عن سهو و غفلة و نسيان وجدانا.

الثاني: فعل المفطر مع العلم و الالتفات إلى المفطرية و إلى الصّوم موضوعا و حكما، و بهذا المعنى لا يصدق التعمد بالنسبة إلى الجاهل، لفرض عدم التفاته إلى الحكم أو الموضوع أو هما معا.

ص: 124


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 9.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 9.

و غيره، فلو أكره على الإفطار فأفطر مباشرة فرارا عن الضّرر

______________________________

الثالث: كونه مساوقا للفعل الاختياري في مقابل المجبور و من هو مسلوب الاختيار، و المنساق من مادة العمد في موارد استعمالاته هو المعنى الثاني، لأنّ التعمد: الاتكاء و الاعتماد على الشي ء و هما ملازمان للالتفات إليه في الأفعال الاختيارية.

و بالجملة: هو أخصّ من مجرّد القصد إلى الفعل بأيّ نحو حصل و الالتفات و الاعتماد إلى الشي ء لا يحصل من الجاهل به إلا أن يقال: إنّ العمد له مراتب و يشمل بأول مراتبه مطلق الفعل الاختياريّ في مقابل الغفلة و بهذا المعنى يعم الجاهل أيضا و مقتضى الإطلاقات كفاية هذه المرتبة و عدم اعتبار الأزيد منه.

و أخرى: بأنّ زرارة و أبا بصير سألا أبا جعفر (عليه السلام): «عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، و أتى أهله و هو محرم و هو لا يرى إلا أنّ ذلك حلال له، قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء» (1).

و في صحيح ابن الحجاج الوارد في ارتكاب بعض تروك الإحرام: «أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» (2).

و فيه: أنّ المنساق من الأول هو الغافل المعتقد للخلاف، فلا يشمل مطلق الجاهل. و الأخير محمول على القاصر، فيكون المراد بأنّه لا شي ء عليه أي: عدم الإثم و الكفارة، مع أنّه ورد في تروك الإحرام أنّ ارتكابه لا يوجب البطلان- كما يأتي في محله- مع أنّ عدم القضاء بالنسبة إلى الجاهل المقصر الملتفت خلاف مذاق الفقاهة، فكيف بمذاق الأئمة (عليهم السلام) مع كثرة المقصّرين في كلّ عصر و زمان و مكان و تعمدهم في ترك التعلم، فلا وجه للأخذ بإطلاق مثل هذه الأخبار إلا إذا تأيدت بقرائن أخرى من إجماع أو

ص: 125


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الإحرام حديث: 3.

المترتب على تركه بطل صومه على الأقوى (5)

______________________________

نحوه، فكيف إذا هجرها أعاظم الأصحاب، و خبراؤهم، و مهرة الفقه كالشهيدين و نحوهما. نعم، فيما دل دليل على صحة عمل الجاهل المقصر بالخصوص لا بد من القول بها كما في الجهر في موضع الإخفات و بالعكس و نحوه.

(5) يظهر ذلك من الشيخ، و الشهيد الثاني، و العلامة، و الحدائق، لأنّ التنافي بين فعل المفطر و الصوم ذاتيّ، فلا بد من البطلان إلا إذا دل دليل على الصحة كما في النسيان.

(و فيه): أنّ القضاء معلق على التعمد في فعل المفطر، و يحتمل أن يكون المراد به في المقام بقرينة ترتب الكفارة المباشرة في الإفطار مع طيب النفس به و لا يتحقق ذلك مع الإكراه.

و بعبارة أخرى: القضاء و الكفارة زجر للنفس عما فعله بهواه، و مع الإكراه لم تعمل النفس بهواه، بل دافع عما يخالف هواه فلا موجب للكفارة، و مع الشك فيه لا يصح التمسك بالأدلة، لأنّه من التمسك بها مع الشك في الموضوع، فتجري أصالة الصحة بلا محذور فيها.

و استدلوا أيضا بما ورد في تقية أبي عبد اللّه (عليه السلام) عن أبي العباس في الحيرة من قوله (عليه السلام): «فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي» (1).

(و فيه): مضافا إلى قصور سنده بالإرسال- و عدم ذكر القضاء إلا فيه دون سائر الأخبار- أنّ ذكر القضاء يمكن أن يكون لأجل التقية من عوام الشيعة، فعمل (عليه السلام) بتقيتين إحداهما من العامة فأفطر، و الثانية من عوام شيعته، فذكر (عليه السلام) القضاء، و لذا نسب إلى المشهور عدم وجوب

ص: 126


1- الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.

نعم، لو وجر في حلقه من غير مباشرة منه لم يبطل (6).

مسألة 1: إذا أكل ناسيا، فظنّ فساد صومه، فأفطر عامدا بطل صومه

(مسألة 1): إذا أكل ناسيا، فظنّ فساد صومه، فأفطر عامدا بطل صومه (7)، و كذا لو أكل بتخيل أنّ صومه مندوب يجوز إبطاله، فذكر أنّه واجب (8).

مسألة 2: إذا أفطر تقية من ظالم بطل صومه

(مسألة 2): إذا أفطر تقية من ظالم بطل صومه (9).

______________________________

القضاء في صورة الإكراه، لأصالة الصحة، و حديث الرفع (1) الدال على رفعه لكل ما في رفعه منة و تسهيل، و لا ريب في أنّ سقوط القضاء فيه منة و تسهيل.

و يمكن أن يستأنس لسقوطه أيضا بما ورد في علة سقوطه عن المغمى عليه: من قوله (عليه السلام): «كل ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» (2)، لكونه في مقام بيان القاعدة الكلية المنطبقة على جميع الموارد بقرينة قوله (عليه السلام): «هذا من الأبواب التي يفتح كل باب منه ألف باب» كما تقدم في فصل قضاء الصلاة، فالجزم بالبطلان مشكل جدّا، مع ما ورد من أنّ «اللّه أكرم من أن يستغلق عبده» (3).

(6) للأصل، و الاتفاق، و عدم تحقق العمد و الاختيار.

(7) لإطلاق أدلّة المفطّرات بعد تحقق العمد و الاختيار، مضافا إلى ظهور الاتفاق على البطلان.

(8) لما مرّ في سابقة من غير فرق، و كذا لو أوجر في حلقه، فزعم أنّ الأكل بعد ذلك حلال و أكل عمدا بطل صومه فيجب القضاء في جميع ذلك.

و أما الكفارة، فهي مبنية على وجوبها على الجاهل أيضا.

(9) إن كانت التقية من غير المخالف، فهو مثل الإكراه و تقدّم ما يتعلق

ص: 127


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب حدّ القذف حديث: 1.

.....

______________________________

به. و أما إن كان منه، فإما أن يكون بتناول ما لا يرونه مفطرا، أو بالإفطار فيما يرونه عيدا، أو مغربا، فلا وجه للبطلان في ذلك كلّه، لأنّ كل من تأمل فيما ورد في الترغيب و التحريض إلى ذي التقية يطمئن بأنّ الأمر فيها أوسع من سائر الضروريات كما هو واضح لمن راجع أخبارها- كما سيأتي بعضها-:

فمنها: ما عن الصادق (عليه السلام) في قول اللّه عزّ و جل أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا قال (عليه السلام): «بما صبروا على التقية» وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال (عليه السلام): «الحسنة التقية، و السيئة الإذاعة» (1).

فجعل (عليه السلام) إذاعة الحق في دولة الباطل سيئة مطلقا، و مثل هذا الإطلاق ترخيص لها من كل جهة، و غير قابل للتقييد إلا بما هو أقوى منه.

و في رسالته (عليه السلام) إلى أصحابه قال: «و عليكم بمجاملة أهل الباطل. تحمّلوا الضيم منهم، و إياكم و مماظّتهم. دينوا- فيما بينكم و بينهم إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام- بالتقية التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم- الحديث-» (2).

فالضيم: الظلم. و المماظة: المنازعة.

و عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «لا خير فيمن لا تقية له، و لقد قال يوسف أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ و ما سرقوا (3).

و في حديث شرائع الدّين عن الصادق (عليه السلام): «و استعمال التقية في دار التقية واجب و لا حنث و لا كفارة على من حلف التقية» (4).

و عن (عليه السلام) أيضا في خبر ابن صدقة: «فكل شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدّي إلى الفساد في الدّين فإنّه جائز» (5).

و ظهور مثل هذه التعبيرات في سقوط الحكم الواقعيّ معها تكليفا كان أو

ص: 128


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 13.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 17.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 21.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 5.

.....

______________________________

وضعا مما لا ينكر، و ظاهرها الإجزاء أيضا عن الواقع في التكاليف نفسية كانت أو غيرية- حكما أو موضوعا- خصوصيا إطلاق قول (عليه السلام): «ما صنعتم من شي ء، أو حلفتم عليه من يمين في تقية فأنتم منه في سعة» (1).

و قوله (عليه السلام): «التقية في كلّ شي ء» (2)، فالعموم ثابت، و الإطلاق موجود فالإجزاء متعيّن، و يقتضيه التسهيل، و التيسير، و السماحة في الشريعة المقدسة.

إن قيل: إنّ المنساق من الأدلة أنّ تشريع التقيّة إنّما هو في الدّين كقوله (عليه السلام): «لا دين لمن لا تقية له» (3) و قوله (عليه السلام): «لا إيمان لمن لا تقية له»(4) فلا يشمل الموضوعات مطلقا.

يقال: موضوع الحكم الديني من الدّين أيضا خصوصا الموضوعات التي حدّدها الشارع بحدود و قيود. نعم، الموضوع الصّرف الذي لا دخل للحكم فيه خارج عن مساقها و ليس الكلام فيه، فحكم الحاكم، و الإفطار فيما يرونه مغربا، أو عيدا أو نحو ذلك من الأمور الدينية لدى متشرعة المسلمين، فتعمّها جميع أدلة تشريع التقية.

و ما قيل: من أنّ المنساق منها تنزيل العمل الفاقد للجزء و الشرط منزلة الواجد. و أما تنزيل المعدوم منزلة الموجود، فلا يستفاد منها، فمن ترك الصوم في يوم يرونه عيدا فلم يأتي بشي ء حتّى ينزل منزلة الواجد للشرائط.

يقال: هذه كلّها تبعيد للمسافة، و تضييق لما وسعه الشارع بمجرّد الوهم و الخيال من دون دليل عليه من عقل، أو شعر، مع أنّ ظاهر أدلة التقيّة لزوم متابعتهم و مجاملتهم و ترتب أثر الواقع على ذلك، فترك الصوم في يوم عيدهم يترتب عليه حكم الصوم من جهة انطباق عنوان المتابعة عليه، بل لنا أن نقول:.

ص: 129


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الأيمان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 3.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 3.
4- الوسائل باب: 24 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 29.

.....

______________________________

إنّ الشارع رفع اليد عن الواقع رأسا في موارد التقية، فلا واقع إلا بما يحصل به متابعتهم و ذلك لوجود غرض أهمّ في البين و هو حفظ وحدة صورة الإسلام و عدم وقوع التباغض بين المسلمين، فالتقية بمراتبها الوسيعة من صغيرات تقديم الأهمّ على المهمّ الذي تحكم به فطرة ذوي العقول من كلّ مذهب و ملّة، و من تأمل في سيرة النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و خلفائه المعصومين (عليهم السلام) يعلم بأنّ اهتمامهم بحفظ صورة الإسلام و وحدته كان أشدّ من اهتمامهم بسائر الجهات، و لا وجه لهذا الاهتمام مع فعلية الواقع و القضاء، لأنّه تشديد على الشيعة مع أنّ التقية شرعت للتسهيل عليهم.

و يظهر ذلك كلّه من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) لأبي العباس: «يا أمير المؤمنين ما صومي إلا بصومك، و لا إفطاري إلا بإفطارك» (1).

و في خبر أبي الجارود قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) إنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى، فلما دخلت على أبي جعفر و كان بعض أصحابنا يضحي، فقال (عليه السلام): الفطر يوم يفطر الناس و الأضحى يوم يضحي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس» (2).

فإنّ ظهورهما في رفع اليد عن الواقع مما لا ينكر.

إن قيل: فلا وجه للقضاء حينئذ، مع أنّه تقدم المرسل المشتمل عليه.

يقال: تقدم ما فيه سندا و دلالة. هذا مع أنّ التقية إنّما شرعت للتسهيل- و التيسير و الألفة- و القضاء ينافي ذلك كلّه.

و خلاصة الكلام: إنّ المنساق منها إجزاء متابعتهم عن الواقع مطلقا، بل احتمال سقوط الواقع في موردها صحيح أيضا، و لا محذور من عقل أو نقل في أن يسقط الشارع الواقع في مورد التقيّة و يجعل موردها- وجوديّا كان أو عدميا- منزلة الواقع و يثيب عليه بأضعاف ثواب الواقع، فإنّ ذلك كلّه بيده و تحت اختياره يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد، و قد تقدم في الوضوء و الصلاة ما ينفع المقام.

ص: 130


1- الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
2- الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 7.

مسألة 3: إذا كانت اللقمة في فمه، و أراد بلعها لنسيان الصوم، فتذكر

(مسألة 3): إذا كانت اللقمة في فمه، و أراد بلعها لنسيان الصوم، فتذكر وجب إخراجها، و إن بلعها مع إمكان إلقائها بطل صومه، بل تجب الكفارة أيضا. و كذا لو كان مشغولا بالأكل فتبيّن طلوع الفجر (10).

مسألة 4: إذا دخل الذباب، أو البق، أو الدخان الغليظ، أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه

(مسألة 4): إذا دخل الذباب، أو البق، أو الدخان الغليظ، أو الغبار في حلقه من غير اختياره لم يبطل صومه (11) و إن أمكن إخراجه وجب، و لو وصل إلى مخرج الخاء (12).

مسألة 5: إذا غلب على الصائم العطش، بحيث خاف من الهلاك، يجوز له أن يشرب الماء

(مسألة 5): إذا غلب على الصائم العطش، بحيث خاف من الهلاك، يجوز له أن يشرب الماء، مقتصرا على مقدار الضرورة (13)

______________________________

(10) كل ذلك لتحقق الأكل العمدي الموجب للقضاء و الكفارة نصا، و إجماعا.

(11) لأصالة الصحة بعد عدم تحقق العمد و الاختيار فيما وصل إلى الجوف من البق و الغبار.

(12) لأنّه لو بلعه مع إمكان الإخراج يكون من الأكل العمديّ، مع أنّه يحرم البلع من حيث الخباثة و لا يصدق على الإخراج القي ء حتى يبطل الصوم من هذه الجهة.

ثمَّ إنّه ليس للتحديد بالوصول إلى مخرج الخاء في الأدلة عين و لا أثر و إنّما المناط كله إمكان الإخراج و عدمه عرفا و ذكر مخرج الخاء إنّما هو لبيان آخر الحدّ و يمكن اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص.

(13) أما أصل جواز الشرب حينئذ، فلأدلّة نفي العسر و الحرج، و الضرر. و أما الاقتصار على قدر الضرورة، فيدل عليه- مضافا إلى عدم الخلاف- موثق عمار عن الصادق (عليه السلام): «في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه؟ قال (عليه السلام): يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا

ص: 131

و لكن يفسد صومه بذلك. و يجب عليه الإمساك بقية النهار إذا كان في شهر رمضان (14)، و أما في غيره من الواجب الموسع و المعيّن، فلا يجب الإمساك (15) و إن كان أحوط في الواجب المعيّن (16).

مسألة 6: لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار

(مسألة 6): لا يجوز للصائم أن يذهب إلى المكان الذي يعلم اضطراره فيه إلى الإفطار بإكراه، أو إيجار في حلقه، أو نحو

______________________________

يشرب حتى يروى» (1).

(14) أما فساد الصوم، فلتناول المفطر عن عمد و اختيار، و لظهور الإجماع عليه و لولاه لأمكن جريان حديث رفع الاضطرار الوارد في مقام الامتنان و التسهيل لنفي القضاء. و أما وجوب الإمساك بقية النهار، فلما تقدم في [مسألة 18] من (فصل النية)، و يمكن أن يستأنس له من قوله (عليه السلام): «و لا يشرب حتى يروى».

(15) للأصل بعد اختصاص الدليل بشهر رمضان.

(16) لاحتمال إلحاقه بشهر رمضان من جهة تعينه و إن كان لا دليل عليه في مقام الإثبات.

فروع- (الأول): لو استمر عطاش ذي العطاش في طول عمره يتناول من الماء بمقدار رفع الضرورة و لا وجه للقضاء حينئذ.

(الثاني): من اضطر إلى تناول دواء يجري عليه حكم ذي العطاش و يجب القضاء إلا إذا استمر مرضه في طول السنة فلا وجه للقضاء حينئذ.

(الثالث): لو اضطر إلى استعمال ما يستعمل لجريان هواء التنفس (البخاخ) فهو يتصور على أقسام ثلاثة:

الأول: ما إذا علم بوجود شي ء في الفم و بلعه فهو يكون مفطرا.

الثاني: ما إذا علم بعدم وجود شي ء فيه و إنّما هو من مجرد تغيير الهواء.

الثالث: ما إذا شك في أنّه من أيّ القسمين، ففي الأخيرين لا وجه

ص: 132


1- الوسائل باب: 16 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

ذلك (17) و يبطل صومه لو ذهب و صار مضطرا و لو كان بنحو الإيجار (18)، بل لا يبعد بطلانه بمجرد القصد إلى ذلك، فإنّه كالقصد للإفطار (19).

مسألة 7: إذا نسي فجامع لم يبطل صومه

(مسألة 7): إذا نسي فجامع لم يبطل صومه و إن تذكر في الأثناء وجب المبادرة إلى الإخراج، و إلا وجب عليه القضاء و الكفارة (20).

______________________________

لبطلان الصوم أصلا للأصل الموضوعي و الحكمي.

(17) لأنّ العمد إلى السبب عمد إلى المسبب عرفا و انتهاء سلسلة الأسباب إلى العمد و الاختيار عقلا.

(18) لأنّه و إن كان بنحو الإيجار و الاضطرار، و لكن حيث إنّ سببه اختياريّ، فينتهي إلى الاختيار لا محالة. هذا، و لكن مقتضى ظواهر الكلمات في الموارد المتفرّقة عدم الفرق- في الضروريات و الاضطراريات المسقطة للتكليف قضاء و كفارة- بين حصول سببها بلا اختيار أو معه، لإطلاق أدلّة الاضطراريات الشامل لها، و قد تقدّم في جملة من المسائل السابقة نظير المقام أيضا ك [مسألة 1 و 14 و 51] من (فصل ما يجب الإمساك عنه).

و المتحصل من الجميع أنّه تارة: يعلم بتحقق الإفطار بما يفعله، و أخرى: يعلم بعدمه. و ثالثة: لا يعلم به أصلا، فيتحقق الإفطار بلا قصد و اختيار، و مقتضى اعتبار العمد و الاختيار و القصد في الإفطار عدم تحققه في الأخيرين، و تقتضيه أصالة الصحة أيضا.

(19) تقدم ما يتعلق بقصد الإفطار في [مسألة 22] من (فصل النية)، و لكن في كون المقام من قصده إشكال، من جهة الإشكال في أنّ مثل هذا الإيجار إفطار أم لا؟.

(20) لتحقق الإفطار العمدي الموجب لها، و تقدم نظير الفرع في [مسألة 3] من هذا الفصل و [مسألة 39] من (فصل ما يجب الإمساك عنه) فراجع، فإنّ الجميع داخل تحت كبرى واحدة.

ص: 133

فصل لا بأس للصائم بمصّ الخاتم، أو الحصى

اشارة

فصل لا بأس للصائم بمصّ الخاتم، أو الحصى، و لا بمضغ الطعام للصبيّ، و لا بزق الطائر، و لا بذوق المرق، و نحو ذلك مما لا يتعدى إلى الحلق (1) و لا يبطل صومه، إذا اتفق التعدي، إذا كان

______________________________

فصل

(1) كل ذلك، لأصالتي البراءة و الصحة، و أدلة حصر المفطرات، و ظهور تسالم الأصحاب، و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان:

«في الرجل يعطش في شهر رمضان قال (عليه السلام): لا بأس أن يمصّ الخاتم» (1)، و نحو غيره.

و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «أنّه سأل عن المرأة يكون لها الصبيّ و هي صائمة فتمضغ له الخبز و تطعمه؟ قال (عليه السلام):

لا بأس. و الطير إن كان لها»(2).

و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح حماد قال: «سأل ابن أبي يعفور أبا عبد اللّه (عليه السلام)- و أنا أسمع- عن الصائم يصب الدّواء في أذنه؟ قال (عليه السلام): نعم، و يذوق المرق و يزق الفرخ» (3).

و أما صحيح الأعرج قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصائم أ يذوق الشي ء و لا يبلعه قال (عليه السلام): لا» (4)فمحمول على الكراهة، جمعا، و إجماعا.

ص: 134


1- الوسائل باب: 40 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 38 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 37 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 2.

من غير قصد و لا علم بأنّه يتعدّى قهرا أو نسيانا (2) أما مع العلم بذلك من الأول فيدخل في الإفطار العمدي (3) و كذا لا بأس بمضغ العلك، و لا يبلع ريقه بعده، و إن وجد له طعما فيه (4) ما لم يكن ذلك بتفتت أجزاء منه (5)، بل كان لأجل المجاورة. و كذا لا بأس بجلوسه في الماء ما لم يرتمس رجلا كان أو امرأة، و إن كان يكره لها ذلك.

و لا ببل الثوب و وضعه على الجسد، و لا بالسواك باليابس، بل

______________________________

ثمَّ إنّ وجه التقييد بعدم التعدي إلى الحلق واضح، فإنّه مع التعدي إليه يكون من الإفطار العمدي الموجب للقضاء و الكفارة.

(2) للأصل، و الإجماع، و لعدم كونه من التعمد في الإفطار، فلا وجه للبطلان.

(3) لما تقدم مرارا من أنّ التعمّد إلى السبب تعمّد إلى المسبب مع العلم به.

(4) للأصل، و لما عن الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير قال:

«سألته عن الصّائم يمضغ العلك؟ قال (عليه السلام): نعم، إن شاء» (1)، و إطلاقه يشمل صورة وجدان الطّعم أيضا مع أنّه من الملازمات لمضغه غالبا، فيحمل ما يظهر منه المنع على الكراهة جمعا، و إجماعا، بقرينة قول أبي جعفر (عليه السلام): «يا محمد إيّاك أن تمضغ علكا، فإنّي مضغت اليوم علكا و أنا صائم فوجدت في نفسي منه شيئا» (2) و ظهوره في الكراهة مما لا ينكر.

(5) لأنّه مع التفتت و عدم الاستهلاك يكون من الأكل العمديّ. و أما مع الاستهلاك فلا وجه للحكم بالإفطار، لعدم صدق الأكل حينئذ لغرض الاستهلاك.

ص: 135


1- الوسائل باب: 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 36 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

بالرطب أيضا (6)، لكن إذا أخرج المسواك من فمه لا يرده و عليه رطوبة، و إلا كانت كالرطوبة الخارجية لا يجوز بلعها إلا بعد الاستهلاك في الريق. و كذا لا بأس بمصّ لسان الصبيّ أو الزوجة إذا لم يكن عليه رطوبة، و لا بتقبيلها، أو ضمّها أو نحو ذلك (7).

______________________________

(6) كلّ ذلك لأصالتي الصحة و البراءة، و أدلة حصر المفطرات، و ظهور الإجماع، و صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «الصائم يتبرّد بالثوب» (1)، و قول الصادق (عليه السلام): «يستاك الصائم أيّ ساعة من النهار أحب» (2)، و سئل (عليه السلام): أيضا: «أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال (عليه السلام) لا بأس به» (3).

و أما قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «و لا يستاك بعود رطب»(4) و خبر ابن راشد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت و الصّائم يستنقع في الماء؟ قال (عليه السلام): نعم، قلت: فيبل ثوبا على جسده؟

قال (عليه السلام): لا» (5)، و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر حنان بن سدير: «و المرأة لا تستنقع في الماء لأنّها تحمل الماء بقبلها» (6) فيحمل كلّ ذلك على الكراهة، جمعا، مضافا، إلى قصور السند عن إثبات الحرمة، و ظهور الإجماع على خلافها، مع اقتضاء التعليل في الأخير للكراهة.

(7) للأصل، و ما تقدّم من حصر المفطرات، و ظهور الإجماع، و خبر ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «الرجل الصائم إله أن يمصّ لسان المرأة أو تفعل المرأة ذلك قال (عليه السلام): لا بأس» (7).

و الظاهر أنّ ذكر لسان المرأة على باب المثال، فيشمل مصّ لسان الصبيّ

ص: 136


1- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 8.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
7- الوسائل باب: 34 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

مسألة 1: إذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى

(مسألة 1): إذا امتزج بريقه دم و استهلك فيه يجوز بلعه على الأقوى (8) و كذا غير الدم من المحرّمات و المحللات و الظاهر عدم جواز تعمد المزج و الاستهلاك (9) بالبلع، سواء كان مثل الدم و نحوه من المحرّمات، أو الماء و نحوه من المحللات فما ذكرنا من الجواز إنّما هو إذا كان ذلك على وجه الاتفاق.

______________________________

أيضا مع صحة دعوى القطع بعدم الفرق، و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين ما إذا كانت على اللسان رطوبة أم لا، مع أنّ الغالب وجود الرطوبة عليه، و قولهم (عليهم السلام): «لا تنقض القبلة الصوم» (1).

و عن الصادق (عليه السلام): «في الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان، فقال (عليه السلام): ما لم يخف فلا بأس» (2).

و عن عليّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «هل يحلّ لها أن تعتنق الرجل في شهر رمضان و هي صائمة فتقبل بعض جسده من غير شهوة؟ قال (عليه السلام): لا بأس» (3)، فيحمل ما يظهر منه الخلاف على الكراهة جمعا و يأتي في الفصل اللاحق ما ينفع المقام.

(8) لأنّه حينئذ من بلع الريق عرفا و هو جائز نصّا و فتوى.

(9) لأنّه حينئذ من تعمد السبب المستلزم لتعمد المسبب، فيكون نظير ما تقدم في [مسألة 6].

ص: 137


1- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 18.

فصل يكره للصائم أمور

اشارة

فصل يكره للصائم أمور

أحدهما: مباشرة النساء

أحدهما: مباشرة النساء، لمسا، و تقبيلا، و ملاعبة (1) خصوصا لمن تتحرّك شهوته بذلك (2) بشرط أن لا يقصد الإنزال،

______________________________

فصل يكره للصائم أمور

(1) لقول عليّ (عليه السلام): ثلاثة لا يعرض أحدكم نفسه لهنّ و هو صائم: الحجامة، و الحمام، و المرأة الحسناء» (1) المحمول على الكراهة بقرينة خبر أبي بصير عن الصادق (عليه السلام): «الرجل يضع يده على جسد امرأته و هو صائم فقال (عليه السلام): لا بأس و إن أمذى فلا يفطر» (2) و نحوه غيره.

(2) لخبر ابن حازم قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما تقول في الصائم يقبّل الجارية و المرأة؟ فقال (عليه السلام): أما الشيخ مثلي و مثلك فلا بأس، و أما الشاب الشبق فلا، لأنّه لا يؤمن، و القبلة إحدى الشهوتين» (3).

المحمول على شدّة الكراهة إجماعا و لا وجه لتخصيص الكراهة بهذه الصورة كما عن جمع، لما ثبت في محله من عدم حمل المطلق على المقيد في غير الإلزاميات، لعدم استفادة وحدة المطلوب فيها، و لا ريب في اعتبارها في حمل المطلق على المقيد، فمع إحراز عدمها أو الشك فيها لا موضوع له، و القيود في جميع المندوبات و المكروهات من باب تعدد المطلوب إلا

ص: 138


1- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 10.
2- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 16.
3- الوسائل باب: 33 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

و لا كان من عادته و إلا حرم إذا كان في الصوم الواجب المعيّن (3).

الثاني: الاكتحال

الثاني: الاكتحال بما فيه صبر، أو مسك، أو نحوهما مما يصل طعمه أو رائحته إلى الحلق (4) و كذا ذرّ مثل ذلك في العين (5).

______________________________

ما خرج بالدليل، فتحمل القيود على مراتب الرجحان في المندوبات، و مراتب المرجوحية في المكروهات، كما أنّ مقتضى أدلة حصر المفطرات فيما تقدم حمل كل ما يظهر منه المفطرية على الكراهة جمعا، و إجماعا.

(3) لأنّ قصد الإنزال من قصد المفطر و تقدم أنّه مفطر، و كذا إن كان عادته ذلك، فإنّه إن رجع إلى قصد الإنزال يكون مثله حكما، و إن لم يرجع إليه و لم ينزل فلا دليل على الحرمة و إن قلنا بالكراهة.

(4) نصا، و إجماعا، ففي موثق سماعة: «عن الكحل للصائم فقال (عليه السلام): إذا كان كحلا ليس فيه مسك، و ليس له طعم في الحلق فلا بأس به» (1)، المحمول كل ذلك على الكراهة بقرينة خبر ابن أبي يعفور قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الكحل للصائم؟ فقال (عليه السلام): لا بأس به إنّه ليس بطعام يؤكل» (2).

و عن أبي جعفر في صحيح ابن مسلم «في الصائم يكتحل قال (عليه السلام): لا بأس به ليس بطعام و لا شراب» (3).

و مقتضى إطلاق مثل هذه الأخبار عدم الفرق بين ما إذا وجد طعمه في الحلق أم لا. هذا مع صحة دعوى الملازمة غالبا بالنسبة إلى بعض مراتب الطعم، مع أنّ من أدلّة حصر المفطرات، و قوله (عليه السلام) فيما تقدم:

«إنّه ليس بطعام و لا شراب» تستفاد الإباحة بلا إشكال.

(5) لأنّه كالاكتحال، فيكون حكمه حكم الاكتحال. و أما خبر الأشعري عن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصيبه الرّمد في شهر رمضان

ص: 139


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

الثالث: دخول الحمام

الثالث: دخول الحمام إذا خشي منه الضعف (6).

الرابع: إخراج الدّم المضعف بحجامة أو غيرها

الرابع: إخراج الدّم المضعف بحجامة أو غيرها (7) و إذا علم بأدائه إلى الإغماء المبطل للصوم حرم (8)، بل لا يبعد كراهة كلّ فعل

______________________________

هل يذر عينه يذرها بالنهار و هو صائم؟ قال (عليه السلام): يذرها إذا أفطر و لا يذرها و هو صائم» (1)، فهو محمول على الكراهة إجماعا.

(6) لصحيح ابن مسلم: «عن الرجل يدخل الحمام و هو صائم فقال (عليه السلام): لا بأس ما لم يخش ضعفا» (2) المحمول على الكراهة إجماعا.

و في خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يدخل الحمام و هو صائم؟ قال (عليه السلام) لا بأس»(3) و تقدم أنّه لا يحمل المطلق على المقيّد في غير الإلزامات.

(7) لقول عليّ (عليه السلام): «يكره أن يحتجم الصائم خشية أن يغشى عليه، فيفطر» (4)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي قال:

«سألته عن الصائم أ يحتجم؟ فقال: إنّي أتخوّف عليه، أما يتخوّف على نفسه:» (5)، و ظهور مثلهما في الكراهة و التعميم لمطلق إخراج الدم المضعف مما لا ريب فيه.

(8) لأنّه من تفويت التكليف اختيارا، و يأتي أنّ من شرائط الصحة و الوجوب عدم الإغماء، فإن كان ذلك عاما و شاملا لما إذا حصل الإغماء بالاختيار مع جواز تفويت شرط وجوب التكليف و شرط صحته اختيارا، فلا وجه للحرمة حينئذ. نعم، شمول دليل الإغماء لما إذا حصل بالاختيار

ص: 140


1- الوسائل باب: 25 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 27 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 27 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

يورث الضعف، أو هيجان المرّة (9).

الخامس: السعوط

الخامس: السعوط، مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق، و إلا فلا يجوز على الأقوى (10).

السادس: شمّ الرّياحين خصوصا النرجس

السادس: شمّ الرّياحين خصوصا النرجس (11) و المراد بها كل نبت طيّب الريح.

______________________________

لا يلازم جواز تفويت التكليف به اختيارا، إذ يمكن أن يكون الثاني حراما و إن عمّه دليل الإغماء لو حصل بالاختيار.

(9) لعموم التعليل الوارد في صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «سألته عن الصائم أ يحتجم؟ فقال (عليه السلام):

إنّي أتخوّف عليه، أما يتخوّف على نفسه؟ قلت: ما ذا يتخوّف عليه؟

قال (عليه السلام): الغشيان، و تثور به مرّة» (1) و الكراهة قابلة للمسامحة بمثل ذلك.

(10) أما كراهة أصل السعوط، فلقول عليّ (عليه السلام): «إنّه كرّه السعوط للصائم» (2)و نحوه غيره.

و أما عدم الجواز مع الوصول إلى الحلق، فلأنّه حينئذ من الأكل العمديّ، كما مرّ في [مسألة 4] من (فصل ما يجب الإمساك عنه) و الأخبار و كلمات الفقهاء ليست في مقام البيان مطلقا حتى يتمسك بإطلاقها للكراهة حتّى فيما إذا وصل إلى الحلق، بل لا بد حينئذ من العمل بالأدلّة الأخرى كقاعدة:

«إنّ التعمد إلى السبب تعمد إلى المسبب».

(11) لخبر ابن راشد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) الصائم يشم

ص: 141


1- الوسائل باب: 26 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

السابع: بلّ الثوب على الجسد

السابع: بلّ الثوب على الجسد (12).

الثامن: جلوس المرأة في الماء

الثامن: جلوس المرأة في الماء (13)، بل الأحوط لها

______________________________

الريحان؟ قال (عليه السلام): لا، لأنّه لذة، و يكره له أن يتلذّذ» (1) المحمول على الكراهة، لقوله (عليه السلام): «الصائم يدهن بالطيب و يشم الريحان» (2).

و في خبر آخر: الطّيب تحفة الصائم» (3)، و عن محمد بن العيص قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) ينهى عن النرجس فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ فقال (عليه السلام): لأنّه ريحان الأعاجم» (4).

و عن الكليني: «أخبرني بعض أصحابنا أنّ الأعاجم كانت تشمّه إذا صاموا و قالوا: إنّه يمسك الجوع» (5).

ثمَّ إنّ المرجع في تشخيص الريحان ما هو المتعارف بين الناس، و الظاهر اختلافه باختلاف الأمكنة، بل الأعصار.

(12) لخبر الصيقل قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصائم أ يلبس الثوب المبلول؟ قال: (عليه السلام): لا» (6) و نحوه غيره المحمول على الكراهة إجماعا، و جمعا بينه و بين قوله (عليه السلام) أيضا: «الصائم يستنقع في الماء و يصبّ على رأسه و يتبرّد بالثوب» (7).

(13) على المشهور نقلا، و تحصيلا، لخبر ابن سدير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) و قد تقدم (8).

ص: 142


1- الوسائل باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 7.
2- الوسائل باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
5- الوسائل باب: 32 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
7- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
8- الوسائل باب: 3 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6 و تقدم في صفحة: 136.

تركه (14).

التاسع: الحقنة بالجامد

التاسع: الحقنة بالجامد (15).

العاشر: قلع الضّرس

العاشر: قلع الضّرس، بل مطلق إدماء الفم (16).

الحادي عشر: السواك بالعود الرّطب

الحادي عشر: السواك بالعود الرّطب (17).

الثاني عشر: المضمضة عبثا

الثاني عشر: المضمضة عبثا، و كذا إدخال شي ء آخر في الفم لا لغرض صحيح (18).

______________________________

(14) لما عن ابن زهرة من دعوى الإجماع على الحرمة، و لكنّه موهون بدعوى الإجماع على الخلاف.

(15) خروجا عن تمام المخالفة عمّن حرّمه، مع أنّ الكراهة قابلة للمسامحة.

(16) لموثق عمار: «الصائم ينزع ضرسه؟ قال (عليه السلام): لا، و لا يدمي فاه، و لا يستاك بعود رطب» (1).

(17) لما تقدم في موثق عمار المحمول على الكراهة إجماعا، و جمعا بين قول عليّ (عليه السلام): «لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرّطب في أول النهار و آخره» (2).

(18) مقتضى الأصل جواز المضمضة و إدخال شي ء آخر في الفم مطلقا مع العلم بعدم الدخول في الجوف، كما أنّ مقتضاه صحة الصوم و عدم وجوب القضاء و الكفارة لو دخل في الجوف حينئذ بلا اختيار، و كذا لو لم يعلم به و دخل في حلقه بلا قصد و اختيار، لعدم شمول أدلّة المفطرية لذلك لاعتبار العمد و القصد فيها و المفروض عدم تحققه. و أما مع العلم بالدخول فلا يجوز، بل يجب القضاء و الكفارة لو دخل، لكونه من الإفطار العمدي.

هذا بحسب الأصل.

ص: 143


1- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12
2- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 15

.....

______________________________

و أما الأخبار فأقسام: منها: خبر المروزي قال: «سمعته يقول: إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإنّ ذلك مفطر مثل الأكل و الشرب و النكاح» (1).

و فيه: أنّه لا بد من تقييده بالعلم بالدخول و لا وجه للأخذ بإطلاقه لمخالفته حينئذ لما دل على اعتبار التعمد في تحقق الإفطار.

و منها: خبر حماد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، فقال (عليه السلام): إن كان وضوؤه لصلاة فريضة فليس عليه شي ء، و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (2).

و في خبر يونس قال: «الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء، و إن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فليس عليه شي ء و قد تمَّ صومه، و إن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة» (3).

و فيه: مضافا إلى دعوى الإجماع على عدم الفرق بينهما، معارضته بما هو معلل كخبر قرب الأسناد عن عليّ (عليه السلام): «لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النّهار و آخره، فقيل لعليّ (عليه السلام): في رطوبة السواك فقال: المضمضة بالماء أرطب منه، فقال علي (عليه السلام)، فإن قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قبل له: لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل» (4).

و مثله خبر الرازي عن الرّضا (عليه السلام) (5)، و ظهورهما بل نصوصيتهما في التعميم مما لا ريب فيه، و كذا ما يأتي من خبر سماعة حيث

ص: 144


1- الوسائل باب: 22 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 15.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.

.....

______________________________

جعل فيه التمضمض في مقابل العبث بالماء، فيحمل خبر حماد على مطلق رجحان القضاء في المضمضة لصلاة النافلة فرقا بينها و بين الفريضة.

و منها: خبر سماعة قال: «سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش فدخل حلقه قال (عليه السلام): عليه قضاؤه، و إن كان في وضوئه فلا بأس به» (1) و لا بد من حمله على صورة سبق الماء إلى الحلق بلا تعمد و اختيار كما يأتي في (فصل ما يوجب القضاء فقط).

و منها: خبر الساباطي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم قال: ليس عليه شي ء إذا لم يتعمد ذلك، قلت: فإن تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء؟ قال: ليس عليه شي ء، قلت: فإن تمضمض الثالثة قال: فقال (عليه السلام) قد أساء ليس عليه شي ء و لا قضاء» (2).

و مفهومه أنّ تعمد المضمضة يوجب البطلان، و لكنّه لا بد من حمله على صورة اعتياد دخول الحلق، أو العلم به، فإنّه يوجب القضاء و الكفارة حينئذ، و أما مع عدم الاعتياد و لا العلم به و كونه من مجرّد السبق إلى الحلق بلا اختيار، فهو معارض لموثق سماعة، و يمكن ترجيح الموثق عليه بقرينة الإجماع.

هذا جملة ما ورد من الأخبار في هذا الباب.

و عن الفقهاء تقييد المضمضة المكروهة بالعبث و عدم الغرض الصحيح و قد تقدم ذكر العبث في خبر سماعة، و يمكن أن يستفاد مما ورد من أنّها من السنة، فتكون ما ليس لها من العبث، و لكنه مشكل لإمكان أن يكون لغرض صحيح فلا يكون ذلك عبثا كتبريد الفم- مثلا- و لكن لا بد و أن يكون بنحو لا يتلاعب الصائم بصومه خصوصا في أوقات الصيف، لأنّ المقام مما يكون الشيطان له تدخل في الجملة.

ص: 145


1- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.

الثالث عشر: إنشاد الشعر

الثالث عشر: إنشاد الشعر (19). و لا يبعد اختصاصه بغير المراثي (20)، أو المشتمل على المطالب الحقة من دون إغراق، أو مدح الأئمة و إن كان يظهر من بعض الأخبار التعميم (21).

______________________________

(19) لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «يكره رواية الشعر للصائم، و للمحرم، و في الحرم، و في يوم الجمعة، و أن يروى بالليل قال:

قلت: و إن كان شعر حق؟ قال: و إن كان شعر حق» (1).

و في صحيح آخر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا ينشد الشعر بالليل، و لا ينشد في شهر رمضان بليل و لا نهار، فقال له إسماعيل: يا أبتاه فإنّه فينا، قال: و إن كان فينا» (2).

و يمكن حمل مثل هذه الأخبار المشتملة على كراهة شعر الحق على التقية في خصوص تلك الأزمنة، فيرتفع موضوع الكراهة حينئذ بالنسبة إلى شعر الحق.

(20) لخبر خلف بن حماد (3): «قلت للرضا (عليه السلام) إنّ أصحابنا يروون عن آبائك: أنّ الشعر ليلة الجمعة، و يوم الجمعة، و في شهر رمضان، و في الليل مكروه. و قد هممت أن أرثي أبا الحسن (عليه السلام) و هذا شهر رمضان فقال (عليه السلام): ارث أبا الحسن (عليه السلام) في ليلة الجمعة، و في شهر رمضان، و في الليل و في سائر الأيام. فإنّ اللّه عزّ و جل يكافئك على ذلك بالثواب الجزيل، و قد ادعى عدم القول بالفصل بين المراثي و غيرها من المدائح و الحكم و المواعظ بعد حمل ما تقدم من كراهية شعر الحق على التقية في الأزمنة القديمة.

(21) لإطلاق ما تقدم من الصحيحين بعد حملهما على التقية، و لكن يظهر عن صاحب الحدائق الإجماع على اختصاص الكراهة بالأشعار الباطلة،

ص: 146


1- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب آداب الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 105 من أبواب المزار حديث: 8 (كتاب الحج).

الرابع عشر: الجدال، و المراء و أذى الخادم، و المسارعة إلى الحلف

الرابع عشر: الجدال، و المراء، و أذى الخادم، و المسارعة إلى الحلف (22)، و نحو ذلك من المحرّمات و المكروهات في غير حال الصوم فإنّه تشتد حرمتها أو كراهتها حاله (23).

______________________________

و ما يكون في الأمور الدنيوية كما كانت كذلك في الأعصار القديمة: من مدح الخلفاء في الأمكنة و الأزمنة التي يرجى فيها اجتماع الناس، فورد عن الأئمة (عليهم السلام) تنزيه الأمكنة و الأزمنة الشريفة عن تكلم الأشعار الباطلة، فراجع كتاب الصوم من الحدائق الأمر التاسع من المسألة الخامسة فيما يستحب الإمساك عنه و قد صرّح (رحمه اللّه) بأنّه لم يذكره أكثر الأصحاب في مكروهات الصّوم.

(22) قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا أصبحت صائما فليصم سمعك و بصرك عن الحرام و جارحتك، و جميع أعضائك عن القبيح و دع عنك الهذاء، و أذى الخادم، و ليكن عليك وقار الصّائم، و الزم ما استطعت من الصّمت و السكوت إلا عن ذكر اللّه، و لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا «و لا يسرع إلى الأيمان و الحلف باللّه، و إن جهل عليه أحد فليتحمله،(2) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة».

(23) لتسالم الفقهاء، بل المتشرعة على أنّ زيادة شرف الزمان و المكان و الحالة توجب زيادة ثواب المثوبات و زيادة المرجوحية في المرجوحات.

ص: 147


1- الوسائل باب: 11 من أبواب آداب الصائم حديث: 12 و 3.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب آداب الصّائم حديث: 1.

فصل فيما يوجب الكفارة

اشارة

فصل فيما يوجب الكفارة المفطرات المذكورة كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة، إذا كانت مع العمد و الاختيار (1) من غير كره و لا إجبار (2)

______________________________

فصل فيما يوجب الكفارة

(1) بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب، و تدل عليه نصوص كثيرة:

منها: صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر؟ قال (عليه السلام):

يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا- الحديث» (1).

و نحوه غيره، فأصل الحكم من المسلّمات نصّا و فتوى، و قال في الجواهر:

«إنّ الأصل وجوب الكفارة في كلّ ما تحقق به اسم الإفطار إذا كان على جهة العمد و الاختيار».

و إنّما وقع الخلاف في مفطرية بعض المفطرات لا في أصل الحكم- على فرض ثبوت المفطرية- فالنزاع صغرويّ من هذه الجهة لا أن يكون كبرويا.

(2) أما عدم وجوب الكفارة، فلحديث الرفع (2)، و ظهور الإجماع، و ارتكاز الإثم في ترتبها عند المتشرعة فيسقط مع عدمه إلا إذا دل دليل خاص

ص: 148


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

من غير فرق بين الجميع، حتّى الارتماس، و الكذب على اللّه تعالى و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله، بل و الحقنة، و القي ء على الأقوى (3). نعم، الأقوى عدم وجوبها في النوم الثاني من الجنب

______________________________

عليه و هو مفقود. و أما عدم وجوب القضاء فلا ريب فيه إن كان بنحو الإيجار كما تقدم في أول (فصل يعتبر العمد و الاختيار في الإفطار)، و كذا تقدم ما يدل على حكم الإكراه في الإفطار هناك فراجع إذ لا وجه للتكرار و الإعادة.

(3) مقتضى تحقق الإفطار العمدي في المذكورات كما سبق ثبوت القضاء و الكفارة فيها أيضا، لأنّها مفطرة، و تعمد المفطر يوجب القضاء و الكفارة فتعمدها يوجبها إلا أن يدل دليل على الخلاف، فهذا من الشكل الأول البديهي الإنتاج.

و إنّما الإشكال تارة: في صدق التعمد. و أخرى: في أصل الصغرى و ثالثة: في الدليل المخصص. أما صدق التعمد فقد تقدم البحث فيه في (فصل يعتبر العمد و الاختيار في الإفطار) فراجع.

و أما البحث عن صغريات المفطرات فقد تقدم البحث في الارتماس و إثبات كونه مفطرا. و نسب إلى أبي الصّلاح عدم وجوب الكفارة، للأصل، و خلوّ النصوص عنها.

و فيه: أنّ ظهور نصوص أخر في وجوبها لكل مفطر يكفي في الوجوب (1).

و أما الكذب فقد مرّ ما يتعلق بمفطريته و كل من قال بعدم المفطرية لا يقول بالكفارة لا محالة، و لم أر عاجلا من قال بالإفطار به و عدم وجوب الكفارة، و يدل على وجوبها العمومات الدالة عليها بإتيان كل مفطر عمدا.

ص: 149


1- راجع الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

بعد الانتباه، بل و الثالث و إن كان الأحوط فيها أيضا ذلك، خصوصا الثالث (4). و لا فرق أيضا في وجوبها بين العالم و الجاهل، المقصّر

______________________________

و أما الحقنة بالمائع فقد مرّ ما يتعلق بالإفطار بها. و نسب إلى أبي حمزة، و صاحب الغنية وجوب القضاء لها خاصة دون الكفارة، و حكى في المختلف عن السيد الإجماع على عدم وجوبها.

و فيه: أنّ ظاهر العمومات و الإطلاقات وجوبها لكلّ مفطر، و لم يثبت إجماع على الخلاف يصح الاعتماد عليه.

و أما القي ء فالمشهور عدم وجوب الكفارة به، لقول الصادق (عليه السلام) في موثق مسعدة بن صدقة: «من تقيّأ متعمّدا فقد أفطر و عليه الإعادة فإن شاء اللّه تعالى عذّبه و إن شاء غفر له» (1)، و عن الخلاف دعوى الإجماع أيضا على نفيها.

و فيه: أنّ دعوى الإجماع و الشهرة لا وجه له، لاستنادهما إلى الموثق، و خلوّ الأخبار الواردة في القي ء عن الكفارة، و الموثق قاصر دلالة عن إثبات عدم وجوبها، لأنّ الكفارة ليست علة تامة منحصرة لسقوط العقاب و إنّما هي مقتضية له و المشية باقية بعدها، لإطلاق قوله (عليه السلام) «يعذب من يشاء و يغفر لمن يشاء» مع أنّ للعذاب مراتب كثيرة يمكن سقوط بعض مراتبها بالكفارة، و تعلق بعض مراتبها الأخرى على المشية. و أما خلوّ ما ورد في مفطرية القي ء عن ذكر الكفارة، فلا وجه للاعتماد عليه لذكر الكفارة فيما تقدّم من صحيح ابن سنان الشامل للقي ء أيضا (2).

(4) تقدم ما يتعلق بذلك فراجع [مسألة 56] من (فصل ما يجب الإمساك عنه).

ص: 150


1- الوسائل باب: 29 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 6.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

و القاصر على الأحوط (5) و إن كان الأقوى عدم وجوبها على الجاهل (6) خصوصا القاصر، و المقصّر الغير الملتفت حين الإفطار.

______________________________

(5) لعمومات وجوبها، و إطلاقاتها الشاملة للعالم و الجاهل بقسميه، و عن صاحب الجواهر- في موارد كثيرة من كلامه- أصالة وجوب الكفارة في كلّ مفطر إلا ما خرج بالدليل، و مراده- (قدّس سرّه) بالأصل-: الأصل اللفظي.

(6) لإطلاق موثق زرارة و أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن رجل أتى أهله في شهر رمضان و أتى أهله و هو محرم و هو لا يرى إلا أنّ ذلك حلال؟ قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء» (1).

و في صحيح عبد الصمد عن الصادق (عليه السلام) فيمن لبس قميصا و هو محرم: «أيّ رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه» (2).

و في صحيح ابن الحجاج الوارد في النكاح في العدة جهلا: «و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك» (3).

و المستفاد من هذه الأخبار قاعدة كلية بالنسبة إلى موارد الجهل و إطلاقها يشمل القاصر و المقصّر الملتفت و غير الملتفت، و ظهور الموثق في المتعمد للخلاف لا ينافي ظهور الصحيحين في العموم، مع أنّه وقع في كلام السائل و كون مثل ذلك مقيّدا للصحيحين مشكل. هذا مع ملازمة الكفارة للإثم غالبا و لا إثم لغير الملتفت. نعم، ظاهرهم الإجماع على أنّ المقصّر الملتفت إلى السؤال عامد إلا مع الدليل على الخلاف، مضافا إلى كون المقصّر الملتفت إلى السؤال معذورا مناف لمذاق الفقه و الأئمة (عليهم السلام)، بل المتشرعة. نعم، فيما دل عليه الدليل بالخصوص كالجهر في موضع الإخفات و بالعكس نتعبد به حينئذ.

ص: 151


1- الوسائل باب: 9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12.
2- الوسائل باب: 45 من أبواب تروك الإحرام حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة (كتاب النكاح) حديث: 4.

نعم، إذا كان جاهلا بكون الشي ء مفطرا، مع علمه بحرمته، كما إذا لم يعلم أنّ الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله من المفطرات، فارتكبه حال الصوم، فالظاهر لحوقه بالعالم في وجوب الكفارة (7).

مسألة 1: تجب الكفارة في أربعة أقسام من الصوم

اشارة

(مسألة 1): تجب الكفارة في أربعة أقسام من الصوم:

الأول: صوم شهر رمضان

الأول: صوم شهر رمضان و كفارته مخيّرة بين العتق، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستّين مسكينا على الأقوى (8) و إن كان

______________________________

(7) بل الظاهر عدم الفرق بين هذه الصورة و سابقتها في شمول الموثق و الصحيحين لهما، لأنّ العلم بالحرمة أعمّ من تعمّد المفطرية. نعم، يصح ذلك في المقصّر الملتفت كما مرّ. فتلخّص من جميع ما مرّ أنّ المقصّر الملتفت في حكم العالم و القاصر غير الملتفت داخل في مورد الموثق و الصحيحين.

(8) أما أصل وجوب الكفارة في الإفطار عمدا في شهر رمضان، فهو من ضروريات الفقه، و تدل عليه النصوص المستفيضة، و إجماع الإمامية.

و أما كونه على التخيير، فهو المشهور بين الإمامية، و تدلّ عليه نصوص كثيرة منها: قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال (عليه السلام): يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا» (1)، و نحوه خبر أبي بصير (2)، و موثق سماعة (3) و ظهورها في التخيير مما لا ريب فيه.

و بإزاء هذه الأخبار ما اقتصر فيها على ذكر التصدق فقط (4)، أو ذكر

ص: 152


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12 و 4 و 10.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 12 و 4 و 10.

.....

______________________________

العتق فقط (1)، و حملها على أنّها في مقام ذكر إحدى خصال التخيير من أقرب طرق الجمع عرفا، فلا وجه لتوهم المعارضة بينها أصلا، لأنّه من قبيل توهم المعارضة بين القرينة و ذي القرينة.

و أما خبر ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال: عليه القضاء، و عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد فليستغفر اللّه»(2) و هو ظاهر في الترتيب، و كذا خبر الأنصاري- عن أبي جعفر (عليه السلام):

«إنّ رجلا أتى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) فقال: هلكت و أهلكت فقال (صلّى اللّه عليه و آله): و ما أهلكت؟ قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال له النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال (صلّى اللّه عليه و آله): فصم شهرين متتابعين قال: لا أطيق، قال (صلّى اللّه عليه و آله): تصدّق على ستين مسكينا، قال: لا أجد فأتي النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال له النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): خذ هذا فتصدّق به، فقال: و الذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فقال (صلّى اللّه عليه و آله): خذه و كله أنت و أهلك فإنّه كفارة لك (3)- الذي يستفاد منه الترتيب أيضا. فيردهما- مضافا إلى قصور سند الثاني- إعراض المشهور عنهما، و موافقتهما للتقية، و أنّ حملهما على الندب من أقرب طرق الجمع، مع أنّ ما اعتمد عليه المشهور أصح سندا، و أكثر عددا، و مخالف للعامة، فيتعيّن العمل بها.

مضافا إلى أنّ البحث ساقط من أصله في هذه الأعصار، لعدم التمكن من العتق رأسا، و من صوم الشهرين نوعا، فيتعيّن الإطعام قهرا سواء قيل بالتخيير أم الترتيب، و يتحقق الإطعام بإطعام ستين مسكينا كل واحد منهم ثلاثة أرباع الكيلو من الخبز، و الأفضل أن يكون مع الإدام.

ص: 153


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 11.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.

الأحوط الترتيب (9)، فيختار العتق مع الإمكان و مع العجز عنه فالصّيام، و مع العجز عنه فالإطعام و يجب الجمع بين الخصال إن كان الإفطار على محرّم (10)- كأكل المغصوب و شرب الخمر و الجماع المحرّم و نحو ذلك.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 10، ص: 154

______________________________

(9) خروجا عن خلاف العماني، و المرتضى في أحد قوليه، و عملا بالخبرين بعد حملهما على الندب.

(10) الأصل فيه خبر الهروي قال: «قلت للرضا (عليه السلام) يا ابن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان، أو أفطر فيه، ثلاث كفارات، و روي عنهم أيضا كفارة واحدة، فبأيّ الحديثين نأخذ؟ قال (عليه السلام): بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما، أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة، و صيام شهرين متتابعين، و إطعام ستين مسكينا و قضاء ذلك اليوم، و إن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه» (1).

و نوقش فيه تارة: بقصور السند، و مخالفته المشهور، و الإطلاقات الواردة في مقام البيان.

و أخرى: بأنّ خفاء ذلك إلى زمان الرضا (عليه السلام) مع كون الحكم من الابتلائيات قرينة التسامح الذي يناسب الاستحباب لا الوجوب، مع أنّه خلاف سهولة الشريعة التي بنيت عليها.

و ثالثة: بأنّ الرواية التي رويت عن آبائه (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان ثلاث كفارات لم توجد في كتب الحديث.

و الجميع مردود فإنّ السند من الموثق الذي استقر العمل به، بل من

ص: 154


1- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
الثاني: صوم قضاء شهر رمضان

الثاني: صوم قضاء شهر رمضان إذا أفطر بعد الزوال (11)

______________________________

الصحيح كما عن بعض أعلام الفن، مع تأييده بما رواه الصّدوق عن أبي الحسين الأسدي عن محمد بن عثمان العمري وكيل الناحية عن المهدي (عليه السلام): «فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا بجماع محرّم عليه أو بطعام محرّم عليه أنّ عليه ثلاث كفارات» (1) و قد أفتى (رحمه اللّه) بمضمونه.

و إعراض المشهور لعلّه لأجل بعض ما مرّ من المناقشات لا لما وصل إليهم و لم يصل إلينا، و الحديث بعد اعتباره يكون مقيّدا للإطلاقات لا أن يكون معارضا لها، و اختفاء ما روي عن آبائه (عليهم السلام) يمكن أن يكون لأجل عدم الضبط، أو أنّه ضبط و لم يصل إلينا، و يحتمل أن يكون ذلك موثق سماعة كما عن الشيخ في الاستبصار- بناء على ضبطه بالواو في الوسائل-: «عليه عتق رقبة، و إطعام ستين مسكينا و صيام شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم» (2) و المقام ليس مقام التسهيل حتى تشمله سهولة الشريعة المقدسة، بل مقام التشديد، لهتك الحرمة و التظاهر بالجرأة و لكن الجزم بالحكم مع ذلك مشكل، لسكوت الرواة عنه سؤالا عن المعصوم، و عدم فتوى الفقهاء بالحديث، مع كونه موجودا لديهم، فالحديث يصلح للاحتياط دون الفتوى.

(11) للإجماع، و النصوص منها خبر العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان قال (عليه السلام): إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شي ء عليه إلا يوم مكان يوم و إن كان أتى أهله بعد زوال الشمس، فإنّ عليه أن يتصدّق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر عليه صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيّام كفارة لما صنع» (3)، و مثله صحيح هشام إلا أنّ فيه «إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه» (4) و لا بد إما من حمله على ما قبل الزوال، أو طرحه.

ص: 155


1- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

و كفارته إطعام عشرة مساكين، لكلّ مسكين مدّ، فإن لم يتمكن فصوم ثلاثة أيّام (12)،

______________________________

و أما موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سئل عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان- إلى أن قال- سئل فإن نوى الصوم ثمَّ أفطر بعد ما زالت الشمس قال (عليه السلام): قد أساء و ليس عليه شي ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (1)، فهو موافق للعامة، و مخالف للمشهور، فلا بد من طرحه. ثمَّ إنّ ظاهر الإطلاق عدم الفرق بين ما كان موسعا أو مضيقا.

(12) أما المدّ، فلظهور الإجماع، و انصراف الإطلاقات إليه، و هو ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا و يصير المجموع سبعة كيلوات و نصف.

و أما كونه على عشرة مساكين، ثمَّ الصوم مع العجز عنه فقد تقدم النص عليه بالخصوص(2).

و أما صوم ثلاثة أيّام مع عدم التمكن من الإطعام، فقد تقدّم التصريح به في خبر العجلي. و أما موثق زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء قال (عليه السلام): عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيّام رمضان» (3).

و مثله مرسل حفص عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل قال (عليه السلام): عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان (4)،

ص: 156


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
4- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

و الأحوط إطعام ستّين مسكينا (13).

الثالث: صوم النذر المعيّن

الثالث: صوم النذر المعيّن و كفارته كفارة إفطار شهر رمضان (14).

______________________________

فهما محمولان على التنظير في أصل وجوب الكفارة في الجملة لا الكمية الخاصة و إلا فهما موهونان بالإعراض و الشذوذ.

(13) لأنّه حينئذ قد عمل بعمدة الأقوال الواردة في المقام لأنّه أربعة:

الأول: ما عن المشهور و هو إطعام عشرة مساكين و مع العجز يصوم ثلاثة أيّام.

الثاني: ما نسب إلى ابن بابويه و ولده و هي كفارة الإفطار في شهر رمضان.

الثالث: ما نسب إلى ابن البراج من أنّها كفّارة اليمين و هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مخيّرا بينها.

الرابع: ما نسب إلى جمع من القدماء منهم الشيخين من أنّها صيام ثلاثة أيّام، أو إطعام عشرة مساكين و يأتي في كتاب الكفارة أنّ الأقوال في كفارة قضاء شهر رمضان ثمانية أو تسعة و يأتي تزييف جميعها إن شاء اللّه تعالى.

فروع- (الأول): يأتي في [مسألة 27] من (فصل في أحكام القضاء) اختصاص كفارة قضاء شهر رمضان بما إذا كان عن نفسه، و أما إذا كان عن الغير ولاية أو تبرعا أو إجازة فلا كفارة، للأصل بعد ظهور الأدلة في القضاء عن النفس.

(الثاني): لا يلحق بقضاء شهر رمضان النذر الموسع، للأصل.

(الثالث): لو استؤجر لصوم و شك في أنّه من قضاء شهر رمضان أو من النذر الموسع و أفطر بعد الزوال لا تجب الكفارة للأصل، و لكن الظاهر أنّ الصّوم الاستيجاريّ من قضاء شهر رمضان غالبا.

(14) على المشهور المدعى عليه الإجماع في الغنية و الانتصار،

ص: 157

.....

______________________________

لصحيح عبد الملك ابن عمر عن الصادق (عليه السلام): «من جعل للّه عليه أن لا يركب محرّما سماه، فركبه قال: لا و لا أعلمه إلا قال (عليه السلام):

فليعتق رقبة، أو ليصم شهرين متتابعين، أو ليطعم ستين مسكينا» (1)، و خبر ابن مهزيار عن الهادي (عليه السلام): «رجل نذر أن يصوم يوما بعينه، فوقع ذلك اليوم على أهله، ما عليه من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) إليه: يصوم يوما بدل يوم، و تحرير رقبة مؤمنة» (2).

و نحوه مكاتبة القاسم الصيقل (3) و غيره المشتمل على تحرير رقبة (4) بناء على أنّه من باب الاكتفاء بذكر إحدى الخصال عن جميعها، و لكنّه مشكل، لأنّ عتق الرقبة من إحدى خصال كفارة اليمين أيضا، فلا وجه لتخصيصه بمفاد خبر عبد الملك، فهما من هذه الجهة مجملان لا يصح التمسك بهما لكلّ واحد من الكفارتين بالخصوص، و يصح تأييد خبر عبد الملك بما ورد في العهد فإنّه أيضا مثل كفارة شهر رمضان. نعم، لو أطعم ستين مسكينا يقطع بفراغ الذمة على كلّ تقدير.

و أما خبر حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كفارة النذر كفارة اليمين»(5)، و صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) أيضا: «إن قلت للّه عليّ كفارة يمين» (6). فهما موافقان للعامة، لاتفاق رواياتهم على أنّ كفارة النذر كفارة اليمين، فلا يعارضان صحيح عبد الملك الذي ادعى الإجماع على العمل بمضمونه مع إمكان حملهما على النذر الذي أريد به اليمين.

و أما صحيح ابن مهزيار الوارد في نذر الصوم: «و إن كنت أفطرت فيه من غير علة، فتصدّق بعدد كلّ يوم على سبعة مساكين»(7) فإن كان المراد سبعة مساكين فلا قائل به و إن كان مصحف (عشرة) كما قيل مثل خبر حفص يلزم طرحه لموافقة العامّة و إن كان (شبعة) مساكين بالشين المعجمة فهو مجمل

ص: 158


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 7.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 2.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 1.
6- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 4.
7- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم الواجب حديث: 4.
الرابع: صوم الاعتكاف

الرابع: صوم الاعتكاف و كفارته مثل كفارة شهر رمضان مخيّرة بين الخصال (15)، و لكن الأحوط الترتيب المذكور (16) هذا و كفارة الاعتكاف مختصّة بالجماع، فلا تعمّ سائر المفطرات (17).

______________________________

من حيث عدد المسكين. و على أي حال لا وجه للاعتماد عليه.

(15) لجملة من النصوص منها موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن معتكف واقع أهله قال (عليه السلام): عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا» (1) هذا مضافا إلى الإجماع.

(16) و أوجبه بعضهم، لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام):

«عن المعتكف يجامع أهله قال (عليه السلام): إذا فعل فعليه ما على المظاهر» (2)، و مثله صحيح أبي ولاد قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيّأت لزوجها حتّى واقعها، فقال (عليه السلام): إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيّام و لم تكن اشترطت في اعتكافها فإنّ عليها ما على المظاهر»(3).

و لكن الحمل على الأفضلية من أقرب طرق الجمع بينهما و بين النصوص الصريحة في أنّ كفارته مثل كفارة شهر رمضان كما تقدم.

(17) للأصل، و اختصاص النصوص بخصوص الجماع و لا دليل على التعميم إلا دعوى الإجماع و هو موهون لمخالفة الشيخ و من تبعه في غير الاستمناء، و مخالفة المحقق و من تبعه حتى فيه، فلا وجه لثبوت الإجماع بعد ذلك.

ص: 159


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 5.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 6.

و الظاهر أنّها لأجل الاعتكاف لا للصّوم (18) و لذا تجب في الجماع ليلا أيضا و أما ما عدا ذلك من أقسام الصّوم، فلا كفارة في إفطاره، واجبا كان- كالنذر المطلق و الكفارة- أو مندوبا، فإنّه لا كفارة فيها و إن أفطر بعد الزوال (19).

مسألة 2: تتكرّر الكفارة بتكرّر الموجب في يومين و أزيد من صوم له كفارة

(مسألة 2): تتكرّر الكفارة بتكرّر الموجب في يومين و أزيد من صوم له كفارة (20). و لا تتكرّر بتكرّره في يوم واحد في غير الجماع، و إن تخلل التكفير بين الموجبين، أو اختلف جنس الموجب على الأقوى (21)،

______________________________

(18) لظاهر الأدلة، فعن ابن أعين قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام):

عن رجل وطأ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان قال (عليه السلام): عليه الكفارة و إن وطأها نهارا فعليه كفارتان» (1)و نحوه مرسل الصدوق (2) المحمول ذيله على ما إذا كان الصوم فيه كفارة أيضا و إلا فعليه كفارة واحدة، فصوم الاعتكاف إن لم تكن فيه كفارة تجب كفارة الاعتكاف فقط، و هي مختصة بخصوص الجماع فقط سواء وقع نهارا أم ليلا و إن كانت فيه كفارة فإن كان المفطر غير الجماع فيلحقه حكمه، و إن كان الجماع و وقع ليلا ففيه كفارة واحدة، و إن وقع نهارا ففيه كفارتان و يأتي في [مسألة 9 و 10] من (فصل أحكام الاعتكاف) ما ينفع المقام.

(19) للأصل، و الإجماع، و اختصاص الأدلة بموارد خاصة، فلا وجه للتعدّي إلى غيرها في الحكم المخالف للأصل.

(20) لإطلاق الأدلة، و إجماع الأجلة، و قاعدة تعدّد المسبب بتعدّد السبب، و أصالة عدم التداخل.

(21) لتعلق وجوب الكفارة على نقض الصوم و إفطاره و لا إفطار و لا

ص: 160


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.

و إن كان الأحوط التكرار مع أحد الأمرين (22)، بل الأحوط التكرار مطلقا (23) و أما الجماع، فالأحوط بل الأقوى تكريرها بتكرّره (24).

______________________________

نقض بعد الإفطار و بطلان الصوم لا حقيقة، و لا عرفا، و لا شرعا و وجوب الإمساك في صوم شهر رمضان تأدبا بعد الإفطار فيه حكم تعبديّ لا أن يكون ذلك صوما بعد الإفطار، فيكون الصوم كالطهارة و الصلاة، فكما أنّه لا طهارة بعد نقضها بالحدث، و لا صلاة بعد قطعها ببعض القواطع، فكذا لا صوم بعد الإفطار، فلا يتصوّر موضوع للكفارة بعد أن كان موضوعها الإفطار. نعم، لو كان الموضوع مطلق الأكل- مثلا- في اليوم الصوميّ و لو لم يكن صائما لا ريب في تحقق الموضوع لها حينئذ بعد الإفطار أيضا، و لكنّه ممنوع، لأنّ المناط حيثية المفطرية لا نفس الأكل من حيث هو كما هو واضح.

(22) خروجا عن خلاف من أوجبها مع تخلل التكفير، أو اختلاف جنس الموجب، و لكنّه باطل قطعا، لأنّ مناط التكفير نقض الصوم و إبطاله، و لا نقض و لا إبطال بعد تحقق البطلان بالإفطار الأول، فلا موضوع في نظائر المقام، لأصالة عدم تداخل الأسباب. لأنّه فيما إذا كان المورد قابلا لتأثير السبب اللاحق في الجملة لا فيما إذا انعدم الموضوع بالكلية.

(23) خروجا عن خلاف من أوجبها كذلك، و ظهر مما تقدم أنّه لا دليل عليه مطلقا من عقل أو نقل.

(24) لمكاتبة الجرجاني إلى أبي الحسن (عليه السلام): «عن رجل واقع امرأة في شهر رمضان من حلال أو حرام عشر مرّات؟

قال (عليه السلام): عليه عشر كفارات، لكلّ مرّة كفارة، فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد» (1).

و عن العلامة (رحمه اللّه) روى عن الرّضا (عليه السلام): «إن الكفارة تتكرّر بتكرر الوطي» (2)، و عن كتاب شمس الذهب: «روى عنهم أنّ الرجل

ص: 161


1- الوسائل باب: 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

مسألة 3: لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفارة الجمع

(مسألة 3): لا فرق في الإفطار بالمحرّم الموجب لكفارة الجمع بين أن تكون الحرمة أصلية كالزنا و شرب الخمر، أو عارضية كالوطء حال الحيض، أو تناول ما يضرّه (25).

مسألة 4: من الإفطار بالمحرّم الكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله

(مسألة 4): من الإفطار بالمحرّم الكذب على اللّه و على رسوله صلّى اللّه عليه و آله (26)، بل ابتلاع النخامة إذا قلنا بحرمتها،

______________________________

إذا جامع في شهر رمضان عامدا، فعليه القضاء و الكفارة و إن عاد إلى المجامعة في يومه، فعليه في كلّ مرّة كفارة»، مع أنّه قد علق الحكم على عنوان الجماع و إتيان الأهل، و مع تكرره تتكرّر الكفارة لا محالة.

هذا، و لكنّ الأخبار قاصرة السند عن إثبات الحكم الإلزاميّ، و تعليق الحكم على الجماع، و إتيان الأهل من حيث المفطرية لا الموضوعية الخاصة و لا ينطبق ذلك إلا على الجماع الأول فقط، فالجزم بالفتوى بلا دليل عليه مشكل، و طريق الاحتياط معلوم.

(25) للإطلاق الشامل للجميع و منه تناول مال الغير بدون رضاه، أو ما نهى عنه الوالدان و نحو ذلك. و دعوى الانصراف إلى المحرّمات الذاتية بلا شاهد.

(26) لحرمته، فيشمله إطلاق الدليل إلا أن يدّعي انصراف الدليل عنه.

(فروع)- (الأول): لو أفطر بعد الغروب على محرّم، فمقتضى الأصل عدم الكفارة عليه.

(الثاني): لو علم بأنّه من شهر رمضان، فأفطر على المحرّم، أو كرّر الجماع ثمَّ بان أنّه ليس من شهر رمضان لا كفارة عليه في الإفطار على المحرّم و التكرار.

(الثالث): لا فرق في الإفطار على المحرّم بين علمه بالتحريم و عدمه، لعدم اختصاص الأحكام بالعالمين بها.

(الرابع): لو أفطر على مال الغير بغير إذنه ثمَّ رضي و أجاز تسقط الكفارة

ص: 162

من حيث دخولها في الخبائث، لكنّه مشكل (27)

مسألة 5: إذا تعذّر بعض الخصال في كفارة الجمع

(مسألة 5): إذا تعذّر بعض الخصال في كفارة الجمع وجب عليه الباقي (28).

مسألة 6: إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفارات بعددها

(مسألة 6): إذا جامع في يوم واحد مرّات وجب عليه كفارات بعددها، و إن كان على الوجه المحرّم تعدّدت كفارة الجمع بعددها (29).

مسألة 7: الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعد إفطارا واحدا و إن تعددت اللقم

(مسألة 7): الظاهر أنّ الأكل في مجلس واحد يعد إفطارا واحدا و إن تعددت اللقم، فلو قلنا بالتكرار مع التكرّر في يوم واحد لا تتكرّر بتعدّدها، و كذا الشرب إذا كان جرعة فجرعة (30).

______________________________

على الحرام، لظهورها في استقرار الحرام لا الحاصل الزائل و الأحوط التكفير.

(27) للنخامة مراتب متفاوتة، فبعضها من الخبائث، و بعضها لا يكون منها قطعا، و بعضها مشكوك و ما كان منها تارة تصل إلى فضاء الفم، و اخرى: لا تصل. و ثالثة: مشكوك و لا يكون من الإفطار و المحرم إلا ما كانت من الخبائث و وصلت إلى فضاء الفم، و المرجع في المشكوك مطلقا أصالة البراءة.

(28) لقاعدة الميسور المرتكز في الأذهان في نظائر المقام، بل و إطلاق الأدلة بعد استفادة الوجوب الانبساطي منها لا المجموعي من حيث هو، فإنّه قيد زائد يدفع بالإطلاق، و يمكن التمسك باستصحاب بقاء أصل الوجوب، فلا يسقط إلا بإتيان الميسور.

(29) لإطلاق الدليل على فرض تماميته.

(30) لهذه المسألة نظائر كثيرة في الفقه كبعض كفارات الإحرام- كالتظليل و نحوه- و كالتكلم السهويّ في الصلاة الذي يوجب سجود السهو

ص: 163

مسألة 8: في الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات

(مسألة 8): في الجماع الواحد إذا أدخل و أخرج مرّات لا تتكرّر الكفارة (31)، و إن كان أحوط (32).

مسألة 9: إذا أفطر بغير الجماع، ثمَّ جامع

(مسألة 9): إذا أفطر بغير الجماع، ثمَّ جامع بعد ذلك يكفيه

______________________________

و كبرى المسألة إنّما تتعلق بها الكفارة أو سجدة السهو- مثلا- و يمكن انحلالها إلى أجزاء و جزئيات، و لكن يمكن أن يفرض لها وحدة اعتبارية عرفية- هل المدار فيما يتعلق بها على وحدتها الاعتبارية، أو على أجزائها التحليلية، المنساق من الأدلة بحسب الأذهان العرفية في الشريعة المبتنية على التسهيل و التيسير هو الأول، و يقتضيه الأصل أيضا، لأنّ التعلق بحسب ما له من الوحدة الاعتبارية معلوم، و بحسب الأجزاء التحليلية مشكوك، فينفي بالأصل، فالأكل في مجلس واحد و الشرب كذلك له وحدة اعتبارية لا ريب في تعلق الكفارة بحسبها، و في غيرها يرجع إلى الأصل، و تلك الوحدة الاعتبارية قابلة للتشكيك، فلو فرضنا خمسة أشخاص صائمون في سفرة واحدة أكل أحدهم حتّى شبع، و أكل الثاني منهم عشرين لقمة- مثلا- و الثالث عشر لقمات، و الرابع خمس، و الخامس لقمة واحدة فقط، تتعلق بكل واحد منهم كفارة واحدة، لفرض الوحدة الاعتبارية بالنسبة إلى كل واحد منهم، و كذا في نظائر المقام مما هي كثيرة جدّا.

(31) لأنّ المتفاهم من الجماع، و إتيان الأهل الوارد في الأدلة إنّما هو العمل المعهود بتمامه حتى يفرغ الفاعل عن عمله و يقضي حاجته و لكنه أيضا من الموضوعات القابلة للتشكيك، فلو اكتفى بإدخال واحد و أخرج و انصرف عن أصل العمل لحدوث مانع، أو انعدام المقتضي يصدق عليه الجماع، و إتيان الأهل أيضا، فيترتب عليه الحكم قهرا.

(32) لاحتمال أن يكون المراد بالجماع هنا مطلق ما يوجب الجنابة، و إلحاق الولد، و استقرار تمام المهر و غير ذلك من الأحكام المترتبة عليه في النكاح و الحدود و العدة، و إن كان هذا الاحتمال في خصوص المقام بعيدا.

ص: 164

التكفير مرّة (33)، و كذا إذا أفطر أولا بالحلال ثمَّ أفطر بالحرام تكفيه كفارة الجمع (34).

مسألة 10: لو علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم و تردد

(مسألة 10): لو علم أنّه أتى بما يوجب فساد الصوم و تردد بين ما يوجب القضاء فقط أو يوجب الكفارة أيضا، لم تجب عليه (35)، و إذا علم أنّه أفطر أياما و لم يدر عددها يجوز له الاقتصار على القدر المعلوم (36). و إذا شك في أنّه أفطر بالمحلل أو المحرّم كفاه إحدى الخصال (37) و إذا شك في أنّ اليوم الذي أفطره كان من شهر رمضان أو كان من قضائه- و قد أفطر قبل الزوال- لم تجب عليه

______________________________

(33) لا حكم لمثل هذا الجماع من حيث الإفطار، إذ لا يتصوّر الإفطار بعد الإفطار، و حينئذ فإن قلنا بأنّ لنفس الجماع من حيث هو موضوعية خاصة في ترتب الكفارة و لم يتكرّر و لم ينطبق عليه عنوان الإفطار تتعلق به الكفارة لا محالة و تتكرر، و أما إن قلنا بأنّه لا بد في تعلق الكفارة به إما من انطباق عنوان الإفطار عليه، أو تكرّره فلا وجه للكفّارة حينئذ، و مقتضى الأصل هو الأخير، و إن كان مقتضى الجمود على ما تقدّم من الأخبار غير المعتبرة هو الأول، لكنّه جمود بلا دليل و لا اعتماد على ما يصح عليه التعويل.

(34) لا إشكال في الكفاية إنّما الإشكال في الوجوب و لا دليل عليه، بل مقتضى الأصل عدمه، لعدم تحقق الإفطار بالحرام، لفرض بطلان الصوم أولا بالحلال، فلا صوم حتى يتحقق فيه الإفطار بالحرام و يوجب ذلك كفارة الجمع إلا أن يقال: إنّ تناول الحرام في اليوم الصومي مطلقا يوجب كفارة الجمع و هو مجرد دعوى خال عن الدليل.

(35) لأصالة البراءة عن وجوب الكفارة.

(36) لأنّ المسألة من صغريات الأقل و الأكثر، و مقتضى الأصل العقلي و النقليّ عدم وجوب الأكثر كما ثبت في محلّه بما لا مزيد عليه.

(37) لأصالة البراءة عن الزائد.

ص: 165

الكفارة (38) و إن كان قد أفطر بعد الزوال كفاه إطعام ستّين مسكينا بل له الاكتفاء بعشرة مساكين (39).

مسألة 11: إذا أفطر متعمّدا ثمَّ سافر بعد الزّوال لم تسقط عنه الكفارة بلا إشكال

(مسألة 11): إذا أفطر متعمّدا ثمَّ سافر بعد الزّوال لم تسقط عنه الكفارة بلا إشكال (40). و كذا إذا سافر قبل الزوال للفرار عنها، بل و كذا لو بدا له السفر لا بقصد الفرار على الأقوى (41). و كذا لو

______________________________

(38) للشك في وجوبها، فيرجع فيه إلى الأصل.

(39) كفاية إطعام ستّين مسكينا مما لا ريب فيه. و وجه الاكتفاء بعشرة مساكين، لأنّها المعلوم على كل تقدير و الزائد مشكوك، فيرجع فيه إلى الأصل بلا فرق بين كون إطعام ستين مسكينا و عشرة مساكين من الأقل و الأكثر الاستقلالي أو الارتباطي، لجريان البراءة عند الشك في كل منهما كما ثبت في محله، كما أنّه يرجع في وجوب العتق و الصوم إلى البراءة أيضا، لأنّه من الشك بين الوجوب التخييري و الإباحة و قد ثبت في محله جريانها فيه أيضا و قد نقحنا كل ذلك في (تهذيب الأصول) فراجع.

(40) لإطلاق أدلة الكفارة، و أصالة عدم السقوط بعد الثبوت، و عدم كون السفر بعد الزوال مانعا عن صحة الصوم نصّا و إجماعا كما يأتي.

(41) لأنّ المناط كلّه في وجوب الكفارة هتك حرمة شهر رمضان، و الإفطار العمدي في الصوم المستجمع لشرائط الصحة ظاهرا مع حكم شرعي بوجوب الصوم و هو متحقق في الصورتين، فلا وجه لما يقال: من أنّه بالسفر يستكشف عدم الصوم في الواقع، فلا موضوع للكفارة، و ذلك لأنّ الهتك المتحقق خارجا مع حكم الشرع بوجوب الصوم لا ينقلب عما وقع عليه في الواقع من القبح بتفويت الصوم بالسفر اختيارا، و منه يظهر عدم الفرق بين السفر و عروض سائر الموانع غير الاختيارية- كالحيض، و المرض، و الجنون- لأنّ الصوم في الواقع مشروط بعدم هذه الأمور و مع عروض واحد منها يستكشف أنّه لم يكن تكليف بالصوم في علم اللّه تعالى، و لكن لا ريب في ثبوت الوجوب الظاهري في الجميع، فيتحقق الهتك بالنسبة إلى نقض هذا

ص: 166

سافر، فأفطر قبل الوصول إلى حدّ الترخص (42). و أما لو أفطر متعمّدا، ثمَّ عرض له عارض قهريّ- من حيض، أو نفاس، أو مرض، أو جنون، أو نحو ذلك من الأعذار- ففي السقوط و عدمه وجهان، بل قولان أحوطهما الثاني و أقواهما الأول (43).

______________________________

الوجوب في الجميع، و الكفارة إنّما تتعلق بهذه الجهة التي وقعت في شهر رمضان في الصوم الواجب ظاهرا.

و يمكن تقرير الدليل بنحو الشكل الأول البديهي الإنتاج بأن يقال: هذا الشخص لا يجوز له الإفطار في هذا اليوم عمدا و كل من لا يجوز له الإفطار عمدا تتعلق به الكفارة قهرا، فهذا تتعلق به الكفارة و يشمل الدليل عروض الموانع الاضطرارية أيضا.

و بعبارة أخرى: موضوع الكفارة، إنّما هو نقض الحكم الظاهري بوجوب الصوم لا كون الصوم واجدا للشرائط إلى المغرب في علم اللّه تعالى.

مضافا إلى إطلاق إجماع الخلاف، و يمكن الاستشهاد بصحيح زرارة و ابن مسلم قالا: «قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) أيّما رجل كان له مال حال عليه الحول، فإنّه يزكيه، قلت له: فإن وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء أبدا، قال: و قال زرارة عنه: أنّه قال: إنّما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته، ثمَّ يخرج في آخر النهار في سفر، فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه، و قال: إنّه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنّه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء بمنزلة من خرج ثمَّ أفطر- الحديث-» (1).

(42) لوجوب الصوم عليه ظاهرا ما لم يصل إلى حدّ الترخص، فيحصل بالإفطار نقض هذا الوجوب و هتك شهر رمضان، فتتعلق به الكفارة.

(43) تقدم عدم الفرق بين السفر و العوارض القهرية، لتحقق الوجوب

ص: 167


1- الوسائل باب: 58 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

مسألة 12: لو أفطر يوم الشك في آخر الشهر ثمَّ تبيّن أنّه من شوال

(مسألة 12): لو أفطر يوم الشك في آخر الشهر ثمَّ تبيّن أنّه من شوال فالأقوى سقوط الكفارة (44) و إن كان الأحوط عدمه (45). و كذا لو اعتقد أنّه من رمضان ثمَّ أفطر متعمّدا فبان أنه من شوال، أو اعتقد في يوم الشك في أول الشهر أنّه من رمضان فبان أنّه من شعبان (46).

______________________________

الظاهري و الهتك في كلّ منهما.

فرع: لو علم عند الفجر أنّه يعرض له بعض العوارض المانعة عن صحة الصوم- كالسفر و الحيض و نحوهما- فهل يجب عليه قصد الصوم أو لا؟

الظاهر عدم تمشي قصد الصوم الحقيقي منه مع هذا العلم، و مع العلم بأنّ السفر- مثلا- مانع عن صحة الصوم. نعم، لو كان غافلا عن الأخير و أمكن منه القصد، فمقتضى الإطلاقات وجوبه حينئذ و حرمة الإفطار و ترتب الكفارة لو أفطر لما مرّ.

(44) للأصل، و ظهور عدم الخلاف، و لعدم تحقق هتك حرمة شهر رمضان واقعا، فإنّ لشهر رمضان أهميّة خاصة ليست لغيره من الشهور كما يستفاد من بعض الأخبار (1).

إن قلت: إن كان المناط في وجوب الكفارة مخالفة التكليف الظاهري، فهو متحقق في الفرض أيضا.

قلت: مخالفة التكليف الظاهري مع تبين الخلاف لا أثر له إلا في خصوص شهر رمضان، لأنّ له ما ليس لغيره من المزية.

(45) لتحقق مرتبة من الهتك، و مرتبة من مخالفة الحكم الظاهري التي تصلح للاحتياط.

(46) لأنّ المناط في الجميع واحد و هو عدم تحقق مخالفة الحكم الظاهري من كل جهة، و عدم تحقق هتك شهر رمضان كذلك و إنّما تحققت المخالفة الاعتقادية ثمَّ بان الخلاف.

ص: 168


1- الوسائل باب: 19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

مسألة 13: قد مر أنّ من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا إن كان مستحلا فهو مرتد

(مسألة 13): قد مر أنّ من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا إن كان مستحلا فهو مرتد، بل و كذا إن لم يفطر و لكن كان مستحلا له (47) و إن لم يكن مستحلا عزّر بخمسة و عشرين سوطا، فإن عاد بعد التعزير عزّر ثانيا، فإن عاد كذلك قتل في الثالثة، و الأحوط قتله في الرابعة.

مسألة 14: إذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكرها لها كان عليه كفارتان

(مسألة 14): إذا جامع زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكرها لها كان عليه كفارتان، و تعزيران خمسون سوطا فيتحمل عنها الكفارة (48) و التعزير و أما إذا طاوعته في الابتداء فعلى كلّ منهما

______________________________

(47) مع الالتفات إلى كونه ضروريا بحيث يرجع إلى إنكار الألوهية و الرسالة، و تقدم الكلام فيه في النجاسات من كتاب الطهارة. و أما من حيث قتله و تعزيره، فتقدم بعض الكلام فيه في أول كتاب الصوم، و يأتي بعضه الآخر في الحدود.

(48) للنص، و الإجماع ففي خبر مفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة فقال (عليه السلام): إن كان استكرهها فعليه كفارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفارة و عليها كفارة و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحدّ، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا، و ضربت خمسة و عشرين سوطا» (1).

و التقييد بشهر رمضان ليس في النص و إنّما هو في كلمات الفقهاء، و إنّهم اقتصروا عليه في هذا الحكم المخالف للأصل على خصوص شهر رمضان، مع أنّ ذكر الكفارة و التعزير قرينة الاختصاص بما فيه تعزير و كفارة و الشائع منه صوم شهر رمضان.

ص: 169


1- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يمسك عنه الصوم حديث: 1.

كفارته و تعزيره (49) و إن أكرهها في الابتداء ثمَّ طاوعته في الأثناء فكذلك على الأقوى (50)، و إن كان الأحوط كفارة منها و كفارتين منه، و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المنقطعة (51).

مسألة 15: لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفارة

(مسألة 15): لو جامع زوجته الصائمة و هو صائم في النوم لا يتحمّل عنها الكفارة، و لا التعزير (52) كما أنّه ليس عليها شي ء و لا يبطل صومها بذلك (53). و كذا لا يتحمّل عنها إذا أكرهها على غير

______________________________

(49) لتحقق الإفطار العمدي من كل منهما، فيشمله دليل الكفارة و التعزير قهرا.

(50) لأنّ المناط في الإكراه الموجب للتحمل ما كان مستمرا حدوثا و بقاء و مع عدمه يجري حكم المطاوعة على كل منهما، و لكن يمكن أن يقال:

إنّ المنساق عرفا من الإكراه على هذا العمل إنّما هو الإكراه من حيث الحدوث فقط لا إلى الفراغ منه فلا كفارة عليها حينئذ، بل يجب عليه كفارتان أصالة و تحملا كالصورة الأولى، كما أنّه يمكن جريان حكم كل من الإكراه و المطاوعة معا بلحاظ حالة كل من الحدوث و الأثناء، فتجب عليه كفارتان أصالة و تحملا كما تجب عليها الكفارة للمطاوعة، و لكن المتيقن من الإجماع على التحمل ما إذا كان الإكراه مستمرا حدوثا و بقاء كما أنّ المنساق من خبر المفضّل كفاية الإكراه في الحدوث فقط في التحمل و مع الشك في الشمول، فالمرجع الأصل العملي و هو بالنسبة إليه من الأقل و الأكثر، و بالنسبة إليها من الشك في أصل التكليف و من جميع ما ذكرنا يظهر وجه الاحتياط.

(51) للإطلاق، و ظهور الاتفاق.

(52) للأصل بعد عدم صدق الإكراه عليه عرفا.

(53) لاعتبار العمد و الاختيار في البطلان و لا يتصوّران بالنسبة إلى النائم و حيث لا بطلان لصومها، فلا موضوع لوجوب الكفارة عليها و يكون ذلك كالإيجار في الحلق.

ص: 170

الجماع من المفطرات حتى مقدّمات الجماع و إن أوجبت إنزالها (54).

مسألة 16: إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا

(مسألة 16): إذا أكرهت الزوجة زوجها لا تتحمّل عنه شيئا (55):

مسألة 17: لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع و هما صائمان

(مسألة 17): لا تلحق بالزوجة الأمة إذا أكرهها على الجماع و هما صائمان، فليس عليه الا كفارته و تعزيره و كذا لا تلحق بها الأجنبية إذا أكرهها عليه على الأقوى (56) و إن كان الأحوط التحمل عنها (57)، خصوصا إذا تخيل أنّها زوجته، فأكرهها عليه (58).

مسألة 18: إذا كان الزوج مفطرا، بسبب كونه مسافرا أو مريضا، أو نحو ذلك

(مسألة 18): إذا كان الزوج مفطرا، بسبب كونه مسافرا أو مريضا، أو نحو ذلك، و كانت زوجته صائمة، لا يجوز له إكراهها على الجماع (59)

______________________________

(54) لأصالة عدم التحمل بعد اختصاص الدليل بخصوص الجماع فقط.

(55) لاختصاص دليل التحمل بإكراهه لها دون العكس، و مقتضى الأصل فيه البراءة عن التحمل.

(56) كل ذلك للأصل بعد ظهور دليل التحمل في الزوجة و كون العقوبة في الأجنبية أفحش لا يستلزم التحمل لا عقلا، لعدم الملازمة و لا شرعا و لا عرفا.

(57) خروجا عن خلاف ما نسب إلى العلامة و الشيخ (رحمه اللّه) من الإلحاق و إن كان لا دليل لهما عليه و لكن الاحتياط حسن مطلقا.

(58) لإمكان دعوى تعميم أحكام وطي الشبهة حتّى إلى هذه الجهة، و لكنّه لا دليل على هذا التعميم و إن صلح لحسن الاحتياط.

(59) لاستنكار المتشرعة ذلك كما في إكراهها عليه في أثناء الصلاة خصوصا مع ضيق الوقت، فلا يرون له حق الاستمتاع في مثل هذه الحالات، مع أنّ ظاهرهم حرمة إبطال صوم الغير في شهر رمضان مطلقا، فيكون ذلك

ص: 171

و إن فعل لا يتحمّل عنها الكفارة و لا التعزير (60) و هل يجوز له مقاربتها و هي نائمة إشكال (61).

مسألة 19: من عجز عن الخصال الثلاث في كفارة مثل شهر رمضان

(مسألة 19): من عجز عن الخصال الثلاث في كفارة مثل شهر رمضان تخيّر بين أن يصوم ثمانية عشر يوما، أو يتصدّق بما يطيق (62)،

______________________________

تسبيبا للحرام. هذا مع بطلان صومها بالإكراه عليه. و أما مع العدم، فتكون الصائمة مثل النائمة.

(60) لاختصاص دليل تحملها بما إذا كان الزوج صائما، فلا تحمل في غيره للأصل.

(61) للشك في ثبوت حق هذا الاستمتاع له في حال النوم، بل مقتضى الأصل عدمه، و لكن لو فعل لا يبطل صومها، لأنّه كالإيجار في الحلق.

(62) لمعتبرة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام، و لم يقدر على العتق، و لم يقدر على الصدقة؟ قال (عليه السلام): فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام» (1).

المحمول على الوجوب التخييري بقرينة صحيح ابن سنان عنه (عليه السلام) أيضا: في رجل أفطر من شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال (عليه السلام): يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (2)، فيرفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين بقرينة الآخر.

إن قيل: نعم، و لكن يمكن حمل خبر سماعة- المتقدم- على الظهار بقرينة خبره الآخر عنه (عليه السلام) أيضا: «رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما

ص: 172


1- الوسائل باب: 9 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

و لو عجز أتى بالممكن منهما (63) و إن لم يقدر على شي ء منهما استغفر

______________________________

يعتق و لا ما يتصدّق، و لا يقوى على الصّيام، قال (عليه السلام): يصوم ثمانية عشر يوما، لكل عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (1)، فيعمل بخبر ابن سنان في صوم شهر رمضان، و بخبر سماعة في الظهار.

يقال. لا وجه لهذا الحمل، لأنّ خبر أبي بصير و سماعة بمنزلة القاعدة الكلية الشاملة لكل كفارة فيها الخصال الثلاثة مخيّرة كانت أو مرتبة خصوصا مع ملاحظة التعليل لقوله (عليه السلام): «كل عشرة مساكين ثلاثة أيام» فإنّه ظاهر في التعميم للمرتبة و المخيّرة، و ما ورد من سماعة في الظهار من باب بيان إحدى المصاديق لا التخصيص به بالخصوص، و ظاهر المحقق (رحمه اللّه) في الشرائع الإطلاق أيضا حيث قال: «كل من وجب عليه شهران متتابعان»، و يمكن استفادة التعميم من قول الماتن أيضا، لأنّ قوله: «مثل شهر رمضان» أي في الخصال الثلاثة تخييريا كان أو ترتيبيا، و يظهر ذلك من الدروس و المختلف أيضا، و مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام): «تصدق بما يطيق» هو الإجزاء بكل ما يتمكن منه و لو كان ذلك مدّ من طعام، أو درهم أو نحو ذلك، و يأتي بعض الكلام في الكفارات.

فرع: هل يعتبر التتابع في صوم ثمانية عشر أم لا؟ مقتضى ظاهر قول الصادق (عليه السلام) في معتبرة سماعة «فليصم ثمانية عشر يوما عن كلّ عشرة مساكين ثلاثة أيّام» (2)عدم الاعتبار لعدم اعتباره في المبدل. و مقتضى الجمود على أنّه صوم الكفارة و ظاهرهم التسالم على اعتبار التتابع في صوم الكفارة اعتباره فيه و هو الأحوط.

(63) لقاعدة الميسور المرتكزة في الأذهان في نظائر المقام، و لا ريب في تصور الميسور بالنسبة إلى صيام ثمانية عشر يوما، و أما الميسور بما يطيق

ص: 173


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الكفارات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.

اللّه (64) و لو مرّة (65)، بدلا عن الكفارة، و إن تمكن بعد ذلك منها أتى بها (66).

______________________________

من التصدق، فيمكن أن يفرض لما يطيق أيضا مراتب متفاوتة، إذ المراد به العرفي منه لا الدقي العقلي و إذا كان المراد العرفي منه، فيتصور له مراتب أيضا.

(64) للإجماع، و النص قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه، من صوم، أو عتق، أو صدقة في يمين أو نذر، أو قتل. أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة، ما خلا يمين الظهار» (1)، و عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن شي ء من كفارة اليمين- إلى أن قال- قلت إنه عجز عن ذلك قال (عليه السلام): فليستغفر اللّه و لا يعود» (2)، و في خبر ابن فرقد: «إن الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شي ء من الكفارة» (3).

(65) لإطلاق الأدلة، و أصالة البراءة عن الزائد عليها، و كفاريتها في التوبة عن كلّ ذنب.

(66) بناء على أنّ بدلية الاستغفار عن الكفارة ما دامية لا دائمية، و لكنه لا وجه له:

أما أولا: فلكونه خلاف إطلاق الأدلة.

و ثانيا: فلأنّه خلاف التسهيل و التيسير الذي بنيت عليه الشريعة، مع ابتناء حق اللّه تعالى على التخفيف كما هو معلوم، و صرّح به في الجواهر.

و ثالثا: فلأنّ الاستغفار هنا كالاستغفار في سائر الموارد، فكما أنّه فيها

ص: 174


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 3.

.....

______________________________

مسقط لأصل الذنب دائما بحيث لا يعود فكذلك في المقام.

إن قيل: نعم، و لكن حيث إنّ وجوب الكفارة لا يكون فوريا فالعجز الذي هو موجب للانتقال إلى الاستغفار يكون كذلك أيضا، مع أنّه روى عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، و ينوي أن لا يعود قبل أن يواقع، ثمَّ ليواقع و قد أجزأ ذلك عنه من الكفارة. فإذا وجد السبيل إلى ما يكفّر يوما من الأيّام فليكفر» (1).

و الظاهر عدم الفرق بينه و بين سائر الكفارات، مضافا إلى ما حقق في محله من عدم جواز البدار في الأبدال الاضطرارية.

يقال: لا ريب في أنّ وجوب الكفارة موسع كما يأتي في [مسألة 22]، و لكن لا ملازمة بين كون وجوب الكفارة موسعا و كون العجز أيضا كذلك، بل يجوز أن يكون العجز حين إرادة الامتثال علة تامة للانتقال إلى البدل تسهيلا و امتنانا على الأمة و لو حصل التمكن بعده، و يشهد له إطلاق أدلة العجز في الكفارات المرتبة خصوصا مثل موثق ابن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام):

«سألته عن كفارة اليمين في قوله: «فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام» ما حدّ من لم يجد؟ و إنّ الرجل ليسأل في كفّه و هو يجد؟ فقال (عليه السلام): إذا لم يكن عنده فضل عن قوت عياله فهو ممن لا يجد» (2).

فإنّ ظهوره في العجز حين إرادة الامتثال مما لا ينكر، و كذا صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث الظهار قال: «فإن صام، فأصاب مالا فليمض الذي ابتدأ فيه» (3).

و ظهوره في العجز حين إرادة الامتثال واضح أيضا و هو و إن كان معارضا بغيره كخبر ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «في رجل صام شهرا من كفارة الظهار ثمَّ وجد نسمة قال (عليه السلام): يعتقها و لا يعتد بصومه»(4)

ص: 175


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الكفارات حديث: 3 4.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب الكفارات حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الكفارات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الكفارات حديث: 2.

مسألة 20: يجوز التبرع بالكفارة عن الميت، صوما كانت أو غيره

(مسألة 20): يجوز التبرع بالكفارة عن الميت، صوما كانت أو غيره (67) و في جواز التبرع بها عن الحيّ إشكال و الأحوط العدم.

______________________________

و لكن يمكن حمل المعارض على الندب جمعا.

و كذا حمل ما تقدم من قوله (عليه السلام) في موثق عمار: «فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر يوما من الأيام فليكفر» فإنّه يمكن حمله على الندب أيضا.

و أما قياس المقام على الأبدال الاضطرارية. فهو مخدوش، لظهور الاتفاق على صحة الاستغفار مع عدم التمكن حين الاستغفار عن الخصال.

إنّما الكلام في أنّه لو حصل التمكن بعده هل تجب الكفارة حينئذ؟ و ظاهر إطلاقات أدلة المقام هو السقوط مطلقا إلا ما ورد في الظهار و هو محمول على الندب، و لا وجه للاستصحاب مع هذه الإطلاقات.

إن قيل: كفارة التخيير أو الترتيب مشتملة على حق الناس و لا معنى لسقوط حق الناس بمجرد العجز عنه، و لو فرض السقوط، فهو سقوط ما دامي لا دائمي.

يقال: حق الناس الذي لا يسقط بمجرد العجز إنّما هو الحق الثابت المنجز المستقر، لا ما كان موكولا إلى اختيار المكلف و كان لعجزه و تمكنه دخلا فيه.

فرع: العجز عن خصال الكفارة تارة: دقيّ عقليّ. و أخرى: عرفيّ أبدي. و ثالثة: عرفي بمعنى عدم الزيادة على احتياجاته العرفية حين إرادة الامتثال، و مقتضى الإطلاقات، و سهولة الشريعة كفاية الأخير. و قد اختار ذلك صاحب الجواهر في الكفارات فراجع.

و على ذلك يمكن القول بعدم وجوب الكفارة على من ليس له شي ء زائد على مئونة سنته.

(67) على المعروف بين الأصحاب، لأنّ ذلك خير محض بالنسبة إلى الميت و لا وجه لعدم جوازه و قد تقدم ذلك في (فصل الصلاة الاستيجارية)

ص: 176

خصوصا في الصوم (68).

______________________________

و يأتي في قضاء الصوم، و في الزكاة، و الحج أيضا.

(68) أما في غير الصوم، فمقتضى المرتكزات و الأصل هو الجواز، لأنّه من الإحسان الذي جبلت النفوس على جوازه و حسنه.

و استدل للمنع بأمور: كظهور الأدلة في المباشرة، و أنّ المنساق منها وقوع الخسران في ماله جبرا لطغيانه، و اعتبار إذن المكلّف في فراغ ذمته تعبدا، فلا تفرغ بغير إذنه، لأنّه لا ينتسب العمل إلى المكلف إلا بإذنه، فمع عدمه لا يقع عنه.

(و الكل مخدوش): أما الأول. فبأنّه أول الدعوى، بل يصح دعوى الارتكاز العرفي على الخلاف في مثل الدين و الكفارات، مضافا إلى دعوى الإجماع على الإجزاء.

و أما الثاني: فبأنّه من مجرد الاستحسان المخالف للإطلاق، مع أنّه يمكن أن يكون لاطلاع الغير على العصيان حزازة لا يكون في الخسران.

و أما الثالث: فبأنّه مخالف للأصل، و الإطلاق أيضا، و دعوى الإجماع.

و أما الأخير: فبأنّ الإضافة تحصل بقصد التبرع إذ الأعمال بالنيات (1)، فلا دليل على المنع في غير الصوم، بل ما ورد في موثق سماعة، و أبي بصير في كفارة الظهار حيث قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «أنا أتصدّق عنك، فأعطاه تمرا لإطعام ستين مسكينا، و قال (صلّى اللّه عليه و آله): اذهب فتصدق بها» (2)ظاهر بل نص في الجواز.

و أما الصوم، فمقتضى كونه نحو إحسان بالنسبة إلى الغير و تفريغ لذمته

ص: 177


1- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الكفارات حديث: 1.

مسألة 21: من عليه الكفارة إذا لم يؤدها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر

(مسألة 21): من عليه الكفارة إذا لم يؤدها حتّى مضت عليه سنين لم تتكرّر (69).

مسألة 22: الظاهر أنّ وجوب الكفارة موسع

(مسألة 22): الظاهر أنّ وجوب الكفارة موسع، فلا تجب المبادرة إليها (70) نعم، لا يجوز التأخير إلى حدّ التهاون (71).

مسألة 23: إذا أفطر الصّائم بعد المغرب على حرام

(مسألة 23): إذا أفطر الصّائم بعد المغرب على حرام من زنا أو شرب الخمر أو نحو ذلك- لم يبطل صومه (72) و إن كان في

______________________________

عن الكلفة هو الجواز أيضا، فإن كان مستند المنع ما تقدم، فقد مرّ ما فيه، و إن كان لأجل أنّ تشريعه لأجل زجر النفس عما ارتكب و جبرانا لما صدر عنه من المعصية، فيمكن حصوله من صوم المتبرع أيضا، و كونه كالحدود و التعزيرات التي لا وجه لتحمل غير الجريم لها. مجرّد احتمال لا دليل عليه، و لذا ذهب جمع إلى الجواز و إن نسب المنع في الجواهر إلى المشهور، و لكن ثبوته مشكل، و على فرض الثبوت فاعتباره أشكل، و من ذلك كلّه يظهر وجه الاحتياط خصوصا في الصوم.

(69) للأصل، و الاتفاق، و عدم دليل على التكرر من عقل أو نقل.

(70) للإطلاق، و الاتفاق، و عدم استفادة الفورية من الأدلة، فمقتضى الأصل عدمها و ما يظهر من الجواهر في أول الكفارة من أصالة الفورية في أداء الحقوق المالية إلا ما خرج بالدليل، فإن دل عليها دليل من إجماع، أو غيره فهو و إلا فمقتضى أصالة البراءة عدمها.

و ما يقال: من أنّ الكفارة بمنزلة التوبة و هي فورية فلا بد فيها من الفورية أيضا مدفوع: بأنّ التنزيل من هذه الجهة يحتاج إلى دليل و هو مفقود.

(71) للقطع بمبغوضيته لدى الشارع حينئذ، و لعل هذا مراد من قال بالفورية فلا نزاع حينئذ في البين.

(72) لأنّ الإفطار المبطل ما كان ناقضا للصوم حين وجوبه و لا يتصور النقض بعد انتهاء زمانه و زوال وجوبه. و جواز نقضه.

ص: 178

أثناء النّهار قاصدا لذلك (73).

مسألة 24: مصرف كفارة الإطعام: الفقراء

(مسألة 24): مصرف كفارة الإطعام: الفقراء (74)، إما بإشباعهم، و إما بالتسليم إليهم (75)

______________________________

(73) لأنّ قصد المفطر إنّما يضرّ الصّوم إن أخلّ باستمرار النية، لا ما إذا قصد الإفطار في انتهاء زمان النية. نعم، لا ريب في أصل حرمة هذا العمل و شدّة عقوبته، لوقوعه في شهر رمضان.

(74) للنصوص المتقدّمة، و الإجماع، بل ضرورة من الدّين، و الأخبار و ان اشتملت على المساكين (1)، الا أنّ المراد بهم الأعمّ من الفقير، و إن كان المسكين أخصّ من الفقير إن ذكر معه كما يأتي في كتاب الزكاة.

(75) لإطلاق الأدلّة الشامل لكلّ واحد من الإطعام و الإعطاء، إذ الإعطاء للإطعام إطعام أيضا، مع أنّ في بعض الأخبار: «مدّ لكلّ مسكين» (2).

ثمَّ إنّ التسليم هنا أقسام- الأول: أن يضيّفهم و يضع عند كلّ واحد منهم مدّا من الخبز مع الإدام أو بدونه.

الثاني: أن يعطيهم مدّا من الحنطة أو الشعير أو الخبز.

الثالث: أن يعطيهم ثمن ذلك و يوكله لأن يشتري المدّ للمالك ثمَّ يتملك.

الرابع: أن يملّكه القيمة بشرط أن يصرفها في ذلك مع الاطمئنان بالوفاء.

الخامس: أن يحيله على أحد- كالخباز- ليشتري ذلك، أو يحيل ستين شخصا إلى مطعم- مثلا-

ص: 179


1- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 10 و غيره.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 10 و غيره.

كلّ واحد مدّا (76) و الأحوط مدان، من حنطة، أو شعير، أو أرز، أو خبز أو نحو ذلك (77) و لا يكفي في كفارة واحدة إشباع شخص واحد مرّتين، أو أزيد، أو إعطاؤه، مدّين، أو أزيد، بل لا بد من ستين نفسا (78).

______________________________

السادس: أن يفرّق الستين على الأقسام الخمسة بأن يخص كلّ عشرة بقسم.

(76) لنصوص مستفيضة، بل متواترة الواردة في الأبواب المتفرقة (1)، مع التعليل في بعض الأخبار بقوله (عليه السلام): «قوت عيالك و القوت يومئذ مدّ»(2)، و في بعض الأخبار ذكر المدّان(3)و أحسن طرق الجمع هو الحمل على الندب، لأنّه من الزيادة في الإحسان الذي لا ريب في الرجحان، و قد ورد في كفارات الإحرام أيضا- كما سيأتي- لفظ المدّ و المدّين.

(77) لصدق الطعام و الإطعام، و القوت و الإشباع على كلّ ذلك، و قد ورد كلّ ذلك في الأدلة كما ورد لفظ الحنطة، و الدقيق، و التمر، و الخبز فيها أيضا (4)، و الظاهر كونه لمجرّد المثال لا الخصوصية و إنّما هي من باب الغالب و المناط كلّه صدق الإطعام و الإشباع، و القوت. و عن صاحب الجواهر:

«فيصدق بالإشباع من الفواكه و المربيات و نحوها» و هو حسن بعد حمل ما ذكر في النصوص على الغالب في تلك الأزمنة فيشمل الحلويات أيضا.

(78) للكتاب، و الإجماع، و النصوص. ففي صحيح ابن عمار قال:

«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن إطعام عشرة مساكين، أو إطعام ستين مسكينا أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ قال (عليه السلام): لا و لكن يعطي

ص: 180


1- الوسائل باب: 10 و 12 من أبواب الكفارات حديث: 12 و 11 و غيره.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الكفارات حديث: 9.
3- الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات حديث: 6 و 10 و غيرهما.
4- راجع جميع ذلك في الوسائل باب: 14 من أبواب الكفارات.

نعم، إذا كان للفقير عيال متعدّدون- و لو كانوا أطفالا صغارا- يجوز إعطاؤه بعدد الجميع لكلّ واحد مدّا (79).

______________________________

إنسانا إنسانا كما قال اللّه عزّ و جلّ» (1).

(79) للإطلاق، و الإنفاق، و ما عن أبي الحسن (عليه السلام) في الصحيح: «عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أ يعطي الصغار و الكبار سواء، و النساء و الرجال، أو يفضّل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟

فقال (عليه السلام): كلّهم سواء» (2)، و لكن اللازم في الصغير التسليم إلى وليه إن كان بنحو التسليم هذا إذا ضمّ الصغار إلى الكبار إشباعا أو تسليما.

و أما إذا انفرد الصغار عن الكبار، فلا بد من احتساب اثنين بواحد على المشهور، لخبر غياث: «لا يجزي إطعام الصغير في كفارة اليمين، و لكن صغيرين بكبير» (3) المحمول على صورة الانفراد جمعا بينه و بين ما تقدم.

و أما قول عليّ (عليه السلام) في خبر السكوني: «من أطعم في كفارة اليمين صغارا و كبارا، فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير» (4)، فيمكن حمله على صورة انفراد الصغار و تزويد عددهم، و يمكن حمله على الندب إن اجتمعوا مع الكبار.

فروع- (الأول): لا يعتبر في إشباع الصغير إذن الوليّ، للأصل بعد عدم دليل عليه.

(الثاني): المراد بالصغير هنا الصغير العرفي دون الشرعيّ و يحتمل الثاني، بل عن بعض تعيينه.

(الثالث): لو أكل الصّغير عند الانفراد بقدر الكبير أو أزيد، فهل يجب التضعيف أو لا؟ وجهان مقتضى الجمود على النص(5) هو الأول، و مقتضى الاعتبار هو الأخير.

ص: 181


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الكفارات حديث: 2.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 3.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 1.
4- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 2.
5- الوسائل باب: 17 من أبواب الكفارات حديث: 3 و 1 و 2.

.....

______________________________

(الرابع): لو كان ما يطعم به متفاوتا من حيث القيمة يجوز الاقتصار على الأقل قيمة إن لم يكن خلاف المتعارف، و الأعدل الوسط، و الأفضل اختيار الأفضل.

(الخامس): الأحوط في الكفارات الاقتصار على الفقراء دون الصرف في باقي مصارف الزكاة.

(السادس): لا يجزي القيمة لا في الإشباع، و لا في التمليك إجماعا.

نعم، يجوز إعطاؤها و توكيل الأخذ لأن يشتري الطعام عن المعطى على ما تقدم.

(السابع): تسليم الطعام إلى الفقير تمليك له كسائر الصّدقات، فيملك ما قبضه و يفعل به ما يشاء، و لا يتعيّن عليه صرفه في الأكل.

(الثامن): لو دفع الطعام إلى الفقير ثمَّ اشتراه منه ثمَّ دفعه إليه ثمَّ اشتراه منه و هكذا إلى تمام العدد، فمقتضى الإطلاق الإجزاء، و في الجواهر أنّه:

«لا خلاف فيه و لا إشكال، لتحقق التعدّد الاعتباري، و لا دليل على اعتبار الأزيد منه».

(التاسع): لو تعذر العدد كرّر على الموجود حتّى يستوفي العدد، لقول عليّ (عليه السلام): «إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل و الرجلين، فيكرّر عليهم حتى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثمَّ يعطيهم غدا» (1)، مضافا إلى ظهور الاتفاق، و عدم الفصل بين العشرة و الستين، هذا في الكفارة الواحدة أما في المتعدّدة و لو من شخص واحد، فيصح مع الاختيار بلا فرق بين الإشباع و التسليم، و في الجواهر: «و أما المتعدّدة فلا خلاف و لا إشكال في جواز الإعطاء لواحد و إن تمكن من الغير من غير فرق بين التسليم و الإشباع، فيحتسب حينئذ إشباع المسكين مرّتين بمسكينين و لو في يوم واحد».

(العاشر): يعتبر في إعطاء الكفارات قصد القربة، لظهور الإجماع عليه.

ص: 182


1- الوسائل باب: 16 من أبواب الكفارات حديث: 1.

مسألة 25: يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة

(مسألة 25): يجوز السفر في شهر رمضان لا لعذر و حاجة بل و لو كان للفرار من الصّوم (80)، لكنّه مكروه.

مسألة 26: المدّ: ربع الصّاع

(مسألة 26): المدّ: ربع الصّاع (81) و هو ستمائة مثقال

______________________________

(الحادي عشر): يجوز التوكيل في إعطاء الكفارة و لا تعتبر المباشرة للأصل، و إطلاق أدلة الوكالة كما أنّه لا يجب إعلام الفقير بأنّ ما يعطى له من الكفارة، للأصل. و يأتي في الكفارات جملة من الأحكام إن شاء اللّه تعالى.

(80) لإطلاق صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم و قد مضى منه أيّام؟ فقال (عليه السلام): لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم» (1)و قريب منه غيره.

و عن الحلبي عدم جوازه اختيارا، لأنّ السفر شرط الوجود، فيجب تحصيله، و لصحيح أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان؟ فقال (عليه السلام): لا، إلا فيما أخبرك به خروج إلى مكة، أو غزو في سبيل اللّه تعالى، أو مال تخاف هلاكه» (2)، و في حديث الأربعمائة: «ليس للعبد أن يخرج إلى سفر إذا دخل شهر رمضان لقول اللّه عزّ و جل: فمن شهد منكم الشهر فليصمه» (3).

و الكل مخدوش: أما الأول: فبأنه شرط الوجوب لا الوجود كما يأتي.

و الثاني: بأنّ حمل الخبرين على الكراهة من أقرب طرق الجمع، مع قصور سند الثاني، و لذا ذهب المشهور إلى الجواز.

و نسب إلى العماني، و أبي الصلاح الحرمة إن كان لأجل الفرار من الصوم و يرده: ما تقدم من إطلاق صحيح ابن مسلم.

(81) لا وجه لهذه التفصيلات في هذه الأعصار التي اتحدت الأوزان-

ص: 183


1- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال و على هذا فالمدّ مائة و خمسون مثقالا و ثلاثة مثاقيل و نصف مثقال و ربع ربع المثقال. و إذا أعطي ثلاثة أرباع الوقية من حقة النجف فقد زاد أزيد من واحد و عشرين مثقالا، إذ ثلاثة أرباع الوقية مائة و خمسة و سبعون مثقالا.

______________________________

في جميع العالم- على الوزن المعروف ب (الكيلو) و المد يكون ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا.

ص: 184

فصل يجب القضاء دون الكفارة في موارد

اشارة

(فصل يجب القضاء دون الكفارة) في موارد:

أحدها: ما مرّ من النوم الثاني

أحدها: ما مرّ من النوم الثاني بل الثالث و إن كان الأحوط فيهما الكفارة أيضا، خصوصا الثالث (1).

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية

الثاني: إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية، مع عدم الإتيان بشي ء من المفطرات، أو بالرياء، أو بنية القطع، أو القاطع كذلك (2).

______________________________

فصل يجب القضاء دون الكفارة

(1) لما تقدم في [مسألة 56] من (فصل ما يجب الإمساك عنه).

(2) للأصل، و ظهور أدلة وجوب الكفارة في ترتبها على إتيان المفطر و هو أخصّ من مجرّد عدم النية عرفا و شرعا، و لا وجه للاستدلال بالأخصّ على ما هو الأعمّ، فيشترط في الإفطار الموجب للكفارة اجتماع أمور ثلاثة:

قصد الصوم، ثمَّ القصد إلى المفطر، ثمَّ الإتيان به خارجا، و مع اجتماع هذه الأمور الثلاثة يجب الكفّارة، و مع فقد واحد منها لا تجب و إن بطل الصّوم و وجب القضاء.

فلا وجه لأن يقال: إنّ إتيان كلّ مفطر لا بد و أن يكون مسبوقا بالقصد إليه، لما سبق من اعتبار العمد و الاختيار فيه، و قصد المفطر مبطل للصّوم، فلا يبقى موضوع لوجوب الكفارة حينئذ أبدا. و ذلك: لما تقدم من أنّ موضوعها إنّما يتحقق بعد قصد الصّوم و القصد إلى الإتيان بالمفطر ثمَّ إتيانه خارجا، و أيّ من هذه الأمور لم يتحقق ينفي الصوم، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه و يجب القضاء، و لكن لا يوجب الكفارة إلا الإتيان بالمفطر خارجا، لظواهر الأدلة الدالة عليه.

ص: 185

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة

الثالث: إذا نسي غسل الجنابة و مضى عليه يوم أو أيّام كما مرّ (3).

الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمَّ ظهر سبق طلوعه

الرابع: من فعل المفطر قبل مراعاة الفجر ثمَّ ظهر سبق طلوعه و أنّه كان في النهار (4) سواء كان قادرا على المراعاة أم عاجزا عنها

______________________________

و أما الفسّاق و الفجار الذين لا ينوون الصوم أصلا و يكون بناؤهم على تركه فلا ريب في أنّ ذنبهم عظيم غير قابل للتدارك بالكفارات في الدّنيا كما في قوله تعالى وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ (1).

و أما أنّه هل تجب عليهم الكفارة لكل يوم فلم أر من صرّح بوجوبها على نحو القطع و الجزم و في الجواهر: «لا يبعد وجوب الكفارة» و المنشأ في الوجوب و عدمه شمول الإطلاقات له و عدم الشمول فإن قلنا بظهورها في من نوى الصّوم و أفطر فلا يشمل و كذا إن شككنا في أنّه ظاهر في من نوى الصوم أو الأعمّ من ذلك، و إن استظهرنا من الأدلة العموم فلا ريب في الشمول.

(3) لاعتبار العمد و الاختيار في وجوب الكفارة، و المفروض عدمه و تقدم في [مسألة 50] من المفطرات ما ينفع المقام.

(4) أما عدم الكفارة، فلاختصاص وجوبها بالإتيان بالمفطر عن عمد و اختيار بعد العلم بدخول زمان وجوب الإمساك، فلا موضوع لها في المقام أصلا، لعدم العلم بدخوله. و أما وجوب القضاء، فللنص، و الإجماع. قال سماعة: «سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان.

فقال (عليه السلام): إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل، ثمَّ عاد فرأى الفجر، فليتم صومه و لا إعادة عليه. و إن كان قام فأكل و شرب، ثمَّ نظر إلى الفجر فرأى أنّه قد طلع الفجر، فليتم صومه، و يقضي يوما آخر، لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة» (2).

ص: 186


1- سورة المائدة: 95.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.

لعمى أو حبس أو نحو ذلك (5) أو كان غير عارف بالفجر (6)، و كذا

______________________________

(5) للإطلاق الشامل للجميع، و نسب إلى المشهور نفي القضاء عن العاجز، للأصل، و انصراف الدليل إلى القادر، و لكن الأصل محكوم بالدليل، و الانصراف بدويّ، فالمتبع هو ظاهر الإطلاق، خصوصا إطلاق مثل صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «أنّه سئل عن رجل تسحر ثمَّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن؟ فقال (عليه السلام) يتم صومه ذلك، ثمَّ ليقضه. و إن تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» (1). و قريب منه صحيح ابن مهزيار (2).

(6) لشمول إطلاق صحيح الحلبي له أيضا.

ثمَّ إنّه يستفاد من موثق سماعة أقسام:

الأول: الأكل مع اعتقاد بقاء الليل و عدم تبين الخلاف أصلا و لا قضاء فيه، للأصل و ظهور الإجماع.

الثاني: الأكل مع الشك في البقاء و عدم تبين الخلاف و لا قضاء فيه، لما يأتي في المسألة الأولى بعد ذلك.

الثالث: الأكل بعد الفحص و اعتقاد بقاء الليل ثمَّ تبيّن الخلاف و لا قضاء فيه، لما تقدم في موثق سماعة منطوقا و مفهوما، و لكن يأتي الاحتياط فيه.

الرابع: الأكل بعد الفحص و حصول الظن بالبقاء و لا قضاء فيه، لإطلاق قوله (عليه السلام): «إن قام فنظر فلم ير الفجر»، و كذا إطلاق مفهوم قوله (عليه السلام): «لأنّه بدأ بالأكل قبل النظر».

الخامس: الأكل بعد الفحص مع بقاء التردد و الشك، و مقتضى الجمود على الإطلاق عدم القضاء أيضا، و لكن الظاهر صحة دعوى الانصراف عنه، بل و عن القسم الرابع أيضا.

ص: 187


1- الوسائل باب: 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.

مع المراعاة و عدم اعتقاد بقاء الليل بأن شك في الطلوع أو ظنّ فأكل ثمَّ تبيّن سبقه (7)، بل الأحوط القضاء حتى مع اعتقاد بقاء الليل (8) و لا فرق في بطلان الصوم بذلك بين صوم رمضان و غيره من الصوم الواجب و المندوب (9) بل الأقوى فيها ذلك حتّى مع المراعاة و اعتقاد بقاء الليل (10).

______________________________

السادس: الأكل قبل الفحص مع التردد في البقاء أو الظن به ثمَّ تبيّن الخلاف و يجب فيه القضاء، لما تقدم في موثق سماعة.

السابع: الأكل قبل الفحص مع اعتقاد بقاء الليل ثمَّ تبيّن الخلاف و يجب فيه القضاء أيضا، للموثق.

(7) لما دل على أنّ الإتيان بالمفطر في الصوم يوجب البطلان، و إطلاقه يشمل صورة المراعاة و الشك في الطلوع أيضا، و لا دليل على الخلاف إلا ما تقدم من موثق سماعة. و قد تقدّم في القسم الخامس انصرافه عن صورة بقاء الشك و التردد.

(8) لإطلاق ما دل على أنّ وقوع المفطر في اليوم الصومي يوجب البطلان و لا دليل على الخلاف إلا ما تقدم من قوله (عليه السلام) في موثق سماعة: «و إن كان قام فنظر فلم ير الفجر، فأكل ثمَّ عاد فرأى الفجر، فليتم صومه و لا إعادة عليه» (1)، و لكن قوله (عليه السلام): «ثمَّ عاد فرأى الفجر» يحتمل معنيين: أحدهما رآه أنّه كان طالعا حين الأكل. و الثاني: رآه أنّه طالع فعلا مع عدم العلم بأنّه كان طالعا حين الأكل أم لا. و مع هذا الاحتمال يشكل الجزم بالاحتمال الأول.

(9) لأنّ بطلان الصّوم بإتيان المفطر في أثنائه بالعمد و الاختيار من أحكام طبيعيّ الصوم بلا فرق بين أنواعه و أقسامه، كبطلان الصّلاة بتخلل إحدى القواطع فيها.

(10) لعمومات أدلة المفطرات، و إطلاقاتها، و عن المستند استظهار

ص: 188


1- الوسائل باب: 44 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 3.

.....

______________________________

عدم الخلاف في الواجب غير المعيّن، و في موثق ابن عمار: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) يكون عليّ اليوم و اليومان من شهر رمضان فأتسحر مصبحا أفطر ذلك اليوم و أقضي مكان ذلك يوما آخر، أو أتم على صوم ذلك اليوم و أقضي يوما آخر؟ قال (عليه السلام): لا، بل تفطر ذلك اليوم، لأنّك أكلت مصبحا، و تقضي يوما آخر» (1) و إطلاقه سؤالا و تعليلا يشمل صورة المراعاة أيضا.

و أما الواجب المعيّن، فمقتضى إطلاق أدلة المفطرية وجوب القضاء أيضا، و يقتضيه إطلاق التعليل في موثق ابن عمار كما لا يخفى، و صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «سئل عن رجل تسحر ثمَّ خرج من بيته و قد طلع الفجر و تبيّن، فقال (عليه السلام) يتم صومه ذلك ثمَّ يقضيه، و إن تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر» (2)، و إطلاق ذيله يشمل الواجب المعيّن، بل و صدره أيضا، لأنّ وجوب الإتمام من خصوصيات شهر رمضان دون غيره ثبت بدليل خاص يدل عليه بالخصوص.

و أما صحيح ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «آمر الجارية تنظر الفجر، فتقول: لم يطلع بعد فآكل ثمَّ أنظر فأجده قد طلع حين نظرت؟

فقال (عليه السلام) تتم يومك ثمَّ تقضيه أما إنّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاء» (3) فهو و إن كان إطلاقه يشمل المعيّن أيضا، فلا قضاء فيه إن حصلت المراعاة منه، و لكنّه يمكن الخدشة فيه أولا: بأنّ المراد بقوله: «ما كان عليك قضاء» يعني: لو أنّك نظرت لكنت ترى طلوع الفجر، فتمسك عن الأكل، فيصح صومك، فلم يكن عليك قضاء لأنّك أعرف بالفجر من الجارية، لأنّ الرجال أعرف بهذه الأمور من النساء غالبا خصوصا مثل معاوية بن عمار.

ص: 189


1- الوسائل باب: 45 من أبواب ما يمسك عنه الصّائم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 44 و 45 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 46 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

الخامس: الأكل تعويلا على من أخبر ببقاء الليل

الخامس: الأكل تعويلا على من أخبر ببقاء الليل و عدم طلوع الفجر مع كونه طالعا (11).

السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر أو لعدم العلم بصدقه

السادس: الأكل إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر لزعمه سخرية المخبر أو لعدم العلم بصدقه (12).

السابع: الإفطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل

السابع: الإفطار تقليدا لمن أخبر بدخول الليل (13) و إن كان

______________________________

و ثانيا: بأنّه معارض بما تقدم من صحيح الحلبي إذ لا ريب في شمول إطلاق ذيله للصوم المعيّن أيضا فهذا الصحيح يبين قاعدة كلية و هي: أنّ الصّوم باطل بالتسحر بعد الفجر مطلقا و يجب فيه القضاء إن كان له قضاء، و في خصوص شهر رمضان يجب إتمام الصّوم الباطل تأدبا. و هذه القاعدة تشمل جميع أقسام الصّيام بلا كلام إلا ما خرج بدليل تام.

و ثالثا: بأنّه قابل للتقييد بما مرّ من موثق سماعة المختص بشهر رمضان، فما استظهره في المدارك من عدم البطلان في الصّوم المعيّن، لصحيح ابن عمار مخدوش، لما عرفت.

(11) أما عدم الكفارة، فللأصل. و أما وجوب القضاء، فلأنّه أكل في اليوم الصوميّ، فتشمله الإطلاقات و العمومات، مضافا إلى عدم الخلاف و ما تقدم من صحيح ابن عمار، و لا فرق في المخبر بين كونه حجة شرعية أو لا، إذ لا اعتبار بالحجة الشرعية مع ظهور الخلاف بلا ريب و اختلاف.

(12) لجميع ما مرّ في سابقة، مضافا إلى صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحرون في بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم إنّه قد طلع الفجر، فكف بعض، و ظنّ بعض أنّه يسخر فأكل، فقال (عليه السلام): يتم صومه و يقضي» (1).

(13) أما عدم الكفارة، فللأصل. و أما وجوب القضاء، فنسب إلى

ص: 190


1- الوسائل باب: 47 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

جائزا له لعمى أو نحوه، و كذا إذا أخبره عدل بل عدلان (14) بل الأقوى وجوب الكفارة أيضا إذا لم يجز له التقليد (15).

الثامن: الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها

اشارة

الثامن: الإفطار لظلمة قطع بحصول الليل منها فبان خطأه (16) و لم يكن في السماء علة (17) و كذا لو شك أو ظنّ بذلك منها (18) بل المتجه في الأخيرين الكفارة أيضا لعدم جواز الإفطار (19) حينئذ و لو

______________________________

المشهور، و عن الغنية دعوى الإجماع عليه، للعمومات و الإطلاقات و فحوى ما تقدم في الرابع و الخامس. و أما قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صليت أعدت الصّلاة، و مضى صومك، و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا» (1)، و قريب منه غيره (2) فهو محمول على ما إذا كان في السماء علة كما يأتي، لوهن إطلاقه بالإعراض.

(14) للعمومات، و الإطلاقات الشاملة للجميع، و لا عبرة بالحجة الشرعية التي انكشف خلافها.

(15) لتحقق الإفطار العمدي بلا عذر شرعيّ، فتوجب الكفارة، لإطلاقات أدلتها و عموماتها كما يجب القضاء أيضا.

(16) لعين ما تقدم في الموارد السابقة من الإطلاقات و العمومات الدالة على البطلان بتناول المفطر و أما الكفارة فتنتفي بالبراءة بعد عدم دليل عليها في مثل المورد.

(17) لعدم القضاء و الكفارة فيما إذا كان في السّماء علة- كما يأتي.

(18) لشمول العموم، و الإطلاق لصورة حصول الشك و الظن أيضا.

(19) لاستصحاب بقاء اليوم، فلا يجوز الإفطار، و هو مقتضى العمومات الدالة على عدم جواز الإفطار، فيما أحرز بوجه معتبر أنّه يوم،

ص: 191


1- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.

كان جاهلا بعدم جواز الإفطار، فالأقوى عدم الكفارة (20) و إن كان الأحوط إعطاؤها، نعم لو كانت في السماء علة فظنّ دخول الليل، فأفطر ثمَّ بان له الخطأ لم يكن عليه قضاء فضلا عن الكفارة (21)

______________________________

فمقتضى الأصل العمليّ و اللفظيّ عدم جواز الإفطار، فيترتب عليه حكمه و هو القضاء و الكفارة.

(20) تقدم ما يتعلق به في الفصل السابق و ذكرنا وجه الفتوى و الاحتياط فراجع.

(21) لصحيح الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل صام، ثمَّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمَّ إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال (عليه السلام): قد تمَّ صومه و لا يقضيه» (1).

و قريب منه خبر الشحام (2) و يظهر منهم التسالم على العمل بمضمونهما.

و لكن لا بد من حملهما على صورة تحقق الفحص و المراعاة، بقرينة ما تقدم من موثق سماعة (3) و الإطلاقات، و العمومات المقتضية للقضاء غير قابلة للتخصيص و التقييد إلا بمخصص و مقيّد قوي، و لا يصلح إطلاق الخبرين في المقام لذلك، لعدم كونهما في مقام البيان من هذه الجهة.

و أما ما تقدم في صحيح زرارة من إطلاق صحة الصوم، و بطلان الصلاة عند تبين الخلاف في المغرب، فتقدم أنّه محمول على ما إذا كان في السماء علة و إلا فإطلاقه بالنسبة إلى صحة الصوم موهون.

و أما موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس، فرأوا أنّه الليل، فأفطر

ص: 192


1- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 51 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
3- تقدم في صفحة: 186.

و محصّل المطلب أنّ من فعل المفطر بتخيل عدم طلوع الفجر، أو بتخيل دخول الليل بطل صومه في جميع الصور (22) إلا في صورة ظنّ دخول الليل مع وجود علة في السّماء- من غيم، أو غبار، أو بخار، أو نحو ذلك- (23) من غير فرق بين شهر رمضان و غيره من الصّوم الواجب و المندوب (24). و في الصور التي ليس معذورا شرعا في الإفطار- كما إذا قامت البينة على أنّ الفجر قد طلع و مع ذلك أتى بالمفطر، أو شك في دخول الليل أو ظنّ ظنّا غير معتبر و مع ذلك أفطر- تجب الكفارة أيضا (25) فيما فيه الكفارة.

______________________________

بعضهم، ثمَّ إنّ السحاب انجلى، فإذا الشمس، فقال (عليه السلام): على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إنّ اللّه عزّ و جل يقول ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنّه أكل متعمدا» (1).

فظاهره توهم كون السحاب الأسود هو الليل، و ظاهر صحيح الكناني المتقدم هو العلم بوجود الغيم في السماء ثمَّ الظن بعد ذلك بدخول الليل، و بينهما فرق و لا ربط لأحدهما بالآخر.

(22) لتحقق الإفطار العمديّ في اليوم الصوميّ، و قد تقدمت أدلة أخرى في الفروع السابقة.

(23) المذكور في النص «الغيم» و «السحاب» و إلحاق غيرهما بهما يحتاج إلى حصول القطع بعدم الفرق في هذا الحكم المخالف للعمومات و الإطلاقات، و الأصل، و عهدة إثبات القطع بعدم الفرق على مدعيه.

(24) لإطلاق الدّليل الشامل لكلّ واحد من ذلك، و الظاهر أنّ ذكر شهر رمضان في بعض الأخبار(2) من باب الغالب و المثال كما في سائر الموارد.

(25) لوجود المقتضي لوجوبها و هو الأكل العمدي في اليوم الصومي،

ص: 193


1- الوسائل باب: 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 50 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
مسألة 1: إذا أكل أو شرب- مثلا- مع الشك في طلوع الفجر

(مسألة 1): إذا أكل أو شرب- مثلا- مع الشك في طلوع الفجر و لم يتبيّن أحد الأمرين لم يكن عليه شي ء (26)، نعم، لو شهد عدلان بالطلوع و مع ذلك تناول المفطر وجب عليه القضاء، بل الكفارة أيضا و إن لم يتبيّن له ذلك (27) بعد ذلك. و لو شهد عدل واحد بذلك، فكذلك على الأحوط (28).

مسألة 2: يجوز له فعل المفطر- و لو قبل الفحص- ما لم يعلم طلوع الفجر

(مسألة 2): يجوز له فعل المفطر- و لو قبل الفحص- ما لم يعلم طلوع الفجر، و لم تشهد به البينة. و لا يجوز له ذلك إذا شك في الغروب، عملا بالاستصحاب في الطرفين (29) و لو شهد عدل

______________________________

و فقد المانع عنه من دليل دال على عدم وجوبها. نعم، لو كانت في البين قرائن تدل على عدم كون البينة في مقام الشهادة بحيث لم تتم الحجية الشرعية على حرمة الأكل فعلا لا تجب الكفارة حينئذ، لعدم الإثم لدورانها مداره غالبا.

(26) لأصالة عدم الإتيان بالمفطر في اليوم الصومي، فلا يجب القضاء و لا الكفارة، و يقتضيه استصحاب بقاء الليل أيضا.

(27) لأنّ البينة حجة شرعية، فلا بد من ترتب آثار الإفطار في اليوم الصومي على مفادها، و من الآثار القضاء و الكفارة فيما يترتبان عليه.

(28) منشأ التردد الإشكال في حجية العدل الواحد في الموضوعات و تقدم غير مرّة ما يصلح لاعتباره، و يعتمد متعارف الناس على قول الثقة فضلا عن العدل، و لم يرد ردع عنه في الشريعة كما أثبتناه في الأصول.

(29) أي: الاستصحاب الموضوعي و الحكمي، فيجوز الأكل في الأول، و يجب الإمساك في الثاني.

و ما يقال من أنّه مثبت، لأنّه لا بد من وقوع الصوم متصفا بكونه في النهار، و استصحاب بقاء زمان الصوم لا يثبت النهارية إلا بناء على الأصل المثبت. كما أنّ الاستصحاب الحكمي أيضا مثبت، لأنّ استصحاب وجوب

ص: 194

واحد بالطلوع، أو الغروب، فالأحوط ترك المفطر، عملا بالاحتياط للإشكال في حجية خبر العدل الواحد و عدم حجيته. الا أنّ الاحتياط في الغروب إلزاميّ و في الطلوع استحبابيّ (30) نظرا للاستصحاب.

______________________________

الصوم لا يثبت كونه في النهار إلا بناء على الأصل المثبت مدفوع: بأنّ ذلك تبعيد للمسافة، و تطويل بلا طائل، فإنّ المستصحب إنّما هو الحصة الخاصة من الزمان و هي عين النهار في استصحاب النهار، و عين الليل في استصحاب الليل، و كذا في الاستصحاب الحكمي، فإنّه جواز الأكل في حصة خاصة من الزمان المتحد عرفا مع بقاء الليل و وجوب الإمساك في حصة خاصة من الزمان المتحد كذلك مع النهار، فلا وجه لهذا التوهم رأسا، مع عدم الاحتياج إلى الاستصحاب أصلا، لقوله تعالى وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1)، فجعل تعالى غاية الأكل تبيّن الفجر كما قلنا في التفسير (2)، فيصح الأكل و الشرب ما لم يتبيّن، و يشمل ذلك حال الشك أيضا.

و المراد بإتمام الصوم إلى الليل وجوب الإمساك إلى إحراز دخوله، و مع الشك لا يجوز الإفطار، و في موثق ابن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك؟ قال (عليه السلام): كل حتّى لا تشك» (3)، و المسألة بحسب مرتكزات المسلمين في هذا الأمر العام البلوى أوضح من أن يحتاج إلى الاستدلال عليه، بل يصح أن يستدل بارتكازات الصائمين في هذا الأمر العام البلوى لا أن يستدل عليها.

(30) بل فيه أيضا إلزاميّ إن كان الخبر من الأخبار الموثوق بها

ص: 195


1- سورة البقرة: 187.
2- راجع مواهب الرحمن في تفسير القرآن ج: 3 صفحة 88 ط بيروت.
3- الوسائل باب: 49 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرد بمضمضة، أو غيرها فسبقه و دخل الجوف

اشارة

التاسع: إدخال الماء في الفم للتبرد بمضمضة، أو غيرها فسبقه و دخل الجوف، فإنّه يقضي (31)

______________________________

المعتمد عليها عند العقلاء لتقدمه على الاستصحاب، كما ثبت في محله.

(31) للإجماع، و النص، ففي موثق سماعة قال: «سألته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش، فدخل حلقه قال (عليه السلام): عليه القضاء. و إن كان في وضوء فلا بأس به» (1).

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الصائم يتوضأ للصلاة، فيدخل الماء حلقه، فقال (عليه السلام): إن كان وضوؤه لصلاة فريضة، فليس عليه شي ء، و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (2).

و يدل على القضاء للتبرد بالأولى، و لا بد من حمل كل ذلك على ما إذا لم يكن قاصدا للدخول في حلقه و إلا فيكون من قصد المفطر، لعدم كون الإطلاق واردا مورد البيان حتّى من هذه الجهة.

و أما موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء و هو صائم؟ قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء إذا لم يتعمد ذلك. قلت: فإن تمضمض الثانية، فدخل في حلقه الماء؟ قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء قلت: فإن تمضمض الثالثة؟

فقال (عليه السلام): قد أساء ليس عليه شي ء، و لا قضاء» (3).

و الظاهر ترجيح موثق سماعة عليه، للإجماع على العمل به، و يمكن حمله على صورة الضرورة و الاضطرار، و دخول الحلق على ما إذا كان بلا عمد و اختيار و لا التفات من كل جهة. هذا بحسب الأخبار الخاصة.

و أما بحسب القاعدة من العمومات و الإطلاقات، فإن قصد بها تعمد الدخول في الحلق، فصومه باطل دخل حلقه أم لا، لأنّه من قصد المفطر حينئذ يجب عليه القضاء بل و الكفارة بناء على أنّ الإخلال بالنية يوجب

ص: 196


1- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.

و لا كفارة عليه (32)، و كذا لو أدخله عبثا فسبقه (33). و أما لو نسي فابتلعه فلا قضاء عليه أيضا (34)، و إن كان أحوط (35) و لا يلحق بالماء غيره على الأقوى و إن كان عبثا لا يلحق بالإدخال في الفم الإدخال في الأنف للاستنشاق أو غيره (36)

______________________________

الكفارة، و كذا إن لم يتعمد ذلك و كان معتاد الشرب عند المضمضة، أو يعلم بأنه يدخل الماء حلقه فيها، لصدق تعمد المفطر في الصورتين من ناحية تعمد السبب و إن لم يكن معتاد الشرب عند المضمضة، و لا يعلم بدخول الماء في حلقه، و لم يكن من قصده ذلك أيضا، فدخل اتفاقا، فلا وجه لكونه مفطرا، لاعتبار العمد و الاختيار فيه، و يمكن حمل موثق عمار عليه كما مرّ، كما أنّه يمكن حمل موثق سماعة على ما إذا كان متوجها إلى دخول الماء في الحلق في الجملة كما هو كذلك غالبا فيما إذا كان للتبرد، و لكنّه ليس قاصدا لذلك، بل يدافع عنه مهما أمكنه.

(32) للأصل، و خلوّ النص عنها، و عدم تحقق العمد و الاختيار الموجب لها.

(33) لأولوية القضاء فيه من القضاء لمضمضة الوضوء، مضافا إلى دعوى الإجماع عن الانتصار، و يمكن التعميم حتى لو كانت للتداوي، أو لتطهير الفم و نحو ذلك من الأغراض الصحيحة، فدخل الماء في الحلق، فإنّ فيه القضاء دون الكفارة، لأصالة عدمها في مورد الشك فيها مطلقا.

(34) لما تقدم من اعتبار العمد و الاختيار في الإفطار الموجب للقضاء.

(35) جمودا على إطلاق موثق سماعة (1)، و لحسن الاحتياط مهما أمكن.

(36) لأصالة البراءة عن القضاء في ذلك كلّه بعد فقد الدليل عليه.

نعم، إن قصد الإفطار، أو صدق عليه المفطر وجب القضاء، بل تجب

ص: 197


1- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.

و إن كان أحوط في الأمرين (37).

مسألة 3: لو تمضمض لوضوء الصلاة، فسبقه الماء

(مسألة 3): لو تمضمض لوضوء الصلاة، فسبقه الماء لم يجب عليه القضاء- سواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة- على الأقوى، بل لمطلق الطهارة و إن كانت لغيرها من الغايات من غير فرق بين الوضوء و الغسل (38) و إن كان الأحوط القضاء فيما عدا ما كان لصلاة الفريضة، خصوصا فيما كان لغير الصلاة من الغايات (39).

______________________________

الكفارة أيضا، و قد تقدم في [مسألة 4] من (فصل ما يجب الإمساك عنه) أنّ الوصول إلى الجوف من طريق الأنف مفطر أيضا.

(37) لحسن الاحتياط مطلقا خصوصا فيما يدخل في الفم و الأنف، فإنّهما من أهمّ مظانّ الدخول في الجوف.

(38) لإطلاق الأخبار، و دعوى الإجماع عن الغنية، و السرائر، و الانتصار، و لأنّ ذكر الوضوء في الأخبار من باب الغالب و المثال، و لكن قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح: «إن كان وضوؤه لصلاة فريضة، فليس عليه شي ء، و إن كان وضوؤه لصلاة نافلة فعليه القضاء» (1) يصلح للفرق، لأنّ السند تام، و الدلالة صريحة. نعم، قد ادعى الإجماع على عدم الفرق بينهما، فيسقط التفريق من هذه الجهة، و يمكن الفرق بينهما بأنّ الفريضة محدودة لوقت معيّن، فتصير المضمضة أيضا كذلك. و أما النافلة فهي موسعة جمعا و تفريقا خصوصا إن كان المراد منها مطلق الصلاة المندوبة، فتصير المضمضة أيضا موسعة و هي مظنّة دخول الماء في الحلق فحدّ ذلك بحدّ خاص حماية لعدم التلاعب بالماء كثيرا.

(39) جمودا على المتيقن من النصوص و الأقوال، و لحسن الاحتياط في تمام الأحوال.

ص: 198


1- الوسائل باب: 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 4.
مسألة 4: يكره المبالغة في المضمضة مطلقا

(مسألة 4): يكره المبالغة في المضمضة مطلقا، و ينبغي له أن لا يبلع ريقه حتّى يبزق ثلاث مرّات (40).

مسألة 5: لا يجوز التمضمض مطلقا مع العلم بأنّه يسبقه الماء

(مسألة 5): لا يجوز التمضمض مطلقا مع العلم بأنّه يسبقه الماء إلى الحلق أو ينسى فيبلعه (41).

العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو الملامسة

العاشر: سبق المنيّ بالملاعبة أو الملامسة إذا لم يكن ذلك من قصده و لا عادته على الأحوط و إن كان الأقوى عدم وجوب القضاء أيضا (42).

______________________________

(40) لخبر حماد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الصائم يستنشق و يتمضمض؟ قال (عليه السلام): نعم، و لكن لا يبالغ» (1)، و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر الشحام: «في الصائم يتمضمض قال (عليه السلام) لا يبلع ريقه حتى يبزق ثلاث مرّات» (2) المحمول على الرجحان إجماعا.

(41) لأنّه من التعمد إلى الإفطار حينئذ، لما مرّ من أنّ التعمد إلى السبب تعمد إلى المسبب.

(42) تقدم ما يتعلق به في الرابع من المفطرات.

تنبيه: تقدم في أول هذا الفصل في الثاني مما لا كفارة فيه ما إذا أبطل صومه بالإخلال بالنية، و عمدة الدليل فيه أنّ المنساق مما دل على ثبوت الكفارة إنّما هو فيما إذا تحقق نقض الصوم و مع عدم نيته لا نقض للصوم، لانتفاء أصل موضوع الصوم بعد فقد نيته، فيكون من السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، فكيف يتصوّر فيه موضوع وجوب الكفارة، فتصير الأقسام أربعة:

الأول: تحقق نية الصوم جامعا للشرائط ثمَّ الإفطار عمدا و اختيارا

ص: 199


1- الوسائل باب، 23 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
2- الوسائل باب 31 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

.....

______________________________

و لا ريب و لا إشكال في وجوب الكفارة حينئذ.

الثاني: نية الصوم ثمَّ نقض أصل النية بقصد الخلاف لكن مع عدم الإتيان بالمفطر خارجا.

الثالث: البناء على عدم الصوم و تركه رأسا- كما في جمع من أهل الفسوق و الفجور- مع عدم الإتيان بالمفطر اتفاقا، لعدم المقتضي، أو لوجود المانع.

الرابع: هذه الصورة بعينها مع ارتكاب المفطر.

و لا بد من التكلم في مقتضى الأصل العمليّ أولا، و ما هو المنساق من الأدلة اللفظية ثانيا، و بيان كلمات الفقهاء ثالثا.

أما الأصل العملي، فالمسألة من صغريات الأقل و الأكثر، لأنّ ترتيب الكفارة على استعمال المفطر خارجا معلوم بلا إشكال و غيره مشكوك، فيرجع فيه إلى الأصل.

و أما المنساق من الأدلة اللفظية، فهو تعمد الإفطار و المتبادر منه استعمال المفطر خارجا أيضا كما تقدم، و مع الشك لا يصلح التمسك بها، لأنّه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

و أما الأخير فلم أظفر عليه إلا ما في الجواهر من قوله: «فيجب عليه- أي: من ترك النية- القضاء، بل لا يبعد وجوب الكفارة وفاقا للمحكيّ عن أبي الصلاح، بل في البيان أنّه كان يفتي بعض مشايخنا المعاصرين، لأنّ فوات الشرط أو الركن أشدّ من فوات متعلق الإمساك، بل ما نحن فيه أشدّ قطعا ضرورة أنّه من أفراد المعاصي التي قصد عدم الامتثال و عزم عليه و من ذلك يظهر ضعف القول بعدم الكفارة، و إن قطع به الفاضل في محكيّ المنتهى و قوّاه في المدارك، لأصالة البراءة».

و لكن هذا كلّه من مجرّد الدعوى، لأنّ ذلك كلّه و إن كان حسنا ثبوتا، لكن الأدلة قاصرة عن إثباته. نعم، لو كان المناط في وجوبها ترك الصوم في شهر رمضان، أو هتك شهر رمضان و التجري على اللّه تعالى لوجبت بلا إشكال، و لكنه أيضا حسن ثبوتا و ليست الأدلة ظاهرة فيه.

ص: 200

فصل في الزمان الذي يصح فيه الصوم

اشارة

فصل في الزمان الذي يصح فيه الصوم و هو: النهار- من غير العيدين- و مبدؤه طلوع الفجر الثاني (1) و وقت الإفطار ذهاب الحمرة من المشرق (2)، و يجب الإمساك من

______________________________

فصل في الزمان الذي يصح فيه الصوم

(1) للأدلة الثلاثة فمن الكتاب قوله تعالى وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1). و من السنة قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا اعترض الفجر و كان كالقبطية البيضاء، فثم يحرم الطعام و يحل الصيام» (2). و من الإجماع إجماع المسلمين في الجملة، بل ضرورة من الدّين.

و أما حرمة صوم العيدين، فهو من ضروريات الدّين أيضا، و عن الصادق (عليه السلام) في وصية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعليّ (عليه السلام) قال: «يا عليّ صوم الفطر حرام، و صوم يوم الأضحى حرام» (3)، و يأتي في الصوم المحذور تمام الكلام.

(2) وجوب إتمام الصوم إلى الليل من ضروريات الدّين، و يدل عليه ما مرّ من الكتاب المبين، و النزاع بيننا و بين غيرنا صغرويّ لا أن يكون كبرويا، فنحن نقول بدخوله بذهاب الحمرة من المشرق. و هم يقولون: بغيبوبة الشمس و تقدم التفصيل في أوقات الصّلاة فراجع.

ص: 201


1- سورة البقرة: 187.
2- الوسائل باب: 42 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المحرم و المكروه حديث: 3.

باب المقدّمة في جزء من الليل في كلّ من الطرفين ليحصل العلم بإمساك تمام النّهار (3)، و يستحب تأخير الإفطار حتّى يصلي العشاءين لتكتب صلاته صلاة الصائم (4) إلا أن يكون هناك من ينتظره

______________________________

(3) هذا الوجوب مقدميّ لحصول العلم بالامتثال في الجزء المشترك بين الليل و الفجر و الجزء المشترك بين النهار و الليل، و سيرة المتشرعة على الالتزام به في جميع موارد المقدمات العلمية، و تقتضيه قاعدة الاشتغال أيضا مع عدم إحراز أول الزمان و آخره بالدقة كما هو المعلوم.

(4) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن يفطر» (1)، و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي: «سئل عن الإفطار أقبل الصلاة أو بعدها؟ فقال (عليه السلام): إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم، فليفطر معهم و إن كان غير ذلك فليصلّ ثمَّ ليفطر» (2) و المنساق منه بمقتضى سيرة الإمامية الذين يجمعون بين العشاءين استحباب تأخير الإفطار عن الصلاتين.

و أما مع التفريق كما هو المتعارف بين غيرنا، فيشكل استحبابه، بل عن المحقق، و صاحب الحدائق اختصاص الاستحباب بخصوص المغرب، لضيق وقت فضيلته، فيخاف فوته إن أفطر ثمَّ صلّى المغرب، و في خبر الدعائم:

«السنة تعجيل الفطر، و تأخير السحور، و الابتداء بالصلاة يعني: صلاة المغرب» (3)، و لكن ينافي ذلك إطلاق قوله (عليه السلام): «و تكتب صلاتك و أنت صائم أحب إليّ» (4)، و عن أبي جعفر (عليه السلام): «تصلي و أنت صائم فتكتب صلاتك تلك فتختم بالصوم أحبّ إليّ» (5)، فإنّ إطلاقها يشمل صورة التفريق بين الصلاتين أيضا.

ص: 202


1- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 1.
3- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب آداب الصائم.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 4.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصائم حديث: 2.

للإفطار (5)، أو تنازعه نفسه على وجه يسلبه الخضوع (6) و الإقبال- و لو كان لأجل القهوة و التتن و الترياك- فإنّ الأفضل حينئذ الإفطار ثمَّ الصّلاة (7) مع المحافظة على وقت الفضيلة بقدر الإمكان (8).

مسألة 1: لا يشرع الصوم في الليل

(مسألة 1): لا يشرع الصوم في الليل، و لا صوم مجموع الليل و النهار، بل و لا إدخال جزء من الليل فيه الا بقصد المقدمية (9).

______________________________

(5) لما تقدم في صحيح الحلبي، و يقتضيه الأدب المجامليّ، و يشهد له إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «فطرك لأخيك المسلم و إدخالك السرور عليه أعظم أجرا من صيامك» (1) فإنّه من حيث التعليل بإدخال السرور يشمل المقام أيضا.

(6) لأهمية الخضوع و الإقبال عن مثل ذلك، و قد تقدم في كتاب الصلاة [مسألة 13] من (فصل أوقات الرواتب)، مضافا إلى المرسل: «و إن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار و تشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة غير أنّ ذلك مشروط بأنّه لا يشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى أن يخرج وقت الصلاة» (2)، و إطلاقه يشمل جميع ما ذكره في المتن.

(7) لما مرّ من صحيح الحلبي (3)، و الظاهر خروج المجالس المنعقدة للإفطار عن ذلك، إذ لم تجر فيها السيرة على انتظار أحد لأحد، بل يفطر كلّ من يأتي من دون انتظار غيره، و لم تجر السيرة فيها على الانتظار للإفطار و لو جرت سيرة و عادة لذلك يشمله الصحيح حينئذ.

(8) لأنّه حينئذ من الجمع بين الفضلين، و درك الخيرين.

(9) كل ذلك بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب أو الدين و يأتي في الصوم المحظور ما ينفع المقام.

ص: 203


1- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الصائم حديث: 12.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصيام حديث: 5.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب آداب الصيام حديث: 3.

فصل في شرائط صحة الصوم

اشارة

فصل في شرائط صحة الصوم و هي أمور:

الأول: الإسلام

الأول: الإسلام (1)

______________________________

فصل في شرائط صحة الصوم

(1) بالأدلة الثلاثة، بل الأربعة، فمن الكتاب قوله تعالى وَ ما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَ بِرَسُولِهِ (1)و المراد به عدم الصحة، لقوله تعالى وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (2)، و قوله تعالى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (3).

و من السنة أخبار كثيرة واردة في الأبواب المتفرّقة (4) منها: قول الصادق (عليه السلام): «لا ينفع مع الكفر عمل» (5).

و من الإجماع: إجماع الإمامية، بل المسلمين بجميع مذاهبهم.

و من العقل: ظهور التنافي بين أبغض الحالات عند اللّه تعالى و هو الكفر و التقرب الذي تتقوّم كلّ عبادة به. هذا في العبادات المحضة.

و أما العبادات المالية، فلا يمكن إقامة الدليل العقليّ على اعتبار الإسلام

ص: 204


1- سورة التوبة: 54.
2- سورة الفرقان: 22.
3- سورة الزمر: 65.
4- راجع ج: 3 صفحة: 127 من هذا الكتاب.
5- تفسير الصافي ج: 1 صفحة: 706.

و الإيمان (2)، فلا يصح من غير المؤمن

______________________________

فيها، خصوصا بعد إمكان حمل التقرب المعتبر فيها على تخفيف بعض مراتب التبعات الدنيوية، أو البرزخية أو الأخروية.

(2) إن كان المراد به الإسلام كما قد يعطف أحدهما على الآخر و يراد بهما معنى واحد في مقابل الكفر، فدليل اعتبار الإسلام يكفي فيه أيضا، و إن كان المراد به الاعتقاد بولاية الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، فتوقف قبول العبادات عليه من ضروريات المذهب، و تدل عليه نصوص فوق حدّ التواتر (1)، فإن أريد من عدم القبول عدم الصحة، كما يطلق في الأخبار عليه كقوله (عليه السلام): «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ثمانية لا يقبل اللّه منهم صلاة. و عدّ منهم تارك الوضوء» (2).

و في موثق ابن بكير ذكر عدم القبول في الصلاة فيما لا يؤكل لحمه (3)، فتدل على عدم الصحة أيضا، مع أنّه قد ذكر في تلك الأخبار أنّ «عملهم في النار» (4)، و لا وجه لكون العمل الصحيح فيها، و لكن إرادة عدم الصحة من عدم القبول تحتاج إلى قرينة معتبرة و هي مفقودة، و كون العمل في النار أعم من عدم الصحة الدنيوية، إذ يمكن أن يكون العمل مسقطا للأمر في الدنيا لمصالح كثيرة، مع كونه تابعا لعامله في دخول النار في الآخرة، مضافا إلى أنّه قد علل في الصحيح وجوب إعادة المخالف المستبصر للزكاة بأنّه وضعها في غير موضعها و إنّما موضعها أهل الولاية (5)، و يستفاد منه عدم اعتبار الإيمان في الصحة، إذ لو كان معتبرا فيها لكان التعليل به أولى كما لا يخفى. و عن صاحب الجواهر الإشكال في اعتبار الإسلام في العبادات المالية- كالصدقة،

ص: 205


1- راجع الوسائل باب: 29 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الوضوء حديث: 4.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.
4- راجع الوافي ج: 1 أبواب الايمان و الكفر.
5- الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

و لو في جزء من النهار (3)، فلو أسلم الكافر في أثناء النهار و لو قبل الزوال لم يصح صومه، و كذا لو ارتد ثمَّ عاد إلى الإسلام بالتوبة و إن كان الصّوم معيّنا و جدّد النية قبل الزوال على الأقوى (4).

______________________________

و الوقف، و العتق، و نحوها فراجع، مع أنّ الفقهاء لم يذكروا اعتبار الإيمان بالمعنى الأخص في جملة من العبادات كالطهارات الثلاثة، و الصلاة، و الزكاة، و الخمس، و الحج، و الجهاد، فراجع و تفحص إذ المسألة غير منقحة في الكلمات، و لعل الإجمال فيها أحسن و أولى.

مع أنّ هذا النزاع ساقط من أصله بالنسبة إلى الكفار، لأنّهم مع كفرهم لا تصح منهم العبادة، و بعد إسلامهم يسقط قضاء ما فات عنهم منها، لحديث «الجبّ» (1)و إنّما تظهر الثمرة في العقاب عليها لو ماتوا كافرين. و العقاب فعل اللّه تعالى و ليس للفقهاء و لا لجميع العباد التدخل في فعل اللّه تعالى، لأنّ عقل الكل قاصر عن درك مزايا أفعاله المقدّسة و خصوصيتها و أما شبهة عدم استحقاقهم العقاب على ترك الفروع، لحديث استدل به عليه، فهي واهية، و قد أجبنا عنه في هذا الكتاب (2).

(3) لظهور الإطلاق، و الاتفاق و سيأتي التفصيل بعد ذلك.

(4) لإطلاق دليل الشرطية الدال على أنّ الإسلام شرط حدوثا و بقاء في تمام الآنات كسائر شرائط صحة الصوم إلا ما خرج بالدليل.

و عن جمع منهم الشيخ، و المحقق، و الحلي الصحة مع سبق النية، لأنّ البطلان مشروط بالموت كافرا لا مجرّد الكفر و لو آنا ما، و لصحة تجديد النية من الناسي و الجاهل.

و يرد الأول: بأنّه خلاف إطلاق معاقد الإجماعات. و الثاني: بأنّه قياس باطل.

ص: 206


1- راجع ج: 7 صفحة: 289 من هذا الكتاب.
2- و هو صحيح زرارة تقدم في ج: 3 صفحة: 128.

الثاني: العقل

الثاني: العقل، فلا يصح من المجنون (5) و لو أدوارا و إن كان جنونه في جزء من النهار (6) و لا من السكران، و لا من المغمى عليه و لو في بعض النهار و إن سبقت منه النية على الأصح (7).

______________________________

و عن بعض احتمال الصحة فيما لو أسلم الكافر في أثناء النّهار و لم يكن قد تناول شيئا، فيصح تجديد النية منه توسعة وقت النية بالنسبة إليه.

و فيه: أنّه إن كان لأجل التنظير على الناسي و الجاهل، فتقدم ما فيه، و إن كان لدليل آخر فلم نظفر به.

و الأحوط الإتمام في الصورتين مع تجديد النية ثمَّ القضاء، و لكن الجزم بالبطلان مع تسهيلات الشرع خصوصا بالنسبة إلى جديد الإسلام مشكل، كما أنّ التشديد عليه في الاحتياط بالإتمام ثمَّ القضاء أشكل، إذ لم يعرف من طريقة النبي (صلّى اللّه عليه و آله) مثل هذه الأمور.

(5) لقبح تكلف المجنون عقلا و شرعا، و يدل عليه حديث الرفع (1)، و ما ورد في باب العقل و الجهل، في أصول الكافي (2)، و عليه إجماع جميع المليين من المسلمين و غيرهم.

(6) لأنّه كل ما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه إلا ما خرج بالدليل، و قد أرسلت هذه الكلية إرسال المسلمات الفقهية، و يقتضيها إطلاق حديث الرفع أيضا.

(7) لاستقباح التكليف بالنسبة إليهما حدوثا و بقاء بحسب المتعارف بين الناس، و الأدلة منزلة على المتعارف، و هذا هو المشهور بين الفقهاء، و قد تقدم في (فصل قضاء الصلوات) نفي القضاء عن المغمى عليه بعض ما ينفع المقام، مثل قوله (عليه السلام): «كل ما غلب اللّه على عباده فهو أولى

ص: 207


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب مقدمة العبادات.

الثالث: عدم الإصباح جنبا

الثالث: عدم الإصباح جنبا، أو على حدث الحيض و النفاس بعد النقاء من الدم على التفصيل المتقدم (8).

الرابع: الخلوّ من الحيض

الرابع: الخلوّ من الحيض (9)

______________________________

بالعذر» (1)، و لكنه يصح بالنسبة إلى بعض مراتبها الشديدة.

و أما بعض مراتبها الأخرى، فيشكل الفرق بينه و بين النوم مع سبق النية، و لذا نسب إلى الشيخين الصحة في المغمى عليه مع سبق النية، و يأتي من الماتن الاحتياط الوجوبي في الفصل الآتي.

إلا أن يقال: إنّ النوم حيث إنّه غالبيّ لا وجه لبطلان الصوم بالنسبة إليه و إلا لزم الحرج بخلاف الإغماء و السكر، فإنّهما مسقطان للتكليف حتى بمراتبها النازلة لسقوط العقل الذي هو مدار التكليف عن التدبير. و لكنه أيضا من مجرّد الدعوى في مقابل أصالة الصحة.

ثمَّ إنّ عروض الإغماء مع سبق النية واقع كثيرا، و يمكن فرضه في السكر أيضا بأن كان سكره من شم رائحة يسكر بها. ثمَّ إنّه يظهر منهم التسالم على أنّ السكران إن كان بسوء الاختيار فإنّه يعاقب على المعاصي الصادرة منه

(8) راجع (فصل فيما يجب الإمساك عنه) عند قوله: الثامن البقاء على الجنابة، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين أن يكون حدوث الحيض، و النفاس، و الاستحاضة بالطبع أو بالاختيار.

(9) للإجماع، و النصوص المستفيضة:

منها: خبر ابن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أي ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت» (2).

و في خبر العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة

ص: 208


1- الوسائل باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

و النفاس (10) في مجموع النهار فلا يصح من الحائض، و النفساء إذا فاجأهما الدّم و لو قبل الغروب بلحظة، أو انقطع عنهما بعد الفجر بلحظة (11) و يصح من المستحاضة إذا أتت بما عليها من الأغسال النهارية (12).

______________________________

تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس قال (عليه السلام): «تفطر حين تطمث» (1).

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن امرأة أصبحت صائمة، فلما ارتفع النهار أو كان العشيّ حاضت أ تفطر؟ قال:

نعم، و إن كان وقت المغرب فلتفطر» (2).

و قريب منه صحيح ابن مسلم (3) و غيره.

(10) نصّا و إجماعا، و لما أثبتناه من أصالة المساواة بين الحيض و النفاس إلا ما خرج بالدليل (4)، و لا دليل على الخلاف في المقام، و في صحيح ابن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة تلد بعد العصر أ تتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال (عليه السلام): تفطر، و تقضي ذلك اليوم» (5).

(11) للاتفاق، و لإطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في خبر ابن حازم المتقدم- «أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت»، و إطلاقه يشمل اللحظة قبل الغروب، و اللحظة بعد الفجر.

(12) راجع [المسألة 49] من (فصل فيما يجب الإمساك عنه).

ص: 209


1- الوسائل باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
4- تعرض- دام ظله- لذلك في ج: 3 صفحة: 327.
5- الوسائل باب: 26 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

الخامس: أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصّلاة

الخامس: أن لا يكون مسافرا سفرا يوجب قصر الصّلاة (13) مع

______________________________

(13) لإجماع الإمامية، و ضرورة مذهبهم، و نصوصهم المتواترة في الأبواب المتفرقة:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ليس من البر الصيام في السفر» (1)، و قوله (عليه السلام) أيضا: «لو أنّ رجلا مات صائما في السفر ما صلّيت عليه» (2)، و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قوما صاموا حين أفطر و قصر، عصاة، و قال (عليه السلام):

هم العصاة إلى يوم القيامة و إنّا لنعرف أبناءهم و أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا» (3).

و عن الصادق عليه السلام في موثق ابن أبي العلاء: «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر» (4)، و عن ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال (عليه السلام): لا، حتى يجمع على مقام عشرة أيام» (5).

و في صحيح ابن مهزيار فيمن نذر أن يصوم كلّ سبت: «لا تتركه إلا من علة. و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض- الحديث-» (6) إلى غير ذلك مما ورد في الأبواب المتفرقة.

ثمَّ إنّه قد ثبتت الملازمة بين إتمام الصلاة و الصوم، و التقصير و الإفطار نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت» (7)، و قال (عليه السلام): «و ليس يفترق التقصير و الإفطار، فمن قصّر أفطر» (8)، و يأتي في [مسألة 2] من الفصل التالي التعرض لذلك أيضا.

ص: 210


1- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 11.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 1.
6- الوسائل باب: 10 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 1.
7- الوسائل باب: 4 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 1.
8- الوسائل باب: 4 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 2.

العلم بالحكم (14) في الصوم الواجب إلا في ثلاثة مواضع:

أحدها: صوم ثلاثة أيام بدل هدي التمتع (15).

الثاني: صوم بدل البدنة ممن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا و هو ثمانية عشر يوما (16).

الثالث: صوم النذر المشترط فيه سفرا خاصة أو سفرا و حضرا (17)

______________________________

(14) يأتي التفصيل إن شاء اللّه تعالى.

(15) بالأدلة الثلاثة: أما الكتاب، فقوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (1)، و في صحيح ابن عمار: «عن متمتع لم يجد هديا قال (عليه السلام): يصوم ثلاثة أيّام في الحج يوما قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة» (2). و أما الإجماع فلا ريب في تحققه بين الإمامية.

(16) لصحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام): «عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس؟ قال (عليه السلام): عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة، أو في الطريق، أو في أهله» (3) و الحديث صحيح و الدلالة ظاهرة، بل ناصة، فالحجة تامة، فما نسب إلى المرتضى و الشيخ و غيرهم من المنع مردود.

(17) للإجماع، و النص، ففي صحيح ابن مهزيار قال: «كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كلّ يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب (عليه السلام) و قرأته لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، و إن كنت

ص: 211


1- سورة البقرة: 196.
2- الوسائل باب: 46 من أبواب الذبح حديث: (كتاب الحج).
3- الوسائل باب: 23 من أبواب الوقوف بعرفة حديث: 3.

دون النذر المطلق (18)،

______________________________

أفطرت منه من غير علة، فتصدّق بقدر كلّ يوم على سبعة مساكين نسأل اللّه التوفيق لما يحب و يرضى» (1).

و نوقش فيه أولا: بجهالة الكاتب. و ثانيا: بإضمار المكتوب إليه.

و ثالثا: باشتماله على أنّ كفارة النذر التصدّق على سبعة مساكين و هو مخالف للمشهور. و رابعا: بظهوره في أنّ المرض كالسفر و لا قائل به. و خامسا:

باحتمال أن يكون المعنى: إلا أن تكون نويت الصّوم ثمَّ سافرت بعد الزوال.

و الكلّ مردود: أما الأولى، فلعدم القدح بعد قراءة ابن مهزيار و تقريره.

و أما الثانية: فلأنّه لا يضرّ بعد العلم بأنّه الإمام (عليه السلام). و أما الثالثة، فلصحة التفكيك في الخبر لقبول بعضه و طرح بعضه الآخر، و به يجاب عن المناقشة الرابعة أيضا. و أما الخامسة: فلأنّها خلاف الظاهر كما هو واضح، فلا قصور فيه سندا و دلالة، و قد اعتمد عليه المشهور، و إطلاقه يشمل ما إذا نوى الصّوم سفرا، أو نواه سفرا و حضرا، و ظاهره ما إذا نوى خصوص الصّوم المندوب، فلا يشمل نذر الصّوم الواجب سواء كان صوم شهر رمضان، أم قضاءه، أم نذر صوم واجب آخر.

(18) لجملة من النصوص منها: ما تقدم من صحيح ابن مهزيار، و منها: خبر كرام: «إنّي جعلت على نفسي أن أصوم حتى يقوم القائم (عليه السلام) فقال (عليه السلام): «صم و لا تصم في السفر» (2)، و خبر زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إنّ أمي جعلت عليها نذرا- إن رد اللّه تعالى عليها بعض ولدها من شي ء كانت تخافه عليه- أن تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة، فأشكل علينا لمكان النذر، أ تصوم أو تفطر؟ فقال (عليه السلام) لا تصوم قد وضع اللّه عنها

ص: 212


1- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9.

.....

______________________________

حقه، و تصوم هي ما جعلت على نفسها. قلت: فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل أ تقضيه؟ قال (عليه السلام): لا. قلت: أ فتترك ذلك؟ قال (عليه السلام): لا، لأنّي أخاف أن ترى في الذي نذرت فيه ما تكره» (1)، و قد عمل المشهور بهذه النصوص في المقام أيضا، و ظاهره عدم وجوب قضاء الصوم النذري و هو المخالف، لما يأتي في محاله إنشاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ قوله (عليه السلام): «قد وضع اللّه عنها حقه» أي: الصوم في السفر، و قوله (عليه السلام): «تصوم هي ما جعلت على نفسها» أي بعد الرجوع من السفر، لعدم العذر لها حينئذ، و قول الراوي: «أ فتترك ذلك» يحتمل معنيين: الأول: تترك أصل القضاء، فأجاب (عليه السلام) بعدم الترك، و يحمل قوله (عليه السلام) هذا على مطلق الرجحان، بقرينة التعليل، كما أنّه يحمل قوله (عليه السلام) بنفي القضاء قبل ذلك على نفي اللزوم، فلا تنافي حينئذ بين الصدر و الذيل، و لكنه يصير هذا الحديث على هذا منافيا للأخبار الدالة على لزوم القضاء في الصوم.

الثاني: ترك صوم النذر إذا رجعت إلى محلها، لأجل أنّها تركته في السفر أو تصوم في محلها، فأجاب (عليه السلام) بالعدم و تصير هذه الجملة حينئذ تأكيدا لقوله (عليه السلام): «و تصوم هي ما جعلت على نفسها، كما بيناه.

فما نسب إلى المفيد، و المرتضى، و سلار من الصحة، لعموم ما دل على الوفاء بالنذر مخدوش: لوجوب تخصيص العمومات بما مرّ من الأدلة الخاصة، فلا مجرى لعموم وجوب الوفاء بالنذر.

و أما خبر عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يجعل للّه عليه صوم يوم مسمّى؟ قال (عليه السلام): يصومه أبدا في

ص: 213


1- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

بل الأقوى عدم جواز الصّوم المندوب في السفر أيضا (19) إلا ثلاثة

______________________________

السفر و الحضر» (1)، فلا بد من تقييده بصحيح ابن مهزيار، مع أنّ هجر المشهور عن إطلاقه أسقطه عن الاعتبار.

(19) للعمومات الدالة على النهي من الصّوم في السّفر، مضافا إلى جملة من الأخبار:

منها: صحيح البزنطي قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصيام بمكة و المدينة و نحن في سفر قال (عليه السلام): أ فريضة؟ قلت:

لا، و لكنه تطوّع كما يتطوّع بالصلاة، فقال (عليه السلام) تقول اليوم و غدا؟

قلت: نعم، فقال (عليه السلام): لا تصم» (2).

و عن الصادق (عليه السلام): «لم يكن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصوم في السفر تطوعا، و لا فريضة» (3).

و في موثق عمار عنه (عليه السلام) أيضا: «لا يحل له الصوم في السفر- فريضة كان أو غيره- و الصوم في السفر معصية» (4) و هذا هو المشهور بين القدماء- كما عن المفيد- و المحصلين من الفقهاء كما عن الحلّي.

و نسب الجواز مع الكراهة إلى بعض الفقهاء، جمعا بين ما مرّ و بين صحيح الجعفري: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: كان أبي (عليه السلام) يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، و يأمر بظلّ مرتفع، فيضرب له» (5)، و المرسل خرج أبو عبد اللّه (عليه السلام) من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم ثمَّ دخل عليه شهر رمضان- و هو في السفر- فأفطر، فقيل له: أ تصوم شعبان، و تفطر شهر رمضان؟!

ص: 214


1- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 6.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.
5- الوسائل باب: 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3 و 4.

أيّام للحاجة في المدينة (20)

______________________________

فقال (عليه السلام): نعم، شعبان إليّ إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من اللّه عزّ و جل على الإفطار» (1).

و مرسل ابن بسام عن رجل: «كنت مع أبي عبد اللّه (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم، ثمَّ رأينا هلال شهر رمضان، فأفطر، فقلت: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم، و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر؟! فقال (عليه السلام): إنّ ذلك تطوع، و لنا أن نفعل ما شئنا. و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا» (2).

(و فيه): أنّ التأكيدات الواردة في النهي عن الصوم في السفر، و أنّه معصية، و عدم صدوره عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) مع أنّه كان أشدّ الناس مواظبة على إتيان العبادات- سفرا و حضرا- و اشتهار الجواز بين العامة يشكل الاعتماد على ما يظهر منه الجواز من الأخبار، فليحمل إما على نذر الصوم في السفر، أو على التقية. و منه تظهر الخدشة فيما نسب إلى ابن حمزة من الجواز بلا كراهة، إذ الحمل على الكراهة لا وجه له بعد ما ورد من أنّه معصية، فكيف بالجواز من دون كراهة، فيكون هذا تفريط من القول في مقابل ما نسب إلى المشهور من الحرمة.

(20) نصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن عمار: «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء، و تصلّي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة و هي أسطوانة التوبة، التي كان ربط إليها نفسه حتى نزل عذره من السماء، و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثمَّ تأتي ليلة الخميس التي تليها ما يلي مقام النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) ليلتك و يومك، و تصوم يوم الخميس، ثمَّ تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و مصلاه ليلة الجمعة، فتصلي عندها ليلتك و يومك، و تصوم يوم

ص: 215


1- الوسائل باب: 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.

و الأفضل إتيانها في الأربعاء و الخميس و الجمعة (21). و أما المسافر الجاهل بالحكم لو صام فيصح صومه و يجزئه حسبما عرفته في جاهل حكم الصلاة، إذ الإفطار كالقصر و الصّيام كالتمام في الصلاة (22)،

______________________________

الجمعة. و إن استطعت أن لا تتكلم بشي ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه، و لا تخرج من المسجد إلا لحاجة، و لا تنام في ليل و لا نهار، فافعل، فإنّ ذلك مما يعد فيه الفضل.

ثمَّ احمد اللّه سبحانه في يوم الجمعة، و أثن عليه، و صلّ على النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و سل حاجتك. و ليكن فيما تقول: اللهم ما كانت لي إليك من حاجة، شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإنّي أتوجه إليك بنبيك محمد (صلّى اللّه عليه و آله) نبيّ الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها. فإنّك حريّ أن تقضي حاجتك إن شاء اللّه تعالى»(1).

(21) ما تقدم من صحيح ابن عمار مختص بهذه الأيام الثلاثة، فلا وجه للأفضلية إلا أن يستفاد الإطلاق من إطلاق قوله (عليه السلام) في صدر الصحيح: «إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام»، أو من إطلاق الفتاوى.

و أشكل عليه: بأنّ المرجع في غير الأيّام المخصوصة عمومات المنع (و فيه): أنّ القيود في المندوبات من باب تعدد المطلوب غالبا خصوصا في مثل المقام.

(22) للنصوص، و الإجماع قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح:

«إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت» (2)، و عن الحلبي في الصحيح:

«قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): «رجل صام في السفر، فقال: إن كان بلغه أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن

ص: 216


1- الوسائل باب: 11 من أبواب المزار حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

لكن يشترط أن يبقى على جهله إلى آخر النهار. و أما لو علم بالحكم في الأثناء، فلا يصح صومه (23). و أما الناسي، فلا يلحق بالجاهل في الصحة (24) و كذا يصح الصوم من المسافر إذا سافر بعد الزوال (25)

______________________________

لم يكن بلغه فلا شي ء عليه» (1).

(23) لصدق أنّه بلغه النهي عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فيبطل صومه حينئذ.

(24) لأنّ الجهل الذي يكون عذرا غير النسيان لغة، و عرفا، فلا يلحق النسيان به إلا بدليل و هو مفقود، فيرجع فيه إلى عمومات البطلان و يأتي في [مسألة 1] من (الفصل التالي) ما ينفع المقام.

(25) قد اضطربت الروايات في هذه المسألة و من أجله صارت الكلمات أشدّ اضطرابا- كما هو دأب الفقهاء في كل مسألة تختلف فيها الأحاديث- و قد ارتقت أقوالهم (قدّست أسرارهم) في المقام إلى سبعة كما ذكر في المفصلات.

و أهمّ الأقوال اثنان:

الأول: ما عن جمع من الأعاظم منهم الشهيدان و العلامة من عدم اعتبار تبييت نية السفر، فمع الخروج قبل الزوال يفطر مطلقا، و مع الخروج بعده يصوم كذلك.

الثاني: أنّه مع تبييت النية يفطر إن خرج بعد الزوال، و مع عدم التبييت لا يفطر و إن خرج قبله، ذهب إليه جمع منهم المحقق. و أما الشيخ الطوسي (رحمه اللّه) فاختلفت أقواله جدّا، فلا ينبغي عدّه مخالفا لقوم دون آخرين.

و لا بد أولا من بيان أنّ المسألة تعبدية محضة ليس للعقل و الوجدان إليها سبيل. أو أنّ عليهما التعويل و لكن الشارع كشف عن ذلك بنحو من البيان و التعليل. و الحق هو الأخير، لأنّ تبييت نيّة السفر يتصوّر على وجوه:

منها: أن تكون له موضوعية خاصة من كل حيثية و جهة تحقق السفر

ص: 217


1- الوسائل باب: 2 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

.....

______________________________

خارجا أو لا. و هو واضح البطلان، إذ القصد و النية طريق إلى المقصود و المنويّ و لا موضوعية فيهما بوجه كما يشهد به الوجدان.

و منها: أن يكون طريقا لعدم تحقق نية الصوم، لأنّه مع تبييت نية السفر و الالتفات إليه لا يتحقق نية الصوم.

(و فيه): أنّه لا ريب في تحقق نية الصوم مع العلم بالسفر، فإنّه ينوي الصوم بنحو ما جعله الشارع، فينوي الصوم ثمَّ يفطر بعد الخروج عن حدّ الترخص.

و منها: أن يكون طريقا لتحقق السفر أينما تحقق قبل الزوال أو بعده (و فيه): أنّ له وجه لو لم يكن إطلاق معتبر وارد في مقام البيان على خلافه، و لم يكن شاهد عرفيّ على الخلاف أيضا.

أما الإطلاق: فهي المتواترة الواردة في مقام التسهيل و الامتنان الدالة على سقوط الصوم في السفر مطلقا غير القابلة للتقييد، كقول الصادق (عليه السلام): «الصوم في السفر معصية»(1)، و قوله (عليه السلام): «من شهد فليصمه و من سافر فلا يصمه» (2)خرج السفر بعد الزوال لنصوص متواترة- كما يأتي- و بقي الباقي.

و أما العرف: فقد كان المتعارف في الأزمنة القديمة إحداث السفر بعد طلوع الفجر و جرت العادة عليه، و إحداثه في طرف العصر كان قليلا إلا لضرورة تقتضي ذلك، و قد أدركنا بعض ذلك الزمان، فعلى هذا فيكون تبييت النية عبارة أخرى عن السفر قبل الزوال. و لا ريب في أنّ نفس السفر ليس من مفطرات الصوم- كالأكل و الشرب و نحوهما- بحيث يعتبر قصد عدمه في الصوم. بل يكون الحضور شرطا للصحة و الوجوب كسائر شرائطهما. و لا بد فيه من متابعة مقدار دلالة النصوص الواردة في المقام بعد رد بعضها إلى بعض و هي على أقسام أربعة:

ص: 218


1- تقدم في صفحة: 214.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.

..........

______________________________

الأول: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتد به من شهر رمضان» (1).

و في الموثق: «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر» (2).

و في صحيح الحلبي: «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه» (3) إلى غير ذلك من النصوص المتواترة الصريحة دلالة المخالفة للعامة، مع كونها في مقام البيان و التفصيل و التسهيل، و التيسير تنزيلا للمسافرة بعد الزوال منزلة المسافرة بعد الغروب في عدم إخلاله بالصوم، و عدم إبطاله ما تحمّله المكلف من تعب الصوم من أول الفجر، و إطلاقها يشمل مورد تبييت النية و عدمه و هي من محكمات أخبار الباب، و قد عمل بها جمع من الفقهاء (رحمهم اللّه)، فلا بد من حمل غيرها عليها أو ردّها إلى أهلها.

القسم الثاني: ما ظاهره التفصيل بين تبييت نية السفر و عدمه، فمع التبييت يفطر، و مع عدمه يصوم، كموثق ابن يقطين عن أبي الحسن موسى (عليه السلام): «في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال (عليه السلام): إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليلة ثمَّ بدا له في السفر من يومه أتمّ صومه» (4).

و في خبر رفاعة قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح قال: يتم صومه (يومه) ذلك» (5).

و في مرسل صفوان قال: «إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر

ص: 219


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 4.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 10.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 5.

.....

______________________________

من الليل فأتم الصوم و اعتد به من شهر رمضان» (1)، و قريب منه مرسلا ابن مسكان، و إبراهيم بن هشام (2).

(و فيه) أولا: أنّ من تأمل في كيفية الأسفار القديمة يعلم أنّ غالب أسفارهم كان بعد طلوع الفجر كما مرّ، و أنّ من كان يريد السفر في النهار يهتم بتهيئة أسبابه من أول الليل و ينوي ذلك و يبني عليه، فمثل هذه الأخبار محمولة على الغالب و لا تنافي بينها و بين القسم الأول من الأخبار.

و ثانيا: أنّها موافقة للعامة، لنقل مضمونها عن الشافعي، و مالك، و أبو حنيفة، و الأوزاعي (3) و غيرهم من العامة، فلا تصلح لتقييد الأخبار السابقة التي تكون من المحكمات، بل عدها من المعارض و كونها لبيان الحكم الواقعي لا وجه له بعد إطباق عامة العامة على مفادها.

القسم الثالث: ما يظهر من الملازمة بين القصر و الإفطار، فيفطر و لو خرج قبيل الغروب و نسب القول به إلى ابن بابويه، و المرتضى كقول الصادق (عليه السلام): «إذا أفطرت قصّرت، و إذا قصّرت أفطرت» (4)، و خبر مولى آل سام: «في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال: يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل» (5).

(و فيه): أنّ ما دل على الملازمة بين الإفطار و القصر قد خصصت بالقسم الأول من الأخبار، فلا وجه للتمسك بإطلاقها، مع أنّ خبر مولى آل سام غير مسند إلى المعصوم (عليه السلام).

القسم الرابع: أخبار شاذة كقول الصادق (عليه السلام): «إذا أصبح في بلده ثمَّ خرج فإن شاء صام و إن شاء أفطر» (6).

ص: 220


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 12.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصائم حديث: 11 و 13.
3- راجع الفقه على المذاهب الأربعة ج: 1 صفحة: 574.
4- تقدم في صفحة: 216.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 14.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7.

كما أنّه يصح صومه إذا لم يقصر في صلاته كناوي الإقامة عشرة أيّام، و المتردد ثلاثين يوما، و كثير السفر، و العاصي بسفره.

______________________________

و في خبر سماعة قال: «سألته عن الرجل كيف يصنع إذا أراد السفر؟

قال: إذا اطلع الفجر و لم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، و إن خرج من أهله قبل طلوع الفجر، فليفطر و لا صيام عليه»(1).

و قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة» (2) أي: السير في الليل. و لا بد من رد هذه الأخبار إلى أهلها، و لعلّ الوجه في كثرة اختلاف الأخبار اختلاف آراء العامة فوردت مختلفة حفظا للشيعة، كما في اختلاف أخبار الأوقات و غيرها كما تقدم. و اللّه العالم.

فرع: المستفاد من مجموع الأخبار أنّ نفس السفر من حيث هو سفر ليس من المفطرات- كالأكل و الشرب، و الجماع- بل مفطريته من باب الوصف بحال المتعلق لا بحال الذات، و يشهد له الأصل، و أدلة حصر المفطرات. نعم، قصد الصوم في السفر حرام و هو غير كون السفر من حيث هو من فعل المفطر كما لو أكل عمدا. و حينئذ لو سافر عمدا قبل الزوال ثمَّ رجع إلى وطنه قبله و نوى الصوم لا دليل على بطلان صومه، و كذا لو سافر قبله و دخل محل الإقامة و نوى الإقامة ثمَّ نوى الصوم.

إنّ قيل: لا وجه لصحة الصوم في شهر رمضان، لعدم دليل على امتداد وقت النية فيه إلى الزوال لمثل الفرض.

يقال: يدل عليه المستفيضة الدالة على أنّ من قدم من سفره قبل الزوال يصح صومه (3). و يأتي في [مسألة 1] من (الفصل التالي) بعض الكلام.

ص: 221


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6 و غيره.

و غيرهم ممن تقدم تفصيلا في كتاب الصلاة (26).

السادس: عدم المرض أو الرّمد

اشارة

السادس: عدم المرض أو الرّمد الذي يضرّه الصوم (27)، لإيجابه شدته، أو طول برئه، أو شدة ألمه، أو نحو ذلك (28) سواء حصل اليقين بذلك أو الظنّ، بل أو الاحتمال الموجب

______________________________

(26) لقاعدة الملازمة- بين الإفطار و القصر، و الإتمام و الصوم- التي هي من المسلّمات، و تدل عليها النصوص- كما تقدم بعضها- و الإجماع. و تأتي موارد الاستثناء عن هذه القاعدة في [مسألة 2] من (الفصل التالي).

(27) للأدلة الثلاثة: فمن الكتاب قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1)، و من الإجماع: إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدّين.

و من السنة أخبار منها: قول أبي الحسن: «كلّ شي ء من المرض أضرّ به الصوم فهو يسعه ترك الصوم» (2). و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» (3).

و قوله (عليه السلام) في موثق عمار: «إذا صدع صداعا شديدا و إذا حم حمّى شديدة، و إذا رمدت عيناه رمدا شديدا فقد حلّ له الإفطار» (4).

و التقييد بالشدّة لأجل تحقق احتمال الضرر، إذ ليس لنفس الرمد و الحمّى موضوعية خاصة في حلّ الإفطار، إذ رب رمد و حمّى ينفع لها الصوم في بعض الأوقات. و يمكن الاستدلال على أصل الحكم بدليل العقل أيضا، لأنّ المسألة من صغريات الأهم و المهم، و العقل يحكم بتقديم الأهمّ، فيصح الاستدلال على الحكم بالأدلة الأربعة.

(28) لظهور الإطلاق، و الاتفاق الشامل لجميع ذلك.

ص: 222


1- سورة البقرة: 184.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.
4- الوسائل باب: 19 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

للخوف (29)، بل لو خالف الصحيح من حدوث المرض لم يصح منه الصّوم، و كذا إذا خاف من الضّرر في نفسه، أو في غيره، أو عرضه أو عرض غيره، أو في مال يجب حفظه و كان وجوبه أهمّ في نظر الشارع من وجوب الصوم، و كذا إذا زاحمه واجب آخر أهمّ منه (30) و لا يكفي الضعف و إن كان مفرطا ما دام يتحمل عادة (31). نعم، لو كان مما لا يتحمّل عادة جاز الإفطار (32) و لو صام بزعم عدم الضرر، فبان الخلاف بعد الفراغ من الصّوم، ففي الصحة إشكال (33)

______________________________

(29) لما تقدم من ذكر الخوف في قول الصادق (عليه السلام): «إذا خاف» و يكفي فيه مجرد الاحتمال المعتنى به عند متعارف الناس، كما هو المناط في جميع الموارد التي يوجب الخوف سقوط التكليف أو تبديله إلى غيره. و ذكر اليقين. و الظن في كلمات الفقهاء من باب المثال و الطريقية لا الموضوعية الخاصة.

(30) كل ذلك لأنّ تقديم الأهمّ على المهمّ من المرتكزات و المسلّمات عند العقلاء من المتشرعة و غيرهم، و يكفي في التقديم احتمال الأهمية احتمالا يعتنى به عند متعارف الناس.

(31) للإطلاق، و الإجماع، و عدم الدليل على التقييد به، مع أنّ من لوازم الصوم الضعف غالبا خصوصا في الصيف. و أما قول الصادق (عليه السلام): «فإن وجد ضعفا فليفطر»(1) فلا بد من حمله على ما إذا كان على خلاف العادة لا مجرد الضعف بأيّ وجه تحقق.

(32) لقاعدة نفي العسر و الحرج النافية للتكليف في مورد تحققهما مطلقا بلا اختصاص لهذه القاعدة بمورد دون مورد.

(33) منشأ الإشكال أنّه كما يسقط الأمر الفعليّ في موارد الخوف تسهيلا

ص: 223


1- الوسائل باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

فلا يترك الاحتياط بالقضاء (34)، و إذا حكم الطبيب بأنّ الصوم مضرّ و علم المكلّف من نفسه عدم الضّرر يصح صومه (35) و إذا حكم بعدم ضرره و علم المكلّف أو ظنّ كونه مضرّا وجب عليه تركه و لا يصح منه (36).

______________________________

و امتنانا. هل يسقط الملاك الواقعيّ أيضا أولا؟ و مع السقوط لا وجه للصحة، إذ لا أمر و لا ملاك، فكيف يمكن الصحة حينئذ. و أما مع عدم السقوط فيصح لا محالة، لكفاية الملاك في الداعوية، و لا ملازمة بين سقوط الأمر و سقوط الملاك، لأنّ الأمر من إحدى طرق إحراز الملاك لا أن يكون له موضوعية خاصة، و انتفاء الكاشف لا يستلزم انتفاء الواقع المكشوف كما هو واضح، فيكون أصل ثبوته معلوما، للإطلاقات و العمومات و الشك إنّما هو في سقوطه، فيستصحب بقاؤه، لأن المتيقن من التخصيص و التقييد إنّما هو بالنسبة إلى فعلية الأمر فقط لا ذات ملاكه.

و بالجملة: مقتضى الأصل بقاء الملاك إلا مع الدليل على سقوطه و هو مفقود.

(34) وجوبه مبنيّ على عدم إحراز الملاك أو إحرازه، و عدم الاكتفاء به في سقوط الأمر. و أما مع الاكتفاء به فلا وجه لوجوبه.

(35) لعدم تحقق الخوف الذي هو مناط سقوط التكليف، فالمقتضي للتكليف- و هو العموم و الإطلاق- موجود، و المانع عنه مفقود فلا بد من ثبوته.

(36) لتحقق الخوف الذي يسقط به التكليف بالصوم. ثمَّ إنّ للخوف موضوعية خاصة لا يكون فيه تبين الخلاف، و لو زال يكون ذلك من تبدل الموضوع كالمسافر و الحاضر، و الصحيح و المريض.

ثمَّ إنّ الظاهر أنّ شرطية الخلوّ من حدث الحيض، و النفاس، و الحضر و الصحة من باب وجوده الاتفاقي، فلا يجب تحصيل ذلك، لظهور الأدلة في

ص: 224

مسألة 1: يصح الصوم من النائم و لو في تمام النهار

(مسألة 1): يصح الصوم من النائم و لو في تمام النهار إذا سبقت منه النية في الليل (37) و أما إذا لم تسبق منه النية فإن استمر نومه إلى الزوال بطل صومه (38) و وجب عليه القضاء إذا كان واجبا (39)،

______________________________

ذلك، فإذا تمكنت المرأة على قطع حيضها و نفاسها بما حدث في هذه الأعصار من الأدوية و التزريق المعدة لذلك لا يجب عليها إعمالها. نعم، إذا انقطع الحدث بالنحو العادي الطبيعي وجب عليها الغسل و تحصيل الطهارة منه لما هو مشروط بالطهارة و منه الصوم، و إذا قدر المريض على تحصيل الصحة و البرء لا يجب عليه ذلك، و كذا إذا كان في محل يضرّه الصوم، لحرارة الهواء- مثلا- و كان بحيث إذا ذهب إلى محلّ آخر لا يضرّه لبرودة هوائه و اعتداله لا يجب عليه ذلك.

و الأصل في ذلك كله قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (1) فجعل تعالى الحضور بوجوده الاتفاقي شرطا، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا قوي فليصم» (2)، و قوله (عليه السلام): «فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوّة فليصمه كان المرض ما كان» (3) و عنه (عليه السلام): «في امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس؟ قال (عليه السلام): تفطر حين تطمث» (4) فيعلم من ذلك كله أنّ الطهر من الحيض بوجوده الاتفاقي شرط. هذا بالنسبة إلى أصل دم الحيض و أما بعد انقطاعه، فيجب تحصيل الطهارة كما في غسل الجنابة.

(37) لوجود المقتضي للصحة، و فقد المانع منها، فتشمله الأدلة لا محالة

(38) لفقد النية، و عدم إمكان تداركها.

(39) و دل الدليل على وجوب قضائه و لو كان واجبا موسعا، فيأتي بيوم آخر.

ص: 225


1- سورة البقرة: 185.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
3- الوسائل باب: 20 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

و إن استيقظ قبله نوى و صح كما أنّه لو كان مندوبا و استيقظ قبل المغرب يصح إذا نوى (40).

مسألة 2: يصح الصّوم و سائر العبادات من الصبيّ المميز على الأقوى

(مسألة 2): يصح الصّوم و سائر العبادات من الصبيّ المميز على الأقوى (41) من شرعية عباداته و يستحب تمرينه عليها، بل التشديد عليه لسبع (42) من غير فرق بين الذكر و الأنثى في ذلك

______________________________

(40) لما تقدم في (فصل النية) من امتداد وقتها في الصوم المندوب إلى الغروب.

(41) لشمول العمومات، و الإطلاقات لكل مميز من الذكر و الأنثى، و لا مانع عنه في البين إلا حديث رفع القلم عن الصبيّ (1)، و المنساق منه عرفا قلم التشديد و العقاب بالنسبة إليه لا أصل الصحة و الصواب المبنيّ على التسهيل و التيسير. و لو شك في أنّه هل يشمل أصل الجعل أو لا؟ فلا وجه للتمسك به، لأنّه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، تبقى العمومات و الإطلاقات سالمة عن المانع. نعم، لا وجه للصحة بالنسبة إلى المجنون إجماعا عن العقلاء فضلا عن الفقهاء.

(42) للنص، و الإجماع في الجملة، و لكن اختلفت الأخبار في مبدإ التمرين، ففي بعضها: «يمرّن إذا أطاق صوم ثلاثة أيّام متتابعة»، و في بعضها: «لتسع». و في المعتبر أنّه «يمرّن لست سنين» و لم يوجد عليه نصّ، ففي خبر السكوني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صوم رمضان» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر الحلبي «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلى نصف النهار أو

ص: 226


1- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمات العبادات حديث: 11.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.

كلّه (43).

مسألة 3: يشترط في صحّة الصّوم المندوب- مضافا إلى ما ذكر- أن لا يكون عليه صوم واجب

(مسألة 3): يشترط في صحّة الصّوم المندوب- مضافا إلى ما ذكر- أن لا يكون عليه صوم واجب (44) من قضاء أو نذر أو

______________________________

أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش و الغرث (أي: الجوع) أفطروا حتى يتعوّدوا الصوم و يطيقوه» (1).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «عن الصبيّ متى يصوم؟ قال (عليه السلام): «إذا أطاقه» (2).

و في صحيح ابن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبيّ بالصيام؟ قال (عليه السلام): ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة» (3) و في بعضها: «إذا قوي على الصيام» (4).

و أحسن وجوه الجمع بين الأخبار المعارضة: إما الحمل على مراتب تأكد الرجحان، أو مراتب طاقة الصبيان، أو اختلاف الأزمنة التي تقصر و تطول فيها الأيام.

(43) لأنّ الظاهر أنّ ذكر الصبيّ من باب ذكر الأشرف لا الخصوصية- كما في ذكر الرجل في روايات أخر- التي وردت لبيان أحكام أخرى مضافا إلى قاعدة الاشتراك، و كون الحكم ندبيا قابلا للمسامحة.

(44) لجملة من الأخبار- مضافا إلى عدم الخلاف-:

منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن ركعتي الفجر قال (عليه السلام): قبل الفجر- إلى أن قال- أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تتطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟!! فابدأ بالفريضة» (5).

ص: 227


1- الوسائل باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
5- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

كفارة، أو نحوها (45)

______________________________

و في صحيح الكناني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّه لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام و عليه شي ء من الفرض» (1).

و عن الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟ فقال (عليه السلام): لا حتّى يقضي ما عليه من شهر رمضان» (2)، و مثله صحيح آخر للكناني.

(45) لإطلاق ما تقدم من صحيح الكناني، و ذكر قضاء شهر رمضان في الأخبار من باب الغالب و المثال لا للخصوصية، و لعله قال في المقنع:

«اعلم أنه لا يجوز أن يتطوّع الرجل و عليه شي ء من الفرض، كذلك وجدته في كل الأحاديث» (3).

و عن الصدوق: «قد وردت بذلك الأخبار و الآثار عن الأئمة» (عليهم السلام) (4)، و عن المدارك و الحدائق: «الاختصاص بخصوص قضاء شهر رمضان فقط» للأصل، و العمومات، و ذكر قضاء شهر رمضان في الأخبار.

و فيه: أنّه لا وجه للأولين، مع ما تقدم من إطلاق صحيح الكناني، و ذكر قضاء شهر رمضان إنّما هو من باب الغالب لا التقييد به. هذا و لكن الموجود في الكافي من صحيح الحلبي، و الكناني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) هكذا: «عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أ يتطوّع؟ فقال (عليه السلام): لا، حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان» (5)، فتكون جميع الأخبار مشتملة على ذكر قضاء شهر رمضان، و يمكن أن تكون لقضاء شهر رمضان خصوصية كما تكون لنفس شهر رمضان

ص: 228


1- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
4- الوسائل باب: 28 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
5- راجع الوسائل باب: 28 حديث: 6 و الكافي ج: 4 صفحة: 123 طبع إيران.

مع التمكن من أدائه (46)، و أما مع عدم التمكن منه- كما إذا كان مسافرا و قلنا بجواز الصّوم المندوب في السفر: أو كان في المدينة و أراد صيام ثلاثة أيّام للحاجة- فالأقوى صحته، و كذا إذا نسي الواجب و أتي بالمندوب، فإن الأقوى صحته إذا تذكر بعد الفراغ (47). و أما إذا تذكر في الأثناء قطع و يجوز تجديد النية حينئذ للواجب مع بقاء محلّها كما إذا كان قبل الزوال (48)، و لو نذر التطوّع على الإطلاق صح و إن كان عليه واجب، فيجوز أن يأتي بالمنذور قبله بعد ما صار واجبا، و كذا لو نذر أيّاما معيّنة يمكن إتيان الواجب قبلها (49) و أما لو نذر أيّاما معيّنة لا يمكن إتيان الواجب قبلها، ففي صحته إشكال من أنّه بعد النذر يصير واجبا و من أنّ التطوع قبل الفريضة غير جائز فلا يصح نذره، و لا يبعد أن يقال: إنّه لا يجوز

______________________________

خصوصيات، نعم، ادعى في الجواهر عدم القول بالفصل بين قضاء شهر رمضان و سائر الصيام الواجب، و لكنّه ليس من الإجماع المعتبر في شي ء، و طريق الاحتياط واضح.

(46) لأنّ ظاهر الاشتراط إنّما هو بحسب القدرة و التمكن على ما هو المنساق من الأدلة عرفا.

(47) كل ذلك لوجود المقتضي للصحة، و فقد المانع عنها، لأنّ المانع عنها إنّما هو فعلية وجوب الصوم الواجب لا مجرّد اقتضائه شأنا، و مع عدم فعلية الوجوب فلا مانع في البين.

(48) لفعلية الوجوب حينئذ بالنسبة إلى الصوم الواجب، و إمكان الامتثال فيكون مانعا عن صحة الصوم المندوب.

(49) لصحة النذر، فيخرج المنذور عن عنوان التطوع، فلا يبقى موضوع للنهي حينئذ.

ص: 229

بوصف التطوّع و بالنذر يخرج عن الوصف و يكفي في رجحان متعلق النذر رجحانه و لو بالنذر (50) و بعبارة أخرى: المانع هو وصف الندب و بالنذر يرتفع المانع.

مسألة 4: الظاهر جواز التطوع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استيجاريا

(مسألة 4): الظاهر جواز التطوع بالصوم إذا كان ما عليه من الصوم الواجب استيجاريا (51) و إن كان الأحوط تقديم الواجب (52).

______________________________

(50) هذا خلاف المتفاهم من الأدلة الدالة على اعتبار الرجحان في متعلق النذر إذ المنساق منها هو الرجحان قبل تعلقه. نعم، الرجحان يختلف باختلاف الجهات و الحيثيات، و يمكن أن يقال: إنّه يكفي- في رجحان متعلق النذر- الرجحان و لو من جهة واحدة و لا يلزم الرجحان من جميع الحيثيات، و لا ريب في أنّ الصوم راجح بذاته و إن عرض له مرجوحية من جهة عارضة أخرى، فيصح تعلق النذر به من جهة الحيثية الذاتية الأولية. و تقدم في كتاب الصلاة (فصل أوقات الرواتب) [مسألة 17] ما ينفع المقام فراجع.

(51) للأصل بعد احتمال اختصاص الواجب المانع عن التطوع بما وجب لنفسه كما هو المتفاهم من الأدلة، خصوصا في الأزمنة القديمة التي لم يعهد فيها العبادات الاستيجارية.

(52) لاحتمال استفادة التعميم من الأدلة و إن كان بعيدا و لا ريب في حسن الاحتياط.

ص: 230

فصل في شرائط وجوب الصوم

اشارة

فصل في شرائط وجوب الصوم و هي أمور:

الأول و الثاني: البلوغ و العقل

الأول و الثاني: البلوغ و العقل (1)، فلا يجب على الصبيّ و المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر (2) دون ما إذا كملا بعده، فإنّه لا يجب عليهما و إن لم يأتيا بالمفطر (3)، بل و إن نوى الصبيّ

______________________________

فصل في شرائط وجوب الصوم ألحق سقوط هذا الفصل من أصله، لأنّه بعد أن كان جميع ما ذكر في هذا الفصل من شرائط الصحة أيضا فلا وجه لعقد فصل آخر و جعل ما ذكر فيه شرطا للوجوب، إذ لا وجه لعدم الصحة و الوجوب. نعم، ينبغي أن يذكر في ذيل الفصل السابق أنّ صوم المميّز صحيح و ليس بواجب عليه.

(1) بضرورة الدّين فيهما، و استقباح تكليف المجنون عند العقلاء.

(2) فيشملهما دليل وجوب الصوم كسائر التكاليف، لوجود المقتضي و فقد المانع حينئذ.

(3) لظهور الأدلة في اعتبار مقارنة الشرائط لجميع آنات الصوم من بدية إلى ختامه، و اعتبار مقارنة النية كذلك إلا ما خرج بالدليل، و لا دليل على الخلاف في المقام، بل ظاهرهم التسالم على عدم الإجزاء، و لا فرق في ذلك بين ما إذا نوى الصوم ندبا أم لا، لفرض أنّه فاقد لشرط الوجوب، و مقتضى الأصل عدم الإجزاء.

و نسب إلى الخلاف، و المعتبر، و المدارك وجوبه عليه، للإطلاقات، و صحة عبادات الصبيّ.

ص: 231

الصّوم ندبا، لكن الأحوط مع عدم إتيان المفطر الإتمام و القضاء (4) إذا كان الصّوم واجبا معينا (5) و لا فرق في الجنون بين الإطباقيّ و الأدواري إذا كان يحصل في النهار و لو في جزء منه (6). و أما لو كان دور جنونه في الليل- بحيث يفيق قبل الفجر- فيجب عليه (7).

الثالث: عدم الإغماء

الثالث: عدم الإغماء (8)، فلا يجب معه الصّوم و لو حصل في

______________________________

و يرد الأول: بما مرّ من أنّ المتفاهم منها إنّما هو اجتماع الشرائط من بدء الصوم إلى ختامه. و الأخير بأنّ الصحة أعم من الوجوب، لكن يمكن أن يقال: إنّ الحقيقة واحدة بالنسبة إلى الصبيّ و غيره، و قصد الوجوب غير معتبر، و المفروض أنّ عباداته شرعية، فيكون الإجزاء حينئذ قهريا، و كذا الكلام في الصلاة إذا بلغ في أثنائها، و كذا الحج، بل نسب إلى المشهور أنّه لو بلغ قبل المشعر يجزي عنه و المراد بمقارنة الشرائط لجميع آنات العمل ما إذا كان فقدها من موانع الصحة- كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة، و الطهارة من الجنابة، و الحيض بالنسبة إلى الصوم- لا ما كان فقدها موجبا لسقوط الوجوب لا أصل الصحة، فإذا حصل الوجوب ينطبق على ما هو صحيح. فيجزي قهرا.

(4) الظاهر إجزاء الإتمام و لا وجه للقضاء معه. نعم، لو لم يتم، أو لم ينو أصلا، فالاحتياط في القضاء.

(5) لأنّ غير المعيّن موسّع لا وجه للقضاء بالنسبة إليه، و مقتضى قاعدة الاشتغال حينئذ أن يصوم يوما آخر.

(6) لإطلاقه الدليل الشامل للجميع، و منافاته للتكليف مطلقا هكذا قالوا: و هو بإطلاقه مشكل فيما إذا كان الزمان قليلا مع سبق النية و تحقق سائر الشرائط و قد مرّ في الفصل السابق بالنسبة إلى الإغماء ما يجري هنا أيضا.

(7) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة الدالة على الوجوب لا محالة.

(8) تقدم ما يتعلق به في الشرط الثالث من شرائط صحة الصوم، و قد

ص: 232

جزء من النهار، نعم، لو كان نوى الصوم قبل الإغماء فالأحوط إتمامه (9).

الرابع: عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم

الرابع: عدم المرض الذي يتضرّر معه الصائم و لو برئ بعد الزوال و لم يفطر لم يجب عليه النية و الإتمام (10)، و أما لو برئ قبله و لم يتناول مفطرا، فالأحوط أن ينوي و يصوم (11) و إن كان الأقوى عدم وجوبه.

______________________________

مرّ في نفي قضاء الصلاة عن المغمى عليه ما ينفع المقام.

(9) و كذا لو صحا و جدّد النية قبل الزوال و الوجه في لزوم الاحتياط قصور الأدلة عن الشمول للصورتين خصوصا إذا كان زمان الإغماء قليل جدّا.

(10) أما عدم وجوب الصوم على المريض، فيمكن أن يستدل عليه بالأدلة الثلاثة- كما تقدم- بل الأربعة، لأنّ المسألة من صغريات الأهمّ و المهم.

و أما عدم وجوب الإتمام لو برئ بعد الزوال، فيدل عليه مضافا إلى الأصل، و ظهور الاتفاق فوات محل النية، و عدم الدليل على امتداده بالنسبة إليه إلى ما بعد الزوال و لا يجري ما تقدم في البلوغ هنا، لأنّ المرض مثل الحيض، فأصل إمساكهما في حال المرض و الحيض باطل لا أن يكون صحيحا و غير واجب، فلو أمسك مع التضرر و لو آنا ما ثمَّ برئ لا يصح الصوم منه، لما تقدم في الفصل السابق من أنّ عدم الضرر من شرائط صحة الصوم و المفروض تحقق الضرر في المقام.

(11) نسب ذلك إلى المشهور، و استدل عليه تارة: بامتداد وقت النية بالنسبة إليه إلى ما قبل الزوال. و أخرى: بما في المدارك من أنّ المريض أعذر من المسافر.

(و فيه): أنّ الأول لا دليل عليه من نص، أو إجماع، مع أنّه على فرض الصحة إنّما هو فيما إذا صح الإمساك لا فيما إذا بطل، و قد مرّ في الفصل السابق عدّ عدم المرض من شرائط الصحة.

ص: 233

الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس

الخامس: الخلوّ من الحيض و النفاس، فلا يجب معهما و إن كان حصولهما في جزء من النهار (12).

السادس: الحضر

اشارة

السادس: الحضر، فلا يجب على المسافر الذي يجب عليه قصر الصلاة (13) بخلاف من كان وظيفته التمام- كالمقيم عشرا و المتردد ثلاثين يوما، و المكاري، و نحوه، و العاصي بسفره- فإنّه يجب عليه التمام إذ المدار في تقصير الصّوم على تقصير الصّلاة، فكل سفر يوجب قصر الصّلاة يوجب قصر الصّوم و بالعكس (14).

______________________________

و الثاني: قياس لا نقول به، فإن تمَّ الإجماع، فهو الحجة و إلا فلا دليل على المسألة، و ثبوت الإجماع مشكل خصوصا في المريض الذي كان يتضرّر بالإمساك واقعا، لوقوع جزء من إمساكه مبغوضا، فلا يصلح للتقرب به.

نعم، إن لم يتضرّر بالإمساك واقعا و كان من مجرّد اعتقاد ذلك و قلنا بامتداد وقت النية بالنسبة إليه أيضا يمكن القول بالصحة، و لعل هذا مراد ما نسب إلى المشهور، و لكنه مشكل أيضا، لعدم الدليل على الامتداد إلا بالنسبة إلى الجاهل و الناسي كما تقدم في (فصل النية)، مع أنّ نفس خوف الضرر يكفي في المبغوضية و إن لم يكن ضرر واقعيّ، لما مرّ من أنّ لنفس الخوف موضوعية خاصة و يظهر من ذلك كله وجه قوله (رحمه اللّه): «و إن كان الأقوى عدم وجوبه» بل لا بد و أن يقال بعدم صحته، لما تقدم في (الفصل السابق).

(12) لاعتبار الطهارة عنهما في صحة الصوم، كما تقدم في (فصل ما يجب الإمساك عنه) و مع عدم صحة الصوم بحصول أحدهما و لو في جزء من النهار كيف يتصوّر وجوب الصوم مع وجودهما و لو في جزء من النهار.

(13) بالأدلة الثلاثة، و ضرورة مذهب الإمامية، و تقدم في الشرط الخامس من شرائط الصحة في (الفصل السابق) ما ينفع المقام.

(14) لما تقدم في (الفصل السابق) عند قوله (رحمه اللّه): إذ الإفطار كالقصر و الصيام كالتمام في الصلاة.

ص: 234

مسألة 1: إذا كان حاضرا، فخرج إلى السفر

(مسألة 1): إذا كان حاضرا، فخرج إلى السفر فإن كان قبل الزّوال وجب عليه الإفطار (15)، و إن كان بعده وجب عليه البقاء على

______________________________

(15) يعني: لا يصح منه قصد الصوم حين السفر، و يبطل صومه لو قصد، لفقد شرط الصحة و هو الحضور. و أما وجوب تناول المفطر، فمقتضى الأصل عدمه بعد فقد الدليل عليه.

و أما ما تقدم- في الفصل السابق- من قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إن خرج من قبل أن ينتصف النهار، فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم صومه» (1)، فالمراد منه عدم صحة قصد الصوم.

ثمَّ إنّ الأقسام كثيرة-:

الأول: ما إذا نوى الصوم ثمَّ سافر قبل الزوال و لم يرجع في يومه و لا ريب في بطلان صومه، لعدم صحة نية الصوم بعد التجاوز عن حدّ الترخص، لأنّه لا يجوز للمسافر أن ينوي الصوم، كما مرّ، و يدل على البطلان الإجماع، و النصوص التي تقدمت في الفصل السابق، و قد سمّاهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «عصاة» فكيف يصح الصوم معها.

الثاني: ما إذا ترك نية الصوم جهلا، أو نسيانا و سافر قبل الزوال و لم يرجع في يومه و لا ريب في عدم تصور صحة الصوم بالنسبة إليه من جهة فقد النية، و النصوص الشاملة لهذه الصورة أيضا.

الثالث: ما إذا ترك النية عمدا و سافر قبل الزوال و لم يرجع في يومه، و لا ريب في بطلان الصوم بالنسبة إليه نصّا، و إجماعا، و أنّه آثم في ترك النية حين كان حاضرا في محله.

الرابع: ما إذا تركها جهلا، أو نسيانا و سافر قبل الزوال و لم يتناول شيئا

ص: 235


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

.....

______________________________

اتفاقا ثمَّ رجع إلى محله قبل الزوال أيضا و قد نوى الصوم حينئذ، فهل يصح صومه؟ نظرا إلى امتداد وقت النية بالنسبة إلى الجاهل و الناسي، و انصراف ما دلّ على بطلان صوم المسافر عن مثله أو لا يصح جمودا على إطلاق ما دلّ على بطلان صوم المسافر، و إمكان كون السفر كالحيض و النفاس في أنّ مجرّد وجوده الواقعيّ مطلقا مبطل للصوم إلا ما خرج بالدليل وجهان؟ لا دليل يصح الاعتماد عليه للجزم بالبطلان.

الخامس: ما إذا نوى الصوم و سافر قبل الزوال جهلا أو نسيانا ثمَّ رجع أو بقي على سفره، و يصح صومه في صورة الجهل دون النسيان، كما تقدم في الفصل السابق.

السادس: ما إذا نوى الصوم عمدا ثمَّ سافر اتفاقا قبل الزوال و رجع قبله أيضا و لا دليل على بطلان هذا الصوم، بل الأصل صحته، لأنّ الأدلة الدالة على اشتراط الحضور إنّما هي في الأسفار القديمة التي لم يمكن فيها الرجوع قبل الزوال و كانت مستغرقة لتمام اليوم، و الشك في شمولها لمثل الفرض يكفي في العدم، لأنّ التمسك بها حينئذ يكون من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك.

السابع: ما إذا نوى عمدا و التفاتا مع العلم بأنّه يسافر قبل الزوال و يرجع قبله أيضا و بطلان هذا الصوم مبنيّ على أن يكون عروض السفر في اليوم الصومي قبل الزوال كعروض الحيض و المرض المضرّ، و كتناول المفطر و إثباته بالأدلة التي بين أيدينا مشكل جدا و الاعتماد فيه على الكلمات أشكل، لأنّ الروايات و الكلمات ظاهرة في الأسفار القديمة التي لم يكن رجوع فيها قبل الزوال- كما تقدم- فلا تشمل مثل الفرض الذي لم يكن معهودا في عصر الروايات، و لا في زمان القدماء من الفقهاء الذين يدور عليهم رحى الإجماعات، فمقتضى الامتنان و التسهيل و التيسير الذي بنيت عليه الشريعة المقدّسة صحة هذا الصوم و عدم القضاء فيه، و يمكن أن يستشهد للصحة ببعض ما يأتي في الفروع التالية.

الثامن: عين هذه الصورة مع الرجوع بعد الزوال.

ص: 236

صومه (16) و إذا كان مسافرا و حضر بلده أو بلدا يعزم على الإقامة فيه عشرة أيّام، فإن كان قبل الزوال و لم يتناول المفطر وجب عليه الصّوم (17)،

______________________________

التاسع: إحداث السفر بعد الزوال و الرجوع بعده، و يأتي حكمهما عند قوله: «و إن كان بعده أو تناول فلا» بناء على شمول الرجوع من السفر بعد الزوال لمثل الفرض الذي أحدث فيه السفر بعد الزوال، و لكنه مشكل.

العاشر: إحداث السفر بعد الزوال و عدم الرجوع يصح فيه الصوم كما يأتي.

(16) إجماعا، و نصوصا تقدم بعضها في الفصل السابق، كقول الصادق (عليه السلام): «و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه» (1).

(17) للنص، و الإجماع، ففي موثق أبي بصير: «سألته عن الرجل يقدم من سفره في شهر رمضان، فقال (عليه السلام): إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتد به» (2)، و عن البزنطي: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئا قبل الزوال قال (عليه السلام): يصوم» (3) و نحوهما غيرهما و منهما يستفاد أنّ مجرّد التلبس بالسفر من حيث هو لا يوجب بطلان الصوم، و لا يكون كتناول المفطر.

و أما ما ظاهره التخيير، كموثق سماعة: «و إن قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء» (4)، و صحيح ابن مسلم: «و إن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه و إن شاء صام» (5)، فموهون بالإعراض، مع إمكان حملها على التخيير في تناول المفطر حال كونه مسافرا لا بعد ورود

ص: 237


1- الوسائل باب: 5 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 6.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 4.
4- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 7.
5- الوسائل باب: 6 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 1.

و إن كان بعده أو تناول فلا (18) و إن استحب له الإمساك بقية النهار (19)، و الظاهر أنّ المناط كون الشروع في السفر قبل الزوال أو بعده لا الخروج عن حدّ الترخص و كذا في الرجوع المناط دخول البلد (20)

______________________________

المحلّ بقرينة قول الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة: «إذا طلع الفجر و هو خارج و لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام، و إن شاء أفطر» (1).

(18) أما مع التناول، فلانتفاء موضوع الصوم. و أما مع عدمه، فعلى المشهور، و عن السرائر دعوى الإجماع عليه، و في خبر ابن مسلم: «عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته حين طهرت من الحيض، أ يواقعها؟ قال (عليه السلام): لا بأس به» (2)، و إطلاقه يشمل مورد عدم التناول.

فما عن الشيخ (رحمه اللّه) من الوجوب إن كان لم يتناول شيئا و عدم وجوب القضاء عليه حينئذ. (مردود): بالإجماع، و ظاهر الخبر.

(19) لظهور الإجماع على استحباب الإمساك مع الإمكان على كل من رخص له في شهر رمضان، و في موثق سماعة: «سألته عن مسافر دخل أهله قبل زوال الشمس و قد أكل، قال (عليه السلام): لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا. و لا يواقع في شهر رمضان» (3) و الظاهر أنّ ذكر المسافر من باب السؤال لا الخصوصية، فيعم الحكم المريض الذي برئ و الحائض التي طهرت.

(20) لأنّ الظاهر من التعبيرات الواردة في النصوص من دخول الأهل و الخروج منه و القدوم من السفر هو ذلك و تقدم في [مسألة 15] من (فصل صلاة المسافر) أنّ مبدأ المسافة يحسب من أول البلد لا من حدّ الترخص،

ص: 238


1- الوسائل باب: 6 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

لكن لا يترك الاحتياط بالجمع (21) إذا كان الشروع قبل الزوال و الخروج عن حدّ الترخص بعده، و كذا في العود إذا كان الوصول إلى حدّ الترخص قبل الزوال و الدخول في المنزل بعده.

مسألة 2: قد عرفت التلازم بين إتمام الصّلاة و الصوم و قصرها و الإفطار

(مسألة 2): قد عرفت التلازم بين إتمام الصّلاة و الصوم و قصرها و الإفطار لكن يستثنى من ذلك موارد:

أحدها: الأماكن الأربعة فإنّ المسافر يتخيّر فيها بين القصر و التمام في الصّلاة و في الصّوم يتعيّن الإفطار (22).

الثاني: ما مرّ من الخارج إلى السفر بعد الزوال، فإنّه يتعيّن عليه البقاء على الصّوم (23) مع أنّه يقصّر في الصّلاة.

الثالث: ما مرّ من الراجع من سفره، فإنّه إن رجع بعد الزوال يجب عليه الإتمام مع أنّه يتعيّن عليه الإفطار (24).

مسألة 3: إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلا بعد الوصول إلى حدّ الترخص

(مسألة 3): إذا خرج إلى السفر في شهر رمضان لا يجوز له الإفطار إلا بعد الوصول إلى حدّ الترخص (25) و قد مرّ سابقا وجوب

______________________________

و إنّما هو حدّ الترخص شرعا لا المسافة الخارجية، و تقدم الإشكال في البلاد الواسعة خصوصا في هذه الأعصار، فلا يترك الاحتياط فيها.

(21) لاحتمال كون الصوم تابعا للصلاة من هذه الجهة.

(22) للإجماع، و لما تقدم في [مسألة 13] من (فصل أحكام صلاة المسافر) فراجع.

(23) لما تقدم من النص الخاص (1)، و لا وجه للعمل بقاعدة الملازمة في مقابله.

(24) لما تقدم في سابقة، فلا وجه للتكرار.

(25) للإجماع، و لقاعدة الملازمة.

ص: 239


1- الوسائل باب: 7 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

الكفارة عليه إن أفطر قبله (26).

مسألة 4: يجوز السفر اختيارا في شهر رمضان

(مسألة 4): يجوز السفر اختيارا في شهر رمضان (27)، بل

______________________________

(26) تقدم في [مسألة 11] من (فصل المفطرات المذكورة) كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة أيضا.

فرع: لو وصل إلى حدّ الترخص و أفطر ثمَّ بدا له العود إلى وطنه أو محل إقامته فلا كفارة عليه إلا إذا تعمّد هو في التسبيب للرجوع حتى يدخل في تناول المفطر عمدا فحينئذ تجب الكفارة لأنّه بعد تعمده في الرجوع عنه يكشف عن بطلان قصد المسافة فوقع الإفطار العمدي في يوم الصوم من شهر رمضان.

(27) للأصل، و لجملة من الأخبار:

منها: صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنّه سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم و قد مضى منه أيام؟

فقال (عليه السلام): لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم» (1).

و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يدخل شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا ثمَّ يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت، فسألته غير مرّة فقال (عليه السلام): يقيم أفضل إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها، أو يتخوّف على ماله» (2)، و نحوهما غيرهما و قد عمل بها المشهور.

و نسب إلى الحلبي عدم جواز السفر في شهر رمضان، لقوله تعالى:

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (3) بدعوى: أنّ المراد بها من كان حاضرا في أول الشهر فليصمه و لا يسافر، كما يظهر ذلك من جملة من الأخبار التي يأتي بعضها.

ص: 240


1- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- سورة البقرة: 185.

و لو كان للفرار من الصوم كما مرّ (28) و أما غيره من الواجب المعيّن، فالأقوى عدم جوازه إلا مع الضّرورة (29) كما أنّه لو كان مسافرا وجب

______________________________

و فيه: أنّ المراد بالشهود من الآية الحضور في مقابل السفر مطلقا بوجوده الاتفاقي، كما هو المنساق منها لا وجوب الحضور، و الأخبار محمولة على مجرّد الأفضلية بقرينة سائر الأخبار المرخصة المتقدمة.

و استدل أيضا: بمثل خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الخروج إذا دخل شهر رمضان، فقال: لا، إلا فيما أخبرك به: خروج إلى مكة، أو غزو في سبيل اللّه، أو مال تخاف هلاكه، أو أخ تخاف هلاكه، و إنّه ليس أخا من الأب و الأم» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا دخل شهر رمضان، فاللّه فيه شرط قال اللّه تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة، أو في مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه»(2).

و فيه: أنّ جميع ذلك محمول على الكراهة بقرينة ما تقدم في صحيح ابن مسلم من قوله (عليه السلام): «يقيم أفضل» فلا مخالفة بين الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض.

(28) للأصل، و الإطلاق الشامل لهذه الصورة أيضا، و قد تقدم في [مسألة 25] من (فصل المفطرات المذكورة) كما أنّها توجب القضاء توجب الكفارة كذلك.

(29) الواجب المعيّن إن كان نذرا و كان مرجع نذره إلى أن لا يسافر و يصوم، فلا ريب في عدم جواز السفر حينئذ، و إن لم يكن كذلك، بل كان من مجرّد نذر صوم اليوم المعيّن، فمقتضى الأصل، و فحوى جواز السفر في

ص: 241


1- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

عليه الإقامة لإتيانه مع الإمكان.

مسألة 5: الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما

(مسألة 5): الظاهر كراهة السفر في شهر رمضان قبل أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما (30) إلا في حج، أو عمرة، أو مال يخاف تلفه، أو أخ يخاف هلاكه (31).

مسألة 6: يكره للمسافر في شهر رمضان، بل كل من يجوز له الإفطار التملّي من الطّعام و الشراب

(مسألة 6): يكره للمسافر في شهر رمضان، بل كل من

______________________________

شهر رمضان الجواز فيه أيضا و لا دليل على المنع إلا دعوى: أنّ الحضر شرط للواجب، فيجب تحصيله كسائر شرائط الواجب.

(و فيه) أولا منع كونه شرطا له، بل هو شرط للوجوب في شهر رمضان و غيره و ثانيا: ليس كل شرط واجب يجب تحصيله، إذ يمكن أن يكون بوجوده الاتفاقي شرطا له، و يشهد لذلك ما رواه ابن جندب قال: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عباد بن ميمون و أنا حاضر عن رجل جعل على نفسه نذر صوم و أراد الخروج في الحج، فقال عبد اللّه بن جندب: سمعت من زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه سأله عن رجل جعل على نفسه نذر صوم يصوم، فمضى فيه في زيارة أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: يخرج و لا يصوم في الطريق فإذا رجع قضى ذلك» (1).

و المنساق منه النذر المعيّن، و لذا ذهب جمع من الأعلام إلى جواز السفر فيه و هو الأقوى، و كذا إن كان الواجب المعيّن غير النذر كالقضاء المضيّق مثلا.

(30) لقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أسياط: «فإذا مضت ليلة ثلاث و عشرين فليخرج حيث شاء» (2).

(31) تقدم ما يدل عليه في المسألة السابقة فراجع.

ص: 242


1- الوسائل باب: 10 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

يجوز له الإفطار التملّي من الطّعام و الشراب، و كذا يكره له الجماع في النهار (32)، بل الأحوط تركه و إن كان الأقوى جوازه (33).

______________________________

(32) لإجماع الأصحاب و قطعهم، و لما عن الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له، أ فله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال (عليه السلام):

سبحانه اللّه أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان؟! إنّه له في الليل سبحا طويلا قلت: أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصر؟ فقال (عليه السلام): إنّ اللّه تبارك و تعالى قد رخص للمسافر في الإفطار و التقصير رحمة و تخفيفا لموضع التعب و النصب و وعث السفر، و لم يرخص له في مجامعة النساء في السفر بالنّهار في شهر رمضان- إلى أن قال- و إنّي إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت و ما أشرب كلّ الريّ» (1) و هو نحو احترام لشهر رمضان و لذا تعدّى الأصحاب إلى سائر المفطرات.

(33) للأصل، و جملة من الأخبار: منها: صحيح عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان إله أن يصيب من النساء؟ قال (عليه السلام):

نعم» (2).

فيحمل ما يظهر منه المنع على الكراهة جمعا كصحيح ابن مسلم عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان فإنّ ذلك محرّم عليه» (3) فما حكي من الحرمة عن الشيخ، و أبي الصلاح مخدوش. و اللّه تعالى هو العالم.

ص: 243


1- الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5.
2- الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 13 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 8.

فصل وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص

اشارة

فصل وردت الرخصة في إفطار شهر رمضان لأشخاص بل قد يجب (1):

الأول و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر عليهما الصّوم

الأول و الثاني: الشيخ و الشيخة إذا تعذّر عليهما الصّوم (2)، أو كان حرجا و مشقة (3)، فيجوز لهما الإفطار (4)، لكن يجب عليهما

______________________________

فصل

(1) مع ترتب الضرر على الصوم يجب تركه و يحرم فعله بالأدلة الأربعة- كما تقدم.

(2) لانتفاء تكليف الصوم عنه حينئذ لأجل عدم القدرة عليه، مضافا إلى الأدلة الآنية.

(3) لأدلة نفي الحرج، مضافا إلى ما يأتي من الأدلة الخاصة.

(4) للإجماع، و حديث رفع الاضطرار (1)، و حكم العقل بتقديم الأهمّ على المهمّ، و النصوص المستفيضة:

منها: قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كل واحد منهما في كلّ يوم بمد من طعام، و لا قضاء عليهما و إن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» (2).

ص: 244


1- الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

في صورة المشقة، بل في صورة التعذر أيضا التكفير (5) بدل كلّ يوم

______________________________

و في صحيح الهاشمي قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير و العجوزة الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان قال (عليه السلام): تصدّق في كل يوم بمد حنطة»(1)، و المدّ ثلاثة أرباع كيلو كما سبق.

(5) أما التكفير في صورة المشقة، فهو المشهور، و يقتضيه إطلاق جملة من النصوص التي تقدم بعضها.

و عن أبي الصلاح استحبابه و عدم وجوبه، لخير الكرخي: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود؟ فقال: ليؤم برأسه إيماء- إلى أن قال- قلت:

فالصيام؟ قال (عليه السلام): إذا كان في ذلك الحدّ فقد وضع اللّه عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقته مدّ من طعام بدل كل يوم أحب إليّ، و إن لم يكن له يسار ذلك فلا شي ء عليه» (2).

و فيه: أنّه لو لم يكن ظاهرا في العجز عن التصدق لا بد من حمله عليه جمعا.

و أما في صورة التعذر، فوجوب الفدية هو المشهور أيضا: للإطلاق الشامل لها أيضا، و لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أيّما رجل كبير لا يستطيع الصيام، أو مرض من رمضان إلى رمضان ثمَّ صح، فإنّما عليه لكل يوم أفطر فيه فدية إطعام، و هو مدّ لكل مسكين» (3).

و عن المفيد، و ابني زهرة و إدريس عدم الوجوب و اختصاص الفدية بصورة المشقة فقط، للأصل، و لأنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اختصاصها بمورد المشقة، و بما عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح في

ص: 245


1- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 10.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12.

.....

______________________________

قول اللّه عزّ و جل وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ قال (عليه السلام):

الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش» (1) بظهوره في صورة المشقة.

و يرد الأول: بإطلاق الدليل، فلا وجه معه للتمسك بالأصل. و الثاني بأنّه مجرّد الاستحسان لا يصلح للاعتماد عليه. و الأخير: بأنّ الآية فسّرت في خبر ابن بكير: «و على الذين كانوا يطيقونه فدية» (2)فتكون في مقام بيان حكم ما مضى في أول الإسلام حيث كانوا مخيرين بين الفدية و الصيام تسهيلا عليهم ثمَّ نسخ كما في بعض التفاسير (3)، فليست في مقام بيان الحكم الفعلي بالنسبة إلى جميع الناس، بل يكون مثل قوله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ (4)، مع أنّه يمكن أن يكون قوله تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ (5) أي: على الذين يتكلفون الصوم بحيث يكون مشقة عليهم- كما في بعض التفاسير- و هو تفسير حسن، مع أنّ ثبوت الفدية لهما لا ينافي الثبوت لغيرهما.

و خلاصة القول: في الشيخ و الشيخة، و الحامل المقرب، و المرضعة القليلة اللبن و نحوهم مما ورد فيه النص: أنّهم إن لم يقدروا على الصيام قدرة عرفية، فلا يجب عليهم الصيام بحسب القاعدة و لا نحتاج إلى الأخبار الخاصة، و مقتضى الأصل عدم الفدية أيضا، و كذا مع الحرج و المشقة العرفية بالنسبة إليهم، لعمومات نفي الحرج و هي تغني عن الأدلة الخاصة. و أما تلك الأخبار- المتقدمة- فيحتمل فيها وجوه:

الأول: حملها على ما هو مقتضى القاعدة لا أن يكون العنوان المزبور مستقلا في مقابلها فهي تقرير القاعدة الأولية لا أن تكون مخالفة لها في شي ء.

ص: 246


1- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.
3- راجع تفسير الصافي ج: 1 صفحة: 165 ط: طهران.
4- سورة البقرة: 274.
5- سورة البقرة: 184.

بمدّ من طعام (6) و الأحوط مدان (7)

______________________________

الثاني: حملها على الضعف الملازم للصوم غالبا و يكون المراد بعدم الاستطاعة- الوارد في بعض الأخبار المتقدمة أنّ عدم الاستطاعة العرفية الملازمة لمثل هذا الضعف موجب لسقوط التكليف عنهم امتنانا من اللّه تعالى عليهم، و يشهد له إطلاق خبر الهاشمي: «تضعف عن الصوم في شهر رمضان» (1) مع جعل ذلك من العلة لا الحكمة.

الثالث: عين هذه الصورة مع جعل الضعف من الحكمة لا العلة التي يدور الحكم مدارها وجودا و عدما.

الرابع: إرفاق من اللّه تعالى و تفضل بهم في إسقاط هذا التكليف لأنّهم أهل لأن يرفق بهم عرفا، كما أرفق بالنسبة إلى المسافر حتى مع عدم ضعفه عن الصوم مطلقا و قدرته عليه، و أوجب قصر الصلاة عليه حتى مع قدرته على الإتمام من كل جهة و أسقط صوم الصمت، و صوم الوصال و إن سهل ذلك على المكلف غاية السهولة، و أسقط تحصيل استطاعة الحج عنه و إن كان أيسر شي ء عليه، إلى غير ذلك مما لا يحصى.

(6) لجملة من الأخبار المشتملة على لفظ المدّ (2).

(7) لذكر المدين في بعض الأخبار (3)، لأنّ بعضها مشتمل على لفظ المدّ- كما تقدم، و بعضها على قوله (عليه السلام): «يتصدق كل يوم بما يجزي» (4) و بعضها على المدين، و الثاني محمول على الأول لا محالة، و الأخير محمول على الندب كما هو مقتضى القاعدة في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ و الأكثر استقلاليا كان أو ارتباطيا، و قد ورد لفظ المدين في جملة من الكفارات التي ذكر فيها لفظ المدّ أيضا و حمل على الندب كما في المقام فراجع كفارات الإحرام و غيرها.

ص: 247


1- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6 و 4.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 5 و 9.

و الأفضل كونهما من حنطة (8) و الأقوى وجوب القضاء عليهما لو تمكنا بعد ذلك (9).

______________________________

(8) جميع الأخبار الواردة في المقام تشتمل على تعبيرات ثلاثة:

«يتصدّق بمدّ»، و «يتصدّق بمدّ من طعام» و «يتصدّق بمدّ من حنطة» و لا بد من تقييد الأول بالثاني و هو عبارة عما يؤكل و لو كان شعيرا أو أرزا و الأفضل هو الأخير، لعدم قائل بالاختصاص به و وجوب خصوص الحنطة، و يجزي الخبز و الطحين أيضا.

(9) نسبه في المستند إلى المشهور، لعموم أدّلة قضاء الفائت.

و فيه: أنّ العموم مخصص بما تقدم من صحيح ابن مسلم و غيره (1) و لذا ذهب جمع منهم ابن بابويه، و صاحب النافع، و المدارك، و الوسيلة، و السرائر إلى عدم وجوب القضاء عليهما، فالشهرة غير ثابتة و الدليل على نفي القضاء تام سندا و دلالة، مع اقتضاء المنة و الرأفة بالنسبة إليهما ذلك أيضا، فالجزم بالفتوى مشكل. بل يمكن الجزم بالخلاف.

فروع- (الأول): الشيخ من تجاوز سنه عن الأربعين. و الشاب من تجاوز البلوغ إلى ثلاثين، و ما بينهما كهل- كما عليه جمع من أهل اللغة- لكن قيد الشيخ و الشيخة بالكبير، و الكبيرة، و مادة الكبر من الأمور الإضافية، فيصدق بما زاد على الأربعين و لو بعشر سنين- مثلا- هذا إذا لم يكن قيدا توضيحيا و إلا فلا نحتاج إلى هذه العناية.

إلا أن يقال: إنّ الشيخ الكبير- كما في جملة من الأخبار المتقدمة- و العجوز الكبيرة، كما في خبر الهاشمي (2) عبارة في العرف الخاص عمن تجاوز عمره عن سبعين سنة، و هذا العرف مقدم على اللغة. و فيه تأمل.

(الثاني): هل يكون لنفس الشيخ و الشيخة موضوعية خاصة لسقوط

ص: 248


1- تقدم في صفحة: 244.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 4.

.....

______________________________

الصوم، أو أنّهما طريقان لحصول الضعف و المشقة و عدم القدرة كما هو الغالب في الشيخوخة؟ مقتضى الاعتبار و كونه مظنة التضرر هو الثاني، و مع الشك لا يصح التمسك بالإطلاق لأجل الشك في الموضوع، مع أنّ موثق أبي بصير: «الشيخ الكبير الذي لا يستطيع» (1).

و في صحيح الحلبي: «رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان» (2).

و في خبر أبي بصير: «الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم» (3).

و عن الصادق (عليه السلام): «أيّما رجل كان كبيرا لا يستطيع الصيام» (4).

و لكن يمكن أن يحمل ذلك كله على حكمة تشريع سقوط الصوم عنهما لا أن يكون علة الحكم المشروع، لأنّ سنّ الشيخوخة معرض انحطاط القوى غالبا كما ثبت في محله، و الصوم يعين على ذلك خصوصا في الصيف، و يشهد له كثرة عناية اللّه تعالى بالنسبة إليهم حتى يدعى به: «يا راحم الشيخ الكبير» في دعوات متواترة، و هذه الرحمة غير مختصة بنشأة دون أخرى و ذلك يقتضي سقوط تكليف الصوم عنهم رأفة بهم.

(الثالث): هل يكون السقوط في هذه الموارد رخصة أو عزيمة؟ أرسل في الجواهر إرسال المسلّمات كونه عزيمة، و ادعى عدم ظهور خلاف فيه عن أحد أصحابنا إلا من المحدّث البحراني.

و استدل للعزيمة بأنّ مقتضي الإطلاقات السقوط خطابا و ملاكا، فلا وجه للرخصة بعد سقوطها.

و استدل البحراني بقوله تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ- إلى قوله تعالى- وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ (5)فإن الآية بصدرها و ذيلها ظاهرة في الترخيص و نفي تعيين الصوم.

و فيه: أن قوله تعالى وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ يرجع إلى قوله

ص: 249


1- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 7.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 9.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 11.
4- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12.
5- سورة البقرة: 184.

الثالث: من به داء العطش

الثالث: من به داء العطش، فإنّه يفطر سواء كان بحيث لا يقدر على الصّبر، أو كان فيه مشقة (10) و يجب عليه التصدّق بمدّ، و الأحوط مدان (11) من غير فرق بين ما إذا كان مرجوّ الزوال أم لا (12)، و الأحوط بل الأقوى: وجوب القضاء عليه إذا تمكن بعد

______________________________

تعالى أَوْ عَلى سَفَرٍ .. يعني: إن لم تسافروا و تصوموا خير لكم فتكون جملة مستقلة مرغبة إلى تهيئة أسباب الصّوم التي تكون تحت الاختيار، و سياقها يشهد لمطلق الرجحان.

ثمَّ إنّه يجري على ما ذكرناه في جميع موجبات سقوط الصوم التي يأتي ذكرها بعد ذلك فيه أيضا عزيمة لا رخصة، و الجميع نحو هدية من اللّه تعالى (1)ورد هدية اللّه تعالى عزيمة مطلقا.

(10) لأدلة نفي الحرج، و للإجماع، و للنصوص التي تقدم بعضها كصحيح ابن مسلم (2).

(11) أما المدّ فقد تقدّم في صحيح ابن مسلم. و أما المدّان فقد ذكر أيضا في خبر ابن مسلم بطريق آخر قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، و يتصدّق كل واحد منهما في كل يوم بمدّين من طعام، و لا قضاء عليهما، و إن لم يقدرا فلا شي ء عليهما» (3)، و لا بد من حمله على الندب كما مرّ.

(12) لإطلاق الدليل الشامل لهما، و ما عن العلامة من نفي التكفير مع الرجاء، و عن ابن إدريس من نفيه مع اليأس خلاف ظاهر الإطلاق.

ص: 250


1- الوسائل باب: 1 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 12 و غيره.
2- تقدم في صفحة: 244.
3- الوسائل باب: 15 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

ذلك (13) كما أنّ الأحوط أن يقتصر على مقدار الضرورة (14).

الرابع: الحامل المقرب التي يضرّها الصّوم أو يضرّ حملها

الرابع: الحامل المقرب التي يضرّها الصّوم أو يضرّ حملها فتفطر (15)

______________________________

(13) نسب ذلك إلى المشهور، لعموم ما دل على قضاء الفائت، و الآية الكريمة وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).

و فيه: أنّ العموم مخصص بما تقدّم من صحيح ابن مسلم و المراد بالمرضي غير ذي العطاش، مع أنّ التكفير بدل الصوم، فلا وجه لوجوب المبدل مع تحقق البدل إلا أن يشكل بأنّ الآية عامة، و الصحيح مهجور، و البدل ما دامي لا دائمي فتأمل. و منه يظهر الإشكال في كونه أقوى.

(14) لخبر عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يصيبه العطاش حتى يخاف على نفسه قال (عليه السلام): يشرب بقدر ما يمسك رمقه و لا يشرب حتى يروى» (2).

و خبر المفضل عنه (عليه السلام) أيضا: «إنّ لنا فتيات و شبانا لا يقدرون على الصيام من شدّة ما يصيبهم من العطش قال (عليه السلام): فليشربوا بمقدار ما تروى به نفوسهم و ما يحذرون» (3). و عن بعض وجوب ذلك.

و فيه: أنّهما في العطش العارض لا ذو العطاش إلا أن يدّعى القطع بعدم الفرق بينهما، و عهدة إثباته على مدعيه.

(15) لقاعدة نفي الحرج، و الإجماع، و قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «الحامل المقرب، و المرضعة القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنّهما لا تطيقان، و عليهما أن تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطر فيه بمدّ من طعام، و عليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه

ص: 251


1- سورة البقرة: 185.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

و تتصدّق من مالها (16) بالمدّ أو المدّين و تقضي بعد ذلك (17).

الخامس: المرضعة القليلة اللبن

الخامس: المرضعة القليلة اللبن إذا أضرّ بها الصّوم أو أضرّ بالولد (18) و لا فرق بين أن يكون الولد لها أو متبرعة برضاعه أو

______________________________

تقضيانه بعد» (1) و إطلاقه يشمل الخوف على نفسها و على حملها.

(16) لأصالة عدم الوجوب على زوجها، و عدم كونه من النفقات الواجبة.

(17) للإجماع، و ما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح.

و ما قيل: من عدم وجوب القضاء عليها تمسكا بخبر ابن جعفر قلت لأبي الحسن (عليه السلام): «إن امرأتي جعلت على نفسها صوم شهرين، فوضعت ولدها، و أدركها الحبل، فلم تقو على الصوم. قال (عليه السلام):

فلتتصدق مكان كل يوم بمدّ على مسكين» (2) لا وجه له، إذ الحديث لا ربط له بالمقام.

(18) لما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح، و لقاعدة نفي الحرج، و ظهور الاتفاق، و في مكاتبة ابن مهزيار إلى عليّ بن محمد (عليه السلام) أسأله: «عن امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان فيشتد عليها الصوم و هي ترضع حتّى يغشى عليها و لا تقدير على الصيام أ ترضع و تفطر و تقضى صيامها إذا أمكنها أو تدع الرضاع و تصوم، فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب: إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمت صيامها، و إن كان لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها» (3)، و إطلاق الأدلة يشمل صورة الضرر بنفسها أو بولدها، كما أنّ صريح المكاتبة و إطلاق غيرها يشمل

ص: 252


1- الوسائل باب: 17 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 17 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.
3- الوسائل باب: 17 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 3.

مستأجرة و يجب عليها التصدّق بالمدّ أو المدّين أيضا من مالها و القضاء بعد ذلك (19). و الأحوط بل الأقوى: الاقتصار على صورة عدم وجود من يقوم مقامها في الرضاع تبرعا أو بأجرة من أبيه أو منها أو من متبرع (20).

______________________________

ما إذا كان الولد لها أو لغيرها، مع أنّ المسألة في بعض فروعها من موارد الأهمّ و المهم.

(19) لما تقدم في الحامل المقرب من غير فرق بينهما نصّا و فتوى.

(20) لأنّ المناط كلّه تحقق الحرج، و لا حرج مع التمكن العرفي عن الاسترضاع، مع أنّه قد صرّح في المكاتبة بذلك و اللّه العالم.

فروع- (الأول): مقتضى الأصل و الإطلاق عدم فورية هذه الفدية ما لم يصل التأخير إلى حدّ التهاون.

(الثاني): لا يجوز تقديمها على شهر رمضان و في شهر رمضان. و يجوز بعنوان الإقراض ثمَّ الاحتساب، و يأتي في الزكاة ما ينفع المقام.

(الثالث): من لا يتمكن من مئونة سنته أو تمكن منه و لكن من الصدقات هل يجب عليه مثل هذه الكفارة أو لا؟ وجهان.

(الرابع): قد وردت الفدية في الموارد الخمسة المذكورة- في المتن- و لو فرض مورد لم يجب فيه الصوم، لحرج و لم يكن من الموارد الخمسة، فهل يجب عليه الفدية أيضا مضافا إلى القضاء، أو يجب القضاء فقط، مقتضى الأصل عدم وجوب الفدية إلا إذا استفيد وجوبها مما ورد في هذه الموارد الخمسة و هو مشكل.

ص: 253

فصل في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال للصوم و الإفطار

اشارة

فصل في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال للصوم و الإفطار و هي أمور:

الأول: رؤية المكلّف نفسه

الأول: رؤية المكلّف نفسه (1).

الثاني: التواتر

الثاني: التواتر (2).

______________________________

فصل في طرق ثبوت هلال رمضان و شوال الهلال: كسائر الموضوعات الخارجية التي تكون مورد حكم من الأحكام الشرعية فكل ما يثبت به تلك الموضوعات الأخر يثبت به الهلال أيضا إلا أن يدل دليل خاص به من توسعة أو تضييق أو هما معا، فيتبع لا محالة.

(1) بضرورة المذهب، بل الدّين، و نصوص متواترة: منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «إذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر»(1).

و أما قوله (عليه السلام): «إنّما الرؤية أن يقول القائل: رأيت فيقول القوم صدق» (2) فمحمول على صورة حصول التردد و الشبهة للرائي.

(2) لأنه مما يوجب العلم العادي، فيكون حجة من هذه الجهة، و في خبر الأزدي قال: قلت: «لأبي عبد اللّه (عليه السلام) أكون في الجبل في القرية فيها خمس مائة من الناس فقال (عليه السلام): إذا كان كذلك فصم

ص: 254


1- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 14.

الثالث: الشياع المفيد للعلم

الثالث: الشياع المفيد للعلم، و في حكمه كلّ ما يفيد العلم و لو بمعاونة القرائن (3) فمن حصل له العلم بأحد الوجوه المذكورة وجب عليه العمل به (4) و إن لم يوافقه أحد، بل و إن شهد ورد الحاكم شهادته (5).

الرابع: مضيّ ثلاثين يوما من هلال شعبان

الرابع: مضيّ ثلاثين يوما من هلال شعبان، أو ثلاثين يوما من هلال رمضان، فإنّه يجب الصّوم مع الأول و الإفطار في الثاني (6).

______________________________

لصيامهم و أفطر لفطرهم» (1) و قريب منه غيره.

(3) كل ذلك لأنّ للعلم حجية فطرية و قد جبلت النفوس على اتباع العلم و لم يردعهم الشارع.

(4) لأنّ الفطرة مجبولة على اتباع العلم الحاصل له من أي وجه حصل، و اعتبار هذه الطرق الثلاثة لا اختصاص لها بالمقام، بل يجري في كل مورد و مقام.

(5) لفرض حصول العلم و لا يعارض العلم شي ء من الأشياء مطلقا ما دام ثابتا.

(6) لنصوص كثيرة، مضافا إلى الإجماع، و أنّ ذلك من موجبات حصول العلم العادي، ففي خبر ابن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«أنّه قال: في كتاب عليّ (عليه السلام): فإن خفي عليكم، فأتموا الشهر الأول ثلاثين يوما» (2).

و قال أبو جعفر (عليه السلام)- في حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام)-: «و إن غمّ عليهم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا» (3).

ص: 255


1- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.

الخامس: البينة الشرعية

الخامس: البينة الشرعية (7) و هي خبر عدلين سواء شهدا عند الحاكم و قبل شهادتهما أو لم يشهدا عنده أو شهدا ورد شهادتهما، فكلّ من شهد عنده عدلان يجوز، بل يجب عليه ترتيب الأثر (8) من

______________________________

(7) لعموم ما دل على حجيتها، و خصوص ما ورد من المستفيضة في المقام التي يأتي بعضها.

(8) لظهور الإجماع، و لإطلاق النصوص المستفيضة كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ عليّا (عليه السلام) كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين» (1).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «قال عليّ (عليه السلام): لا نقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين» (2).

و عنه (عليه السلام) أيضا: «أو شهد عليه بينة عدول» (3).

و يمكن أن يكون اعتبار البينة من الأمور المتعارفة بين جميع الناس و من مرتكزاتهم أيضا في جميع الملل و الأديان، و إنّما الاختلاف في العدالة إذ رب عادل في ملة غير عادل في ملة أخرى، و لكنه اختلاف صغرويّ لا يضرّ بمسلّمية أصل الكبرى في الجملة، فيكون اعتبارها لأجل حصول العلم العادي الذي تطابقت على اعتباره آراء الناس، فقد تمت الحجية الشرعية، فيجب ترتيب الأثر، و كذا في جميع الموضوعات- كالطهارة، و النجاسة، و القبلة، و الحلية، و الحرمة، و غيرها مما لا تحصى- فلو قامت البينة على أنّ البلل الخارج من الشخص مني وجب عليه الغسل. نعم، في مورد الخصومة و المنازعة الذي لا بد فيها من الرجوع إلى الحاكم الشرعي تكون البينة بنظر الحاكم الشرعي أيضا.

و أما قول الصادق (عليه السلام) في موثق الخزاز: «إنّ شهر رمضان

ص: 256


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.
3- الاستبصار ج: 2 صفحة: 64 ط النجف الأشرف.

الصّوم أو الإفطار و لا فرق بين أن تكون البينة من البلد أو من خارجه و بين وجود العلة في السماء و عدمها (9). نعم، يشترط توافقهما في الأوصاف (10)،

______________________________

فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدوا بالتظني، و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد: قد رأيته، و يقول الآخرون: لم نره إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رآه مائة رآه ألف، و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» (1).

و قريب منه خبر الخزاعي (2) فمحمول على مورد التهمة بالخطإ و مخالفة النوع للبينة و في مثله يشكل اعتبار أصل البينة لتبادر الناس إلى خطئها حينئذ و لذا حكم (عليه السلام) باعتبارها فيما إذا كانت في السماء علة، لعدم تحقق المخالفة حينئذ غالبا، لأنّهم لا يدعون الرؤية مع العلة و لا يبادرون إلى خطإ من ادعاها، فالمستفيضة الدالة على اعتبار البينة في الهلال غير قابلة للتخصيص. و من نسب إليه من القدماء عدم اعتبار البينة إذا لم تكن في السماء علة لعله أراد ما قلناه فراجع و تأمل.

ثمَّ إنّ الحصر في مثل قول الصادق (عليه السلام): «ليس على أهل القبلة إلا الرؤية، و ليس على المسلمين إلا الرؤية» (3) إضافيّ لا أن يكون حقيقيا، فلا ينافي التحقق بطريق آخر من شياع أو بينة أو نحوهما من الحجج المعتبرة.

(9) لإطلاق ما تقدم من النصوص، و تقدم حمل موثق الخزاز على مورد تخطئه البينة عرفا، فلا وجه للحجية حينئذ.

(10) إن ذكر الأوصاف، و لكن لا دليل على لزوم ذكرها، بل مقتضى

ص: 257


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 10.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12.

فلو اختلفا فيها لا اعتبار بها (11). نعم، لو أطلقا أو وصف أحدهما و أطلق الآخر كفى (12) و لا يعتبر اتحادهما في زمان الرؤية مع توافقهما على الرؤية في الليل (13). و لا يثبت بشهادة النساء (14)

______________________________

الأصل عدمه بعد صدق الشهادة بالنسبة إلى أصل الرؤية و لو في الجملة و ذات الهلال من حيث هو.

(11) لعدم قيام البينة على شي ء واحد مع الاختلاف في المشهود به.

نعم، لو رجع الاختلاف إلى الأمور الخارجة عنه- كما إذا قال أحدهما: كان الهواء صافيا، و قال الآخر: كان مغبرا- لا بأس بمثله لتحقق التوافق على أصل المشهود به، فكل ما اتفقت البينة في المشهود به تقبل و إن اختلفت في الجهات الأخرى، و كل ما اختلفت في المشهود به لا تقبل و إن اتفقت في الجهات الأخرى.

(12) لتحقق الاتفاق على المشهود به، إذ لا اختلاف بين المطلق و المقيد عرفا، و المسألة سيالة في جميع الموارد، و قد تقدم في (فصل طريق ثبوت النجاسة) و غيره.

(13) لصدق قيام البينة على شي ء واحد، فتشملها الإطلاقات، و لو شهد أحدهما بأنّي رأيته في الليلة الماضية، و الآخر بأنّي رأيته هذه الليلة يكون ذلك من شهادة العدل الواحد، و لا يكون من قيام البينة على شي ء واحد عرفا.

(14) للإجماع، و النصوص التي- تقدم بعضها- و أما قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر داود بن حصين: «و لا بأس في الصوم بشهادة النساء و لو امرأة واحدة» (1) فمحمول على الاستحباب، لمخالفته لإجماع المحققين من الأصحاب، فيستحب الصوم في شهر رمضان و لو بشهادة امرأة واحدة بعنوان الرجاء، لا بعنوان أنّه من شهر رمضان.

ص: 258


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 15.

و لا بعدل واحد و لو مع ضم اليمين (15).

السادس: حكم الحاكم

اشارة

السادس: حكم الحاكم (16) الذي لم يعلم خطؤه و لا خطأ

______________________________

(15) على المشهور، و عن سلار الاكتفاء به في الصوم دون الإفطار، لما عن أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه بينة عدل من المسلمين» (1).

و فيه: أنّ المراد به البينة بقرينة سائر الأخبار الكثيرة- المتقدمة بعضها- مع أنّه في الإفطار و لا يقول به شيخنا السلار.

ثمَّ إنّه (رحمه اللّه) استشكل في اعتبار شهادة العدل الواحد في سائر الموارد و جزم بالعدم هنا، للتنصيص بالعدلين في جملة من الأخبار في المقام (2).

(16) نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأصحاب.

و في الجواهر «يمكن تحصيل الإجماع عليه خصوصا في أمثال هذه الموضوعات العامة التي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكام كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بالشرع و سياسته و بكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة فما صدر عن بعض متأخري المتأخرين من الوسوسة في ذلك من غير فرق بين حكمه المستند إلى علمه أو البينة أو غيرهما لا ينبغي الالتفات إليها».

أقول: الظاهر أنّ اعتبار حكم الحاكم في الجملة من المسلّمات العقلائية عند الناس، لأنّ لكل مذهب و ملة حاكم و حكم في أمورهم الدّينية و الدنيوية خصوصا الأمور النوعية التي يحتاج النوع إليها، فالمقتضي للحجية في حكم الجامع للشرائط موجود و المانع عنه مفقود، فلا بد من الاعتبار، فيصح أن يقال: إنّ كل مورد يرجع فيه الناس بفطرتهم إلى الحاكم يكون حكمه فيه معتبرا

ص: 259


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.
2- تقدم في صفحة: 257.

.....

______________________________

إلا مع ثبوت الردع، و قد ثبت الردع عن حكم من لم يكن جامعا للشرائط من المسلمين فكيف بغيرهم؟.

و أما الفقيه الإماميّ الجامع للشرائط، فمقتضى فطرة الشيعة اعتبار حكمه إلا مع ثبوت الردع، لأنّهم يرون حكمه حكم الإمام (عليه السلام)، و تقتضيه العمومات و الإطلاقات، كالتوقيع الرفيع: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا، فإنّهم حجتي عليكم، و أنا حجة اللّه» (1)، و إطلاق قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم، إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، و إن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بالإفطار ذلك اليوم، و أخر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم» (2).

و في المقبولة: «ينظران من كان منكم قد روى حديثنا، و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» (3).

إلى غير ذلك من الأخبار التي وردت للامتنان على الشيعة إلى ظهور الحجة، لسوقهم إلى ملاذ و ملجأ في جميع أمورهم كما هو المفطور في النفوس في جميع المذاهب و الأديان، فالمقتضي للحجية في حكم الجامع للشرائط موجود و المانع عنه مفقود فلا بد من الاعتبار.

و قد أشكل على اعتبار حكمه في المقام بوجوه كلها ضعيفة-:

الأول: أنّه لا يصح التمسك لاعتباره بالمطلقات الدالة عليه للشك في كون المقام مشمولا لها و معه يكون التمسك بها تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية.

و فيه: أنّه من موضوعها عرفا و لا شك فيه لأنّه عبارة عن كل ما يرجع فيه

ص: 260


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1 و 6 و غيره.

.....

______________________________

الناس إلى رئيسهم الدّينيّ مطلقا إلا مع ثبوت الردع الشرعيّ عن الرجوع و لم يثبت ذلك.

الثاني: أنّ المنساق من المطلقات إنّما هو خصوص الأحكام الشرعية أو الموضوعات التي تكون مورد المخاصمة الفعلية فلا يشمل المقام.

و فيه: أنّ التخصيص بخصوص الأحكام بلا مخصص و مخالف لظاهر العموم التي ورد مورد التسهيل و الامتنان، و مثل المقبولة و إن وردت في مورد المخاصمة لكن المورد لا يكون مخصصا للوارد، مع أنّه يصح أن يقال: إنّ اعتبار أصل الحكم إنّما هو لأجل قطع التفرقة و الاختلاف فعلا، أو شأنا، رفعا أو دفعا، و لا ريب في تحقق الأخير في مثل رؤية الهلال.

الثالث: أنّ مقتضى الحصر في قوله (عليه السلام): «لا أجيز في الهلال إلا شهادة رجلين عدلين» (1) عدم ثبوته بحكم الحاكم. (و فيه): أنّه إضافيّ لا حقيقيّ، فلا وجه للاعتماد عليه في عدم اعتباره غيره.

الرابع: أنّ المراد بالإمام- فيما تقدم من قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (2)- إمام الأصل، فلا يشمل الفقيه.

و فيه: أنّ ظاهره الإطلاق و لا قرينة على التقييد كما في سائر موارد إطلاقاته، مع أنّه لم يعهد أن يبيّن معصوم تكليف معصوم آخر، و يظهر التعميم من قول الصادق (عليه السلام) لأبي العباس: «ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا» (3). فإنّه ظاهر في مسلمية التعميم و إن كان تطبيقه على المورد لأجل التقية، و في الخبر: «الإمام يقضي عنه المؤمنين الديون» (4)إلى غير ذلك من موارد إطلاقات لفظ الإمام.

الخامس: أنّه من الموضوعات الخارجية و لا ربط لها بالفقيه.

ص: 261


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- تقدم في صفحة: 259.
3- الوسائل باب: 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 5.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الدين و القرض حديث: 4.

مستنده (17) كما إذا استند إلى الشياع

______________________________

و فيه أولا: أنّ مورد الحكم أعمّ من أن يكون موضوعا خارجيا- كالعدالة، و الفسق، و النسب، و نحوها مما هو كثير، و يأتي في كتاب القضاء- أو أمرا كليا.

و ثانيا: أنّ مرجعه إلى الحكم بوجوب الصوم في أول الشهر و حرمته في آخره. فما ناقشه بعض متأخري المتأخرين في شمول حجية الحكم للمقام مخالفة لمرتكزات المؤمنين، بل الناس أجمعين حيث يتزاحمون آخر شعبان، و آخر شهر رمضان على باب دار من يزعمونه مرجعا دينيا لهم لاستعلام حكم الصوم وجوبا و تحريما، و هذه السيرة كانت مستمرة إلى عصر المعصوم (عليه السلام).

و بالجملة: كل ما يرجع فيه المتدينون إلى رئيسهم الدّينيّ في الأمور النظامية يكفي في عدم ثبوت الردع عن الاعتبار، و لا نحتاج إلى ثبوت الدليل على الحجية و الاعتبار فضلا عمّا ورد في المقام من الدليل عليه، و التشكيك في المقام مع التشكيك في الواضحات الفقهية، و لم أظفر على التشكيك فيه من القدماء، مع أنّ المسألة كانت ابتلائية لديهم.

ثمَّ إنّه لا فرق في اعتبار الحكم بين كون مستنده شياعا أو بينة أو العلم بذلك الحاصل من رؤية نفسه أو غيره، و الوجه في ذلك كله ارتكاز الناس لعموم اعتبار حكمه.

(17) لعدم اعتبار شي ء مع العلم بمخالفته للواقع، و كذا لو علم بتقصيره فيما يتعلق بالحكم، فلا اعتبار به حينئذ. و أما لو ظن بخطئه بالظنون الاجتهادية مع إحراز استفراغ وسعه فيما يتعلق بالحكم، فمقتضى إطلاق أدلة الاعتبار، و أنّ الراد عليه كالراد على اللّه (1) حجيته، و وجوب ترتيب الأثر

ص: 262


1- الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

الظنّي (18) و لا يثبت بقول المنجمين (19)، و لا بغيبوبة الشفق في الليلة الأخرى (20)، و لا برؤيته

______________________________

عليه، و حرمة نقضه قال في الجواهر:

«ينقض الحكم إذا خالفه دليل علميّ لا مجال للاجتهاد فيه، أو دليل اجتهادي لا مجال للاجتهاد بخلافه إلا غفلة و نحوها، و لا ينقض في غير ذلك، لأنّ الحكم بالاجتهاد الصحيح حكمهم، فالراد عليه راد عليهم، و الراد عليهم على حدّ الشرك باللّه تعالى». و قال أيضا في كتاب القضاء: «بل حكى الإجماع بعضهم بعدم جواز نقض الحكم الناشئ عن اجتهاد صحيح باجتهاد كذلك» و يأتي التفصيل في كتاب القضاء.

(18) لأصالة عدم الحجية و الاعتبار. نعم، إن استند اعتبار الشياع الظنّي إلى الظنون الاجتهادية يكون معتبرا حينئذ كسائر الأحكام المستندة إلى الظنون الاجتهادية المعتبرة.

(19) لأصالة عدم الحجية إلا فيما دل عليها الدليل، و لأنّه من التظنّي المنهيّ عنه بالخصوص، كما مرّ في بعض النصوص (1)، مضافا إلى مكاتبة أبي عمر: «أخبرني يا مولاي إنّه ربما أشكل علينا هلال شهر رمضان و لا نراه و نرى السماء ليست فيها علة و يفطر الناس و نفطر معهم، و يقول قوم من الحسّاب قبلنا: إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر، و إفريقية و الأندلس هل يجوز يا مولاي ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف العرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟ فوقّع لا صوم من الشك، أفطر لرؤيته و صم لرؤيته»(2).

(20) على المشهور للأصل، و لأنّه من التظني المنهيّ عنه. و أما ما عن الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن الحر عن

ص: 263


1- تقدم في صفحة: 256.
2- الوسائل باب: 15 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

يوم الثلاثين قبل الزوال، فلا يحكم بكون ذلك اليوم أول الشهر (21)

______________________________

أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إذا غاب الشفق فهو لليلتين» (1)، فهو- مضافا إلى قصور سنده، و موافقته للعامة- و هجره لدى الخاصة معارض بمكاتبة ابن راشد قال:

«كتب إليّ أبو الحسن العسكري (عليه السلام) كتابا و أرّخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان و ذلك في سنة اثنين و ثلاثين و مائتين، و كان يوم الأربعاء يوم شك، فصام أهل بغداد يوم الخميس و أخبروني أنّهم رأوا الهلال ليلة الخميس، و لم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أنّ الصوم يوم الخميس و أنّ الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إليّ زادك اللّه توفيقا فقد صمت بصيامنا قال: ثمَّ لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه، فقال لي: أو لم أكتب إليك إنّما صمت الخميس، و لا تصم إلا للرؤية» (2)، فلا وجه للاعتماد عليه.

ثمَّ إنّ حق العبارة أن يقال: و لا عبرة بغيبوبته بعد الشفق المغربي في ليلة الرؤية في كونه لليلة السابقة.

(21) للأصل، و دعوى الإجماع من التذكرة، و جملة من النصوص:

منها: الصحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا رأيتم الهلال، فأفطروا، أو شهد عليه عدول من المسلمين، و إن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل» (3).

بناء على أنّ المراد بوسط النهار قبل الزوال، فيدل على عدم كون اليوم الذي رؤي فيه الهلال قبل زواله أول شوال حتى يحرم صومه، بل هو من شهر

ص: 264


1- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

.....

______________________________

رمضان، فيجب إتمام صومه.

و منها: مكاتبة محمد بن عيسى: «جعلت فداك ربما غمّ علينا هلال شهر رمضان، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال و ربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا؟ و كيف تأمر في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) تتم إلى الليل، فإنّه إن كان تاما رؤي قبل الزوال» (1). و المراد بهلال شهر رمضان هلال شوال توسعا بقرينة ذيل الخبر.

و منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر المدائني: «من رأى هلال شوال بنهار في شهر رمضان فليتم صيامه»، و المرسل عن عليّ (عليه السلام)- كما في الجواهر: «إذا رأيتم الهلال، أو رآه ذو عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك في أول النهار أو في آخره» (2).

و منها: المستفيضة الدالة على أنّ الصوم للرؤية و الفطر للرؤية (3) بناء على اختصاصها بالرؤية المغربية فلا أثر لغير تلك الرؤية.

و قد نوقش في الجميع:

أما المستفيضة: فلأنّ المنساق منها عرفا كون الرؤية موجبة للصوم و الفطر و لا نظر فيها إلى جهة أخرى، فلا وجه للاستدلال بها.

و المرسل قاصر سندا و لم يوجد في الكتب المعتمدة.

و قول الصادق (عليه السلام) محمول على ما بعد الزوال، و المكاتبة معارضة بما هو أقوى سندا و دلالة، و المراد النهار في الصحيح بعد الزوال بقليل جمعا بينه و بين غيره، كما سيأتي.

و أما الأخبار المعارضة:

فمنها: قول الصادق في الصحيح: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك

ص: 265


1- الوسائل باب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
3- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان.

و لا بغير ذلك (22) مما يفيد الظنّ و لو كان قويا (23) الا للأسير

______________________________

اليوم من شوال، و إذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان»(1).

و قوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح: «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة» (2) و نحوهما غيرهما.

و معناهما: وجوب الصوم في أول الشهر و حرمته في آخره إن كانت الرؤية قبل الزوال و عدم الوجوب و عدم الحرمة مع كون الرؤية بعده، و دعوى الإجماع من التذكرة معارض بدعوى الإجماع من السيد على العمل بمفاد الأخبار الأخيرة، و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين و لكن قال في الجواهر: «إنّ منشأه اختلال الطريقة» ورد الطائفة الثانية من الأخبار بموافقتها لجمع من العامة، و إعراض المشهور عنها، و مخالفتها للأصل، و كونها من التظني المنهيّ عنه في صوم شهر رمضان.

(22) كالتطوق- و هو ظهور النور في جرم القمر مستديرا- و العدّ و غيرهما و يأتي التعرض لها و الإشكال عليها.

(23) لأصالة عدم الاعتبار إلا أن يدل عليه الحجية المعتبرة من الآيات و الأخبار.

ثمَّ إنّه نسب إلى الصدوق (رحمه اللّه) أنّ التطوق أمارة كونه لليلتين، لقول الصادق (عليه السلام): «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين» (3). و عدّ خمسة أيّام من هلال شهر رمضان الماضي، فيكون الخامس من أول المستقبل، لقوله (عليه السلام) أيضا: «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول» (4)، و عن كتاب عجائب المخلوقات أنّه امتحن ذلك خمسين سنة فكان صحيحا، و عد شعبان ناقصا أبدا و شهر رمضان تاما كذلك،

ص: 266


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
3- الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

.....

______________________________

لقوله (عليه السلام): «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص و اللّه أبدا» (1) و نسب إلى المفيد العمل به أيضا.

و لكن جميع مثل هذه الأخبار معرض عنها عند المشهور، و أخبار تمامية شهر رمضان أبدا مخالفة للوجدان، و لعلها وردت للتحفظ على عدم المبادرة إلى الحكم بأول الشهر و آخره إلا مع حجة معتبرة، مع أنّها معارضة بالمستفيضة الدالة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يصيبه ما يصيبها من التمام و النقصان (2)، و لكن لا بأس بالعمل بالجميع مع حصول العلم، و لعل من اعتبرها أراد هذه الصورة فقط، فيسقط النزاع رأسا.

فائدة: المشهور بين الفقهاء أنّه لا عبرة في ثبوت الهلال بالجدول و ذكر له محتملات التقاويم المعروفة أو جدول أهل الحساب المشتمل على عدّ شهر تاما و شهر ناقصا أو جدول عبيد اللّه بن معاوية و عبد اللّه بن جعفر و نسب إلى الصادق (عليه السلام) و كذا المشهور بينهم أنّه لا عبرة في ثبوته بالعدّ و هو عدّ خمسة أيّام من أول رمضان الماضي و جعل الخامس أول الحاضر أو عدّ تسعة و خمسين من أول رجب و جعل الستين أول شهر رمضان و الجدول يتداخل في بعض معانيه مع العدد.

ثمَّ إنّ الأمارات الواردة في الأخبار لتعيين أول الشهر عشرة:

الأول: أخبار العدلين بالرؤية.

الثاني: الرؤية.

الثالث: الشياع.

و هذه الثلاثة معتبرة عند الفقهاء بإجماعهم.

الرابع: إكمال الشهر الأول ثلاثين، و هذا أيضا معتبر عندهم مع فقد الثلاثة الأول.

الخامس: التطوق.

السادس: غيبوبة الهلال بعد الشفق.

ص: 267


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 26.
2- راجع الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1 و 2 و غيره.

و المحبوس (24).

مسألة 1: لا يثبت بشهادة العدلين إذا لم يشهدا بالرؤية

بل شهدا شهادة علمية (25).

مسألة 2: إذا لم يثبت الهلال و ترك الصّوم ثمَّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم

(مسألة 2): إذا لم يثبت الهلال و ترك الصّوم ثمَّ شهد عدلان برؤيته يجب قضاء ذلك اليوم (26)، و كذا إذا قامت البينة على هلال

______________________________

السابع: رؤية ظلّ الرأس.

الثامن: عدم رؤية الهلال ليلة في الشهر السابق فإنّه أمارة على أنّ الليلة اللاحقة أول الشهر.

التاسع: صوم اليوم الخامس من شهر رمضان السنة السابقة و يعبّر عنه بالعدد و الجدول أيضا.

العاشر: صوم اليوم الستين من أول شهر رجب.

و هذه كلّها منصوصة كما لا يخفى على من راجع الوسائل (أبواب أحكام شهر رمضان) و لكن المشهور لم يعملوا بها مع قصور سند بعضها و لكن هناك كلام مع المشهور و هو أنّهم يقولون إنّ المراد بالعلم في اصطلاح الكتاب و السنة الاطمئنان العرفي الذي يسكن إليه فإذا حصل من هذه الأمور الاطمئنان العرفي فأيّ مانع عن الاعتماد عليها و بذلك يمكن الجمع بين الروايات و الأقوال.

و أما احتمال أنّ التطويق من الأمور التكوينية كشف عنه الشارع.

ففيه أولا: أن الدليل المهجور لدى الأصحاب كيف يعتمد عليه و لو كان صحيحا.

و ثانيا: أنّه صحيح لو كان التطويق في نفس جرم القمر من حيث هو و إن لم يحرز ذلك بل ظهر التطويق في نوره لأجل الأشعة الشمسية و سائر الجهات فهو مجمل فكيف يعتمد عليه؟

(24) يأتي تفصيله في [مسألة 1] فراجع.

(25) لتقييد الشهادة بخصوص الرؤية في الأخبار كما يأتي نقل بعضها.

(26) للنص، و الإجماع، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح

ص: 268

شوال ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان (27) أو رآه في تلك الليلة بنفسه (28).

مسألة 3: لا يختص اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه

(مسألة 3): لا يختص اعتبار حكم الحاكم بمقلّديه، بل هو نافذ بالنسبة إلى الحاكم الآخر أيضا (29) إذا لم يثبت عنده خلافه (30).

مسألة 4: إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده

(مسألة 4): إذا ثبت رؤيته في بلد آخر و لم يثبت في بلده فإن كانا متقاربين كفى (31)

______________________________

منصور بن حازم «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنّهما رأياه فاقضه» (1) و مثله غيره.

(27) لأنّ البينة حجة شرعية، و يثبت بها هلال شوال، فيكون قد صام ثمانية و عشرين يوما فيجب عليه قضاء يوم، لأنّه المتيقن و الزائد مشكوك فينفى بالأصل، و في خبر ابن سنان: «صام عليّ (عليه السلام) بالكوفة ثمانية و عشرين يوما شهر رمضان، فرأوا الهلال، فأمر مناديا ينادي: اقضوا يوما، فإن الشهر تسعة و عشرون يوما» (2).

(28) يجري فيه ما تقدم في سابقة، إذ لا فرق في الحجية بين البينة و الرؤية.

(29) لعموم دليل اعتباره و تنزيله منزلة حكم الإمام (عليه السلام) الشامل لكلّ من العامي، و المجتهد و المقلّد، و الحاكم الشرعيّ.

(30) بل و إن ثبت خلافه بالظنون الاجتهادية. نعم، مع العلم بالبطلان لا وجه للاعتبار بالنسبة إليه، و قد مرّ ما يتعلق به في السادس من طرق ثبوت الهلال فراجع.

(31) لأنّه المتيقن من الإجماع، و سيرة المتشرعة خلفا عن سلف،

ص: 269


1- الوسائل باب: 11 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

و إلا فلا (32) إلا إذا علم توافق أفقهما و إن كانا

______________________________

و للنص ففي صحيح هشام: «إن كانت له بينه عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» (1)، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» (2) و تقتضيه إطلاقات أدلة اعتبار شهادة العدلين و الرؤية.

(32) البحث في هذه المسألة العامة البلوى- في غالب الأعصار و الأعوام- تارة بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الأخبار. و ثالثة: بحسب الاعتبار. و رابعة: بحسب كلمات فقهائنا.

أما الأول: فمقتضى الأصل عدم صحة ترتب آثار الأولية و الآخرية- بواجباتها و مندوباتها، و مكروهاتها، و محرّماتها- بالنسبة إلى الأول و الآخر، لفرض عدم ثبوتها بحجة معتبرة كما هو الشأن في جميع موارد الشك في الموضوع. هذا إذا لم يستظهر من الأخبار ما ينافيه، و إلا فهو المتبع لا محالة، لما ثبت في محله من تقدم الحجج المعتبرة على الأصول كذلك.

و أما الثاني: فالأخبار على أقسام ثلاثة:

الأول: المطلقات كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صم لرؤية الهلال، و أفطر لرؤيته» (3)، و موثق سماعة: «صيام شهر رمضان بالرؤية» (4)، و قوله (عليه السلام): «صم للرؤية و أفطر للرؤية» (5)، و قوله (عليه السلام): ليس على أهل القبلة إلا الرؤية و ليس على المسلمين إلا الرؤية» (6) إلى غير ذلك مما هو كثير، و إطلاق لفظ «الرؤية» يشمل كلّ رؤية في أيّ بلد كان، لأيّ محلّ يحصل لهم الوثوق بتحقق الرؤية في أيّ بلد كانت.

ص: 270


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12.

.....

______________________________

إن قيل: إنّ هذا القسم من الأخبار لا ربط له بالمقام، لأنّ المنساق منها أنّ الرؤية حجة للرائي و لا نظر لها إلى التعميم و التخصيص يقال: لا ريب في ظهورها في أنّ الرؤية حجة معتبرة شرعا إلا أنّها على أقسام:

الأول: أن يراه شخص و لا يطلع عليه أحد.

الثاني: أن يراه شخص و يطلع عليه من يعلم بصدق الرائي في دعواه.

الثالث: أن يراه عدلان و يشهدا به عند الحاكم أو غيره، و مقتضى إطلاقها بالنسبة إلى الآخرين عدم الفرق بين اتحاد الأفق و اختلافه فلو رآه شخص في الحجاز و علم بصدقه شخص آخر في الهند، أو بالعكس وجب ترتيب الأثر، و كذا لو رآه شخص في الحجاز- مثلا- و جاء إلى الهند أو بالعكس وجب ترتيب الأثر على رؤيته، لشمول الإطلاق لجميع ذلك.

و بعبارة أخرى: صرف وجود الرؤية إذا تقاربت الأيام و الليالي في الجملة في بلاد العالم منشأ لترتيب الأثر اتحد الأفق أو اختلف و يأتي ما ينفع المقام في مستقبل الكلام.

القسم الثاني من الأخبار: المستفيضة الدالة على أنّه إن صام تسعة و عشرين يوما ثمَّ شهد بينة عدول أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فإنّه يقضي ذلك اليوم، كموثق الشحام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سئل عن الأهلة فقال: هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر قلت:

أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ فقال (عليه السلام) لا إلا أن يشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (1).

و صحيح هشام عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): أنّه قال فيمن صام تسعة و عشرين قال: «إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما» (2)، و لا ريب في شمول إطلاقه لاتحاد الأفق و اختلافه.

و صحيح ابن سنان قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الأهلة؟

ص: 271


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.

.....

______________________________

فقال (عليه السلام): هي أهلة الشهور فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر، قلت: إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال (عليه السلام): لا إلا أن تشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم»(1).

و في خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال (عليه السلام): لا تصم إلا أن تراه فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه»(2).

و في خبر سماعة عنه (عليه السلام) أيضا: «إذا اجتمع أهل مصر على صيامه للرؤية فاقضه» (3) إلى غير ذلك مما هو كثير، و المنساق منها أنّ شهر رمضان في جميع البلاد واحد من حيث الكمية و العدد، و إطلاقها يشمل اتحاد الأفق و الاختلاف فيه.

القسم الثالث من الأخبار: المستفيضة الدالة على أنّ شهر رمضان كسائر الشهور يصيبه ما يصيبه من الزيادة و النقصان:

منها: قول أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيبه الشهور من التمام و النقصان» (4)، و كذا قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من الزيادة و النقصان» (5)، فإنّ إطلاقها يدل على أنّ شهر رمضان في جميع البلاد واحد كوحدة سائر الشهور فيها فإما أن يكون تسعة و عشرين يوما في الجميع، أو ثلاثين يوما كذلك. لا أن يكون تسعة و عشرين يوما في بعض البلاد، و ثلاثين في البعض الآخر، فإنّ ذلك خلاف مجموع الأخبار.

و أما ما دل على أنّه تام أبدا كقوله (عليه السلام): «شهر رمضان ثلاثون يوما لا ينقص أبدا» (6) و مثله غيره، فأسقطها عن الاعتبار إعراض الأصحاب

ص: 272


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 19.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
3- الوسائل باب: 12 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
5- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 10.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 26.

.....

______________________________

عنها و مخالفتها للوجدان، فلا بد من حملها على بعض المحامل. و أما الثالث: فهو مركب من أمور:

الأول: أنّ أول الشهر و آخره من الأمور التكوينية و لا وجه للتعبد في التكوينيات. نعم، يمكن التعبد بلحاظ الحكم الظاهري المترتب عليه، و لا وجه للحكم الظاهري مع إثبات الخلاف بالدليل المعتبر.

الأمر الثاني: أول الشهر بحسب البراهين القطعية الهيئوية عبارة عن خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في الأفق، تعلقت به الرؤية أم لا، و هذا من الأمور التكوينية في الحركات الدّورية للكرات التي إحداها مضيئة، و البقية مستضيئة كما هو المشاهد لكل ذي فكرة من الإنسان، و الخروج عن تحت الشعاع و البروز في الأفق لا يؤثر فيه اختلاف الأفق مطلقا إلا إذا كان الاختلاف بمقدار اليوم أو الليلة و هو غير متحقق في البلاد الإسلامية- التي وجب عليهم الصّيام- فكلّ آن صدق عليه في الواقع أنّ فيه خرج القمر عن تحت الشعاع و برز يكون ذلك أول الشهر و يتعلق به الحكم في الواقع، و الرؤية طريق محض إليه لا أن تكون فيها موضوعية خاصة، كما أنّ سائر الطرق لها طريقية محضة و لا موضوعية فيها بوجه، و إنّما لم يذكر الخروج عن تحت الشعاع في الأدلة الشرعية، لبعده عن أذهان عامة الناس فيكون بالنسبة إلى سواد الناس من الإحالة على المجهول، و إلا فالمناط عليه اتحدت آفاق البلاد أو اختلفت.

الأمر الثالث: ليس في الأخبار التي عندنا اسم من اتفاق الأفق في البلاد و اختلافه، فتكفي رؤية الهلال في بعض البلاد للبعض الآخر في الأول دون الأخير، و لم نظفر على هذا التعبير أو ما يقاربه في الأخبار بشي ء. نعم، ذكر فيها الغيم و العلة في السماء (1) و لو كان للتقارب دخل في الحكم أو الموضوع لأشير إليه في خبر من الأخبار. و ليس اعتبار التقارب معقد إجماع معتبر أصلا، بل تمسك بعضهم بما في دعاء السماء: «و جعلت رؤيتها لجميع

ص: 273


1- الوسائل باب: 5 و 10 و غيرهما من أبواب أحكام شهر رمضان.

.....

______________________________

الناس مرأى واحدا» على عدم الاختلاف رأسا، و آخر، بأنّ الأرض مسطحة لا كروية، و لعل مراده التسطيح النسبيّ لا الحقيقيّ حتى ينافي العلوم الحديثة العصرية فمن أين حصل هذا القيد الذي أوقع الناس في الاختلاف في هذه المسألة العامة البلوى و المناط كلّه على صدق أول الشهر و الأولية تصدق عرفا باشتراك البلاد المختلفة في خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في الأفق و لو في بعض الوقت و إن اختلفت البلاد في الأفق بكثير ما لم يصل الاختلاف إلى مقدار اليوم أو الليلة.

و بعبارة أخرى: ليلة أول الشهر ليلة خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه إلى الأفق في أيّ أفق من آفاق البلاد كان، و هذه الليلة ليلة أول الشهر في جميع بلاد العالم بشرطين: الأول: اتحادها في جامع الليلة بساعات يسيرة.

الثاني:- و هو عبارة أخرى عن الأولى- أن لا يكون بقدر يوم أو ليلة، و ذلك كلّه لصدق بروز القمر في الأفق في الجميع و خروجه عن تحت الشعاع كذلك.

إن قيل: فليكن كذلك بالنسبة إلى الظهر و المغرب أيضا مع أنّه خلاف الوجدان من اختلافهما باختلاف البلدان (يقال): القياس مع الفارق لأنّ ليلة أول الشهر لوحظت بعرضها العريض المنطبق على كلّ بلد تحقق فيه عنوان الليلة مع خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في الأفق بخلاف الظهر و المغرب فإنّهما لوحظا بالنسبة إلى كلّ بلد مع ملاحظة عرضها و طولها، و ليس في البين عنوان واحد لجميع البلاد كلّها في وقت واحد. و يمكن أن يستظهر من ذلك أنّ النزاع بينهم لفظيّ: فمن اعتبار تقارب البلاد في الأفق جعل أول الشهر مثل الظهر و المغرب. و من لم يعتبر ذلك جعله من باب انطباق عنوان واحد على الجميع و لو في وقت يسير. و الحق مع الأخير كما لا يخفى.

و يمكن التشكيل بشكل بديهي الإنتاج بأن يقال: هذه ليلة السبت- مثلا- في النجف الأشرف بجميع لوازمها العامّة الفلكية التي منها كونها أول الشهر،

ص: 274

.....

______________________________

و كلّ ليلة سبت كذلك في النجف ليلة سبت في جميع البلاد إلا ما اختلف فيه الليل و النّهار، و هذه ليلة أول الشهر في النجف، فيكون أول الشهر في الجميع فتأمل.

الأمر الرابع: موانع الرؤية في البلاد مختلفة و كثيرة جدّا كما و كيفا و من سائر الجهات التي لا تحصى كالغيم، و كدورة الهواء، و غلظة الأبخرة المتصاعدة، و اختلاف الأوضاع الأرضية و السماوية إلى غير ذلك فيكون عدم الرؤية أعمّ من عدم البروز في الأفق قطعا.

و أما الأخير و هو بيان كلمات الفقهاء: فنسب جواز الاكتفاء إلى العلامة (رحمه اللّه) في المنتهى، و نسبه في التذكرة إلى بعض علمائنا، و اختاره المحدّث الكاشاني، و صاحب الحدائق، و صاحب المستند، و الخونساري في شرح النجاة، و مال إليه صاحب الجواهر، و اختاره جمع من معاصرينا و حيث إن أحسن الكلام و أمتنه ما ذكره صاحب المستند في مستنده نذكره بعينه قال (قدّس سرّه): «الحق الذي لا محيص عنه عند الخبير كفاية الرؤية في إحدى البلدين للبلد الآخر مطلقا سواء كان البلدان متقاربين أم متباعدين كثيرا، لأنّ اختلاف حكمها موقوف على العلم بأمرين: أحدهما أن يعلم أنّ مبنى الصّوم و الفطر على وجود الهلال في البلد بخصوصه، و لا يكفي وجوده في بلد آخر و إن حكم الشارع بالقضاء بعد ثبوت الرؤية في بلد آخر له لا يدل على وجوده في هذا البلد أيضا مما لا سبيل إليه لم لا يجوز أن يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان أيضا. ثانيهما أن يعلم أنّ البلدين مختلفان في الرؤية البتة أي: يكون الهلال في أحدهما دون الآخر و هذا أيضا غير معلوم» فراجع عباراته تجدها وافية بالمطلب.

ثمَّ إنّه إما أن يعلم من وجوده في هذا البلد وجوده الواقعيّ في سائر البلاد و إن لم ير، أو يشك فيه، أو يعلم بالعدم فعلا، و مقتضى إطلاق ما تقدم من الأخبار (1)تحقق أول الشهر في الجميع لتعلق الحكم على صرف وجود الرؤية

ص: 275


1- تقدم في صفحة: 270.

متباعدين (33).

مسألة 5: لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى بالتلغراف

(مسألة 5): لا يجوز الاعتماد على البريد البرقي المسمّى بالتلغراف في الإخبار عن الرؤية (34)

______________________________

و المفروض تحققه، و يمكن الاستشهاد للاعتبار و لو مع اختلاف آفاق البلاد بما ورد في دعاء قنوت الفطر و الأضحى: «بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا»، و بالمتواترة الدالة على أنّ ليلة القدر واحدة(1)، و بالدعاء: «و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا» أي: من حيث الحكم بأنّه إذا رآه أهل بلد وجب الصّوم على الجميع، و بأنّ عدم الاعتبار اختلاف و شقاق بين المسلمين و الشارع لا يرضى بذلك. إلى غير ذلك من المؤيدات و أئمة الدّين (عليهم السلام) لا يرضون بتفريق المسلمين، و لذلك اهتموا بالتقية اهتماما كثيرا.

فكيف يرضون بالتفرقة بين شيعتهم في يوم عيدهم الذي هو أهمّ الشعائر الدّينية و المذهبية، و في ليلة القدر التي هي أهمّ المجامع العبادية لبرّهم و فاجرهم. و أما قولهم (عليهم السلام): «إنّما عليك مشرقك و مغربك و ليس على الناس أن يبحثوا» (2) فالمراد به أوقات الفرائض لا أول الشهر و آخره و إلا لتعدد الأول و الآخر و اختلف اختلافا كثيرا.

(33) توافق الأفق من طرق إحراز خروج القمر عن تحت الشعاع و بروزه في السماء و بأيّ وجه أحرز ذلك يكفي تباعدت الآفاق أم تقاربت، لما تقدم من كفاية تحقق مسمّى الرؤية. نعم، لو كان التباعد بمقدار ليلة لا يترتب الحكم حينئذ، لتحقق التبائن الكلي.

(34) لأصالة عدم الحجية، و كذا الكلام في الإذاعة و نحوها، و لكن لو كان المباشر للتلغراف و الإذاعة حجة معتبرة يشملهما دليل اعتبار البينة و لو علم

ص: 276


1- الوسائل باب: 33 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 14 و 15 و 19.
2- الوسائل باب: 20 من أبواب المواقيت حديث: 2 كتاب الصلاة.

إلا إذا حصل منه العلم (35) بأن كان البلدان متقاربين (36) و تحقق حكم الحاكم أو شهادة العدلين برؤيته هناك (37).

مسألة 6: في يوم الشك في أنّه من رمضان أو شوال يجب أن يصوم

(مسألة 6): في يوم الشك في أنّه من رمضان أو شوال يجب أن يصوم (38)، و في يوم الشك في أنّه من شعبان أو رمضان يجوز الإفطار و يجوز أن يصوم، لكن لا بقصد أنّه من رمضان كما مرّ سابقا تفصيل الكلام فيه (39) و لو تبيّن في الصورة الأولى كونه من شوال وجب الإفطار (40) سواء كان قبل الزوال أو بعده، و لو تبيّن في الصورة الثانية كونه من رمضان وجب الإمساك و كان صحيحا إذا لم يفطر و نوى قبل الزوال و يجب قضاؤه إذا كان بعد الزوال (41).

______________________________

الصّدق بالقرائن الخارجية وجب ترتيب الأثر أيضا.

(35) لاعتبار العلم من أيّ سبب حصل.

(36) تقدم أنّه لا أثر للتقارب و لا اعتبار به، و أنّ المناط كلّه هو العلم بصرف وجود الخروج عن تحت الشعاع و البروز في السماء بالنسبة إلى الكرة الأرضية بأيّ نحو تحقق العلم و من أيّ منشأ حصل.

(37) لعدم الفرق بين الحجج المعتبرة و مناشئ حصول العلم و الاطمئنان.

(38) للأصل، و النص (1)، و الإجماع.

(39) راجع [مسألة 16] من (فصل النية).

(40) لتبيّن حرمة صومه، فلا يجوز البقاء عليه، و يكفي في الإفطار نية القطع أو القاطع، و لا يجب تناول شي ء، و مقتضى إطلاق دليل الحرمة عدم الفرق بين قبل الزوال و بعده.

(41) مرّ ما يتعلق بالمسألتين في (فصل النية) فراجع.

ص: 277


1- تقدم في صفحة: 271 و ما بعدها.
مسألة 7: لو غمّت الشهور و لم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها

(مسألة 7): لو غمّت الشهور و لم ير الهلال في جملة منها أو في تمامها حسب كل شهر ثلاثين (42)

______________________________

(42) للاستصحاب، و النص، و الإجماع، قال أبو جعفر (عليه السلام) في الموثق: «شهر رمضان يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان- فإذا صمت تسعة و عشرين يوما ثمَّ تغيمت السماء فأتم العدّة ثلاثين يوما» (1).

و عن عليّ (عليه السلام): «و إن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين ليلة ثمَّ أفطروا» (2). و يمكن أن يكون بعض محامل ما دلّ على أنّ شهر رمضان تام أبدا (3) ما إذا تغيّم الشهر.

و أشكل على الاستصحاب أولا: بعد جريانه في المتدرجات التي منها الزمان. و أخرى: بأنّ هذا الاستصحاب لا يثبت كون الشهر رمضانا إلا على القول بالأصل المثبت، سواء كانت الرمضانية قيد الموضوع أم كون مقارنة الصوم لرمضان شرطا في الوجوب.

و على الخبرين: بأنّهما متعارضان بخبر الزعفراني قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ السماء تطبق علينا بالعراق اليومين و الثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال (عليه السلام): انظروا اليوم الذي صمت من السنة الماضية فعدّ منه خمسة أيام و صم يوم الخامس» (4)، و في خبر الخدري عنه (عليه السلام) أيضا: «صم في العام المستقبل اليوم الخامس من يوم صمت فيه عام أول» (5).

و فيه: أما عدم جريان الاستصحاب في المتدرجات و الزمان و الزمانيات فقد ثبت بطلانه في الأصول، و إنّ لها وحدة اعتبارية يجري فيها الأصل بلحاظ تلك الوحدة. و أما شبهة كونه مثبتا فلا وجه له أصلا لجريان الأثر الشرعيّ على

ص: 278


1- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 27.
4- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 3.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث 1.

ما لم يعلم النقصان عادة (43).

مسألة 8: الأسير و المحبوس إذا لم يتمكنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ

(مسألة 8): الأسير و المحبوس إذا لم يتمكنا من تحصيل العلم بالشهر عملا بالظنّ (44) و مع عدم الظنّ تخيّرا في كل سنة بين الشهور (45)

______________________________

نفس المستصحب بلا وساطة شي ء، ففي استصحاب شعبان يترتب عدم وجوب الصوم، و في استصحاب رمضان يترتب وجوبه كما هو واضح و لا يحتاج إلى إطالة المقال.

و أما الخبران فمضافا إلى قصور سندهما مهجوران عند الأصحاب فكيف يصلحان للمعارضة.

(43) أي العلم التفصيلي، و كذا الإجمالي الذي كانت تمام أطرافه موردا للابتلاء فعلا، و أما مع الخروج عنه فلا تنجز له حينئذ، فيشمل دليل العد ثلاثين يوما

(44) نصّا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام)- في الأسير الذي لا يدري أنّ شهر رمضان أيّ شهر هو؟ قال: «يصوم شهرا يتوخى و يحسب فإن كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، و إن كان بعد شهر رمضان أجزأه» (1) و التواخي: هو الأخذ بالراجح بعد الفحص و التأمل، و ذكر الأسير من باب المثال، فيشمل المحبوس و كل من لا يقدر على تحصيل الحجة المعتبرة.

(45) لظهور إجماعهم عليه. و استدل تارة: بما ورد في الأسير.

و فيه: أنّ لا ربط له بالتخيير، لأنّ التواخي هو: الأخذ بالراجح و هو غير التخيير. و اخرى: بأنّ التعيين ساقط، لأجل التعذر فلا بد من التخيير.

و فيه: أنّه إذا كان التعيين شرطا للواجب، فيسقط أصل الوجوب، لعدم التمكن من شرطه فلا موضوع للتخيير حينئذ.

ص: 279


1- الوسائل باب: 7 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

فيعيّنان شهرا له و يجب مراعاة المطابقة بين الشهرين (46) في سنتين بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا، و لو بان بعد ذلك أنّ ما ظنه أو اختاره لم يكن رمضان، فإن تبيّن سبقه كفاه، لأنّه حينئذ يكون ما أتى به قضاء (47) و إن تبيّن لحوقه و قد مضى قضاه، و إن لم يمض أتى به (48).

______________________________

و ثالثة: بلزوم الحرج من الاحتياط.

و فيه: أنّه يلزم حينئذ التنزل إلى تبعيض الاحتياط لا التخيير كما في سائر الموارد.

و رابعة: بما ورد في القبلة عند تعذر الصلاة إلى أربع جهات (1). و فيه:

أنّ قياس و منصوص فيها دون المقام.

و خامسة: بأنّه من دوران الأمر بين المحذورين، لأنّ كل يوم بالنسبة إليه يحتمل كونه فطرأ أو أضحى، أو من شهر رمضان و الحكم في دوران الأمر بين المحذورين هو التخيير، كما ثبت في محله و فيه: أنّ موضوعه ما إذا كان احتمال الوجوب و الحرمة متساويا لا أن يكون احتمال الحرام من الضعيف النادر و على فرض كون المقام منه فيكون التخيير بين الفعل و الترك لا التخيير في الفعل بالنسبة إلى الشهور. و لكن يمكن أن يقال: إنّ التبعيض في الاحتياط في الصيام مثل الاحتياط التام في المشقة، فيتعيّن التخيير الذي هو الموافق لسهولة الشريعة و مرتكزات المتشرعة.

(46) تحفظا على التشبه برمضان الأصلي حتّى المقدور، و عملا بقاعدة الميسور و لو من هذه الجهة.

(47) و لا يضرّه قصد الأداء، لأنّه من الخطإ في التطبيق، فيرجع قصده إلى قصد التكليف الواقعي و المفروض أنّ تكليفه الواقعيّ هو القضاء.

(48) أما القضاء، فلمضيّ الوقت المجعول له. و أما الإتيان مع عدم

ص: 280


1- الوسائل باب: 8 من أبواب القبلة.

و يجوز له في صورة عدم حصول الظنّ أن لا يصوم حتى يتيقن أنّه كان سابقا، فيأتي به قضاء (49) و الأحوط إجراء أحكام شهر رمضان على ما ظنّه من الكفارة و المتابعة، و الفطرة، و صلاة العيد، و حرمة صومه ما دام الاشتباه باقيا (50) و إن بان الخلاف عمل بمقتضاه (51).

مسألة 9: إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلا

(مسألة 9): إذا اشتبه شهر رمضان بين شهرين أو ثلاثة أشهر مثلا، فالأحوط صوم الجميع (52) و إن كان لا يبعد إجراء حكم الأسير و المحبوس (53).

______________________________

المضيّ، فلإطلاق دليل الوجوب، و قاعدة الاشتغال و إن استمر الاشتباه مع الإتيان بوظيفته فلا شي ء عليه، للأصل.

(49) أما أصل جواز التأخير في الجملة فللأصل، لأنّ احتمال وجوبه إما نفسيّ أو غيريّ و كلّ منهما مورد البراءة كما ثبت في محله. و أما التأخير إلى تحقق القضاء فهو خلاف الاحتياط، بل يتأخر بما يعلم منه بعدم التقدم على شهر رمضان، فيصوم حينئذ بقصد ما في الذمة.

(50) بناء على تنزيل ما اختاره من الصوم منزلة شهر رمضان من كل جهة و في تمام الآثار، و لكنه مشكل و لا بد فيه من الاقتصار على المتيقن و هو لزوم المتابعة و حرمة الإفطار و الكفارة و القضاء إن أفطر عمدا. و أما بقية الآثار، فيحتاج إلى إثبات عموم التنزيل من كل جهة، و الشك فيه يكفي في عدم الثبوت.

(51) لقاعدة الاشتغال، و قاعدة عدم الإجزاء مع تبين الخلاف.

(52) لقاعدة الاشتغال، و تنجز العلم الإجمالي.

(53) لوجود المناط الذي هو التردد و الاشتباه فيه أيضا، و النص (1) ورد

ص: 281


1- تقدم في صفحة: 279.

و أما إذا اشتبه الشهر المنذور صومه بين شهرين أو ثلاثة فالظاهر وجوب الاحتياط ما لم يستلزم الحرج (54) و معه يعمل بالظنّ (55) و مع عدمه يتخيّر (56).

مسألة 10: إذا فرض كون المكلف في المكان الذي نهاره ستة أشهر و ليلة ستة أشهر

(مسألة 10): إذا فرض كون المكلف في المكان الذي نهاره ستة أشهر و ليلة ستة أشهر أو نهاره ثلاثة و ليلة ستة أو نحو ذلك، فلا يبعد كون المدار في صومه و صلاته على البلدان المتعارفة المتوسطة مخيّرا بين أفراد المتوسط و أما احتمال سقوط تكليفهما عنه فبعيد كاحتمال سقوط الصّوم و كون الواجب صلاة يوم واحد و ليلة واحدة، و يحتمل كون المدار بلده الذي كان متوطنا فيه سابقا إن كان له بلد سابق (57).

______________________________

في الأسير فحمل المحبوس عليه، لتحقق المناط، فليحمل المقام أيضا عليه، مع أنّ مثل هذا الاحتياط ملازم للحرج في الجملة.

(54) لتنجز العلم الإجمالي الموجب للاحتياط و لا دليل في المقام على التخيير، و القياس على ما تقدم في شهر رمضان باطل لا وجه له إلا أن يقال:

إنّ ذكر شهر رمضان من الغالب لا الخصوصية، فيشمل جميع الصيام المعينة.

(55) إن تمت سائر مقدمات الانسداد.

(56) لفقد طريق الامتثال إلا به و ربما يقال: يتعين صوم الشهر الأخير بقصد ما في الذمة أعمّ من الأداء و القضاء و له وجه.

(57) و يحتمل إجراء حكم الأقرب بالنسبة إليه، كما يحتمل إيكال الأمر إلى نظر الفقيه المأنوس بمذاق الفقاهة و خصوصيات الشرع، و يشهد لعدم سقوط التكليف ما رواه الترمذي بسند صحيح عندهم في باب ما جاء في فتنة الدجال: «قلنا يا رسول اللّه ما لبثه في الأرض قال: أربعين يوما كشهر، و يوم كجمعة و سائر أيامه كأيامكم، قال: قلنا: يا رسول اللّه أرأيت اليوم الذي كالسنة أ تكفينا فيه صلاة يوم؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله): لا و لكن اقدروا له».

ص: 282

فصل في أحكام القضاء

اشارة

فصل في أحكام القضاء يجب قضاء الصّوم ممن فاته (1) بشروط:

و هي: البلوغ، و العقل، و الإسلام، فلا يجب على البالغ ما فاته أيّام صباه (2). نعم، يجب قضاء اليوم الذي بلغ فيه قبل طلوع فجره (3) أو بلغ مقارنا لطلوعه إذا فاته صومه (4)، و أما لو بلغ بعد الطلوع في أثناء النّهار، فلا يجب قضاؤه (5)، و إن كان أحوط (6).

و لو شك في كون البلوغ قبل الفجر أو بعده، فمع الجهل بتاريخهما لم يجب القضاء (7) و كذا مع الجهل بتاريخ البلوغ (8) و أما

______________________________

فصل في أحكام القضاء

(1) للنصوص، و الإجماع و يأتي التعرض لبعض تلك النصوص.

(2) بضرورة المذهب و الدّين.

(3) لوجود المقتضي و فقد المانع، فتشمله الأدلة الدالة على وجوب القضاء.

(4) لشمول إطلاق أدلة وجوب القضاء له أيضا من غير ما يصلح للتقييد.

(5) للأصل بعد عدم وجوب الأداء عليه.

(6) لاحتمال كفاية أصل الملاك في الجملة و لو لم يصل إلى حدّ الوجوب للقضاء و قد تقدم في شرائط وجوب الصوم ما ينفع المقام.

(7) لأنّه من الشك في أصل التكليف، فتجري فيه البراءة.

(8) لأصالة عدم البلوغ إلى ما بعد الطلوع، فلا يجب عليه صوم هذا اليوم لا أداء و لا قضاء.

ص: 283

مع الجهل بتاريخ الطلوع بأن علم أنّه بلغ قبل ساعة مثلا و لم يعلم أنّه كان قد طلع الفجر أم لا، فالأحوط القضاء، و لكن في وجوبه إشكال (9). و كذا لا يجب على المجنون ما فات منه أيّام جنونه (10) من غير فرق بين ما كان من اللّه أو من فعله على وجه الحرمة، أو على وجه الجواز (11)، و كذا لا يجب على المغمى عليه سواء نوى الصّوم قبل الإغماء أم لا (12).

و كذا لا يجب على من أسلم عن كفر (13) إلا إذا أسلم قبل

______________________________

(9) لأنّ إثبات البلوغ في النهار بأصالة عدم الطلوع في الزمان المشكوك لا يمكن إلا بالأصل المثبت و لا اعتبار به، كما ثبت في محلّه.

(10) للضرورة المذهبية، بل الدينية، و يدل عليه ما يأتي من نصوص الإغماء بالأولوية.

(11) لإطلاق ما دل على نفي القضاء عنه، و لأصالة البراءة و هذا هو المشهور. و نسب إلى الإسكافي وجوبه عليه إن كان بفعله على وجه الحرام، لانصراف دليل نفي القضاء عن هذه الصورة و هو ممنوع، لصدق المجنون عليه حقيقة، فيشمله الدليل قهرا.

(12) لإطلاق الأدلة التي منها صحيح ابن نوح: «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر، هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب (عليه السلام): لا يقضي الصوم، و لا يقضي الصلاة» (1)، و مثله صحيحة ابن مهزيار (2)، و تقدم في شرائط صحة الصوم و وجوبه ما ينفع المقام، فراجع.

(13) للنص، و الإجماع، ففي صحيح العيص قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه

ص: 284


1- الوسائل باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 6.

الفجر و لم يصم ذلك اليوم، فإنّه يجب عليه قضاؤه (14)، و لو أسلم في أثناء النّهار لم يجب عليه صومه و إن لم يأت بالمفطر، و لا عليه قضاؤه، من غير فرق بين ما لو أسلم قبل الزوال أو بعده (15)، و إن كان الأحوط القضاء إذا كان قبل الزوال (16).

مسألة 1: يجب على المرتد قضاء ما فاته أيّام ردته

(مسألة 1): يجب على المرتد قضاء ما فاته أيّام ردته سواء

______________________________

أيام، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه، أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال (عليه السلام): ليس عليهم قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه، إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر» (1).

و في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) أيضا: «أنّه سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان، ما عليه من صيامه؟ قال (عليه السلام): ليس عليه إلا ما أسلم فيه»(2). و يدل عليه حديث الجب (3)أيضا فيحمل قوله: «عن رجل أسلم بعد ما دخل من شهر رمضان أيام. فقال (عليه السلام): ليقض ما فاته»(4) على الندب جمعا و إجماعا

(14) للعمومات، و الإطلاقات، و ما تقدم في صحيح العيص.

(15) لعدم الصحة منه، و عدم الوجوب عليه فيما مضى، و عدم الدليل على امتداد وقت النية بالنسبة إليه لما بقي إلا بناء على احتمال امتداد وقت النية لمطلق ذوي الأعذار إلى الزوال، و هو مشكل.

(16) خروجا عن خلاف الشيخ حيث حكم ببقاء وقت النية بالنسبة إليه إلى الزوال، و لكنه لم يأت بدليل يعتمد عليه، هذا إذا لم يأت بالمفطرات و إن أتى بها فلا وجه لامتداد وقت النية بالنسبة إليه حتى بناء على مبنى الشيخ (رحمه اللّه).

ص: 285


1- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
2- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
3- راجع الجزء السابع صفحة: 289.
4- الوسائل باب: 22 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.

كان عن ملة أم فطرة (17).

مسألة 2: يجب القضاء على من فاته لسكر

(مسألة 2): يجب القضاء على من فاته لسكر من غير فرق بين ما كان للتداوي أو على وجه الحرام (18).

______________________________

(17) للإجماع- كما عن جمع- و أنّه من قطعيات الأصحاب- كما عن آخرين- و لا يبعد أن يقال: إنّ الأصل في صلاة الفريضة، و صوم شهر رمضان القضاء إلا ما خرج بالدليل.

و قد يستدل أيضا بقوله (عليه السلام): «من فاتته فريضة فليقضها» (1)، و قوله (عليه السلام): «من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا فعليه- إلى أن قال-: يصوم يوما بدل يوم» (2).

و قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أيّ شهر شاء- الحديث-» (3).

في صحيح ابن سنان: «قال (عليه السلام) من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر، فإن قضاه متتابعا فهو أفضل، و إن قضاه متفرّقا فهو حسن» (4).

و فيه: أن الأول في الصلاة، و الثاني فيمن سبقت منه النية فأفطر، و الأخيران في بيان كيفية القضاء لا أصل وجوبه فلا وجه للاستدلال بها.

(18) لأنّه إفطار عمديّ إن شرب المسكر في حال الصوم و إن كان حدوث السكر في الليل، و أوجب ذلك فوت مقارنة النية لأول الصوم، فيجب القضاء من هذه الجهة. و أما إذا سبق فيه النية، أو كان ذلك في اليوم باستشمام ما يوجب السكر فالقضاء مبنيّ على أنّ ذلك يوجب بطلان الصوم أم لا. و قد تقدم في شرائط صحة الصوم ما ينفع المقام و قد ذكروا في الحدود و القصاص

ص: 286


1- تقدم ما يتعلق بهذه الرواية في ج: 7 صفحة: 285.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 11.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.

مسألة 3: يجب على الحائض، و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس

(مسألة 3): يجب على الحائض، و النفساء قضاء ما فاتهما حال الحيض و النفاس (19)، و أما المستحاضة فيجب عليها الأداء، و إذا فات منها فالقضاء (20).

مسألة 4: المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته

(مسألة 4): المخالف إذا استبصر يجب عليه قضاء ما فاته و أما ما أتى به على وفق مذهبه، فلا قضاء عليه (21).

______________________________

أنّ السكر العمديّ مع الإثم في حكم الصحو فيما عليه.

(19) بضرورة الفقه إن لم يكن في المذهب، و تدل عليه النصوص الكثيرة «1»، و تقدم بعضها في الحادي عشر من (فصل أحكام الحائض) من كتاب الطهارة فراجع.

(20) أما وجوب الأداء عليها، فلما تقدم في [مسألة 49] من (فصل فيما يجب الإمساك عنه).

و أما وجوب القضاء مع عدم الإتيان بالأداء، فلعموم دليل وجوبه الشامل لها و لغيرها، و مكاتبة ابن مهزيار الواردة في المستحاضة في شهر رمضان قال (عليه السلام): «تقضي صومها، و لا تقضي صلاتها» «2».

(21) أما وجوب القضاء مع الفوت، فلعموم دليل وجوبه الشامل له و لغيره.

و أما عدمه مع الإتيان به على وفق مذهبه، فللنص، و الإجماع. قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمَّ منّ اللّه عليه و عرفه الولاية، فإنّه يؤجر عليه- الحديث-» «3» و لازم الأجر عليه هو الإجزاء و عدم وجوب القضاء.

______________________________

(1) راجع الوسائل باب: 25 و 26 من أبواب من يصح منه الصوم.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب ما يمسك عنه الصائم حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

ص: 287

مسألة 5: يجب القضاء على ما فاته الصّوم للنوم

(مسألة 5): يجب القضاء على ما فاته الصّوم للنوم بأن كان نائما قبل الفجر إلى الغروب من غير سبق نية، و كذا من فاته للغفلة كذلك (22).

مسألة 6: إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان و دار بين الأقلّ و الأكثر

(مسألة 6): إذا علم أنّه فاته أيّام من شهر رمضان و دار بين الأقلّ و الأكثر يجوز له الاكتفاء بالأقلّ (23)، و لكن الأحوط قضاء الأكثر (24) خصوصا إذا كان الفوت لمانع من مرض أو سفر أو نحو

______________________________

(22) لبطلان الصّوم بفقد النية، سواء كان لأجل النوم أو الغفلة فيجب القضاء لا محالة، و قد تقدم في (فصل النية) امتداد وقتها مع العذر في الواجب المعيّن إلى الزوال، و يمتد وقتها اختيارا في المندوب إلى قبيل الغروب، فلا وجه لإطلاق قوله (رحمه اللّه) «إلى الغروب».

(23) لأصالة البراءة عن الأكثر عند دوران التكليف بينه و بين الأقلّ، من غير فرق بين الأقلّ و الأكثر الاستقلالي كما في المقام و الارتباطي، و قد تقدمت هذه المسألة في قضاء الصلاة أيضا.

(24) لأنّه لا ريب في حسن الاحتياط مطلقا و لكن لا دليل على وجوبه في نظائر المقام من عقل أو نقل، بل هما متطابقان على عدم الوجوب، لقبح العقاب بلا بيان، و حديث الرفع (1).

ثمَّ إنّ منشأ الشك في الأكثر تارة: يكون حدوث العذر المانع عن وجوب الصوم و هل حدث في أول الشهر إلى آخره حتى يجب قضاء تمامه، أو في اليوم العاشر منه- مثلا- حتى يجب قضاء عشرين يوما فقط؟: و أخرى:

يكون منشأه زوال العذر، كما إذا كان مريضا و برئ منه و شك في أنّ البرء كان يوم العشرين؟ فقد يقال: إنّ مقتضى استصحاب بقاء العذر وجوب قضاء الأكثر، و لذا ذهب بعض إلى وجوب الاحتياط في هذه الصورة، و آخر إلى تقوية الوجوب.

ص: 288


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 1.

ذلك و كان شكه في زمان زواله، كأن يشك في أنّه حضر من سفره بعد أربعة أيّام أو بعد خمسة أيّام مثلا من شهر رمضان.

مسألة 7: لا يجب الفور في قضاء و لا التتابع

(مسألة 7): لا يجب الفور في قضاء و لا التتابع (25). نعم، يستحب التتابع فيه و إن كان أكثر من ستة (26) لا التفريق فيه مطلقا (27)

______________________________

و فيه: أنّه من الأصول المثبتة التي لا اعتبار بها، لأنّ نفس بقاء العذر من حيث هو ليس موضوع وجوب القضاء، بل موضوعه عدم تحقق أصل الصّوم أو الصّوم الصحيح، و إثبات ذلك باستصحاب بقاء العذر يكون مثبتا، فلا فرق بين الصورتين، و كذا لا فرق بين ما إذا علم المقدار ثمَّ نسي، و ما إذا لم يعلم به أصلا، لأنّ الشك في أصل التكليف بالنسبة إلى الأكثر على أيّ تقدير، و قد تقدم في [مسألة 26] من (فصل قضاء الصلاة) نظير المقام فراجع.

(25) للأصل، و الإطلاق، و الإجماع في كل منهما، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان، فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء و ليحص الأيام، فإن فرق فحسن، فإن تابع فحسن» (1)، و عنه (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن سنان: «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا فهو أفضل، و إن قضاه متفرقا فحسن» (2)، و عن أبي الحسن (عليه السلام) في خبر الجعفري لا بأس بتفرقة قضاء شهر رمضان» (3)، و في موثق سماعة: «سألته عمن يقضي شهر رمضان متقطعا قال إذا حفظ أيامه فلا بأس».

(26) لما تقدم من إطلاق صحيح ابن سنان و غيره.

(27) نسبه في الشرائع إلى القيل، و لم يعرف قائله. و لا مدرك له على فرض وجود القائل به قال (عليه السلام): إذا حفظ أيامه فلا بأس» (4).

ص: 289


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
3- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.
4- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

أو في الزائد على الستة (28).

مسألة 8: لا يجب تعيين الأيّام

(مسألة 8): لا يجب تعيين الأيّام، فلو كان عليه أيّام فصام بعددها كفى و إن لم يعيّن الأول و الثاني و هكذا (29)، بل لا يجب الترتيب أيضا، فلو نوى الوسط أو الأخير تعيّن و يترتب عليه أثره (30).

مسألة 9: لو كان عليه قضاء من رمضانين، فصاعدا

(مسألة 9): لو كان عليه قضاء من رمضانين، فصاعدا يجوز قضاء اللاحق قبل السابق (31)، بل إذا تضيق اللاحق بأن صار قريبا

______________________________

(28) نسب استحباب التفريق في الزائد عليها إلى المفيد، و المرتضى و غيرهما مستندا إلى موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن الرجل تكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال (عليه السلام): إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و إن كان عليه خمسة فليفطر بينهما أياما و ليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية، و إن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أيام أفطر بينهما أياما» (1)، و في بعض النسخ بدل الستة «ثمانية». و على أي تقدير لا يدل على المتابعة في الستة و التفريق في الزائد عليها، فلا بد من رده إلى أهله.

(29) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و تعين الأيام في شهر رمضان للأولية و الثانوية تكويني لا أن يكون قصديا، و لا يعتبر ذلك في القضاء أيضا.

(30) إن كان له أثر غير وجوب أصل القضاء و تفريغ الذمة. و أما مع عدم الأثر، فيكون هذا القصد لغوا و لا يضر بصحة الصوم إن لم يخل بالقربة، و تقدم في مسألة 2 و 8 من أول كتاب الصوم ما ينفع المقام.

(31) للأصل بعد عدم الدليل على اعتبار الفورية و التعيين في القضاء.

ص: 290


1- الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.

من رمضان آخر كان الأحوط تقديم اللاحق (32) و لو أطلق في نيته انصرف إلى السابق و كذا في الأيّام (33).

مسألة 10: لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصّوم الواجب

(مسألة 10): لا ترتيب بين صوم القضاء و غيره من أقسام الصّوم الواجب، كالكفارة و النذر و نحوهما (34). نعم، لا يجوز التطوّع بشي ء لمن عليه صوم واجب كما مرّ (35).

مسألة 11: إذا اعتقد أنّ عليه قضاء فنواه ثمَّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمته

(مسألة 11): إذا اعتقد أنّ عليه قضاء فنواه ثمَّ تبيّن بعد الفراغ فراغ ذمته لم يقع لغيره (36)، و أما لو ظهر له في الأثناء، فإن كان بعد

______________________________

(32) لما يأتي في مسألة 18.

(33) لعل وجهه أن المرتكز في أذهان المتشرعة في مقام تفريغ الذمة إنّما هو الإتيان بالأول فالأول، و لكن فيه إشكال، لأن ذلك من الأمور القصدية التي لا بد من إحرازها مع أنه لا ثمرة عملية لهذا الانصراف مع فقد الخصوصية و تقدم نظير المقام في موجبات سجود السهو و يأتي مثله في ختام مسائل الزكاة و في المسألة الثالثة عشرة، و لكنه (رحمه اللّه) أفتى هناك بخلاف المقام فراجع.

و يمكن أن يقال: إن القضاء تابع لكيفية اشتغال الذمة بالأداء و حيث كان اشتغال الذمة بالأداء متدرجا أولا و ثانيا كان القضاء أيضا كذلك، فينطبق قضاء الأول على الأول اشتغالا، و هكذا ما لم يقصد الخلاف.

(34) للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، فما نسب إلى ابن أبي عقيل من منع صوم النذر و الكفارة لمن عليه قضاء شهر رمضان لا وجه له.

(35) تقدم وجهه في المسألة الثانية من (فصل شرائط صحة الصّوم) فراجع.

(36) لأصالة عدم كفاية المنويّ عن غيره إلا ما خرج بالدّليل، و قد تقدم في [مسألة 20] من (فصل النية) في كتاب الصّلاة ما ينفع المقام. نعم، لو قصد التكليف الواقعيّ و وقع الاشتباه في تطبيقه يجزي حينئذ، لأنّه من الخطإ في التطبيق، و تقدم في [مسألة 24] من (فصل نيّة الصّوم) ما يناسب المقام.

ص: 291

الزوال لا يجوز العدول إلى غيره (37) و إن كان قبله، فالأقوى جواز تجديد النية لغيره (38) و إن كان الأحوط عدمه (39).

مسألة 12: إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه بمرض، أو حيض، أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه

(مسألة 12): إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه بمرض، أو حيض، أو نفاس و مات فيه لم يجب القضاء عنه (40) و لكن يستحب

______________________________

(37) لأصالة عدم جواز العدول و عدم تبدل المقصود عما وقع عليه.

نعم، لو أراد الصّوم المندوب يجوز له قصده و هو ليس من العدول، بل لبقاء نيته إلى الغروب، كما مرّ في [مسألة 12] من (فصل النية) فراجع.

(38) لبقاء وقت النية في الواجب غير المعيّن اختيارا إلى الزوال، و في الواجب المعيّن مع الجهل و النسيان إليه كما تقدم في [مسألة 12] من (فصل النية).

(39) لأصالة عدم جواز العدول، و احتمال عدم شمول ما تقدم في [مسألة 12] من الأخبار للمقام، و لكنّه احتمال ضعيف.

(40) للإجماع، و النصوص المستفيضة منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): «سألته عن رجل أدركه رمضان و هو مريض فتوفي قبل أن يبرأ. قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء، و لكن يقضي عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي» (1). و منها: صحيحة الآخر: «سألته عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيام حيضها، فإذا أفطرت ماتت. قال (عليه السلام):

ليس عليها شي ء» (2). و منها: صحيحه أيضا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«في امرأة مرضت في شهر رمضان، أو طمثت، أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضي عنها؟ قال (عليه السلام): أما الطمث و المرض فلا، و أما السفر فنعم» (3)، و غيرها من الأخبار (4).

ص: 292


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 14.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 13.

النيابة عنه في أدائه (41) و الأولى أن يكون بقصد إهداء الثواب.

______________________________

فرعان- (الأول): نسب إلى المشهور عدم وجوب القضاء على من فاته بعض شهر رمضان للسفر و مات فيه، لما يأتي في صحيح أبي بصير من دوران وجوب القضاء مدار التمكن من الأداء، و في خبر ابن بكير علل وجوب القضاء على الولي بأن الميت صح و لم يقض فيجب على الولي حينئذ (1)، و يستفاد منه دوران وجوب القضاء مدار صحة الخطاب به.

و لكن يظهر من المقنع، و التهذيب، و ابن سعيد وجوب القضاء عليه، لما تقدم في الصحيح الثالث لمحمد بن مسلم، و مثله صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام)، و خبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يسافر في شهر رمضان فيموت، قال (عليه السلام): يقضى عنه و إن امرأة حاضت في شهر رمضان، فماتت لم يقض عنها» (2). و حمل مثل هذه الأخبار على الندب من أحسن طرق الجمع في هذا الحكم المخالف، لما أرسلوه إرسال المسلمات من أن وجوب القضاء يدور مدار صحة الخطاب به و مع العدم لا موضوع له. و لا وجه لحمل مثل صحيح ابن مسلم على سفر المعصية، لأنه بلا شاهد و بلا قرينة.

كما أن ما يقال: من أن القضاء ليس تابعا لفعلية الخطاب به، بل يكون تابعا للملاك و هو موجود من مجرد الدعوى، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

(الثاني): لا يعتبر الترتيب في قضاء الصوم إجماعا، كما صرّح به في مقامع الفضل، و يقتضيه الأصل و الإطلاق و على هذا لو آجر ثلاثين نفرا- مثلا- لقضاء شهر رمضان عن ميت في يوم واحد تصح الإجارة و تبرأ الذمة، و تأتي الإشارة إليه في كتاب الإجارة إن شاء اللّه تعالى.

(41) للإطلاقات الدالة على مشروعية أصل النيابة و القضاء، و نسب في

ص: 293


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 15 و غيره
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 16 و غيره

مسألة 13: إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه لعذر و استمر إلى رمضان آخر

(مسألة 13): إذا فاته شهر رمضان، أو بعضه لعذر و استمر إلى رمضان آخر، فإن كان العذر هو المرض سقط قضاؤه على الأصح (42)

______________________________

المنتهى إلى أصحابنا. و لا دليل على الخلاف إلا ما يأتي من صحيح أبي بصير، و يمكن حمله على نفي الوجوب لا أصل المشروعية و إن كان خلاف المنساق منه.

و عن جمع عدم المشروعية، لصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوال، فأوصتني أن أقضي عنها؟ قال (عليه السلام): هل برئت من مرضها؟ قلت: لا، ماتت فيه. قال (عليه السلام): لا يقضي عنها فإن اللّه لم يجعله عليها قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك.

قال (عليه السلام): كيف تقضي عنها شيئا لم يجعله اللّه عليها؟ فإن اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم» (1). و الأولى أن يكون ذلك بقصد إهداء الثواب.

(42) لنصوص متواترة منها: صحيح ابن مسلم عن الباقرين (عليهما السلام): «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر. فقالا (عليهما السلام): إن كان برأ ثمَّ توانى قبل أن يدركه رمضان الآخر صام الذي أدركه و تصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين و عليه قضاؤه. و إن كان لم يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه، و تصدق عن الأول لكل يوم مد على مسكين، و ليس عليه قضاؤه»(2)، و هو صحيح سندا، و نص دلالة، و في مقام بيان الشرح و التفصيل فيخصص به عموم قوله تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً .. فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (3) و هذا هو المشهور.

ص: 294


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 12.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- سورة البقرة: 184.

و كفّر عن كلّ يوم بمدّ (43) و الأحوط مدّان و لا يجزي القضاء عن

______________________________

و عن جمع منهم الشيخ، و الحلي، و العلامة وجوب القضاء دون الكفارة مستندا إلى الإجماع المدعى في الخلاف، و إلى خبر الكناني قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة، ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل. قال (عليه السلام): عليه أن يصوم و أن يطعم كل يوم مسكينا، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل، فليس عليه إلا الصيام إن صح، و إن تتابع المرض فلم يصح، فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا» (1) و (فيه): إن إجماع الخلاف موهون بذهاب المشهور إلى الخلاف.

و الخبر معارض بما هو أكثر عددا و أصح سندا، و أوضح دلالة، مضافا إلى وهنه بالإعراض.

و عن ابن الجنيد وجوبهما معا، جمعا بين الأخبار، و لموثق سماعة قال: «سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه.

فقال (عليه السلام): يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من طعام، و ليصم هذا الذي أدركه، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإني كنت مريضا فمر عليّ ثلاث رمضانات لم أصح فيهن ثمَّ أدركت رمضانا آخر فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام، ثمَّ عافاني اللّه تعالى و صمتهن» (2). (و فيه): ان الجمع فرع التكافؤ في البين، لترجيح دليل المشهور على غيره من جهات- كما تقدم- و الموثق محمول على الندب، بقرينة صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمَّ أدرك رمضان آخر و هو مريض، فليتصدق بمد لكل يوم، فأما أنا فإني صمت و تصدقت» (3).

(43) لنصوص كثيرة(4)، و عليه المشهور، و في بعض الأخبار ذكر المدان (5)،

ص: 295


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
4- راجع في صفحة: 245 و ما بعدها من هذا الجزء.
5- راجع في صفحة: 245 و ما بعدها من هذا الجزء.

التكفير (44). نعم، الأحوط الجمع بينهما (45) و إن كان العذر غير المرض- كالسفر و نحوه- فالأقوى وجوب القضاء (46) و إن كان الأحوط الجمع بينه و بين المد (47)، و كذا إن كان سبب الفوت هو المرض و كان العذر في التأخير غيره مستمرّا من حين برئه إلى رمضان آخر، أو العكس فإنّه يجب القضاء أيضا في هاتين الصورتين على الأقوى (48)

______________________________

و طريق الجمع حمله على مطلق الرجحان، فلا وجه لما عن النهاية، و الاقتصاد و غيرهما من تعين المدين.

(44) لظاهر الأدلة، و أصالة عدم الإجزاء إلا مع الدليل عليه و هو مفقود.

(45) لما مر في صحيح ابن سنان المحمول على الرجحان.

(46) لإطلاق أدلة القضاء المقتصر في تقييده على المتيقن و هو المرض فقط. و أما صحيح ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام)- في حديث- قال:

«إن قال: فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من سفره، أو لم يقو من مرضه حتى يدخل عليه شهر رمضان آخر، وجب عليه الفداء للأول، و سقط القضاء، و إذا أفاق بينهما أو أقام و لم يقضه، وجب عليه القضاء و الفداء؟! قيل: لأن ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة» (1)فلا قائل بمفاده من كون السفر كالمرض في الاقتصار على الفداء- كما في الجواهر- فلا بد من رد علمه إلى أهله.

(47) حملا لصحيح ابن شاذان على مجرد الرجحان، و خروجا عن شبهة الخلاف.

(48) لعمومات أدلة القضاء، و إطلاقاتها، و عدم ما يصلح لإيجاب الفداء إلا احتمال شمول صحيح ابن شاذان له، و تقدم وهنه بالهجران، بل مقتضى الأصل عدم الفداء، و لكن استوجه في المدارك ثبوته، و يظهر ذلك من

ص: 296


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.

و الأحوط الجمع خصوصا في الثانية (49).

مسألة 14: إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر

(مسألة 14): إذا فاته شهر رمضان أو بعضه لا لعذر، بل كان متعمّدا في الترك و لم يأت بالقضاء إلى رمضان آخر وجب عليه الجمع (50) بين الكفّارة و القضاء بعد الشهر (51)، و كذا إن فاته لعذر

______________________________

الخلاف أيضا، لاحتمال شمول صحيح ابن سنان له، فعن الصادق (عليه السلام): «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثمَّ أدرك رمضان آخر و هو مريض فليتصدّق بمدّ لكلّ يوم» (1). بدعوى: أنّ العذر في قوله (عليه السلام) «في عذر» عام شامل لجميع الأعذار. و لكنّه مخدوش، لأنّ ذكر المريض في الذيل قرينة على أنّ المراد بالعذر هو المرض.

(49) أما الاحتياط في جميع الصور، فلحسنة على كلّ حال. و أما تخصيص الصورة الثانية، فلاحتمال شمول صحيح ابن سنان لها.

و خلاصة المقال أنّ الأقسام أربعة:

الأول: كون العذر هو المرض مع استمراره إلى رمضان القابل، فيتعيّن فيه الفداء و لا يجزي القضاء عنه، و الأحوط الجمع.

الثاني: كون العذر غير المرض مع استمراره إلى رمضان الآخر، فيتعيّن فيه القضاء، و الأحوط الجمع بينه و بين الفداء.

الثالث: كونه هو المرض ثمَّ تبدل إلى عذر آخر.

الرابع: كونه عذر آخر ثمَّ تبدل إلى المرض و هذان القسمان حكمهما حكم القسم الثاني.

(50) على ما يأتي تفصيله.

(51) الأقسام المذكورة في المتن أربعة: الأول: ترك صوم شهر رمضان عمدا و اختيارا و تأخير القضاء إلى رمضان اللاحق و لا ريب في وجوب القضاء و الكفارة العمدية، لما تقدم في (فصل

ص: 297


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.

.....

______________________________

المفطرات المذكورة كما أنّها توجب القضاء كذلك توجب الكفارة) فراجع.

و أما الكفارة لتأخير القضاء فإن كانت مترتبة على مجرّد ترك القضاء بين الرمضانين مع التمكن منه فلا ريب في وجوبها أيضا. و أما إذا كانت مترتبة على تركه بينهما مع التمكن منه فيما إذا كان فوت أصل الصّوم لعذر من مرض و نحوه، كما هو مورد جل الأخبار، بل كلّها، فلا تجب- كما قوّاه بعض الأعاظم في حاشية العروة- إذ لا موضوع لوجوبها حينئذ، و مع الشك فمقتضى الأصل عدم الوجوب. و لكن يمكن أن يستظهر الأول بدعوى: أنّ ذكر العذر من المرض و نحوه من باب المثال لمطلق الترك، و من جهة أنّ المسلم لا يقدم على ترك صوم شهر رمضان عن عمد و اختيار لم يذكر ذلك لا أنّ للعذر موضوعية خاصة.

الثاني: من فاته صوم شهر رمضان لعذر و لم يستمر ذلك العذر، بل ارتفع في أثناء السنة و لم يأت به إلى رمضان اللاحق متعمّدا و عازما على الترك، و لا ريب في وجوب القضاء للتمكن منه، كما لا ريب في عدم الكفّارة العمدية، لفرض تحقق العذر في ترك الصّوم، كما لا إشكال في وجوب كفارة تأخير القضاء على المشهور المنصوص.

الثالث: عين القسم الثاني و لكن لم يكن عازما على الترك، بل كان متسامحا فيه، فترك القضاء تسامحا حتّى حصل العذر عند الضّيق، و يجب فيه القضاء و كفارة التأخير أيضا.

الرابع: عين القسم الثالث، و لكن عازما على القضاء و بانيا عليه عند التمكن فاتفق العذر و نسب إلى المشهور- خصوصا بين المتأخرين- كفاية القضاء و عدم وجوب الفداء. و الأخبار الواردة في المقام على قسمين:

الأول: جملة من الإطلاقات، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «فإن كان صح فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا و يتصدّق عن الأول» (1)، و موثق سماعة: «عن

ص: 298


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.

.....

______________________________

رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه؟ فقال (عليه السلام):

يتصدّق بدل كلّ يوم من الرمضان الذي كان عليه بمدّ من الطّعام و ليصم هذا الذي أدركه فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه- الحديث-» (1)، و صحيح الكناني عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثمَّ أدركه شهر رمضان قابل؟ قال (عليه السلام): عليه أن يصوم و أن يطعم كلّ يوم مسكينا- الحديث-» (2)، و صحيح ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام):

«و إذا أفاق بينهما أو أقام- أي المسافر- و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء؟» (3).

و مقتضى إطلاق مثل هذه الأخبار وجوب الجمع بين القضاء و الفداء في جميع ما تقدم من الأقسام الأربعة.

الثاني: الأخبار المشتملة على لفظ التواني، و التهاون، و التضييع، كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «إن كان برئ ثمَّ توانى قبل أن يدركه رمضان الآخر صام الذي أدركه و تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام على مسكين و عليه قضاؤه» (4)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «و إن صح فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صح فعليه الصّدقة و الصّيام جميعا لكلّ يوم مدّا إذا فرغ من ذلك الرمضان» (5)، و نحوه خبره الآخر (6).

و في صحيح ابن شاذان: «فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته» (7) فإن كان المراد بهذه العناوين مجرّد ترك القضاء مع التمكن منه، فتتفق الأدلة على وجوب الجمع بين القضاء و الفداء في جميع الأقسام الأربعة المزبورة، و إن كان المراد بها عنوانا خاصا زائدا على مجرد الترك فلا فداء في القسم الرابع، لعدم صدقها فيه و يمكن أن يستظهر الأول، لأنّ المسلم المتشرع المتوجه إلى وجوب القضاء عليه و وجوب الفداء

ص: 299


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
5- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.
7- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.

و لم يستمر ذلك العذر، بل ارتفع في أثناء السنة و لم يأت به إلى رمضان آخر متعمّدا، و عازما على الترك أو متسامحا و اتفق العذر عند الضيق، فإنّه يجب حينئذ أيضا الجمع، و أما إن كان عازما على القضاء بعد ارتفاع العذر، فاتفق العذر عند الضيق فلا يبعد كفاية القضاء، لكن لا يترك الاحتياط بالجمع أيضا (52).

و لا فرق فيما ذكر بين كون العذر هو المرض أو غيره (53)، فتحصّل مما ذكر في هذه المسألة و سابقتها أنّ تأخير القضاء إلى رمضان آخر إما يوجب الكفّارة فقط و هي الصورة الأولى المذكورة في

______________________________

مع تركه يبادر إلى القضاء و لا يكون متهاونا و مضيعا و متوانيا.

ثمَّ إنّه نسب إلى ابن إدريس (رحمه اللّه) عدم الفداء مطلقا بناء على مبناه من عدم اعتبار خبر الواحد، و لعدم قيام الإجماع، و لمرسل سعد عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمَّ يصح بعد ذلك، فيؤخر القضاء سنة أو أقلّ من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟

قال (عليه السلام): أحبّ له تعجيل الصّيام فإن كان أخره فليس عليه شي ء» (1).

(و فيه): أنّ مبناه فاسد- كما ثبت في الأصول- و المرسل قاصر سندا، و مهجور لدى الأصحاب، و قد أنكر في المعتبر على ابن إدريس أشدّ الإنكار فراجع.

(52) ظهر مما تقدم وجه الاحتياط.

(53) لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و إنّ ذكر المريض- في بعض الأخبار المتقدمة- من باب المثال لمطلق العذر لا الخصوصية و قد ظهر حكم بقية المسألة فيما ذكرناه من الأقسام، فلا وجه لاستيناف الكلام.

ص: 300


1- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.

المسألة السابقة، و إما يوجب القضاء فقط و هي بقية الصور المذكورة فيها. و إما يوجب الجمع بينهما و هي الصور المذكورة في هذه المسألة. نعم، الأحوط الجمع في الصور المذكورة في السابقة أيضا كما عرفت.

مسألة 15: إذا استمر المرض إلى ثلاث سنين يعني الرمضان الثالث- وجبت كفّارة أخرى للأولى

(مسألة 15): إذا استمر المرض إلى ثلاث سنين يعني الرمضان الثالث- وجبت كفّارة أخرى للأولى و كفارة أخرى للثانية و يجب عليه القضاء للثالثة إذا استمر إلى آخرها ثمَّ برئ و إذا استمر إلى أربع سنين وجبت للثالثة أيضا و يقضي للرابعة إذا استمر إلى آخرها أي: الرمضان الرابع (54). و أما إذا أخر قضاء السنة الأولى إلى سنين عديدة، فلا تتكرّر الكفّارة بتكرّرها بل تكفيه كفارة واحدة (55).

مسألة 16: يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد

(مسألة 16): يجوز إعطاء كفّارة أيّام عديدة من رمضان واحد أو أزيد لفقير واحد (56)، فلا يجب إعطاء كلّ فقير مدا واحد ليوم واحد.

مسألة 17: لا تجب كفّارة العبد على سيّده

(مسألة 17): لا تجب كفّارة العبد على سيّده (57) من غير

______________________________

(54) كلّ ذلك لإطلاق الدليل الشامل لجميع ذلك، مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه.

(55) للأصل، و قال في الجواهر: «لا أجد فيه خلافا إلا من الفاضل في المحكيّ من تذكرته»، و حكي عن المبسوط أيضا: «و لم نجد لها دليلا عليه غير ما لا يصح استناده إليها و هو قياس السنة الثانية على الأولى».

أقول: و هو حق، كما لا يخفى.

(56) للأصل، و الإطلاق، و عدم ذكر العدد في أدلة كفارة التأخير، كما ذكر في كفارة الإفطار.

(57) للأصل بعد عدم كونها من النفقة الواجبة عرفا، كسائر ديونه التي

ص: 301

فرق بين كفارة التأخير و كفّارة الإفطار، ففي الأولى إن كان له مال و أذن له السيّد (58) أعطى من ماله و الا استغفر بدلا عنها، و في كفارة الإفطار يجب عليه اختيار صوم شهرين (59) مع عدم المال و الإذن من السيد، و إن عجز فصوم ثمانية عشر يوما، و إن عجز فالاستغفار.

مسألة 18: الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكن عمدا

(مسألة 18): الأحوط عدم تأخير القضاء إلى رمضان آخر مع التمكن عمدا (60) و إن كان لا دليل على حرمته.

______________________________

حصلت له باختياره.

(58) لأنّ حجزه عن التصرف في ماله مانع عن استقلاله في التصرف، فلا بد له من الإذن، و مع عدم الإذن يكون غير متمكن، فينتقل إلى الاستغفار.

(59) لأنّه مع تعذر أحد أطراف التخيير يتعيّن الطرف الآخر، و ليس للسيد منعه عنه حينئذ، لأنّه صار واجبا معيّنا.

(60) ما يمكن أن يستدل به على حرمة التأخير أمور كلّها مخدوشة:

منها: ما حكي عن الغنائم من عدم الخلاف فيها. و يرد: بأنّه ليس من الإجماع المعتبر، إذ كيف يمكن أن يخفى ذلك على المتقدمين الذين هم أساس الإجماع و أصله. نعم، هو من الإجماع المنقول الذي فيه ما فيه.

و منها: أنّ وجوب الكفارة للتأخير يدل على الحرمة (و فيه): أنّ كون العلة التامة المنحصرة في الكفارة هو الذنب ما لم يقم عليه الدليل. نعم، بعض حكم تشريعها فعل العبد ما لا ينبغي أعمّ من الحرمة، كما في قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «كفارة الطيرة التوكل» (1)، و قوله (عليه السلام): «كفارة الضحك: اللهم لا تمقتني» (2).

ص: 302


1- الوسائل باب: 35 من أبواب الكفارات حديث: 5.
2- الوسائل باب: 24 من أبواب الكفارات حديث: 1.

.....

______________________________

و منها: التعبير عن تركه فيما مرّ من الأخبار بالتهاون، و التضييع، و التواني (1)، و كل ذلك من أمارات الحرمة. و (فيه): أنّ كشفه عن كثرة الاهتمام بالشي ء مسلّم، و أما الحرمة فلا، لورود مثلها في ترك النوافل من غير عذر (2) فراجع.

و منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «و إن صح فيما بين الرمضانين فإنّما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون به و قد صح فعليه الصدقة و الصيام جميعا» (3). و (فيه): أنّ الظهور في أصل الوجوب لا ريب فيه و أما التوقيت فلا يستفاد منه.

و منها: قوله (عليه السلام) في صحيح ابن شاذان في علة وجوب القضاء و الفداء: «لأنّ ذلك الصوم إنّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر»(4).

(و فيه): أنّه إن كان المراد فورية القضاء في الشهر الذي برأ منه فلا يقول أحد به، و إن كان مطلق الوجوب فهو أعمّ من التوقيت، فإثبات التوقيت بمثل هذه الاستظهارات في هذا الأمر العام البلوى مشكل جدّا، مضافا إلى إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «فليقضه في أيّ الشهور شاء»(5).

و مرسل سعد عن أبي الحسن (عليه السلام) «عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثمَّ يصح بعد ذلك، فيؤخر القضاء سنة أو أقل أو أكثر من ذلك ما عليه في ذلك؟ قال (عليه السلام): أحب له تعجيل الصيام فإن كان أخره فليس عليه شي ء» (6). فالجزم بالحرمة مشكل، و طريق الاحتياط واضح.

(فروع)- (الأول): لو كان عليه نذر صوم أيام معينة و قضاء شهر رمضان

ص: 303


1- تقدم الروايات في صفحة: 299.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها حديث: 2.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 6.
4- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.
5- الوسائل باب: 27 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
6- الوسائل باب: 25 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.

مسألة 19: يجب على وليّ الميت قضاء ما فاته من الصوم

(مسألة 19): يجب على وليّ الميت قضاء ما فاته من الصوم (61)

______________________________

أيضا و لم يمكن الجمع بينهما يقدم صوم النذر.

(الثاني): لو علم أنّه لو صام صوم القضاء قبل شهر رمضان لا يقدر على صيام شهر رمضان- كلا أو بعضا- يقدم، مراعاة صوم شهر رمضان.

(الثالث): يجوز التبرع بفدية الميت. و أما عن الحيّ فهو مشكل كما تقدم في كفارة الإفطار.

(61) إجماعا، و نصوصا مستفيضة، بل متواترة:

منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «عن رجل أدركه رمضان و هو مريض فتوفي قبل أن يبرأ. قال (عليه السلام): ليس عليه شي ء، و لكن يقضي عن الذي يبرأ ثمَّ يموت قبل أن يقضي» (1).

و منها: صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«و في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال (عليه السلام): يقضي عنه أولى الناس بميراثه. قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال: لا، إلا الرجال» (2).

و أما صحيح ابن بزيع عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام): «قلت له:

رجل مات و عليه صوم، يصام عنه أو يتصدّق عنه؟ قال (عليه السلام):

يتصدّق عنه فإنّه أفضل» (3).

و كذا خبر أبي مريم الأنصاري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان، ثمَّ لم يزل مريضا حتى مات، فليس عليه قضاء و إن صح ثمَّ مرض ثمَّ مات، و كان له مال تصدّق عنه مكان كل يوم بمدّ، و إن

ص: 304


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
3- الوافي ج: 2 باب: 55 من كتاب الصوم صفحة: 51.

لعذر من مرض أو سفر أو نحوهما (62) لا ما تركه عمدا، أو أتى به و كان باطلا من جهة التقصير في أخذ المسائل (63)، و إن كان الأحوط قضاء جميع ما عليه و إن كان من جهة الترك عمدا.

نعم، يشترط في وجوب قضاء ما فات بالمرض أن يكون قد تمكن في حال حياته من القضاء و أهمل و إلا فلا يجب لسقوط القضاء حينئذ كما عرفت سابقا (64)، و لا فرق في الميت بين الأب و الأمّ على

______________________________

لم يكن له مال صام عنه وليه» (1).

فهما يدلان على لزوم التصدق. و لكن لا بد من طرحهما، لوهنهما بمخالفة الإجماع، و معارضة المستفيضة. فلا وجه لما نسب إلى ابن أبي عقيل من وجوب التصدق.

(62) لإطلاق مثل صحيح البختري الشامل للجميع.

(63) لانصراف الأدلة عنه، و لذكر المرض و السفر في بعضها (2)، فيكون مقيدا للمطلقات.

و فيه: أنّ الانصراف لا اعتبار به ما لم يوجب ظهور اللفظ في المنصرف إليه، و ذكر السفر و المرض من باب الغالب فلا يصلح لتقييد المطلقات مع إطلاق قوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (3) غير القابل للتقييد إلا بدليل صحيح، أو نص صريح. و لكن يمكن أن يقال: إنّ قضاء الوليّ نحو إحسان و كرامة، و المقصّر لا يليق بالإحسان و الكرامة، و منه يعلم وجه الاحتياط الآتي.

(64) راجع [مسألة 12 و 13]، و يظهر من المنتهى دعوى الإجماع على سقوط القضاء عن الوليّ في المريض الذي لم يتمكن من القضاء بنفسه و لا بد

ص: 305


1- راجع الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7 و 8..
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 2 و 4 و 11.
3- سورة فاطر: 18.

الأقوى (65)، و كذا لا فرق بين ما إذا ترك الميت ما يمكن التصدّق به عنه و عدمه (66) و إن كان الأحوط في الأول الصدقة عنه برضاء الوارث

______________________________

و أن يكون كذلك، لأنّ قضاء الوليّ متفرع عن تكليف الميت و مع عدم التكليف بالنسبة إليه لا خطابا و لا ملاكا، فلا منشأ للإيجاب على الوليّ.

(65) نسب ذلك إلى المعظم تارة: و إلى الأصحاب أخرى: لصحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضي عنها؟

قال (عليه السلام): أما الطمث و المرض فلا، و أما السفر فنعم» (1)، و نحوه صحيح ابن مسلم (2)، و خبر أبي بصير (3)، و استدل بقاعدة الاشتراك أيضا.

و نوقش في الصحيح بأنّ غاية ما يستفاد منه أصل المشروعية في الجملة، و أما الوجوب فلا. و دعوى: أنّ أصل المشروعية كان مسلّما و إنّما السؤال عن الوجوب، أو أنّه بعد ثبوت أصل المشروعية يثبت الوجوب، لعدم القول بالفضل (مخدوش) بعدم شاهد على أنّ أصل المشروعية كانت مسلّمة، و عدم ثبوت عدم القول بالفصل.

كما أنّ جريان قاعدة الاشتراك في المقام مشكل أيضا، فإنّ المسلّم منها إنّما هو الأحكام الأولية لا الأحكام التحملية عن الغير، كما في المقام. و لذا أنكر ذلك ابن إدريس، و مال إليه الشهيد الثاني، و تردد المحقق.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد بالرجل في الأخبار: الأب و ذكره و إرادة الأعمّ منه و من الأم شائع في الأخبار، مع أنّ اهتمام الشارع برعاية حق الأم أكثر من اهتمامه برعاية حق الأب.

(66) نسب ذلك إلى المعظم، بل ادعي الإجماع عليه، لإطلاق جملة من الأخبار، و قد تقدّم بعضها.

ص: 306


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 16.

مع القضاء (67). و المراد بالوليّ هو الولد الأكبر (68) و إن كان طفلا أو مجنونا حين الموت، بل و إن كان حملا (69).

مسألة 20: لو لم يكن للميت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة

(مسألة 20): لو لم يكن للميت ولد لم يجب القضاء على أحد من الورثة، و إن كان الأحوط قضاء أكبر الذكور من الأقارب

______________________________

و نسب إلى المرتضى (رحمه اللّه) اشتراط عدم تركه ما يمكن التصدق به و استدل عليه بالإجماع، و خبر أبي مريم: «و إن لم يكن له مال صام عنه وليه» (1).

و فيه: أنّه لا وجه لدعوى الإجماع مع ذهاب المعظم إلى الخلاف، و الخبر موافق للعامة و مهجور لدى الأصحاب و معارض بغيره فلا يعتمد عليه.

كما لا اعتماد على ما في المعتبر من قوله: «لوجود الرواية الصريحة المشتهرة و فتوى الفضلاء من الأصحاب». إذ لا وجه للاشتهار و فتوى الفضلاء مع فتوى المعظم بالخلاف.

(67) لأنّه جمع بين الأخبار و الأقوال و لا ريب في حسنه على كلّ حال.

(68) على المشهور، لأنه المتفاهم من الأدلة في المقام عرفا، و يقتضيه قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «يقضيه أفضل أهل بيته» (2)، و لأنّه المتيقن من الأدلة فيرجع في غيره إلى البراءة و تقدم في صحيح البختري: «قلت: فإن كان أولى الناس بميراثه امرأة؟ فقال (عليه السلام) لا إلا الرجال» (3)، و يشهد له قول بعضهم: «إنّ الحباء في مقابل القضاء» و تقدم في قضاء الصلاة بعض ما ينفع المقام.

(69) للإطلاقات المستفاد منها أنّ ذلك من الموضوعات التي لا تدور مدار فعلية التكليف.

ص: 307


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.
3- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 11.

عنه (70)

مسألة 21: لو تعدّد الوليّ اشتركا و إن تحمل أحدهما كفى عن الآخر

(مسألة 21): لو تعدّد الوليّ اشتركا و إن تحمل أحدهما كفى عن الآخر، كما أنّه لو تبرّع أجنبيّ سقط عن الوليّ (71).

مسألة 22: يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميت

(مسألة 22): يجوز للوليّ أن يستأجر من يصوم عن الميت

______________________________

(70) أما عدم الوجوب على الورثة، فلأصالة البراءة.

و أما الاحتياط، فللجمود على قوله (عليه السلام): «يقضي عنه أولى الناس بميراثه» (1). و قد عمل به جمع من القدماء منهم المفيد و الصدوقان، بعد فقد الولد الأكبر و أثبتوا وجوب القضاء حتّى على النساء، و الأخير خلاف نص صحيح البختري، و الأول خلاف المتفاهم من مجموع الأدلة بعد رد بعضها إلى بعض، كما مرّ. و لكن يصلح أمثال ذلك للاحتياط، كما لا يخفى.

(71) كل ذلك لأنّ المناط كله تفريغ ذمة الميت و هو حاصل بأيّ نحو حصل اشتراكا، أو تحملا، أو تبرعا، و يشهد لذلك قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله» (2).

و في المرسل: «إنّ امرأة جاءت إلى النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فقالت:

يا رسول اللّه إنّ أمي ماتت و عليها صوم أ فأصوم عنها؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله) نعم» (3)، فإنّ ظهور مثل هذه الأخبار في أنّ المناط مجرّد التفريغ بأيّ نحو حصل مما لا ينكر. نعم، مع عدم قيام أحد به يتعيّن التفريغ على الولد الأكبر لا أن يكون ذلك من الواجبات العينية عليه أولا و بالذات بحيث لا يجزي إتيان الغير أصلا، و كذا تفريغ الذمة عن الديون الخلقية.

ص: 308


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.
3- سنن ابن ماجه باب: 51 كتاب الصوم.

و أن يأتي به مباشرة (72) و إذا استأجر و لم يأت به المؤجر أو أتى به باطلا لم يسقط عن الوليّ (73).

مسألة 23: إذا شك الوليّ في اشتغال ذمة الميت و عدمه لم يجب عليه شي ء

(مسألة 23): إذا شك الوليّ في اشتغال ذمة الميت و عدمه لم يجب عليه شي ء، و لو علم به إجمالا و تردد بين الأقلّ و الأكثر، جاز له الاقتصار على الأقلّ (74).

مسألة 24: إذا أوصي الميت باستئجار ما عليه من الصّوم و الصّلاة سقط عن الوليّ

(مسألة 24): إذا أوصي الميت باستئجار ما عليه من الصّوم و الصّلاة سقط عن الوليّ بشرط أداء الأجير صحيحا و إلا وجب عليه (75).

مسألة 25: إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمة

(مسألة 25): إنّما يجب على الوليّ قضاء ما علم اشتغال ذمة

______________________________

(72) لما تقدم في المسألة السابقة من أنّ المناط كلّه تفريغ ذمة الميت و هو يحصل بالمباشرة كحصوله بالتسبيب بأيّ وجه كان.

(73) للأصل، و للإطلاق، و الاتفاق.

(74) لأصالة البراءة- عقلا و نقلا- عن أصل التكليف بالقضاء في الأول و عن التكليف بالأكثر في الثاني.

(75) أما السقوط بشرط الأداء صحيحا، فلانتفاء موضوع الوجوب بالنسبة إلى الوليّ، فينتفي الحكم بانتفاء الموضوع، لأنّ الواجب عليه إنّما هو التفريغ مع بقاء الاشتغال. و أما مع الفراغ بأيّ نحو أمكن فلا يبقى موضوع للوجوب عليه.

و أما الوجوب عليه مع عدم الإتيان صحيحا، فلبقاء الاشتغال و عدم التفريغ.

فرع: لو شك في أنّ الأجير أتى بالعمل صحيحا أم لا، فمقتضى القاعدة الحمل على الصحة.

ص: 309

الميت به، أو شهدت به البينة، أو أقرّ به عند موته (76)، و أما لو علم أنّه كان عليه القضاء و شك في إتيانه حال حياته أو بقاء شغل ذمته، فالظاهر عدم الوجوب عليه باستصحاب بقائه (77). نعم، لو شك و هو في حال حياته و أجرى الاستصحاب أو قاعدة الشغل و لم يأت به حتّى مات، فالظاهر وجوبه على الوليّ (78).

مسألة 26: في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان

(مسألة 26): في اختصاص ما وجب على الوليّ بقضاء شهر رمضان، أو عمومه لكلّ صوم واجب قولان مقتضى إطلاق بعض

______________________________

(76) لثبوت اشتغال الذمة بالعلم و البينة بلا إشكال، فيجب على الوليّ تفريغها. و أما الإقرار، فمقتضى عموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» اعتباره في المقام أيضا.

و دعوى: أنّ المقام إقرار على الغير لا على النفس (مخدوش) لأنّ الإقرار على الغير الذي لا يسمع إنّما هو فيما إذا كان بمدلوله المطابقيّ مشتملا لإثبات شي ء عليه و أما إذا كان من بيان الموضوع لتعلق حكم به، فليس ذلك من الإقرار بالنسبة إلى الغير، فالمقام مثل ما إذا أقرّ بدين أو واجب ماليّ، فيجب على الورثة إخراجه من أصل المال.

(77) بدعوى: أنّ المناط يقين الميت و شكه لا يقين الوليّ و شكه، و صرح (رحمه اللّه) به في [مسألة 5] من مسائل ختام الزكاة، و لكنّه لا وجه له، لشمول دليل اعتبار الاستصحاب، ليقين الوليّ و شكه أيضا، و كما أفتي به (رحمه اللّه) في [مسألة 105] من كتاب الحج، و [مسألة 1] من (فصل الوصية بالحج) فراجع و الكل متحد مدركا و فروعا و استظهارا من الأدلة على ما سيجي ء.

(78) لثبوت اشتغال الذمة للميت حينئذ شرعا، فيجب على الوليّ تفريغها و ظهر مما مرّ عدم الفرق بين جريان الاستصحاب بالنسبة إلى نفس الميت أو بالنسبة إلى الوليّ في الوجوب عليه.

ص: 310

الأخبار الثاني و هو الأحوط (79).

______________________________

(79) و قد ذكر شهر رمضان في جملة من الأخبار:

منها: صحيح الصفار «رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان» (1) و يمكن حمله على المثال و الغالب، مع إطلاق بعض الأخبار كصحيح حفص عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل يموت و عليه صلاة أو صيام قال (عليه السلام): يقضي عنه أولى الناس بميراثه» (2)، و كخبر الوشاء عن أبي الحسن (عليه السلام): «إذا مات رجل و عليه صيام شهرين متتابعين من علة، فعليه أن يتصدّق عن الشهر الأول، و يقضي الشهر الثاني» (3).

و مقتضى إطلاقهما العموم، و قد اختاره الشيخان و المحقق في الشرائع.

و أما حملها على شهر رمضان لذكره بالخصوص في جملة من الأخبار فهو و إن أمكن ثبوتا إلا أنّه خلاف المنساق من صحيح حفص الوارد في مقام بيان القاعدة و الحكم الواقعي. نعم، يمكن دعوى انصرافه عن الصوم الاستيجاري و نحوه. و يبقى على الماتن (رحمه اللّه) سؤال الفرق بين المقام و بين الصلاة حيث أفتى (رحمه اللّه) بالوجوب في [مسألة 18] من الصلاة (فصل في قضاء الولي)، و احتاط في المقام.

ثمَّ إنّ ما في خبر الوشاء في الشهرين المتتابعين من قضاء شهر مختص بهذا الخبر فقط و لم يذكر في غيره و قد عمل به الشيخ، و ابن البراج، و أكثر المتأخرين.

و أشكل عليه جمع من متأخري المتأخرين أولا: بضعف السند. و ثانيا: بمخالفته للمستفيضة الدالة على تعيين القضاء مطلقا. و ثالثا: بموافقته للعامة: و يرد الأول بأنّه من قسم الموثق، و الثاني بأنّه يصلح للتقييد و التخصيص، و الأخير بأنّه لم يعلم موافقته لهم في خصوص هذه الصورة.

ص: 311


1- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.
2- الوسائل باب: 23 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
3- الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1.

مسألة 27: لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه: الإفطار بعد الزوال

(مسألة 27): لا يجوز للصائم قضاء شهر رمضان إذا كان عن نفسه: الإفطار بعد الزوال (80)، بل تجب عليه الكفارة به و هي كما

______________________________

(80) للإجماع، و النصوص منها، صحيح جميل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه قال في الذي يقضي شهر رمضان أنه بالخيار إلى زوال الشمس، فإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار» (1)، و مثله رواية إسحاق بن عمار قال (عليه السلام): «الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين أن تزول الشمس، و في التطوع ما بينه و بين أن تغيب الشمس» (2)، و في خبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر» (3)، و كذا موثق عمار عنه (عليه السلام) أيضا: «أنه سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان- إلى أن قال- سئل فإن نوى الصوم ثمَّ أفطر بعد ما زالت الشمس. قال (عليه السلام): قد أساء و ليس عليه شي ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» (4)، فإن المنساق منه حرمة الإفطار بعد الزوال. نعم ظاهره نفي الكفارة، فهو من هذه الجهة معارض بنصوص دالة عليها (5)، و الترجيح معها، كما مر في المسألة الأولى من (فصل المفطرات المذكورة)، كما أنّها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة.

و أما خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في المرأة تقضي شهر رمضان، فيكرهها زوجها على الإفطار فقال (عليه السلام): لا ينبغي أن يكرهها بعد الزوال»(6) (ففيه) أولا: أن لفظ «لا ينبغي» ليس ظاهرا في الكراهة في اصطلاحهم. و ثانيا: أنّه يمكن أن يكون بالنسبة إلى خصوص الزوج لا بيان

ص: 312


1- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 4.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 10.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 9.
4- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
5- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 1 و 2 و 3 و 5.
6- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته حديث: 2.

مرّ (81): إطعام عشرة مساكين لكلّ مسكين مدّ، و مع العجز عنه صيام ثلاثة أيّام، و أما إذا كان عن غيره بإجارة أو تبرع، فالأقوى جوازه (82) و إن كان الأحوط الترك (83)، كما أنّ الأقوى الجواز في سائر أقسام الصّوم الواجب الموسّع (84)

______________________________

حكم إفطار الزوجة، و على فرضه فهو مخالف للمشهور، فلا وجه لما نسب إلى الشيخ (رحمه اللّه) من عدم الحرمة بعد الزوال.

كما لا وجه لما نسب إلى ابن عقيل، و أبي الصلاح، و ابن زهرة من الحرمة بعد الزوال أيضا، لتنزيل القضاء منزلة الأصل من هذه الجهة أيضا و لإطلاق موثق زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل صام قضاء من شهر رمضان فأتى النساء قال (عليه السلام): عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في شهر رمضان، لأنّ ذلك اليوم عند اللّه من أيام رمضان» (1) (و فيه): أن الأول قياس، و الثاني قابل للتقييد بغيره فلا وجه للاستناد إلى إطلاقه.

(81) تقدم ما يتعلق به في المسألة المزبورة فراجع، فلا وجه لما نسب إلى العمانيّ من عدم الكفارة، لما تقدم من موثق عمار.

(82) للأصل بعد انسباق الصّائم عن نفسه من الأدلة و لا دليل على ثبوت الكفارة إلا ما يدعى من قاعدة الإلحاق، و لم يقم دليل على إطلاقها و تعميمها في المقام من كلّ حيثية و جهة، فالمتيقن منها ثبت إجماعهم فيه و في غيره يرجع إلى الأصل.

(83) لاحتمال التعميم و الشمول في القاعدة و هذا المقدار يكفي في حسن الاحتياط.

(84) للأصل، و الإطلاق بعد عدم دليل عليها إلا قاعدة الإلحاق و لا وجه للأخذ بعمومها إلا فيما عملوا به.

ص: 313


1- الوسائل باب: 29 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 3.

و إن كان الأحوط الترك (85) فيها أيضا، و أما الإفطار قبل الزّوال، فلا مانع منه حتّى في قضاء شهر رمضان نفسه (86) إلا مع التعين بالنذر، أو الإجارة، أو نحوهما، أو التضيق بمجي ء رمضان آخر إن قلنا بعدم جواز التأخير إليه كما هو المشهور (87).

______________________________

و أما الاستدلال على عدم الجواز بقوله تعالى وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (1) فلا وجه له، لأنّ المراد منه إيجاد العمل باطلا بفقد شرط، أو مقارنة مانع أو مصادفة ما يوجب الإحباط كالكفر و نحوه، و في الجواهر احتمل اختصاصها بالصّلاة فقط، فلا تجري في غيرها، كما لا وجه للاستدلال بإطلاق ما تقدم من صحيح ابن سنان (2)، لأن المنساق من الفريضة فيها الفريضة الأولية الإلهية.

(85) لاحتمال شمول قاعدة الإلحاق للمقام أيضا، و هذا الاحتمال يكفي في حسن الاحتياط، كما مرّ.

(86) للأصل، و ما تقدم من صحيح ابن سنان (3).

(87) كل ذلك لأنّه لا وجه للتعيين و التضيق إلا ذلك، و لكن حرمة الإفطار حينئذ من مجرد الحكم التكليفي و لا يوجب الكفارة، لأن كفارة قضاء شهر رمضان تختص بما بعد الزوال. نعم في النذر المعين يوجب الكفارة بمخالفة النذر و لا ربط لها بكفارة الإفطار.

ص: 314


1- سورة محمد: 33.
2- تقدم في صفحة: 312.
3- تقدم في صفحة: 312.

فصل في صوم الكفارة

اشارة

فصل في صوم الكفارة و هو أقسام (1):

منها: ما يجب فيه الصّوم مع غيره

منها: ما يجب فيه الصّوم مع غيره و هي كفارة قتل العمد و كفارة من أفطر على محرّم في شهر رمضان فإنّه تجب فيهما الخصال الثلاث (2).

______________________________

فصل في صوم الكفارة

(1) كليات الأقسام أربعة: الأول:- ما يجمع فيه بين الصوم و غيره هو قسمان.

الثاني:- ما يترتب على العجز عن غيره و هو سبعة أقسام بجعل أقسام الصيد واحدا.

الثالث:- ما يتخير بينه و بين غيره.

الرابع:- ما يتخير بينه و بين غيره مع ترتب هذا التخيير على العجز عن شي ء آخر، و هو قسم واحد، و يأتي تفصيل هذه الأقسام في محالها إن شاء اللّه تعالى. و إنّما يذكر في المقام لمجرد المناسبة مع الصيام.

(2) أما الأول، فإجماعا و نصوصا منها ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح سئل: «عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا، هل له توبة؟

فقال (عليه السلام): إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو لسبب من أمر الدنيا، فإن توبته أن يقاد منه و إن لم يكن علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم

ص: 315

و منها: ما يجب فيه الصّوم بعد العجز عن غيره و هي كفارة الظهار

و منها: ما يجب فيه الصّوم بعد العجز عن غيره و هي كفارة الظهار، و كفارة قتل الخطإ، فإنّ وجوب الصّوم فيهما بعد العجز عن العتق (3) و كفارة الإفطار في قضاء رمضان، فإنّ الصّوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت (4)، و كفّارة اليمين و هي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم و بعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيّام (5) و كفّارة صيد النعامة، و كفارة صيد البقر الوحشيّ، و كفّارة صيد الغزال، فإنّ الأول تجب فيه بدنة و مع العجز عنها صوم ثمانية عشر

______________________________

الدية، و أعتق نسمة، و صام شهرين متتابعين و أطعم ستين مسكينا» (1).

و أما الأخير فقد مرّ في [مسألة 1] من (فصل ما توجب الكفارة) فراجع.

(3) كتابا و سنة: قال تعالى وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ- إلى قوله تعالى- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً (2)، و قال تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً، فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ- إلى قوله تعالى- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (3). و أما السنة فتأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

(4) راجع [مسألة 1] من (فصل المفطرات المذكورة كما أنها موجبة للقضاء توجب الكفارة).

(5) كتابا، و سنة: قال تعالى وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ (4) و يأتي التفصيل في محله.

ص: 316


1- الوسائل باب: 9 من أبواب القصاص في النفس حديث: 1.
2- سورة المجادلة: 3- 4.
3- سورة النساء: 92.
4- سورة المائدة: 89.

يوما (6)، و الثاني يجب فيه ذبح بقرة و مع العجز عنها صوم تسعة

______________________________

(6) أما البدنة فللإجماع، و النصوص. منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح حريز: «في قول اللّه عزّ و جل:

فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ قال: في النعامة بدنة، و في حمار وحش بقرة، و في الظبي شاة، و في البقرة بقرة» (1). و ما في خبر أبي الصباح عنه (عليه السلام) أيضا: «و في النعامة جزور» (2) ففيه: أولا أنه قاصر سندا، لأنّ في طريقه محمد بن الفضل. و ثانيا: أنه لا تعارض بينه و بين غيره، إذ لا فرق بين الجزور و البدنة للهدي و الجزور أعم منه، و كل منهما من الإبل ما تمَّ له خمس سنين و دخل في السادسة.

ثمَّ إن المشهور انه مع العجز عن البدنة تقوم ثمنها على البر و يتصدق به لكل مسكين مدان، و لا يلزم ما زاد على ستين إن زاد البر و لا الإتمام إن نقص، و النصوص الواردة في المقام أقسام:

الأول: خبر الزهري عن علي بن الحسين (عليه السلام)- في حديث- «ثمَّ يفض تلك القيمة على البر، ثمَّ يكال ذلك البر أصواعا، فيصوم لكل نصف صاع يوما» (3)، و نحوه الفقه الرضوي (عليه السلام) (4) الثاني: جملة من الأخبار المشتملة على لفظ الطعام كصحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في محرم قتل نعامة قال (عليه السلام): عليه بدنة فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينا، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستين مسكينا لم يزد عن إطعام ستين مسكينا» (5) إلى غير ذلك من المطلقات المشتملة على إطعام ستين مسكينا، و المنساق منها هو

ص: 317


1- الوسائل باب: 1 من أبواب كفارات الصيد حديث: 1 (كتاب الحج).
2- الوسائل باب: 1 من أبواب كفارات الصيد حديث: 3 (كتاب الحج).
3- الوسائل باب: 1 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
4- مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب كفارات الصيد.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد حديث: 7.

.....

______________________________

المد، كما في سائر المقامات الثالث: ما اشتمل على لفظ المد، كخبر ابي بصير قال: «سألته عن محرم أصاب نعامة، و حمار وحش. قال (عليه السلام): عليه بدنة. قلت:

فإن لم يقدر على بدنة؟ قال (عليه السلام): فليطعم ستين مسكينا. قلت:

فان لم يقدر على ان يتصدق؟ قال (عليه السلام): فليصم ثمانية عشر يوما، و الصدقة مد على كل مسكين» (1)إلى غير ذلك مما اشتمل على لفظ «المد».

و مقتضى إطلاقها كفاية ما يسمى طعاما و لو لم يكن من البر، إذ لم يذكر البر إلا في خبر الزهري، و هو مضافا إلى قصور سنده، يمكن حمله على المثال و الغالب في تلك الأزمنة. و دعوى: انجباره بالشهرة ممنوع، لما في الجواهر من قلة القائل بالبر. كما أن دعوى: انصراف المطلقات إلى البر ممنوع أيضا.

كما أن المدّين لم يذكرا إلا في خبر الزهري، و صحيح أبي عبيدة، لأن المذكور فيهما نصف الصاع، و الصاع أربعة أمداد، فيكون نصفه مدّين.

و حمله على الندب من أوضح طرق الجمع.

و دعوى: الفرق بين المقام و سائر الموارد بأن المقام من تفريق حق الفقراء الذي تعلق به حقهم فوجب الأكثر بخلاف سائر الموارد، لأنها دفع عمن عليه الكفارة فيجب الأقل، للأصل. (مخدوش): لأن المقام أيضا من الدوران بين الأقل و الأكثر، لأنه يشك في أن حقهم تعلق بالأقل أو الأكثر.

هذا بالنسبة إلى البدنة و الإطعام.

و أما صوم ثمانية عشر يوما مع العجز عنهما، فالمشهور إنه مترتب على العجز عن صوم ستين يوما بدل كل مدّ يوما، و يدل عليه النص، و الإجماع، ففي صحيح ابن مسلم: «فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوما»(2)، و في صحيح أبي عبيدة: «فإن لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما (3) بناء على إعطاء نصف صاع. و هو مدان لكل

ص: 318


1- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد حديث: 8 و 1.
3- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد حديث: 6 و 10.

أيّام (7)، و الثالث: يجب فيه شاة و مع العجز عنها صوم ثلاثة أيّام (8)، و كفارة من أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا و هي:

______________________________

مسكين، و في جملة من النصوص التعبير بصوم ثمانية عشر بعد العجز عن الصدقة (1)، و عن جمع من الفقهاء التعبير بما في هذه النصوص أيضا، و لكن لا بد من تقييد هذه النصوص بما مر من: صحيح ابن مسلم، و أبي عبيدة، و يأتي في كتاب الحج إن شاء اللّه تعالى بعض ما ينفع المقام، و لا يناسب التفصيل بأكثر من ذلك، لعدم ابتلاء المحرمين فيما يقرب من هذه الأعصار بأصل الصيد- فضلا عن صيد النعامة- حتى صارت هذه المسألة من المسائل الفريضة.

(7) لقوله تعالى فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2) و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «في البقرة بقرة» (3)، و يدل على البدل قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الصحيح: «و من كان عليه شي ء من الصيد فداؤه بقرة، فإن لم يجد فليطعم ثلاثين مسكينا، فإن لم يجد فليصم تسعة أيام» (4).

و ظاهرهم الإجماع عليه أيضا.

(8) للنصوص، و يقتضيه ظاهر ما تقدم من الآية الكريمة، و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قلت: فإن أصاب ظبيا ما عليه؟

قال (عليه السلام): عليه شاة. قلت: فإن لم يجد الشاة؟

قال (عليه السلام): فعليه إطعام عشرة مساكين. قلت فإن لم يقدر على ما يتصدق به؟ قال (عليه السلام): فعليه صيام ثلاثة أيام» (5) هذا مضافا إلى الإجماع.

ص: 319


1- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد حديث: 11.
2- سورة المائدة: 95.
3- تقدم في صفحة: 317.
4- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد و توابعها حديث: 11.
5- الوسائل باب: 2 من أبواب كفارات الصيد و توابعها حديث: 3.

بدنة و بعد العجز منها صيام ثمانية عشر يوما (9)، و كفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتى أدمته و نتفها رأسها فيه و كفارة شق الرّجل ثوبه على زوجته أو ولده، فإنهما ككفارة اليمين (10).

و منها: ما يجب فيه الصّوم مخيّرا بينه و بين غيره

و منها: ما يجب فيه الصّوم مخيّرا بينه و بين غيره و هي: كفارة الإفطار في شهر رمضان و كفارة الاعتكاف، و كفارة النذر و العهد، و كفارة جزّ المرأة شعرها في المصاب، فإنّ كلّ هذه مخيّرة بين الخصال الثلاث على الأقوى (11)، و كفارة حلق الرّأس في الإحرام

______________________________

(9) لصحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس. قال (عليه السلام): عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق، أو في أهله» (1). و يدل عليه الإجماع أيضا.

(10) راجع مسألة 4 و 5 من (فصل مكروهات الدفن) (2)، و يأتي تمام الكلام في الكفارات ان شاء اللّه تعالى.

(11) أما كفارة الإفطار فقد تقدم في المسألة الأولى من فصل المفطرات، كما أنها موجبة للقضاء كذلك توجب الكفارة.

و أما كفارة الاعتكاف، فتأتي في المسألة التاسعة من (فصل أحكام الاعتكاف).

و أما كفارة النذر و العهد، فالمشهور المدعى عليه الإجماع إنها ككفارة شهر رمضان، ففي خبر عبد الملك بن عمر عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عمن جعل للّه عليه أن لا يركب محرما سماه فركبه قال: لا، و لا أعلمه، إلا أن قال (عليه السلام): فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين

ص: 320


1- الوسائل باب: 23 من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة حديث: 3.
2- راجع المجلد الرابع صفحة: 249.

و هي دم شاة، أو صيام ثلاثة أيّام، أو التصدق على ستة مساكين لكلّ واحد مدّان (12).

______________________________

أو ليطعم ستين مسكينا» (1)، و مثله مكاتبتا ابن مهزيار(2)، و القاسم الصيقل الواردتان في نذر الصوم (3).

و أما ما ورد من أن كفارة النذر كفارة اليمين الخبر حفص بن غياث عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن كفارة النذر، فقال (عليه السلام):

كفارة النذر كفارة اليمين»، و مثله ما عن الحلبي (4)، موافق للعامة «لاتفاق روايتهم على ذلك، مع إمكان حملها على النذر الذي يراد به اليمين.

و أما العهد، فيدل عليه خبر أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام): «من «جعل عليه عهد اللّه و ميثاقه في أمر اللّه طاعة فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا» (5). و تقدم بعض الكلام في كفارة الصوم الواجب بالنذر في مسألة 1 من (فصل المفطرات .. إلخ) فراجع، و يأتي تمام الكلام في محله إن شاء اللّه تعالى. كما أنه تقدم ما يتعلق بجز المرأة شعرها في المصاب أيضا في خبر سدير و في (فصل مكروهات الدفن)، و يأتي تفصيله في محله.

(12) للنص، ففي خبر حريز عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «مر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) على كعب بن عجزة الأنصاري و القمل يتناثر و هو محرم. فقال (صلّى اللّه عليه و آله): أ تؤذيك هوامك؟ فقال: نعم.

قال: فأنزلت هذه الآية فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فأمره رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بحلق رأسه

ص: 321


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 7.
2- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
3- راجع الوسائل باب: 7 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 3.
4- الوسائل باب: 23 من أبواب الكفارات حديث: 1 و 4.
5- الوسائل باب: 24 من أبواب الكفارات حديث: 2.

و منها: ما يجب فيه الصّوم مرتبا على غيره مخيّرا بينه و بين غيره

اشارة

و منها: ما يجب فيه الصّوم مرتبا على غيره مخيّرا بينه و بين غيره، و هي كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه، فإنّها بدنة أو بقرة و مع العجز فشاة أو صيام ثلاثة أيّام (13).

مسألة 1: يجب التتابع في صوم شهرين من كفارة الجمع أو كفارة التخيير

(مسألة 1): يجب التتابع في صوم شهرين من كفارة الجمع أو كفارة التخيير و يكفي في حصول التتابع فيهما صوم الشهر الأول

______________________________

و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان و النسك شاة. قال: و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): و كل شي ء في القرآن أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كل شي ء في القرآن فمن لم يجد فعليه كذا، فالأول بالخيار» (1)، و في خبر عمر بن يزيد عنه (عليه السلام) أيضا- في حديث-: «و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام» (2). و الأشهر رواية و فتوى هو الأول، و قد أفتى به أكثر الأصحاب، و يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

(13) على المشهور المدعى عليه الإجماع، لموثق ابن عمار قال:

«قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أخبرني عن رجل محل وقع على أمة له محرمة؟ قال: مؤسرا أو معسرا؟ قلت: أجنبي فيهما. قال (عليه السلام):

هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها، أو أحرمت من قبل نفسها؟ قلت: أجنبي فيهما. فقال (عليه السلام): إن كان مؤسرا و كان عالما أنّه لا ينبغي له و كان الذي أمرها بالإحرام فعليه بدنة، و إن شاء بقرة، و إن شاء شاة، و إن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شي ء عليه مؤسرا كان أو معسرا، و إن كان أمرها و هو معسر فعليه دم شاة أو صيام» (3).

و المراد بالصيام صيام ثلاثة أيام المعروفة في بدل الشاة، و يأتي التفصيل في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 322


1- الوسائل باب: 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث: 1.
2- الوسائل باب: 14 من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث: 2.
3- الوسائل باب: 8 من أبواب كفارات الاستمتاع حديث: 2.

و يوم من الشهر الثاني (14)، و كذا يجب التتابع في الثمانية عشر بدل الشهرين (15)، بل هو الأحوط في صيام سائر الكفارات و إن كان في وجوبه فيها تأمل و إشكال (16).

______________________________

(14) أما أصل وجوب التتابع في الجملة، فيدل عليه مضافا إلى الإجماع التقييد به في ظواهر الأدلة.

و أما الاجتزاء في حصوله بشهر و يوم من الشهر الثاني، فلنصوص كثيرة، و الإجماع بقسميه، و سهولة الشريعة المقدسة. قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا أو أياما منه» (1)، و عن سماعة بن مهران قال: «سألته عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرق بين الأيام؟ فقال (عليه السلام): إذا صام أكثر من شهر فوصله ثمَّ عرض له أمر فأفطر فلا بأس، فإن كان أقلّ من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد الصيام» (2)، و المراد بعروض أمر إنّما هو صورة التعمد و الاختيار دون الأعذار غير الاختيارية فإنّها لا تضرّ بالمتابعة، كما يأتي في [مسألة 16] و يمكن أن يكون حصول المتابعة بوصل يوم من الشهر الثاني بحسب القاعدة أيضا بأن يكون المراد بالمتابعة بين طبيعيّ صيام الشهرين و هو يحصل بصوم يوم من الشهر الثاني أيضا و اعتبار الزائد عليه مشكوك، فيرفع بالبراءة و قد وردت النصوص على طبق القاعدة.

(15) نسب ذلك إلى المشهور، لجريان حكم المبدل، و لما أرسله المفيد بورود الآثار عنهم (عليهم السلام) بذلك، و الأول خلاف الأصل و الإطلاقات، و الثاني لا يصلح لإثبات الوجوب و إن صلح للاحتياط، و لذا ناقش فيه في المدارك و المناقشة في محلها.

(16) نسب وجوب التتابع في صيام سائر الكفارات إلى المشهور،

ص: 323


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 9.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 5.
مسألة 2: إذا نذر صوم شهر، أو أقلّ، أو أزيد لم يجب التتابع

(مسألة 2): إذا نذر صوم شهر، أو أقلّ، أو أزيد لم يجب التتابع إلا مع الانصراف أو اشتراط التتابع فيه (17).

______________________________

و أرسله المحقق (رحمه اللّه) في الشرائع إرسال المسلّمات فقال: «كل الصوم يجب فيه التتابع».

و استدلوا عليه تارة: بأنّه المنصرف إليه من أدلتها. و أخرى: بما مرّ من إرسال المفيد ذلك عنهم (عليهم السلام). و ثالثة: بما ورد في بيان حكمة التتابع فيما ورد فيه النص بالخصوص «لئلا يهون عليه الأداء، فيستخف به، لأنّه إذا قضاه متفرقا هان عليه القضاء» (1).

(و يرد على الجميع): بأنّ الأول ممنوع، و خلاف الأصل، و ظاهر الإطلاقات. و الثاني لا عين له و لا أثر فيما بأيدينا من الكتب. و الأخير من مجرد الحكمة و قد ثبت في محله عدم اطرادها.

هذا مضافا إلى قول أبي الحسن (عليه السلام): «إنّما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار، و كفارة الدم، و كفارة اليمين» (2)، و قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين»(3)و هما يصلحان لنفي وجوب كلية التتابع و إن وجب حملهما على الحصر الإضافي. هذا مع أنّ وجوب التتابع نفسيا أو غيريا تكليف زائد مشكوك منفي بالأصل و الإطلاق، كما هو مورد الاتفاق.

(17) أما مع اشتراط التتابع في النذر، فلا ريب في وجوبه، لشمول وجوب الوفاء به للتتابع المشروط فيه أيضا، و كذا مع الانصراف إليه انصرافا معتبرا في المحاورات. و أما مع عدمها، فمقتضى الإطلاق و الأصل عدم وجوبه.

ص: 324


1- الوسائل باب: 2 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 3.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
مسألة 3: إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع

(مسألة 3): إذا فاته النذر المعيّن أو المشروط فيه التتابع فالأحوط في قضائه التتابع أيضا (18).

______________________________

و استدل على وجوبه تارة: بتنظيره بأقل الحيض و أكثره، أو عشرة الإقامة، و مدة الاعتكاف. و أخرى: بخبر الفضيل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل جعل عليه صوم شهر، فصام منه خمسة عشر يوما ثمَّ عرض له أمر. فقال (عليه السلام): إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي و إن كان أقلّ من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تاما» (1).

و يرد على الأول بأنّه قياس. و على الأخير بأنّه مضافا إلى قصور سنده مخالف للمشهور، فلا بد من حمله على الندب. فما عن ابن حمزة من أنّه «إن نذر صوم شهر، فإن أفطر مع الاضطرار بنى، و مع الاختيار استأنف إن كان قبل النصف، و إن كان بعده جاز له البناء مع الإثم».

و ما عن أبي الصلاح من أنّه «إن كان في ابتداء الشهر لزمه الإتمام» لم يظهر لقولهما دليل يعتمد عليه.

(18) استدل على وجوب التتابع في القضاء تارة: بأنّه عين الأداء، فيعتبر فيه كلّ ما يعتبر في الأداء. و أخرى: بأنّ دليل النذر يشمل القضاء أيضا. و ثالثة: باستصحاب وجوب تتابع الأداء بالنسبة إلى القضاء. و رابعة:

بالمرسل: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (2).

و الكل مخدوش: إذ الأول عين المدعى و أصل الدعوى. و الثاني تابع لقصد الناذر و مع عدمه فالإطلاق، و الأصل ينفيه. و الثالث: بأنّ الأداء و القضاء متغايران عرفا في هذه الجهة خصوصا بعد عدم اعتبار التتابع في قضاء شهر رمضان، فلا وجه للاستصحاب، و الأخير بأنّ المنساق منه أصل الوجوب

ص: 325


1- الوسائل باب: 5 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.
2- تقدم ما يتعلق بهذه الرواية في صفحة: 285.
مسألة 4: من وجب عليه الصّوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم له بتخلل العيد

(مسألة 4): من وجب عليه الصّوم اللازم فيه التتابع لا يجوز أن يشرع فيه في زمان يعلم أنّه لا يسلم له بتخلل العيد، أو تخلل يوم يجب فيه صوم آخر من نذر، أو إجارة، أو شهر رمضان، فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يجوز له أن يبتدئ بشعبان، بل يجب أن يصوم قبله يوما، أو أزيد من رجب، و كذا لا يجوز أن يقتصر على شوال مع يوم من ذي القعدة، أو على ذي الحجة مع يوم من المحرّم لنقصان الشهرين بالعيدين (19). نعم، لو لم يعلم من حين الشروع عدم السلامة، فاتفق فلا بأس على الأصح (20)، و إن كان

______________________________

لا جميع كيفيات الواجب، مع أنّ في شموله للواجب بالعرض إشكال. فهذه الوجوه المذكورة لا تصلح للفتوى و إن صلحت للاحتياط، و من ذلك كله يظهر وجه الاحتياط.

(19) و الوجه في ذلك كله عدم تحقق الامتثال، فلا وجه للإجزاء.

و المراد بعدم الجواز في صدر المسألة عدم الصحة لا الحرمة النفسية و لا يصح جعل ذلك من الأعذار المغتفرة، كما يأتي في المسألة السادسة، لأنّ المنساق من العذر المغتفر ما لم يكن للعمد و الاختيار دخل فيه، هذا مع ظهور تسالم الأصحاب عليه و إرسالهم له إرسال المسلّمات الفقهية، و عدم نقل الخلاف حتى ممن عادته المخالفة أو نقل الخلاف. نعم، خالف فيه صاحب الجواهر فجعل المانع تعمد الإفطار لا تعمد سببه، و لكنه خلاف المتفاهم العرفي.

(20) إن كان هذا مع الغفلة، و اعتقاد عدم العيد فبان الخلاف، فيشمله إطلاق قوله (عليه السلام): «هذا مما غلب اللّه تعالى عليه و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جل عليه شي ء» (1).

و أما مع الالتفات و التردد، فيشكل الإجزاء إلا بناء على ما عن صاحب

ص: 326


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 12.

الأحوط عدم الإجزاء و يستثنى مما ذكرنا من عدم الجواز مورد واحد و هو صوم ثلاثة أيّام بدل هدي التمتع إذا شرع فيه يوم التروية فإنّه يصح و إن تخلل بينها العيد، فيأتي بالثالث بعد العيد (21) بلا فصل (22)

______________________________

الجواهر من «أن المانع تعمد الإفطار من حيث هو إفطار مباشريّ لا تعمد السبب» و لكنه مشكل، و الظاهر عدم التزامه (رحمه اللّه) في سائر الموارد من الأسباب. و منه يظهر وجه الاحتياط.

(21) لجملة من الأخبار:

منها: خبر الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام): «عن رجل قدم يوم التروية متمتعا، و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة.

قال (عليه السلام): يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق» (1) و مثله غيره.

و هذا هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع.

و بإزائها ما يظهر منه الخلاف، كصحيح حماد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) «قال علي (عليه السلام): صيام ثلاثة أيام في الحج، قبل التروية بيوم و يوم التروية، و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسخر ليلة الحصبة- يعني: ليلة النفر- و يصبح صائما، و يومين بعده، و سبعة إذا رجع»(2).

و يمكن حمله على من لم يتمكن من الصوم بعد العيد، مع أنّ إعراض المشهور عنه أوهنه.

(22) مقتضى إطلاق النص و الفتوى صحة الإتيان و لو مع الفصل و لا دليل على عدم الفصل- كما في الجواهر و غيره بل يمكن استظهار التوسعة مما ورد في تفسير قوله تعالى ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ (3) أنّ المراد به تمام ذي الحجة (4).

ص: 327


1- الوسائل باب: 52 من أبواب الذبح في الهدي حديث: 3.
2- الوسائل باب: 53 من أبواب الذبح في الهدي حديث: 3.
3- سورة البقرة: 196.
4- الوسائل باب: 46 من أبواب الذبح حديث: 1 و 15 و غيرهما.

أو بعد أيّام التشريق بلا فصل لمن كان بمنى (23) و أما لو شرع فيه يوم عرفة أو صام يوم السابع و التروية و تركه في عرفة لم يصح و وجب الاستيناف (24) كسائر موارد وجوب التتابع.

مسألة 5: كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه، لا لعذر اختيارا يجب استينافه

(مسألة 5): كلّ صوم يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه، لا لعذر اختيارا يجب استينافه (25)، و كذا إذا شرع فيه في زمان

______________________________

(23) لحرمة صوم أيام التشريق لمن كان بمنى، لصحيح ابن عمار:

«عن الصيام فيها- أيام التشريق- فقال (عليه السلام): أما بالأمصار فلا بأس به و أما بمنى، فلا» (1). و يشمل غير منى كالإقامة في مكة أيضا في أيام التشريق إذ لا تجب الإقامة فيها بمنى، بل يستحب، كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

ثمَّ إنّ الكلام في عدم الفصل بعدم أيام التشريق عين الكلام في عدم الفصل بعد العيد من غير فرق.

(24) أما عدم الصحة، فلاعتبار التتابع و لا دليل على سقوطه في مثل الفرض. و أما وجوب الاستيناف فلفوات المشروط بفوات شرطه إلا أن يدل دليل على الإجزاء و لا دليل كذلك، إلا دعوى: كون التتابع واجبا نفسيا لا غيريا، كوجوب المتابعة في صلاة الجماعة، أو دعوى: أنّ مفسدات الصوم محصورة في أمور و ليس فقد التتابع منها.

و يرد الأول: بأنّه خلاف المنساق من الأدلة. و الأخير: بأنّه لم يقل أحد بأنّ فقد التتابع من مبطلات أصل الصوم، فالصوم صحيح لكنه لا يجزي عن التكليف الفعلي المعتبر فيه التتابع، و يأتي في [مسألة 8] التصريح منه (رحمه اللّه) بصحة أصل الصوم.

(25) لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، فوجب الاستيناف.

ص: 328


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الصوم المحرّم حديث: 1.

يتخلّل فيه صوم واجب آخر من نذر و نحوه، و أما ما لم يشترط فيه التتابع و إن وجب فيه بنذر أو نحوه، فلا يجب استينافه، و إن أثم بالإفطار كما إذا نذر التتابع في قضاء رمضان، فإنّه لو خالف و أتى به متفرقا صح و إن عصى (26) من جهة خلف النذر.

مسألة 6: إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار

(مسألة 6): إذا أفطر في أثناء ما يشترط فيه التتابع لعذر من الأعذار كالمرض، و الحيض و النفاس و السفر الاضطراري دون الاختياري- لم يجب استئنافه، بل يبني على ما مضى (27) و من العذر

______________________________

(26) أما الصحة، فلكون المتابعة حينئذ واجبا نفسيا مستقلا لأجل النذر، فيصح أصل الصوم لا المخالفة.

و اما العصيان، فلتركه ما وجب عليه بالنذر، بل تجب عليه كفارة للمخالفة و الظاهر أنّه ليس له أن يجعل المتابعة قيدا و شرطا في المنذور، لأنّه حينئذ من نذر غير المشروع. فتأمل.

(27) لظهور الإجماع، و قاعدة: «إنّ اللّه أولى بالعذر فيما غلب عليه» و في صحيح ابن خالد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فصام خمسة و عشرين يوما، ثمَّ مرض، فإذا برئ يبني على صومه، أم يعيد صومه كلّه؟ قال (عليه السلام): بل يبني على ما كان صام. ثمَّ قال (عليه السلام): هذا مما غلب اللّه تعالى عليه و ليس على ما غلب اللّه عزّ و جل عليه شي ء» (1).

و يستفاد من مثله قاعدة كلية في جميع الأعذار و جميع الصيام المشروطة فيها التتابع، و في صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام شهرا و مرض قال (عليه السلام): يبنى عليه اللّه حبسه. قلت: امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين، فصامت

ص: 329


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 12.

.....

______________________________

و أفطرت أيام حيضها؟ قال (عليه السلام): تقضيها. قلت: فإنّها قضتها ثمَّ يئست من المحيض قال (عليه السلام): لا تعيدها أجزأها ذلك» (1).

و المراد بالقضاء هنا هو البناء بقرينة ذيله، و الظاهر أنّ ذكر الشهرين في السؤال من باب الاحتياج إليه في مورد السؤال، فلا يوجب تخصيص الجواب المعلل بالعلة الكلية بخصوص مورد السؤال، لأنّ المناط عموم تعليل الجواب لا مورد السؤال، مع أنّ التعليل سيق مساق التسهيل و الامتنان، فلا وجه في مثله للاختصاص لتوهم الاختصاص بالشهرين. كما لا وجه لتوهم جريان أصالة عدم الإجزاء في غيرهما مع حصول التفرق بالعذر، لأنّ مثل هذه العلة مقدّمة على الأصل بلا إشكال.

أما صحيح جميل و محمد بن حمران عن أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار، فيصوم شهرا ثمَّ يمرض. قال (عليه السلام): يستقبل، فإن زاد على الشهر الأول يوما أو يومين بنى على ما بقي» (2)، و صحيح الحلبي: «صيام كفارة اليمين في الظهار شهرين متتابعين، و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا أو أياما منه، فإن عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمَّ يقضي ما بقي عليه، و إن صام شهرا ثمَّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع أعاد الصوم كله و قال (عليه السلام): صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات و لا تفصل بينهنّ» (3). (ففيه): أنّ الأول مخالف للإجماع، فلا بد من حملهما على الندب. و حمل قوله (عليه السلام) في الأخير: «ثمَّ عرض له شي ء فأفطر» على عروض البداء عن الصوم لا العوارض القهرية غير الاختيارية فإنّ العلة الواردة في اغتفارها غير قابلة للتخصيص بمثل هذه الأخبار المخالفة للمشهور، بل المجمع عليه المنافية للتسهيل و الامتنان، و قوله (عليه السلام)

ص: 330


1- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب: 10.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 3.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم ملحق حديث: 9 و باب: 10 منها حديث: 4.

ما إذا نسي النية حتّى فات وقتها بأن تذكر بعد الزوال، و منه أيضا ما إذا نسي فنوى صوما آخر و لم يتذكر إلّا بعد الزوال (28)، و منه أيضا ما إذا نذر قبل تعلق الكفّارة صوم كلّ خميس، فإن تخلله في أثناء التتابع لا يضرّ به (29) و لا يجب عليه الانتقال إلى غير الصّوم من الخصال في

______________________________

في ذيل صحيح الحلبي: «صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات و لا تفصل بينهنّ» في مقام بيان أصل تشريع التتابع و ليس في مقام بيان سائر الجهات.

ثمَّ إنّه قد صرّح جمع بالفرق بين السفر الاختياري و الاضطراري فالأول قاطع للتتابع بخلاف الأخير، لأنّ ذلك هو المنساق من أدلة المقام المعللة بما «غلب اللّه عزّ و جل عليه» تارة، و بأنّه «حبسه اللّه» أخرى، و عن صريح آخرين عدم الفرق بينهما في قطع التتابع. و استظهر في المستند الإجماع عليه، و صريح صاحب الجواهر عدم القطع أيضا. و لكن الإجماع غير ثابت و الجزم بعدم الفرق لا دليل عليه، بل يمكن التفصيل في سائر الأعذار بين الاختياري منها و عدمه أيضا و إن كان خلاف إطلاق كلماتهم في الأعذار الموجبة لتبدل التكليف كالحيض، و النفاس، و المرض، و نحوها.

ثمَّ إنّه لو سافر نسيانا أو إكراها، فالظاهر كونه من العذر المقبول.

(28) لصدق أنّه مما «غلب اللّه عليه» في كل منهما إذ المراد بهذه الجملة ما لم يكن للعمد و الاختيار فيه دخل، وعد عذرا شرعا و عرفا، و النسيان كذلك.

و دعوى: أنّ المنساق من الشيطان، لقوله تعالى فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ (1)، (مخدوش). لأنّ الآية قضية في واقعة و لا وجه لدعوى الكلية في أنّ كل نسيان من الشيطان.

(29) لأنّه عذر شرعيّ، فيصدق عليه الغلبة و الحبس الواردين في الأخبار المتقدّمة.

ص: 331


1- سورة يوسف: 42.

صوم الشهرين لأجل هذا العذر. نعم، لو كان قد نذر صوم الدّهر قبل تعلق الكفّارة اتجه الانتقال إلى سائر الخصال (30).

مسألة 7: كلّ من وجب عليه شهران متتابعان- من كفارة معينة أو مخيّرة- إذا صام شهرا و يوما متتابعا

(مسألة 7): كلّ من وجب عليه شهران متتابعان- من كفارة معينة أو مخيّرة- إذا صام شهرا و يوما متتابعا يجوز له التفريق في البقية و لو اختيارا لا لعذر (31)، و كذا لو كان من نذر أو عهد

______________________________

(30) لعدم التمكن من الصوم حينئذ، فيتعيّن الانتقال إلى سائر الخصال، و لكن لا يبعد أن يقال: بصحة الانطباق على صوم الكفارة لو لم يكن الصوم معنونا بعنوان خاص، فيصير من التداخل القهري.

(31) للنصوص:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي المفسر لمعنى التتابع: «و التتابع أن يصوم شهرا و يصوم من الآخر شيئا أو أياما منه، فإن عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثمَّ يقضي ما بقي عليه، و إن صام شهرا ثمَّ عرض له شي ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا، فلم يتابع أعاد الصوم كلّه» (1).

و منها: موثق سماعة عنه (عليه السلام): «عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرق بين الأيام؟ فقال (عليه السلام): إذا صام أكثر من شهر فوصله، ثمَّ عرض له أمر فأفطر، فلا بأس. فإن كان أقل من شهر أو شهرا، فعليه أن يعيد الصيام» (2)، و نحوهما غيرهما. و ظاهرهم الإجماع على الحكم أيضا.

فما نسب إلى النهاية من عدم جواز الإفطار عمدا و لو بعد شهر و يوم، و وجوب الاستيناف إلا مع الاضطرار إلى الإفطار، و كذا ما عن المفيد، و السيد، و ابني زهرة و إدريس من الإثم فقط دون الاستيناف خلاف ما ورد في

ص: 332


1- تقدم في صفحة: 330.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 5.

لم يشترط فيه تتابع الأيّام جميعها و لم يكن المنساق منه ذلك (32) و ألحق المشهور بالشهرين الشهر المنذور فيه التتابع (33) فقالوا: إذا

______________________________

شرح التتابع من السنة و الإجماع، و يكون من الاجتهاد في مقابل النص.

(32) فيجوز فيه التفريق مطلقا، للأصل و الإطلاق ما لم يشترط التتابع و لم يكن قرينة معتبرة على الانصراف إليه، و أما معهما، فإن كان هناك كيفية خاصة في حصول التتابع قصدا في النذر، أو انصرافا إليها يلزم اتباعها، لأنّ النذر تابع لكيفية ما نذر، و ما ورد في تحقق التتابع بشهر و يوم إنّما هو فيما إذا لم يكن قرينة على الخلاف من قصد الناذر أو الانصراف.

و لكن نسب إلى المشهور أنّ التتابع مطلقا عبارة عما تقدم في صحيح الحلبي، فهو تحديد تعبديّ لمطلق التتابع في الصوم- كما حدّد الشارع السفر، و الكرّ و نحوها بحدّ خاص معيّن- و استوجهه في الجواهر، و لكن إثباته حتى فيما إذا لم يكن ذلك من قصد الناذر مشكل، لعدم إحراز كون أخبار المقام واردة لبيان تحديد أصل التتابع مطلقا، و الشك في ذلك يكفي في عدم صحة التمسك بها، لكونه حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية كما هو معلوم في الخطابات المحاورية.

(33) لخبر الفضيل: «في رجل جعل عليه صوم شهر، فصام خمسة عشر يوما، ثمَّ عرض له أمر. فقال (عليه السلام): إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، و إن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا تاما» (1)، و روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا بناء على أنّ المراد به الصوم المشروط فيه التتابع لكنه بلا شاهد، و الشهرة إنّما تجبر قصور السند لا الدلالة، كما ثبت في محله، فالسند ضعيف و الدلالة قاصرة، فالجزم بالحكم مشكل لو لم يكن إجماع معتبر، و هو

ص: 333


1- الوسائل باب: 5 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 1.

تابع في خمسة عشر يوما منه يجوز له التفريق في البقية اختيارا، و هو مشكل. فلا يترك الاحتياط فيه بالاستيناف مع تخلل الإفطار عمدا و إن بقي منه يوم (34)، كما لا إشكال في عدم جواز التفريق اختيارا مع تجاوز النصف في سائر أقسام الصّوم المتتابع (35).

مسألة 8: إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة

(مسألة 8): إذا بطل التتابع في الأثناء لا يكشف عن بطلان الأيّام السابقة، فهي صحيحة و إن لم تكن امتثالا للأمر الوجوبيّ و لا الندبيّ (36)، لكونها محبوبة في حدّ نفسها من حيث إنّها صوم، و كذلك الحال في الصّلاة إذا بطلت في الأثناء، فإن الأذكار و القراءة صحيحة في حدّ نفسها من حيث محبوبيتها لذاتها.

______________________________

أشكل، و إن ادعاه في السرائر، و يمكن حمل الخبر على الندب في النذر المطلق.

(34) مقتضى إطلاق دليل وجوب الوفاء بالنذر بكيفية المنذور هو الجزم بالإعادة بعد سقوط الخبر و الإجماع عن الاعتبار إلا أنّ شهرة الفتوى توجب التردد.

(35) لأنّه بعد وجوب التتابع فيه يجب مراعاته في جميع أيامه مطلقا إلا إذا دلّ دليل على سقوطه و جواز التفريق فيه و هو مفقود كما هو المفروض و التعدي مما ورد فيه الدليل إلى غيره قياس باطل.

(36) أما عدم كونه امتثالا للأمر الوجوبيّ، فلعدم الإتيان به على وجهه و لا وجه للامتثال حينئذ، و أما عدم كونه امتثالا للأمر الندبي، فلعدم قصد الأمر الندبي الخاص و الامتثال متقوّم بالقصد. نعم، ذات الصوم من حيث هو مقصود في الجملة كما أنّه مطلوب كذلك، فيصح و يثاب من هذه الجهة، و كذا الكلام في أذكار الصلاة و أفعالها المطلوبة كالسجدة مثلا. و لكن يمكن أن يقال: في الصوم بالقصد الطولي بأنّ بناء المتشرعة عند بطلان الصوم الواجب يقصدون الصوم المندوب، فقصد الصوم المندوب متحقق طولا و هذا المقدار يكفي في القصد و ترتب الثواب.

ص: 334

فصل أقسام الصّوم أربعة

اشارة

فصل أقسام الصّوم أربعة واجب، و ندب، و مكروه- كراهة عبادة- (1) و محظور (2).

و الواجب أقسام

و الواجب أقسام: صوم شهر رمضان، و صوم الكفارة، و صوم القضاء، و صوم بدل الهدي في حج التمتع، و صوم النذر و العهد و اليمين، و الملتزم بشرط، أو إجارة، و صوم اليوم الثالث

______________________________

فصل أقسام الصوم أربعة

(1) لا ريب في تقوم العبادية بالرجحان الذاتيّ عقلا، و عرفا، و شرعا فلا بد من فرض مرجوحية العبادات المكروهة أن تكون المرجوحية في غير مرتبة الذات إما بحملها على أقلية الثواب، أو بالإضافة إلى العوارض و الملازمات الخارجية غير المنافية لرجحان أصل الذات و لا محذور في ذلك، فإنّ الدرة النفيسة إذا تلوثت بالقذارات لا يضرّ ذلك بمقام ذات الدرة و نفاسة نفسها.

(2) فليس فيها حينئذ رجحان ذاتيّ أصلا و يكون قصد العبادية تشريعا محرما. نعم، يصح اتصافه بالرجحان الاقتضائي التعليقي كما في جميع العبادات التي تعلق النهي بذاتها كصلاة الحائض- مثلا- فيصح تصوير العبادة المحرّمة بهذا النحو.

و بعبارة أخرى: التسمية بالعبادة في هذه الموارد تعليقية اقتضائية لا أن تكون فعلية و إلا فلا وجه لها هذا بناء على الصحيح، و أما بناء على الأعمّ فالأمر واضح.

ص: 335

من أيّام الاعتكاف (3).

أما الواجب فقد مرّ جملة منه،

و أما المندوب منه

اشارة

و أما المندوب منه

فأقسام
اشارة

فأقسام

منها: ما لا يختص بسبب مخصوص و لا زمان معيّن

منها: ما لا يختص بسبب مخصوص و لا زمان معيّن كصوم أيّام السنة عدا ما استثني من العيدين و أيّام التشريق لمن كان بمنى- فقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله من حيث هو، و محبوبيته، و فوائده و يكفي فيه ما ورد في الحديث القدسيّ: «الصوم لي و أنا أجازي به» (4) و ما ورد من «أنّ الصّوم جنّة من النار» و أنّ «نوم

______________________________

(3) و ما وجب على وليّ الميت كما مر، و تقدم أدلة وجوب بعضها، و يأتي دليل وجوب البقية في محلها، فلا وجه لذكرها في المقام، مع ما يأتي من التفصيل في مستقبل الكلام.

(4) و المراد بقوله تعالى: «أنا أجزي به» (1) حيث إنّ الصوم يوجب صفاء العقل، و سقوط الشهوات الحيوانية، و لأنه أمر خفيّ لا يعلمه إلا اللّه تعالى، فلذلك استحق هذه الخصيصة هذا بناء على قراءة لفظ «أجزي به» بصيغة المتكلم.

و أما بناء على قراءته بصيغة الماضي المجهول، فله معنى آخر دقيق، كما لا يخفى على أهله. هذا في غير شهر رمضان.

و أما في شهر رمضان فقد ورد في فضل صومه ما ابتهرت منه العقول- كما تقدم من الروايات التي- منها ما قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله): «ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب اللّه تبارك و تعالى له سبع خصال- أولها: يذوب الحرام من جسده. و الثانية: يقرب من رحمة اللّه عزّ و جل.

و الثالثة: يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه. و الرابعة: يهوّن اللّه عليه سكرات الموت. و الخامسة: أمان من الجوع و العطش يوم القيامة. و السادسة:

ص: 336


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المندوب حديث: 15.

.....

______________________________

يعطيه اللّه براءة من النار. و السابعة: يطعمه اللّه من طيبات الجنة» (1).

ثمَّ إنّه لشهر رمضان فضائل كثيرة:

الأول: أنّ فيه نزل جميع الكتب السماوية من التوراة، و الإنجيل، و القرآن، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «نزلت التوراة في ست مضين من شهر رمضان، و نزل الإنجيل في اثنتي عشرة مضت من شهر رمضان، و نزل الزبور في ثماني عشرة مضت من شهر رمضان، و نزل الفرقان في ليلة القدرة» (2).

و قال (عليه السلام) أيضا: «غرة الشهور شهر اللّه عز ذكره و هو شهر رمضان، و قلب شهر رمضان ليلة القدر، و نزل القرآن في أول ليلة من شهر رمضان، فاستقبل الشهر بالقرآن» (3).

و يمكن الجمع بينهما بتعدد النزول، أو بالإجمال و التفصيل أو بالنزول إلى سماء الدنيا ثمَّ منها إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)، أو بالتبعيض في النزول بأن نزل بعضه في وقت، و بعضه الآخر في وقت آخر أو بغير ذلك.

الثاني: أنّ فيه تفتح أبواب الجنان و تغلّ فيه الشياطين، قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «شهر رمضان، شهر مبارك، شهر فرض اللّه عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنان و تغلّ فيه الشياطين» (4).

الثالث: أنّ للّه عز و جل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء و طلقاء من النار، قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «إنّ للّه عزّ و جل في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء و طلقاء إلا من أفطر على مسكر، فإذا كان في آخر ليلة منه أعتق فيها مثل ما أعتق في جميعه» (5).

الرابع: و هو أهمّها أنّ فيه ليلة القدر التي هي «خير من ألف شهر».

ص: 337


1- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 4.
2- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 16.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 8.
4- الوسائل باب: 1 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 15.
5- الوسائل باب: 18 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 9.

.....

______________________________

و لا بأس بالتعرض لبعض ما يتعلق بها.

الأول: لا ريب في أصل ثبوته كتابا، و سنة متواترة بين الفريقين، و إجماعا بين المسلمين، و أنّها باقية إلى يوم القيامة بإجماع الإمامية، و نصوصهم المستفيضة. قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن» (1).

الثاني: تنزل فيها الملائكة كتابا و سنة متواترة، و تنزل بكل ما للّه تعالى تقدير بالنسبة إلى عبادة من العزّة و الذلة، و الغنى، و الفقر، و الصحة، و القسم، و الموت، و الحياة، و السفر إلى غير ذلك من قضائه و تقديره بالنسبة إلى عبادة. و تنزل التقديرات على الإمام المعصوم في كل زمان. فليلة القدر و الإمام المعصوم، و القرآن متلازمون و مع رفع أحدها يرفع الآخران، و ذلك لا يكون إلا قبل قيام الساعة بزمان يسير. قال (عليه السلام): «و حينئذ ترفع الحجة» (2)، و قال الصادق (عليه السلام): «إنّ آخر من يموت الإمام» (3).

أقول: بدء البشر بالحجة و هو آدم (عليه السلام) و تختم بموت الحجة و لا يعلمه إلا اللّه تعالى و ذلك كله لئلا يكون للناس على اللّه حجة و تكون الحجة للّه تعالى على الخلق.

الثالث: أنّها واحدة أو متعددة؟ ليلة القضاء الحتمي الذي لا يرد و لا يبدل، و الإبرام الذي لا بداء فيه واحدة لا محالة: و يمكن التعدد بحسب مراتب التقدير و مراتب القضاء و لا مانع فيه ثبوتا و إثباتا، و بذلك يجمع بين الروايات (4) فراجع، فإنّ هذه المباحث لا تناسب المقام.

الخامس: مما أوجب زيادة الفضل لشهر رمضان وقوع أعظم الفتوحات الإسلامية النبوية فيه و هو فتح بدر يوم السابع عشر فيه الذي ضبط تفصيله في جميع التواريخ الإسلامية. إلى غير ذلك من فضائل هذا الشهر التي تعرض لها

ص: 338


1- الوسائل باب: 32 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 5.
2- الوافي باب: 3 من أبواب الاضطرار إلى الحجة.
3- الوافي باب: 3 من أبواب الاضطرار إلى الحجة.
4- راجع الوسائل باب: 32 و 33 من أبواب أحكام شهر رمضان.

الصّائم عبادة، و صمته تسبيح، و عمله متقبّل، و دعاءه مستجاب»:

و نعم ما قال بعض العلماء: من أنّه لو لم يكن في الصّوم الا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة

______________________________

الفريقان فيما كتبوا في هذا الشهر بالخصوص و لنشر إلى بعض ما قلناه:

الصّوم جنّة من العذاب و هو نجاة نشأة الحساب

تقرّب من حضرة الرّحيم تشبه بالملك الكريم

يقرّب النّفس إلى المعارف يعرفه وجدان كلّ عارف

يربطها بالملكوت الأعلى بل جبروت صار منه أولى

ينوّر القلوب بالعرفان يهدي إلى حقائق القرآن

يريهم مراتب التّنزيل يكشف عنهم شبه التّأويل

ليس لأجرهم به حدود و لا جزاء صبرهم معدود

بل أجرهم يعطى بلا نهاية لظاهر الحديث و الرّواية

لقد تجلّى مبدأ المبادي في مظهر الصوّام من عبادي

أنفاسهم تسبيح ذات الباري و نومهم عبادة الجبّار

لهم نشاط ساعة الإفطار و آخر عند لقي القهّار

و النّور نور اللّه في جبينهم و السّرّ سرّ اللّه في حنينهم

يخصّهم زمرة أملاك السّما تبرّكا بما لديهم من دعا

فأمسكوا عن شهوات النّفس توافكم نعماء ذات القدس

و استدركوا ما فات من أعمار و امتثلوا لعالم الأسرار

و اغتنموا الصّوم ففيه احترزا عن كلّ مكروه يرى يوم الجزا

هذا الصّيام هو كفّ الشّهوة فكيف صومكم بكفّ الخطرة

عن غير ذات الأحد القيّوم المهيمن العظيم و الدّيموم

و لازموا أحكام ما للصّائم لتخرجوا عن رتبة البهائم

و الصّوم سلّم إلى السّلامة في النّشأة الدّنيا و في القيامة

ص: 339

الروحانية لكفى به فضلا و منقبة و شرفا.

و منها: ما يختص بسبب مخصوص

و منها: ما يختص بسبب مخصوص و هي كثيرة مذكورة في كتب الأدعية.

و منها: ما يختص بوقت معيّن

و منها: ما يختص بوقت معيّن و هو في مواضع.

منها: و هو آكدها صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر

منها: و هو آكدها (5) صوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر فقد ورد أنّه «يعادل صوم الدهر، و يذهب بوحر الصدر» و أفضل كيفياته ما عن المشهور، و يدل عليه جملة من الأخبار و هو: أن يصوم أوّل خميس من الشهر و آخر خميس منه و أول أربعاء في العشر الثاني و من تركه يستحب له قضاؤه (6)، و مع العجز عن صومه لكبر و نحوه يستحب أن

______________________________

(5) و في الجواهر: «أنّه دون الوجوب بيسير» و تدل عليه روايات متواترة منها: صحيح حماد عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) على صيام ثلاثة أيام في الشهر، و قال: يعدلن صوم الدّهر، و يذهبن بوحر الصدر» (1). و الوحر: الوسوسة، و الحقد، و الغضب، و الغيظ، و في موثق زرارة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): بما جرت السنة من الصوم؟ فقال (عليه السلام):

ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس في العشر الأول، و الأربعاء في العشر الأوسط، و الخميس في العشر الآخر، قال: فقلت: هذا جميع ما جرت به السنة في الصوم؟ قال (عليه السلام): نعم» (2).

(6) للإجماع، و النص. قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «و لا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها في كل شهر» (3). و إن

ص: 340


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 6.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 2.

يتصدّق عن كلّ يوم بمد من طعام أو بدرهم (7).

______________________________

كان الفوت لعذر من سفر، أو مرض، أو نحوهما يمكن أن يقال: بعدم تأكد استحباب القضاء مع بقاء أصل الاستحباب، لانصراف التأكيد عن هذه الصورة.

(7) لنصوص مستفيضة، فعن عيص بن القاسم قال: «سألته عمن لم يصم الثلاثة الأيام من كل شهر و هو يشتد عليه الصيام، هل فيه فداء؟

قال (عليه السلام): مدّ من طعام كل يوم» (1)، و عن عمر بن يزيد قال:

«قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): إنّ الصوم يشتد عليّ، فقال لي: لدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم، ثمَّ قال (عليه السلام): و ما أحب أن تدعه» (2).

فروع- (الأول): مقتضى بعض الأخبار إجزاء صوم ثلاثة أيام من كل شهر مطلقا، و أنّ الكيفية المعهودة من باب تعدد المطلوب. قال أبو بصير:

«سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن صوم السنة، فقال (عليه السلام):

صيام ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس، و الأربعاء، و الخميس يذهب ببلابل القلب. و حرّ الصدور إن شاء الاثنين و الأربعاء و الخميس، و إن شاء صام في كل عشرة يوما، فإنّ ذلك ثلاثون حسنة، و إن أحب أن يزيد على ذلك فليزد» (3).

و عن عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل تكون عليه من الثلاثة أيام الشهر، هل يصلح له أن يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر؟ فقال (عليه السلام): لا بأس، فقلت: يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال: ما أحب، إن شاء متوالية، و إن شاء فرق بينها» (4).

ص: 341


1- الوسائل باب: 11 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 23.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4.
و منها: صوم أيّام البيض من كلّ شهر

و منها: صوم أيّام البيض من كلّ شهر و هي الثالث عشر،

______________________________

و في الجواهر: «و حمل ذلك على خصوص القضاء لا داعي إليه».

أقول: و يظهر التعميم من التعليلات الواردة في أنّ هذا الصوم تعادل صوم الدهر من قولهم (عليه السلام) يقول عزّ و جل مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها (1)، فيكون بمنزلة من صام تمام الشهر، مع أنّه قد جرت سيرة الفقهاء على حمل القيود الواردة في المندوبات على تعدد المطلوب إلا إذا دل دليل على الخلاف، و لا دليل كذلك في المقام.

(الثاني): يصح تأخيرها اختيارا من الصيف إلى الشتاء إجماعا، و نصّا، فعن أبي حمزة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف إلى الشتاء، فإنّي أجده أهون عليّ؟

فقال (عليه السلام): نعم، فأحفظها» (2). و يستفاد من قوله: «أهون عليّ» أنّ في كل مورد يكون أهون لا بأس بالتأخير.

(الثالث): لو كان في أول الشهر خميسان يتأكد استحباب الصوم في أولهما، و كذا لو كان في آخر الشهر خميسان يتأكد استحباب الصوم في آخرها، لقول الصادق (عليه السلام): «فصم آخرهما فإنّه أفضل» (3).

(الرابع): لو صادف هذه الأيّام أياما استحب صومها أو وجب، فقصدهما يثاب عليهما.

(الخامس): لا يبعد أن يقال: بحصول امتثال الأمر بصوم هذه الأيام لو صامها و لو بقصد صوم آخر و لم يقصدها فإنّ المنساق من الأدلة تحقق طبيعة الصوم في هذه الأيام بأيّ عنوان كان، فيكون مثل صوم الاعتكاف، و صلاة الهدية في المسجد، فراجع و تأمل.

ص: 342


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 19 و 21 و غيره.
2- الوسائل باب: 9 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 3.

و الرابع عشر، و الخامس عشر على الأصح (8) المشهور، و عن العماني: أنّها الثلاثة المتقدمة.

و منها: صوم يوم مولد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

و منها: صوم يوم مولد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و هو السابع عشر من ربيع الأول على الأصح (9) و عن الكليني (رحمه اللّه): إنّه الثاني عشر منه.

و منها: صوم يوم الغدير

و منها: صوم يوم الغدير (10) و هو الثامن عشر من ذي الحجة.

______________________________

(8) بل عند العلماء كافة، كما عن العلامة في التذكرة، لما ورد عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في قضية قبول توبة آدم (عليه السلام) في هذه الأيام (1)، و سئل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «عن صوم أيام البيض، فقال (عليه السلام): صيام مقبول غير مردود» (2). و لا دليل على ما نسب إلى العماني، بل هو مخالف لوجه التسمية، كما لا يخفى، و كذا ما نسب إلى الصدوق من أنها منسوخة بصوم الأربعاء بين الخميسين، لأنّه مخالف للأصل و الإجماع.

(9) لجملة من الأخبار منها: ما عن أبي الحسن عليّ بن محمد (عليه السلام): «أن الأيّام التي تصام فيهنّ أربع: منها: يوم مولد النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) يوم السابع من شهر ربيع الأول» (3). و ما نسب إلى الكليني لم يظهر له دليل، مع أنّه موافق للجمهور، فلعله صدر ذلك منه (رحمه اللّه) تقية.

(10) لجملة من الأخبار منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صوم يوم غدير خم كفارة ستين سنة» (4).

ص: 343


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4.
3- الوسائل باب: 19 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
4- الوسائل باب: 14 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5.

و منها: صوم يوم مبعث النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) (11) و هو السابع و العشرون من رجب.

و منها: يوم دحو الأرض (12) من تحت الكعبة و هو: اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

مهذب الأحكام (للسبزواري)؛ ج 10، ص: 344

و منها: يوم عرفة لمن لا يضعفه الصّوم عن الدّعاء (13).

______________________________

(11) لجملة من الأخبار. قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «لا تدع صيام يوم سبعة و عشرين من رجب، فإنّه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد (صلّى اللّه عليه و آله) و ثوابه مثل ستين شهرا لكم» (1).

(12) لجملة من الأخبار، منها ما عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): «و في خمسة و عشرين من ذي القعدة وضع البيت- إلى أن قال- فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستين شهرا» (2)، و في بعض الأخبار: «فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة» (3)، و قد ورد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم (عليه السلام)، و ولد فيها عيسى بن مريم» (4).

(13) لقول الصادق (عليه السلام): «صوم يوم التروية كفارة سنة، و يوم عرفة كفارة سنتين» (5)، و عن محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن صوم يوم عرفة، فقال (عليه السلام): من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنّه يوم دعاء و مسألة فصمه و إن خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه» (6).

و يمكن أن يحمل عليه ما ورد من عدم صوم بعض الأئمة (عليهم السلام) (7) أو عن بيان أصل الترخيص، كما في بعض الأخبار (8) إذ لا دليل من

ص: 344


1- الوسائل باب: 15 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4.
3- الوسائل باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
4- الوسائل باب: 16 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
5- الوسائل باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 11.
6- الوسائل باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4.
7- الوسائل باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 6.
8- الوسائل باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 9 و 13.
و منها: يوم المباهلة

و منها: يوم المباهلة (14) و هو الرابع و العشرون من ذي الحجة.

و منها: كلّ خميس و جمعة معا

و منها: كلّ خميس و جمعة معا أو الجمعة فقط (15).

و منها: أول ذي الحجة

و منها: أول ذي الحجة بل كلّ يوم من التسع فيه (16).

و منها: يوم النيروز

و منها: يوم النيروز (17).

______________________________

عقل أو نقل يدل على أنّه لا بد لكل إمام أن يأتي بكل مندوب. هذا إذا ثبت الهلال شرعا، و إلا فالمسألة من دوران الأمر بين الندب و الحرمة.

(14) على المشهور بين الأصحاب و لم أجد نصّا يدل عليه عاجلا، و كفى بالشهرة وجها بعد كون الحكم مبنيا على التسامح و بعد كونه من أشرف الأيام.

(15) أما الخميس فلما يستفاد من الأخبار من أنّه يوم عرض الأعمال (1) فينبغي أن يكون العبد صائما.

و أما الجمعة، فلقول أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غر زهر لا تشاكل أيام الدنيا» (2).

(16) لقول موسى بن جعفر (عليه السلام): «من صام أول يوم من العشر عشر ذي الحجة كتب اللّه له صوم ثمانين شهرا- فإن صام التسع كتب اللّه عزّ و جل له صوم الدّهر» (3).

(17) لقول الصادق (عليه السلام) في يوم النيروز: «إذا كان يوم النيروز

ص: 345


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المندوب حديث: 8 و 11.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
3- الوسائل باب: 18 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2 و 3.
و منها: صوم رجب و شعبان كلا أو بعضا

و منها: صوم رجب و شعبان كلا أو بعضا و لو يوما من كلّ منهما (18).

و منها: أول يوم من المحرّم

و منها: أول يوم من المحرّم و ثالثة و سابعه (19).

______________________________

فاغتسل و البس أنظف ثيابك، و تطيّب بأطيب طيبك، و تكون ذلك اليوم صائما» (1).

(18) لقاعدة الميسور في هذا الفضل العظيم، و قد ورد في فضل صومها ما تبهر منه العقول فراجع الوسائل و غيرها خصوصا ما كتب في فضل الأشهر الثلاثة من العامة و الخاصة، و ادعى في الجواهر: «ضرورة الدّين على الرجحان»، بل عن بعض العامة الوجوب في الجملة.

و قال الباقر (عليه السلام): «من صام من رجب يوما واحدا من أوله أو وسطه أو آخره أوجب اللّه له الجنة، و جعله معنا في درجتنا يوم القيامة» (2).

و عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يكثر الصيام في شعبان- إلى أن قال- و كان يقول: شعبان شهري، و هو أفضل الشهور بعد شهر رمضان، فمن صام فيه يوما كنت شفيعه يوم القيامة» (3).

(19) أما أوله: فلما عن الريان بن شبيب قال: «دخلت على الرضا (عليه السلام) في أول يوم من المحرّم، فقال لي: صائم أنت يا ابن شبيب؟ فقلت: لا، فقال: إنّ هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا (عليه السلام) ربّه فقال: «ربّ هب لي من لدنك ذرية طيبة إنّك سميع الدعاء» فاستجاب اللّه له، و أمر الملائكة فنادت زكريا و هو قائم يصلي في المحراب: «إنّ اللّه يبشرك بيحيى»، فمن صام هذا اليوم ثمَّ دعا اللّه عزّ و جل

ص: 346


1- الوسائل باب: 24 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.
2- الوسائل باب: 26 من أبواب الصوم المندوب حديث: 5.
3- الوسائل باب: 28 من أبواب الصوم المندوب حديث: 12.
و منها: التاسع و العشرون من ذي القعدة

و منها: التاسع و العشرون من ذي القعدة (20).

و منها: صوم ستة أيّام بعد عيد الفطر

و منها: صوم ستة أيّام (21) بعد عيد الفطر بثلاثة أيّام أحدها العيد (22).

______________________________

استجاب اللّه له، كما استجاب لزكريا- الحديث-» (1).

و أما ثالثة، فللنبوي: «من صام اليوم الثالث من المحرم استجيبت دعوته» (2)، و في بعض التواريخ إنّه يوم خرج فيه يوسف من السجن.

و أما السابع فلم أجد له دليلا فيما تفحصت عاجلا. نعم، ذكره في الجواهر و في نجاة العباد، و ذخيرة المعاد و لم يذكر له دليل، و في المروي عن ابن عباس: «إذا أصبحت من تاسعة فأصبح صائما» (3)، و عن الصادق (عليه السلام): إنّ عليا (عليه السلام) قال: صوموا، العاشوراء، التاسع و العاشر، فإنه يكفر ذنوب سنة» (4). و لكنّهما كما ترى في التاسع لا السابع، مع معارضته في العاشر بغيره (5)، و إمكان الحمل على التقية.

(20) لما روي أنّه يوم إنزال الكعبة، و أنّ صيامه يكون كفّارة سبعين سنة كما تقدم.

(21) لقول السجاد (عليه السلام): «أما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة و الخميس و الاثنين، و صوم البيض، و صوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان، و صوم يوم عرفة، و يوم عاشوراء، فكل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر» (6) و الأولى أن يأتي بالستة رجاء.

(22) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا صيام بعد الأضحى ثلاثة

ص: 347


1- الوسائل باب: 25 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
2- الوسائل باب: 25 من أبواب الصوم المندوب حديث: 9.
3- الوسائل باب: 25 من أبواب الصوم المندوب حديث: 10.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
5- الوسائل باب: 21 من أبواب الصوم المندوب حديث: 4 و غيره.
6- الوسائل باب: 5 من أبواب الصوم المندوب حديث: 1.

و منها: يوم النّصف من جمادى الأولى (23).

مسألة 1: لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه

(مسألة 1): لا يجب إتمام صوم التطوّع بالشروع فيه، بل يجوز له الإفطار إلى الغروب و إن كان يكره بعد الزوال (24).

مسألة 2: يستحب للصائم تطوّعا قطع الصّوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطّعام

(مسألة 2): يستحب للصائم تطوّعا قطع الصّوم إذا دعاه أخوه المؤمن إلى الطّعام (25)،

______________________________

أيام و لا بعد الفطر ثلاثة أيام إنّها أيام أكل و شرب» (1)و المراد دخول الفطر و الأضحى، فيشمل نفسهما أيضا.

(23) ذكره في النجاة، و الذخيرة و لم أجد نصا يدل عليه عاجلا، و لعله لأجل الشكر، لأنّه يوم فتح البصرة على يد أمير المؤمنين (عليه السلام).

(24) أما الأول، فيدل عليه- مضافا إلى الأصل، و الإجماع- قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى ما شئت به» (2). و أما الأخير، فلقول عليّ (عليه السلام): «الصائم تطوعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، فإذا انتصف فقد وجب الصوم» (3) المحمول على كراهة الإفطار بعد الزوال جمعا، و إجماعا.

(25) إجماعا، و نصوصا منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا» (4)، و عن أبي جعفر (عليه السلام): «من نوى الصوم ثمَّ دخل على أخيه، فسأله أن يفطره عنده فليفطر و ليدخل عليه السرور، فإنّه يحتسب له بذلك اليوم عشرة أيام» (5).

و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المندوب و الواجب الموسع كما هو ظاهر المحقق (رحمه اللّه) و غيره إلا أن يدّعى انصرافها عن الواجب.

ص: 348


1- الوسائل باب: 3 من أبواب صوم المحرم و المكروه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته و حديث: 9.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب وجوب الصوم و نيته و حديث: 11.
4- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الصائم حديث: 6.
5- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الصائم حديث: 1.

بل قيل بكراهته حينئذ (26).

و أما المكروه منه

و أما المكروه منه بمعنى: قلة الثواب (27): ففي مواضع أيضا منها: صوم عاشورا (28)، و منها: صوم عرفة لمن خاف أن يضعفه عن الدّعاء الذي هو أفضل من الصّوم، و كذا مع الشك في هلال ذي الحجة (29) خوفا من أن يكون يوم العيد. و منها: صوم الضيف

______________________________

(26) كما عن المحقق، و الفاضل، و الشهيد، و في المدارك و غيره الاعتراف بعدم وقوفهم فيها على نصّ. و قد يستدل بقول الصادق (عليه السلام): «إذا دخلت منزل أخيك، فليس لك معه أمر» (1)، و بقوله (عليه السلام) أيضا: «إذا قال لك أخوك كل و أنت صائم فكل و لا تلجئه إلى أن يقسم عليك» (2).

و استدل أيضا بفتوى مثل المحقق (رحمه اللّه) بناء على التسامح في الكراهة حتى بهذا القدر و له وجه. و يمكن القول بالاختلاف: باختلاف الأشخاص و الحالات، فيكره بالنسبة إلى بعض الأشخاص و الحالات دون بعض.

(27) أو سائر ما قيل في توجيه العبادات المكروهة كالمزاحمة بما هو أفضل منه و نحوها.

(28) لقول أبي جعفر (عليه السلام): «أ فصوم يكون في ذلك اليوم؟

كلا و ربّ البيت الحرام ما هو يوم صوم، و ما هو إلا يوم حزن دخلت على أهل السماء و الأرض» (3)، و ما ورد في فضل صومه (4) إما محمول على الإمساك حزنا إلى العصر لا بقصد الصوم المعهود، أو على التقية.

(29) لقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر سدير في صوم يوم عرفة پص: 349


1- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الصائم حديث: 14.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب آداب الصائم حديث: 11.
3- الوسائل باب: 21 من أبواب الصوم المندوب حديث: 2.
4- الوسائل باب: 20 من أبواب الصوم المندوب.

بدون إذن مضيفه، و الأحوط تركه مع نهيه، بل الأحوط تركه مع عدم إذنه أيضا (30).

______________________________

«إنّه يوم دعاء و مسألة و أتخوف أن يضعفني عن الدعاء و أكره أن أصومه، و أتخوّف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى و ليس بيوم صوم» (1).

(30) لخبر الزهري: «و الضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه» (2) و عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) في وصيته لعليّ (عليه السلام): «و لا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه» (3).

و عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، و لا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا له الشي ء، فيفسد عليهم- الحديث-»(4).

و عنه (صلّى اللّه عليه و آله) أيضا: «من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- و إلا كان الضيف جاهلا» (5) و ظهور هذه الأخبار في الكراهة مما لا ينكر مع قصور سندها عن إثبات التحريم، و دعوى الإجماع على الكراهة.

و عن جمع منهم الشيخان إطلاق النهي عن صومه بدون الإذن. و يمكن حمله على الكراهة أيضا، و لكن عن المحقق في المعتبر، و الحليّ، و العلامة أنّه لا يصح و ادعى في المعتبر الإجماع عليه، و لكنه خالف نفسه في الشرائع فقال: «إنّه يبطل مع النهي لا أن يعتبر في صحته الإذن» و لا دليل لهم على شي ء من ذلك إلا ما تقدم من الخبر، و دعوى الإجماع غير المعتبر، و العرف

ص: 350


1- الوسائل باب: 23 من أبواب الصوم المندوب حديث: 6.
2- الوسائل باب: 10 من أبواب صوم المحرّم و المكروه حديث: 1.
3- الوسائل باب: 10 من أبواب صوم المحرّم و المكروه حديث: 4.
4- الوسائل باب: 9 من أبواب صوم المحرّم و المكروه حديث: 1.
5- الوسائل باب: 10 من أبواب صوم المحرّم و المكروه حديث: 2.

و منها: صوم الولد بدون إذن والده (31)، بل الأحوط تركه خصوصا مع النّهي (32)، بل يحرم إذا كان إيذاء له من حيث شفقته عليه (33)، و الظاهر جريان الحكم في ولد الولد بالنسبة إلى الجدّ (34)، و الأولى مراعاة إذن الوالدة و مع كونه إيذاء لها يحرم كما في الوالد (35).

______________________________

و الاعتبار يشهد بالكراهة أيضا.

نعم، لو ترتب عليه محرّم من إيذاء أو نحو ذلك يمكن القول بالحرمة حينئذ، لتعنون نفس الصوم حينئذ بالعنوان المحرّم.

(31) لقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «من بر الولد أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه- إلى أن قال (صلّى اللّه عليه و آله)- و إلا كان الولد عاقا» (1).

(32) عن جمع منهم: العلامة، و الشهيد، و الفخر عدم الصحة، لظاهر الخبر. و فيه: أنّ للعقوق مراتب و لا دليل على كونه بجميع مراتبه حراما، و في الحديث: «أدنى العقوق- أن يقول لهما- أف» (2)، مع أنّ العقوق في الخبر إنّما هو بالنسبة إلى ترك البر لا الإيذاء، و كونه حراما أول الدعوى.

(33) لأنّ حرمة إيذائهما لا ريب فيها، بل يحرم إيذاء كل مؤمن، فكيف بالوالدين.

(34) لإطلاق الأب بالنسبة إليه أيضا لو لا دعوى الانصراف إلى الولد فقط.

(35) أما مع الإيذاء فلا ريب في الحرمة. و أما مع العدم، فمقتضى إطلاق قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «أبويه» ذلك أيضا إلا أن يقال: إنّ

ص: 351


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 2.
2- الوسائل باب: 104 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 2.

و أما المحظور منه: ففي مواضع أيضا

اشارة

و أما المحظور منه: ففي مواضع أيضا:

أحدها: صوم العيدين الفطر و الأضحى

أحدها: صوم العيدين الفطر و الأضحى (36)، و إن كان عن كفارة القتل في أشهر الحرم و القول بجوازه للقاتل شاذ و الرواية الدالة عليه ضعيفة سندا و دلالة (37).

الثاني: صوم أيّام التشريق

الثاني: صوم أيّام التشريق و هي: الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة، لمن كان بمنى و لا فرق على الأقوى بين الناسك و غيره (38).

______________________________

المقصود به خصوص الوالد كما هو صريح عنوان المحقق في الشرائع.

(36) بإجماع المسلمين و المتواترة من نصوص المعصومين (عليهم السلام) و ما لا ملاك فيه و لا خطاب كيف يتصور فيه الصحة؟! خصوصا مع النهي الفعلي عنه، و إطلاق الصوم عليه اقتضائيّ تعليقيّ لا أن يكون فعليا.

(37) أما القائل فهو الشيخ، و أما الخبر فهو عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «رجل قتل رجلا في الحرم قال (عليه السلام):

عليه دية و ثلث و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم و يعتق رقبة و يطعم ستين مسكينا قال قلت: يدخل في هذا شي ء قال: و ما يدخل؟ قلت: العيدان و أيام التشريق قال (عليه السلام): يصوم فإنّه حق لزمه» (1)، و مخالفته للإجماع، و النصوص المستفيضة جعله من الشاذ الذي أمرنا بطرحه مع إجمال قوله (عليه السلام): «يصوم ..».

(38) لإطلاق جملة من الأخبار منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام):

«نهى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن صوم ستة أيام العيدين و أيام التشريق، و اليوم يشك فيه من رمضان» (2)و يأتي التفصيل في محله.

ص: 352


1- الوسائل باب: 8 من أبواب بقية الصوم الواجب حديث: 7.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 7.
الثالث: صوم يوم الشك

الثالث: صوم يوم الشك في أنّه من شعبان، أو رمضان بنية أنّه من رمضان و أما بنية أنّه من شعبان، فلا مانع منه كما مرّ (39).

الرابع: صوم وفاء نذر المعصية

الرابع: صوم وفاء نذر المعصية بأن ينذر الصّوم إذا تمكن من الحرام الفلاني، أو إذا ترك الواجب الفلاني يقصد بذلك الشكر على تيسّره (40) و أما إذا كان بقصد الزّجر عنه فلا بأس به (41). نعم، يلحق بالأول في الحرمة ما إذا نذر الصّوم زجرا عن طاعة صدرت عنه، أو عن معصية تركها.

الخامس: صوم الصّمت

الخامس: صوم الصّمت بأن ينوي في صومه السكوت عن الكلام في تمام النهار أو بعضه يجعله في نيته من قيود صومه (42)،

______________________________

(39) راجع [مسألة 16] من أول كتاب الصوم.

(40) إجماعا، و اعتبارا، و نصّا قال (عليه السلام): «و صوم نذر المعصية حرام» (1).

(41) و يسمّى هذا نذر الزجر و لا إشكال في صحته، و لكنّه على قسمين:

الأول: الزجر عن ترك الطاعة أو فعل المعصية و هو صحيح.

الثاني: الزجر عن فعل الطاعة، أو ترك المعصية و هو باطل كما يأتي في محله و منه يظهر حكم ما يأتي في المتن.

(42) لأنّه المتيقن مما دل على بطلان صيام الصمت من الإجماع و الأخبار قال (عليه السلام): «لا صمت يوما إلى الليل» (2)، و قوله (عليه السلام): «صوم الصّمت حرام» (3)، فلا وجه حينئذ لما يقال:

من أنّ النهي تعلق بما هو خارج عن حقيقة الصّوم فلا وجه للبطلان، لأنّه مع أخذه قيدا مقوّما للصّوم تعلق النّهي بذات الصّوم حينئذ.

ص: 353


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 1.
3- الوسائل باب: 5 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 2.

و أما إذا لم يجعله قيدا و إن صمت، فلا بأس به (43)، بل و إن كان في حال النية بانيا على ذلك إذا لم يجعل الكلام جزءا من المفطرات و تركه قيدا في صومه.

السادس: صوم الوصال

السادس: صوم الوصال و هو: صوم يوم و ليلة إلى السحر أو صوم يومين بلا إفطار في البين (44)، و أما لو أخر الإفطار إلى السحر

______________________________

(43) لتحقق قصد أصل الصّوم منه حينئذ و يكون ما وقع منه من الصّمت خارجا غير دخيل في حقيقة الصّمت و إن كان بانيا عليه إذ البناء عليه أعمّ من جعله من مقوّمات الصّوم و دخيلا في ذاته.

(44) إجماعا. و نصّا قال (عليه السلام) في صحيح زرارة: «صوم الوصال حرام» (1)، و في صحيح ابن حازم: «لا وصال في صيام» (2)، و في صحيح الحلبي عن الصادق (عليه السلام): «الوصال في الصّيام أن يجعل عشاءه سحوره» (3)، و قال (عليه السلام): «الواصل في الصّيام يصوم يوما و ليلة- و يفطر في السحر»(4)، و في خبر سليمان عن أبيه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «أنّه سأله عن صوم شعبان و رمضان لا يفصل بينهما قال (عليه السلام): «إذا أفطر من الليل فهو فصل، و إنّما قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): لا وصال في صيام يعني: لا يصوم الرجل يومين متواليين من غير إفطار» (5) فيكون كل منهما حراما.

هذا إذا جعل ذلك قيدا في الصّوم كما مرّ في صوم الصّمت. و لو لم يكن بنحو التقييد فلا دليل على البطلان، بل مقتضى الأصل عدمه، لأنّ المتيقن من الإجماع إنّما هو إذا كان ذلك بنحو القيد فقط، و أما ما ورد من أن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله): «كان يواصل، فقيل له في ذلك، فقال: إنّي لست كأحدكم إنّي أظلّ عند ربّي فيطعمني و يسقيني» (6)، فهو طور غير طور

ص: 354


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 6.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 3 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 7.
4- الوسائل باب: 3 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 9.
5- الوسائل باب: 3 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 10.
6- الوسائل باب: 3 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 4.

أو إلى الليلة الثانية مع عدم قصد جعل تركه جزءا من الصوم، فلا بأس به و إن كان الأحوط عدم التأخير إلى السحر مطلقا (45).

السابع: صوم الزوجة مع المزاحمة لحق الزّوج

السابع: صوم الزوجة مع المزاحمة لحق الزّوج (46) و الأحوط تركه بلا إذن منه (47)، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه عنه و إن لم يكن مزاحما لحقه (48).

الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحق المولى

الثامن: صوم المملوك مع المزاحمة لحق المولى، و الأحوط تركه من دون إذنه، بل لا يترك الاحتياط مع نهيه (49).

______________________________

التكاليف الظاهرية، و يمكن أن يكون ذلك من مختصاته كما أن قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «يطعمني و يسقيني» يكون مختصّا به.

(45) جمودا على إطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي- المتقدم-: «الوصال في الصّيام أن يجعل عشاءه سحوره».

(46) نصّا، و إجماعا قال (عليه السلام): «ليس للمرأة أن تصوم تطوّعا إلا بإذن زوجها» (1) و المتيقن منهما إنّما هو صورة المزاحمة.

(47) بدعوى: استفادة سبق الإذن مما مر من الحديث، و لكنه مخدوش أولا: بأنّ الزوج ليس مالكا لجميع منافعها مطلقا حتى يتوقف استيفاؤها لها على إذنه.

و ثانيا: بما رواه ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن المرأة تصوم تطوعا بغير إذن زوجها؟ قال (عليه السلام): لا بأس» (2) المحمول على صورة عدم المزاحمة جمعا و إجماعا.

(48) لكونه مظنّة الإجماع كما في الجواهر.

(49) إجماعا، و نصّا في الأول قال (عليه السلام): «لا يصوم العبد

ص: 355


1- الوسائل باب: 8 من أبواب الصّوم المحرّم و المكروه حديث: 1.
2- الوسائل باب: 8 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 5.
التاسع: صوم الولد مع كونه موجبا لتألم الوالدين

التاسع: صوم الولد مع كونه موجبا لتألم الوالدين و أذيتهما (50).

العاشر: صوم المريض و من كان يضرّه الصّوم

العاشر: صوم المريض و من كان يضرّه الصّوم.

الحادي عشر: صوم المسافر إلا في الصور المستثناة

الحادي عشر: صوم المسافر إلا في الصور المستثناة على ما مرّ (51).

الثاني عشر: صوم الدّهر حتّى العيدين

الثاني عشر: صوم الدّهر حتّى العيدين على ما في الخبر (52) و إن كان يمكن أن يكون من حيث اشتماله عليهما لا لكونه صوم الدّهر من حيث هو (53).

______________________________

تطوعا إلا بإذن مولاه» (1)، و يحتمل شمول الإطلاق لصورة عدم المزاحمة أيضا، فيكون تركه أحوط، و مع سبق النهي و عدم المزاحمة تكون الحرمة مظنة الإجماع.

(50) لأنّه المعلوم من مورد وجوب إطاعتهما و حرمة مخالفتهما.

(51) تقدم ما يتعلق بهما في (فصل شرائط صحة الصوم) فراجع.

(52) قال عليّ بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الزهري: «صوم الدّهر حرام» (2)، و في وصية النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لعليّ (عليه السلام) قال: «و صوم الدّهر حرام» (3)، و عن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عن صوم الدّهر فقال (عليه السلام): لم نزل نكرهه» (4) و ظاهره- كما في المستند- أنّ حرمته لاشتماله على العيدين فلا يحرم بدون صومهما.

(53) يشهد له موثق سماعة عن صوم الدّهر فقال (عليه السلام):

«لا بأس أن يصوم يوما و يفطر يوما»(5).

ص: 356


1- الوسائل باب: 10 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 4.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 3.
4- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 4.
5- الوسائل باب: 7 من أبواب الصوم المحرّم و المكروه حديث: 5.

مسألة 3: يستحب الإمساك تأدبا في شهر رمضان و إن لم يكن صوما في مواضع

اشارة

(مسألة 3): يستحب الإمساك تأدبا في شهر رمضان و إن لم يكن صوما في مواضع (54).

أحدها: المسافر إذا ورد أهله أو محل الإقامة بعد الزوال مطلقا، أو قبله

أحدها: المسافر إذا ورد أهله أو محل الإقامة بعد الزوال مطلقا، أو قبله، و قد أفطر، و أما إذا ورد قبله و لم يفطر، فقد مرّ أنّه يجب عليه الصّوم.

الثاني: المريض إذا برئ في أثناء النّهار و قد أفطر

الثاني: المريض إذا برئ في أثناء النّهار و قد أفطر، و كذا لو لم يفطر إذا كان بعد الزوال، بل قبله أيضا على ما مرّ من عدم صحة صومه، و إن كان الأحوط تجديد النية و الإتمام ثمَّ القضاء.

الثالث: الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار

الثالث: الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.

الرابع: الكافر إذا أسلم في أثناء النهار

الرابع: الكافر إذا أسلم في أثناء النهار أتى بالمفطر أم لا.

الخامس: الصبيّ إذا بلغ في أثناء النّهار

الخامس: الصبيّ إذا بلغ في أثناء النّهار.

السادس: المجنون و المغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه

السادس: المجنون و المغمى عليه إذا أفاقا في أثنائه.

تمَّ كتاب الصوم

______________________________

(54) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و يجمعها خبر الزهري عن عليّ بن الحسين (عليه السلام): «أما صوم التأديب: بأن يؤخذ الصبيّ إذا راهق بالصوم تأديبا بفرض، كل من أفطر لعلة في أول النهار ثمَّ قوي بعد ذلك أمر بالإمساك بقية يومه تأدبا و ليس بفرض، و كذا المسافر إذا أكل من أول النهار ثمَّ قدم أهله أمر بالإمساك بقية يومه تأديبا و ليس بفرض، و كذلك الحائض إذا طهرت أمسكت بقية يومها» (1) و تقدم ما يتعلق بالمقام في (فصل شرائط صحة الصوم و وجوبه) فراجع، و المنساق منه صوم شهر رمضان. هذا مضافا إلى ظهور إجماعهم على استحباب الإمساك في هذه الموارد.

ص: 357


1- راجع الوسائل باب: 23 و باب: 28 من أبواب من يصح منه الصوم حديث: 1.

ص: 358

كتاب الاعتكاف

اشارة

كتاب الاعتكاف

فصل في شرائطه

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم و هو: اللبث في المسجد (1)

______________________________

كتاب الاعتكاف الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطّاهرين.

(1) البحث في المقام من جهات: الأولى: مادة العكوف في جميع استعمالاتها تدل على اللزوم و الحبس، و اللبس، و المواظبة، و نحوها من المعاني المستلزمة للقرار و الثبات في الجملة، فالاعتكاف من الموضوعات اللغوية العرفية حدّده الشارع بحدود و قيود و ليس من المعاني التعبدية المحضة، ففي كلّ مورد ورد فيه تحديد شرعيّ نقول به، و فيما لم يرد فيه شي ء نرجع إلى العرف و اللغة.

الثانية: تدل الأدلة الأربعة على رجحان الاعتكاف في الجملة:

أما الكتاب فقوله تعالى طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (1) إذ المنساق منها محبوبية الطواف، و العكوف، و الركوع، و السجود الذي أمر اللّه تعالى خليله و ذبيحة لتهيئة البيت لهم و تطهيره عما يزاحم طوافهم و اعتكافهم، و ركوعهم، و سجودهم.

و أما السنة: فهي متواترة بين الفريقين عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) قولا و عملا، و كذا عن الأئمة (عليهم السلام) قال

ص: 359


1- سورة البقرة: 125.

بقصد العبادة (2)، بل لا يبعد

______________________________

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «اعتكاف عشر من شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين» (1) و غيره كما تأتي الإشارة إلى بعضها في ضمن المسائل الآتية.

و أما الإجماع: فهو من المسلمين قاطبة فتوى و عملا.

و أما العقل: فلا ريب في أنّ العكوف في دار المحبوب من أهمّ تمنيات الحبيب لعله يستفيض من إفاضاته، و يتشرف بكراماته و ذلك فطريّ بين كلّ طالب و مطلوب، و قد أمر اللّه تعالى خليله أن يطهّر بيته للعاكفين أ فهل يعقل أن يردهم خائبين؟!! حاشا ذلك عن مخلوق هيّأ داره للواردين فكيف بربّ العالمين!!.

الثالثة: لا يخفى أنّ الاعتكاف المبحوث عنه في المقام أخصّ لغة، و عرفا، و شرعا من مطلق الاعتكاف في المسجد لغرض من الأغراض كما هو معلوم.

(2) لأنّ هذا هو المتعارف فيما يقع منه في الخارج إنّما الكلام في أنّ قصد العبادة الزائدة على مجرّد اللبث في المسجد مقوّم ذاته بحيث لا يتحقق بدونه، أو أنّه من القيود الغالبية لا الذاتية، و قد ذكر هذا القيد في عبارة جمع من الفقهاء، و لكنه لم يعلم أنّه من باب ذكر القيد الغالبيّ لا الذاتيّ المنطقيّ، و مقتضى كون عامة تعريفاتهم مشتملة على القيود الغالبية لا الذاتية المنطقية فإنّ هذا التعريف أيضا هكذا، و لكن يظهر من كلماتهم أنّ القيود المذكورة فيها ذاتية منطقية.

و المسألة بحسب الأصل من موارد الأقلّ و الأكثر، لأنّ حبس النفس في بيت اللّه تعالى فارغا عن جميع المشاغل الدّنيوية لغرض التقرب إلى اللّه تعالى له مطلوبية نفسية بلا إشكال، فيرجع في اعتبار القيد الزائد عليه إلى الأصل،

ص: 360


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.

كفاية التعبّد بنفس اللبث و إن لم يضم إليه قصد عبادة أخرى خارجة عنه، لكن الأحوط الأول (3) و يصح في كلّ وقت يصح فيه الصّوم (4) و أفضل أوقاته شهر رمضان، و أفضله العشر الأواخر منه (5).

______________________________

و الإطلاق كقوله (صلّى اللّه عليه و آله)- على ما مرّ-: «اعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجتين و عمرتين» و نعم ما قال في الجواهر:

«لا يتوهم أنّ المعتبر في الاعتكاف قصد كون اللبث بعبادة خارجية عنه بحيث لا يجزي الاقتصار على قصد التعبدية خاصة ضرورة ظهور النصوص و الفتاوى في مشروعية نفسه من غير اعتبار عبادة أخرى فيكون الاعتكاف مثل الزيارة فكما أنّها مجرّد حضور الزائر عند المزور، و يكون السّلام و الثناء و نحوهما خارجين عن حقيقتهما، فالمقام يكون أيضا كذلك، مع أنّ هذا النزاع ساقط من أصله، لأنّ المسلم الذي يعتكف في المسجد قصده أن يصلي فرائضه اليومية في المسجد لا محالة، و هذا المقدار يكفي في الاعتبار إذ لا دليل على اعتبار الأزيد من ذلك على فرض الاعتبار، بل مقتضى الأصل عدمه، لأنّ المسألة من هذه الجهة أيضا من الأقلّ و الأكثر، فليس في هذا النزاع ثمرة علمية و لا عملية.

(3) خروجا عن خلاف ما يظهر عن جمع منهم المحقق في الشرائع، و العلامة في التذكرة و المنتهى، و الشهيد في الدروس.

(4) لظهور الإطلاق، و الاتفاق الدّالين على مطلوبية الاعتكاف نفسا مطلقا. نعم، حيث يعتبر فيه الصّوم، فتدور صحته مدار صحة الصّوم، و من الإطلاقات قوله (عليه السلام): «و اللّه لقضاء حاجته- يعني: الأخ المؤمن- أحبّ إلى اللّه عزّ و جل من صيام شهرين متتابعين و اعتكافهما في المسجد الحرام» (1)، فإنّ ظهورها في مطلوبية أصل الاعتكاف مما لا ينكر.

(5) للتأسي بالنبيّ (صلّى اللّه عليه و آله)- كما في الخبر- «اعتكف

ص: 361


1- الوسائل باب: 12 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.

و ينقسم: إلى واجب و مندوب

و ينقسم: إلى واجب و مندوب (6)، و الواجب منه: ما وجب بنذر، أو عهد، أو يمين، أو شرط في ضمن عقد أو إجارة أو نحو ذلك (7)، و إلا ففي أصل الشرع مستحب (8)، و يجوز الإتيان به عن نفسه، و عن غيره الميت، و في جوازه نيابة عن الحيّ قولان:

لا يبعد ذلك، بل هو الأقوى (9) و لا يضرّ اشتراط الصّوم فيه فإنّه تبعيّ

______________________________

رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في شهر رمضان في العشر الأول، ثمَّ اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثمَّ اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر ثمَّ لم يزل (صلّى اللّه عليه و آله) يعتكف في العشر الأواخر» (1)، و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)- في حديث- قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبة من شعر، و شمر الميزر و طوى فراشه» (2)، و عنه (عليه السلام) «لا اعتكاف إلا في العشر الأواخر» (3).

(6) و يمكن فرض المحرم فيه أيضا كاعتكاف الزوجة و الولد و المملوك بدون إذن الزوج و الوالد و المالك، فيقع باطلا، لأنّ النهي في العبادة يوجب البطلان.

(7) لإطلاق أدلة كلّ ذلك الدّال على تحقق الوجوب في متعلقاتها.

(8) لظهور الأدلة من الكتاب، و السنة، بل ظهور الإجماع في رجحانه الذاتي، بل الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى جميع الملل و الأديان في عكوفهم في معابدهم.

(9) لإطلاق قول الصادق (عليه السلام): «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيين و ميتين يصلّي عنهما، و يتصدّق عنهما و يحج عنهما، و يصوم عنهما، فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيد اللّه عزّ و جل ببرّه و صلته.

ص: 362


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: ملحق حديث: 5.

فهو كالصّلاة في الطواف الذي يجوز فيه النيابة عن الحيّ.

و يشترط في صحته أمور

اشارة

و يشترط في صحته أمور:

الأول: الإيمان

الأول: الإيمان، فلا يصح من غيره (10).

الثاني: العقل

الثاني: العقل، فلا يصح من المجنون و لو أدوارا في دوره و لا من السكران و غيره من فاقدي العقل (11).

الثالث: نية القربة

الثالث: نية القربة (12)،- كما في غيره من العبادات- و التعيين

______________________________

خيرا كثيرا» (1).

و عن أبي حمزة قلت: لأبي إبراهيم (عليه السلام): «أحج، و أصلّي، و أتصدّق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟ قال (عليه السلام):

نعم، تصدّق عنه، و لك أجر بصلاتك إيّاه» (2) و ظاهر مثلهما الإتيان بعنوان النيابة. و الحمل على إهداء الثواب لا وجه له، كما أنّ ما ذكر فيها من الصّلاة و نحوها من باب المثال لكلّ ما يجري منه النفع و الثواب بالنسبة إلى الغير.

و ما دل على عدم النيابة عن الأحياء إنّما هو في الواجبات المستقلة لا الغيرية التبعية مطلقا و إلا لما جازت النيابة عنهم في الصّلوات المندوبة، لاشتمالها على جملة من الواجبات الغيرية، و كذا الحج المندوب، فلا يضرّ بذلك اشتمال الاعتكاف على الصّوم الواجب كما لا يخفى.

(10) لعدم صحة عبادات الكافر، بل عدم جواز وقوفه في المسجد، و تقدم ما يتعلق باشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ في (فصل شرائط صحة الصّوم) فراجع.

(11) لأنّه تكليف و لا تكليف بالنسبة إلى فاقد التمييز عند العقلاء كافة.

نعم، لو تحققت النية قبل السكر، فنوى ثمَّ سكر بشم ما يوجبه ثمَّ أفاق لا يبعد الصحة.

(12) إجماعا، بل ضرورة من الدّين، فلو اعتكف رياء بطل، و كذا لو كان

ص: 363


1- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصّلوات حديث: 1.
2- الوسائل باب: 12 من أبواب قضاء الصّلوات حديث: 9.

إذا تعدد و لو إجمالا (13).

و لا يعتبر فيه قصد الوجه- كما في غيره من العبادات- (14) و إن أراد أن ينوي الوجه، ففي الواجب منه ينوي الوجوب، و في المندوب الندب (15)، و لا يقدح ذلك كون اليوم الثالث (16)- الذي

______________________________

الرياء في جزء منه يوما كان أو ليلا كما يأتي في [مسألة 1] بالنسبة إلى الارتداد.

(13) لأنّ الأمر إنّما تعلق بالنوع في المتعدّد المختلف في الأثر دون أصل الجنس المردد بين الأنواع، فلا أمر بالنسبة إليه حتّى يصح قصده، مع أنّه لا بد من قصد المأمور به في تحقق الامتثال. هذا إذا كان هناك اختلاف في الأثر المترتب على المتعدّد، كما إذا كان أحدهما منذورا و الآخر مستأجرا عليه- مثلا- فلا بد من قصد امتثال الأمر بوفاء النذر، أو الوفاء بالإجارة.

و أما إذا لم يكن كذلك كما إذا كان عليه اعتكافات منذورة غير مختلفة في الأثر، أو أراد الإتيان باعتكاف مندوب، فيكفي قصد ذات الاعتكاف من حيث هو إذ لا خصوصية زائدة عليه تكون مورد الأمر حتى يجب تعيينه فلا موضوع لوجوب التعيين حينئذ، و مقتضى الأصل عدمه، و قد مرّ ما ينفع المقام في قصد تعيين الصّوم و الصّلاة بالنسبة إلى وجوب قصد التعيين فراجع و أما كفاية التعيين الإجمالي فلأصالة البراءة عن الزائد عليه.

(14) لإطلاقات الأدلة، و أصالة البراءة، و عدم دليل على اعتبار قصد الوجه مطلقا.

(15) أي: يقصد المأمور به مع قصد الوجوب، أو قصد الندب ضمنا أو تبعا و يصح قصد كلّ منهما طريقا إلى قصد ذات المأمور به أيضا، لما تقدم من كفاية القصد الإجماليّ، فذات الاعتكاف مستحب شرعيّ و الوجوب العارض عليه بالنذر، أو الإجارة، أو الشرط طريق إجماليّ إلى الذات الراجح، و قصد الطريق من حيث الطريقية قصد للذات فلا يبقى موضوع للبحث عن أن الأمر النذريّ و الإجاريّ ليس عباديا فلا يجزي في عباديته.

(16) بل لأنّه يصح اتصاف الشي ء الواحد بالندب و الوجوب باعتبارين

ص: 364

هو جزء منه- و أجاب لأنّه من أحكامه، فهو نظير النافلة إذا قلنا بوجوبها بعد الشروع فيها، و لكن الأولى ملاحظة ذلك حين الشروع فيه بل تجديد نية الوجوب في اليوم الثالث (17).

و وقت النية قبل الفجر (18)، و في كفاية النية في أول الليل- كما في صوم شهر رمضان- إشكال. نعم، لو كان الشروع فيه في أول الليل أو في أثنائه نوى في ذلك الوقت و لو نوى الوجوب في المندوب أو الندب في الواجب اشتباها لم يضرّ إلا إذا كان على وجه التقييد (19) لا الاشتباه في التطبيق.

______________________________

مختلفين، و الحدوث غير البقاء و هما مختلفان اعتبارا، فيصح اختلاف الحكم باختلافهما، و كما في الحج المندوب الذي يجب إتمامه، و الوضوء الذي شرع قبل دخول الوقت فدخل الوقت في الأثناء، فيتصف بالندب و الوجوب معا باعتبارين مختلفين و اختلاف الأحكام باختلاف الجهات شائع و هو عرفيّ.

(17) لأنّ ذلك كله اهتمام و اعتناء لامتثال المأمور به و هو مطلوب على كل حال.

(18) هذه التفريعات ساقطة من أصلها بناء على أنّ النية مجرّد الداعي كما تحقق في محله، لأنّه موجود في النفس و إن تقدم منشأ حدوثه، فلا موضوع للبحث عن التقدم و المقارنة بالنسبة إلى الداعي الذي قد ثبت كفايته و لو بنحو الإجمال و الارتكاز، فراجع نية الصوم، و الصلاة، و الوضوء تجدها وافية للمقام و لجميع ما يعتبر فيه النية من العبادات.

(19) أما الإجزاء مع الاشتباه، فلتحقق قصد الامتثال بالنسبة إلى الواقع إجمالا، و قد مرّ كفايته. و أما مع التقييد فإن كان بحيث لم يحصل قصد امتثال الواقع و لو إجمالا فلا وجه للصحة، لعدم حصول قصد الامتثال و إن حصل ذلك فلا وجه للبطلان حتى مع التقييد و قد مرّ سقوط هذه التفريعات رأسا بناء على كفاية الداعي الارتكازي كما هو الحق.

ص: 365

الرابع: الصّوم

الرابع: الصّوم، فلا يصح بدونه (20) و على هذا فلا يصح وقوعه من المسافر في غير المواضع التي يجوز له الصّوم فيها، و لا من الحائض و النفساء و لا في العيدين، بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصح (21) و إن كان غافلا حين الدخول (22).

نعم، لو نوى اعتكاف زمان يكون اليوم الرابع أو الخامس منه العيد، فإن كان على وجه التقييد بالتتابع لم يصح (23) و إن كان على وجه الإطلاق لا يبعد صحته (24)، فيكون العيد فاصلا بين أيّام الاعتكاف.

______________________________

(20) للضرورة الدينية، و النصوص المتواترة منها قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «لا اعتكاف إلا بصوم» (1)، و قوله (عليه السلام): «و تصوم ما دمت معتكفا» (2) و لا دليل لما نسب إلى الشيخ و ابني إدريس و بابويه من صحة الاعتكاف من المسافر إلا إذا أرادوا المورد الذي صح الصوم منه.

(21) كل ذلك لقاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه إلا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل كذلك في المقام.

(22) لأنّ مقتضى الأدلة أن يكون الشرط واقعيا لا أن يكون علميا.

(23) لبطلان مثل هذه النية، لأنّه نوى اعتكافا غير مشروع، كما إذا نوى صلاة خمس ركعات- مثلا- على وجه التقييد.

(24) بناء على عدم اعتبار التوالي في أيام الاعتكاف. و أما بناء عليه فلا يصح إلا أن يكون الثاني اعتكافا مستقلا، فيصح حينئذ مع تحقق باقي الشروط، و كذا يصح إن كان القصد بنحو الانبساط الانحلالي أي: العام الانحلالي الأصولي لا أن يكون بنحو الوحدة من حيث المجموع بناء على

ص: 366


1- الوسائل باب: 2 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.
2- الوسائل باب: 2 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
الخامس: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام

الخامس: أن لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام (25)، فلو نواه كذلك بطل (26) و أما الأزيد فلا بأس به (27) و إن كان الزائد يوما أو بعضه، أو ليلة، أو بعضها و لا حدّ لأكثره (28).

______________________________

صحة التخلل بين أيام الاعتكاف، فيكون كما إذا خرج عن المسجد لعذر يوما واحدا.

فرع: نفس الكون في المسجد من حيث هو مستحب نفسي و نسبة الاعتكاف إليه نسبة النوع إلى الجنس فإذا لم يصح الاعتكاف يبقى ثواب الكون في المسجد على حاله، فمن لم يصح منه الصوم لعارض يصح له اللبث في المسجد لا بعنوان الاعتكاف و يثاب عليه إن جاز له الكون في المسجد.

(25) إجماعا، و نصوصا: منها: قول الصادق (عليه السلام) في موثق عمر بن يزيد: «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام»(1) و نحوه غيره.

(26) لأنّه لا أمر بالنسبة إلى الأقل، فيكون قصده لغوا، بل قد يكون تشريعا.

(27) للأصل، و الإطلاقات، و لموثق أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام): «من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر» (2)، فإنّ المنساق من ذيله جواز الزيادة على ثلاثة أيام حتى تصل إلى يومين، فيجب الإتمام حينئذ و يظهر منهم الإجماع عليه أيضا.

(28) لأنّه خير و عبادة و مقتضى الأصل، و مرتكزات المتشرعة عدم التحديد فيها إلا بدليل يدل عليه و هو مفقود، بل مقتضى الإطلاقات الواردة في مقام البيان عدم التحديد بالنسبة إليه، و قد وردت النصوص في تحديد الأقل

ص: 367


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 5.
2- الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.

نعم، لو اعتكف خمسة أيّام وجب السادس (29)، بل ذكر بعضهم: أنّه كلّما زاد يومين وجب الثالث، فلو اعتكف ثمانية أيّام وجب اليوم التاسع، و هكذا و فيه تأمل (30).

و اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقية (31)، فلا يشترط إدخال الليلة الأولى و لا الرابعة (32) و إن جاز ذلك كما

______________________________

- كما تقدم- و هي ساكتة عن الأكثر و هذا هو المشهور.

و نسب إلى كاشف الغطاء الفرق في الأكثر من حيث الأيام فلا حدّ، و من حيث بعض اليوم و الليلة فلا يجوز و هو مجرد فتوى بلا دليل، بل الأصل و الإطلاق على خلافه.

(29) لإطلاق ما تقدم من موثق أبي عبيدة و هو المشهور المنصور.

(30) من دعوى عدم القول بالفصل بين السادس و كل ثالث- كما عن المسالك، و المدارك- و احتمال أن يكون ذكر ثلاثة أيام في الموثق من باب المثال لكل ثالث. و من أنّ عدم القول بالفصل ليس من الإجماع المعتبر و كون ذكر ثلاثة أيام من باب المثال لكل ثالث أصل الدعوى، و عين المدّعى كما لا يخفى.

و لكن يمكن أن يقال: إنّ الخير المحض غير محدود بحدّ إلا بدليل صحيح، فالحق مع ذلك البعض.

(31) أما الأول، فلما يقتضيه اللغة و العرف و الشرع.

و أما الأخير: فلما تقدم في (فصل أوقات الفرائض) فراجع فإنّ الحكم و دليله واحد في الجميع و إن اختلف المورد.

(32) لظواهر الأدلة الدالة على أنّ أقله ثلاثة أيام، و العرف و اللغة يحكم بخروجها كما في سائر موارد استعمال جملة (ثلاثة أيام) من الشرعيات و العرفيات و هذا هو المشهور، و لكن نسب إلى العلامة، و الشهيد الثاني دخول الليلة الأولى، لأنّ اليوم يستعمل في المركب من النهار و الليل، و لدخول الليلتين المتوسطتين.

ص: 368

عرفت (33)، و يدخل فيه الليلتان المتوسطتان (34) و في كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال (35).

السادس: أن يكون في المسجد الجامع

السادس: أن يكون في المسجد الجامع (36)، فلا يكفي في

______________________________

و فيه: أنّ الأول أعم من الحقيقة، و الثاني قياس باطل. و أما احتمال دخول الليلة الأخيرة فهو مقطوع بفساده كما في المدارك، لكون الليلة الأخيرة لليوم المستقبل شرعا، و عرفا فعن عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) إنّ المغيرية يزعمون أنّ هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة فقال (عليه السلام): كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية. إنّ أهل بطن نحلة إذا رأوا الهلال قالوا: قد دخل شهر الحرام»(1)، و تشهد له الآية الكريمة أيضا سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ (2).

(33) عند قوله (رحمه اللّه): «و أما الأزيد فلا بأس به».

(34) على المشهور، لانسباق استمرار اللبث من الأدلة، كما في أيام الحيض، و عشرة الإقامة، و خيار الحيوان، و نحوها.

(35) من الجمود على الأدلة الظاهرة في التمام. و من صحة دعوى أنّ المنساق منها إنّما هو مقدار من الزمان الخاص سواء كان ملفقا أو تماما. و هذه المسألة سيالة في أيام الحيض، و العادة، و الإقامة، و زمان الخيار، و غيرها مما هو كثير جدّا. و أصل الإشكال غير مبتن على أساس صحيح و دليل صريح، بل هو من مجرّد الجمود فقط، مع أنّ من يشكل في مورد يفتي بالجواز في نظيره بلا ذكر دليل على الفرق بينهما في البين.

(36) لجملة من الأخبار:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا اعتكاف إلا بصوم في

ص: 369


1- الوسائل باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.
2- سورة الحاقة: 7.

.....

______________________________

مسجد الجامع» (1).

و عنه: أيضا عن أبيه (عليه السلام): «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع» (2).

و عنه (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان: «إنّ عليّا (عليه السلام) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، و مسجد الرسول، أو مسجد جامع» (3).

و عنه (عليه السلام): «لا يصح العكوف في غيرها يعني غير مكة إلا أن يكون في مسجد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أو مسجد من مساجد الجماعة» (4) و قد أفتى بها جمع منهم المحقق، و الشهيدان.

و عن جمع منهم: السيد، و الشيخ الاختصاص بإحدى المساجد الأربعة: مسجد الحرام، و مسجد النبيّ، و مسجد الكوفة، و مسجد البصرة، و عن ابن بابويه إبدال مسجد البصرة بمسجد المدائن، و عن ولده جعلها في عرض سائر المساجد.

و استدلوا تارة: بالإجماع، و أخرى: بمرسل المقنعة روي «أنّه لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جمع فيه نبيّ، أو وصيّ نبيّ، و هي أربعة مساجد: مسجد الحرام جمع فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، و مسجد المدينة جمع فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و أمير المؤمنين (عليه السلام) و مسجد الكوفة، و مسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين (عليه السلام)» (5) و ثالثة: بخبر عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ قال (عليه السلام): لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلّى فيه إمام عدل صلاة جماعة و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة، و مسجد المدينة، و مسجد مكة» (6).

و يرد الأول: بعدم تحققه، بل لعل المتحقق خلافه كما في الجواهر،

ص: 370


1- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
2- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.
3- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 10.
4- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 11.
5- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 8.
6- راجع الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 12.

.....

______________________________

و الثاني: بقصور سنده، و نقل الخلاف عن مرسله، و إمكان حمله على مجرد الأفضلية على فرض اعتباره. و الأخير: بأنّه يحتمل أن يراد به الإمام المعصوم (عليه السلام) أو العدل من الشيعة، أو العدل عند المأمومين أي:

صلاة جماعة المسلمين في مقابل غيرهم و لو كان عاميا، فيكون المراد إخراج الإمام الذي يقتدي به خوفا من سيفه، أو طمعا في دنياه.

و الحاصل إنّ الأخبار في المقام أقسام أربعة:

الأول: ما اشتمل على المسجد الجامع مثل قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع»، و نحوه غيره و هي آبية عن التقييد، لكثرتها مع ذكر الجامع فيما اشتمل على مسجد الحرام، و مسجد الرسول- كما تقدم- و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة» (1)، فيستفاد من مثله أنّه لا موضوعية لمسجد الحرام، و مسجد الرسول، بل المناط كلّه مسجد الجامع.

الثاني: ما ذكر فيه المساجد الأربعة و قد تقدم في خبر عمر بن يزيد:

«لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، قد صلّى فيه إمام عدل بصلاة جماعة و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة، و البصرة، و مسجد المدينة، و مسجد مكة».

الثالث: ما اشتمل على مسجد الجماعة كقول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الرازي: «لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة» (2) و تقدم في صحيح الحلبي أيضا.

الرابع: ما تقدم من مرسل المقنعة، و المستفاد من مجموعها صحة الاعتكاف في كل مسجد جامع و أفضله في المساجد الأربعة، و المسجد الذي

ص: 371


1- الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 7.
2- الوسائل باب: 3 من أبواب الاعتكاف حديث: 6.

غير المسجد و لا في مسجد القبيلة و السوق (37) و لو تعدّد الجامع تخيّر بينها (38)، و لكن الأحوط مع الإمكان كونه في أحد المساجد الأربعة (39): مسجد الحرام، و مسجد النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و مسجد الكوفة و مسجد البصرة.

السابع: إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه

السابع: إذن السيد بالنسبة إلى مملوكه (40) سواء كان قنّا أو مدبرا، أو أمّ ولد أو مكاتبا لم يتحرّر منه شي ء (41) و لم يكن اعتكافه اكتسابا، و أما إذا كان اكتسابا فلا مانع منه (42) كما أنّه إذا كان مبعّضا، فيجوز منه في نوبته إذا هاياه مولاه من دون إذن، بل مع المنع منه أيضا (43)، و كذا يعتبر إذن المستأجر بالنسبة إلى أجيره

______________________________

صلّى فيه نبيّ، أو وصيّ. و هذا الجمع شائع في الفقه، عند تعارض الأخبار كما هو معلوم.

(37) مع عدم اعتياد إقامة الجماعة فيها و إلا فيدخلان في مورد النزاع.

(38) للإطلاق الشامل للجميع و لا يبعد ترجيح ما كان أكثر اجتماعا من أهل الورع و التقوى في صلاة الجماعة، ثمَّ ما كان أكثر اجتماعا للناس في صلاة الجماعة و كثرة وقوع العبادة فيه، فإنّ هذه كلّها من جهات الفضل و الفضيلة.

(39) خروجا عن خلاف من اشتراط ذلك و إن لم يكن له دليل يصح الاعتماد عليه إلا ما تقدم و مرّت المناقشة فيه.

(40) لأنّه مملوك لا يقدر على شي ء إلا بإذن مولاه مضافا إلى ظهور الإجماع.

(41) لشمول الدليل لكل ذلك مع فقد المخصص.

(42) لأنه مع كونه اكتسابا يكون مأذونا فيه فيقع صحيحا لا محالة.

(43) لأنّه لا أثر لمنعه بعد تحقق المهاياة الصحيحة، لأنّ معنى المهاياة أن لا يكون لمولاه سلطة عليه في نوبته.

ص: 372

الخاص (44)، و إذن الزّوج بالنسبة إلى الزّوجة إذا كان منافيا لحقّه (45)، و إذن الوالد أو الوالدة بالنسبة إلى ولدهما إذا كان مستلزما

______________________________

(44) لأنّه مع كون تمام منافعه ملكا للمستأجر حتى منفعة الاعتكاف يكون التصرف فيه تصرفا في ملك الغير، فيجب عليه الاستيذان منه، و أما لو لم يكن كذلك فإن كان الاعتكاف منافيا لحق المستأجر، فوجوب الاستيذان مبنيّ على مسألة الاقتضاء و قد ثبت في محلّه عدمه، و إن لم يكن منافيا فلا وجه للتوقف على إذنه أصلا، كما إذا استأجره لقراءة القرآن مطلقا، فاعتكف و قرأ القرآن.

(45) استدل له تارة: بأنّ الأمر بالشي ء يقتضي النّهي عن ضدّه. و أخرى: بأنّ منافع الزوجة للزوج، و ثالثة: بما ورد من أنّه ليس للزوجة أن تخرج من بيت زوجها بغير إذنه (1)، و رابعة: بأنّ الاعتكاف مشروط بالصوم و ليس لها أن تصوم بغير إذن زوجها كما تقدم (2).

و الكل مخدوش: أما الأول، فلما ثبت في محله من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه.

و أما الثاني فبأنّه ليس جميع منافع الزوجة ملكا للزوج، للأصل و إنّما له حق الاستمتاع فقط- كما يأتي في كتاب النكاح.

و أما الثالث فهو أعمّ من المدعى، إذ يمكن أن يأذن في الخروج و لم يأذن في الاعتكاف كما لا يخفى.

و أما الرابع فقد تقدم ما يتعلق بصومها مع عدم إذن الزوج فلا دليل على اعتبار إذنه بحيث يصح الاعتماد عليه، و قال في الجواهر: «ليس للمسألة مدرك على الظاهر- إلى أن قال- و لذا لم يعتبر إذنه بعض مشايخنا، و كذا

ص: 373


1- الوسائل باب: 79 و 85 من أبواب مقدمات النكاح.
2- تقدم في صفحة: 355.

لإيذائهما (46)، و أما مع عدم المنافاة و عدم الإيذاء فلا يعتبر إذنهم (47) و إن كان أحوط (48) خصوصا بالنسبة إلى الزّوج و الوالد (49).

الثامن: استدامة اللبث في المسجد

الثامن: استدامة اللبث في المسجد (50)، فلو خرج عمدا

______________________________

الوالدة و فيه أيضا بحث».

أقول: يمكن أن يقال: إنّه مع المخالفة للحق يكون نفس عمل الاعتكاف من مظاهر العصيان، فلا يصلح للتقرب به إلى اللّه تعالى.

ثمَّ إنه لو أذن لها في الاعتكاف و اعتكفت ليس له النهي في اليوم الثالث، إذ لا أثر لنهيه في الواجب، و لقوله (عليه السلام): «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(46) لأنّ الإيذاء حرام بلا كلام، فيكون الاعتكاف من مظاهر الطغيان و العصيان، فلا يصح التقرب به إلى اللّه عزّ و جل.

(47) للأصل، و الإطلاق، و عدم ما يصلح للتقييد.

(48) خروجا عن خلاف من اعتبر الإذن حتى مع عدم المنافاة و الإيذاء و إن لم يكن له دليل يعتمد عليه للإيجاب. نعم، يصلح للاحتياط.

ثمَّ إنّ للإيذاء مراتب كثيرة و مناشئ الإيذاء أيضا متعدّدة و في كل منها تفصيل لعل إجمال القول فيها و ترك التعرض للتفصيل أحسن و أولى.

(49) لكثرة القائلين بالاشتراط بالنسبة إليهما و إن لم يكن لهم دليل صحيح.

(50) إجماعا، و نصوصا:

منها: قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح داود بن سرحان:

«لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها» (2)، و قوله (عليه السلام) أيضا:

في صحيح ابن سنان: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة» (3).

ص: 374


1- الوسائل باب: 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7 (كتاب الحج).
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 6.

اختيارا لغير الأسباب المبيحة بطل (51) من غير فرق بين العالم بالحكم و الجاهل به (52) و أما لو خرج ناسيا أو مكرها، فلا يبطل (53)، و كذا لو خرج لضرورة عقلا أو شرعا أو عادة كقضاء الحاجة- من بول، أو

______________________________

(51) لأنّ ظاهر هذه النواهي كونها غيرية لا نفسية، فتدل على البطلان لا محالة.

(52) للإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة أنّ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه إلا مع الدليل على الخلاف و لا دليل عليه في المقام إلا احتمال شمول حديث الرفع (1)للجاهل القاصر.

و نوقش فيه: بأنّه في مقام نفي فعلية الواقع في ظرف الجهل لا إثبات الصحة لعمل الجاهل. و يمكن دفعها: بأنّ الحديث ورد للامتنان و التسهيل و مقتضاهما الصحة أيضا في مورد العذر المقبول كما في جميع موارد الأعذار المقبولة كالنسيان، و الغفلة و نحوهما. نعم، ادعي الإجماع على أنّ المقصّر الملتفت كالعالم، فإن تمَّ يعمل به و إلا فالعمل على الإطلاق الامتناني مع كثرة المقصرين خصوصا في أوائل الشريعة.

(53) لأنّ المتيقن من الإجماع، و المنساق من الأدلة أنّ الخروج المبطل ما كان عن عمد و اختيار لا ما كان عن عذر مقبول شرعا و عرفا، أو للضروريات العرفية، أو لقضاء حاجة المؤمن، أو جنازة كما في الخبر الآتي و يمكن أن يستفاد مما ورد في الأخيرين عدم البطلان في مثل الإكراه و النسيان بالأولى، مع أنّ الحكم موضع وفاق في النسيان و لم يعرف الخلاف في الإكراه إلا من المبسوط، و المعتبر و لا دليل لهم إلا الإطلاقات الدالة على اللبث و قد عرفت أنّ المنساق منها صورة العمد و الاختيار لا العذر المقبول و يمكن التمسك للصحة بحديث رفع الإكراه بنحو ما مرّ، فراجع.

ص: 375


1- الوسائل باب: 37 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 2.

غائط- أو للاغتسال من الجنابة أو الاستحاضة و نحو ذلك (54)، و لا يجب الاغتسال في المسجد (55)

______________________________

(54) نصوصا، و إجماعا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام)- كما تقدم-:

«و لا يخرج المعتكف عن المسجد إلا في حاجة» و عنه (عليه السلام) أيضا:

«ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة، أو جنازة، أو غائط» (1).

و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، ثمَّ لا يجلس حتى يرجع، و لا يخرج في شي ء إلا لجنازة، أو يعود مريضا، و لا يجلس حتى يرجع» (2).

و عن ابن مهران قال: «كنت جالسا عند الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ فلانا له عليّ مال و يريد أن يحبسني، فقال: و اللّه ما عندي مال فأقضي عنك قال: فكلمه قال: فلبس (عليه السلام) نعله، فقلت له: يا ابن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أنسيت اعتكافك؟! فقال (عليه السلام) له: لم أنس و لكنّي سمعت أبي يحدّث عن جدّي رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أنّه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم، فكأنّما عبد اللّه عزّ و جل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله» (3).

و المنساق من هذه الأدلة- مضافا إلى سهولة الشريعة- جواز الخروج لمطلق الحوائج المتعارفة شرعية كانت أم عرفية، كما سيأتي في [مسألة 30]، و الفقهاء حملوا ما ورد في الأخبار على مجرد المثال لكل حاجة عرفية أو شرعية و قد مثلوا للحوائج العرفية و الشرعية أمثلة كثيرة فراجع الجواهر و غيره.

(55) لأنّ الغسل في خارج المسجد من الحوائج المتعارفة التي يجوز له

ص: 376


1- الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 6.
2- الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 2.
3- الوسائل باب: 7 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.

و إن أمكن من دون تلويث (56) و إن كان أحوط (57) و المدار على صدق اللبث (58) فلا ينافيه خروج بعض أجزاء بدنه من يده أو رأسه أو نحوهما.

مسألة 1: لو ارتد المعتكف في أثناء اعتكافه بطل

(مسألة 1): لو ارتد المعتكف في أثناء اعتكافه بطل (59) و إن تاب بعد ذلك إذا كان في أثناء النّهار (60)، بل مطلقا على

______________________________

الخروج عن المسجد لها سواء أمكن ذلك في المسجد أم لا، لأنّ مقتضى الإطلاقات جواز الخروج لها و إن أمكن فعلها في المسجد.

ثمَّ إنّه لا يجوز للمحدث بالأكبر الغسل في المسجدين مطلقا، و في غيرهما إن توقفت على المكث و تقدم في (فصل ما يحرم على الجنب) بعض ما يرتبط بالمقام، فراجع إذ لا وجه للتكرار.

(56) و عدم استلزام المكث في غير المسجدين.

(57) تحفظا على عدم الخروج مهما أمكن.

(58) لأنّ المذكور في كلمات الفقهاء اللبث في المسجد و الاحتباس فيه و كل منهما عبارة أخرى عما ورد في الأخبار من عدم الخروج و لا يصدق الخروج عن المسجد على من كان في المسجد عرفا و أخرج يده، أو رجله، أو رأسه منه، لأنّ المراد بها الصدق العرفي لا الدقي العقلي بالنسبة لكل جزء من أجزاء بدن المعتكف.

ثمَّ إنّه ينبغي أن يعدّ من الشروط عدم حرمة اللبث في المسجد، لخوف على نفسه أو عرضه أو ماله، أو نحو ذلك، أو لأجل عروض حدث أكبر له.

(59) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و تقدم اشتراط صحة الاعتكاف و صحة الصوم بالإسلام.

(60) لأنّ ما صار باطلا لا ينقلب صحيحا و قد صار صومه و اعتكافه باطلا بارتداده، فلا يعود صحيحا إلا بالاستيناف.

ص: 377

الأحوط (61).

مسألة 2: لا يجوز العدول بالنية من اعتكاف إلى غيره و إن اتحدا في الوجوب و الندب

(مسألة 2): لا يجوز العدول بالنية من اعتكاف إلى غيره و إن اتحدا في الوجوب و الندب، و لا عن نيابة ميت إلى آخر أو إلى حيّ أو عن نيابة غيره إلى نفسه، أو العكس (62)

مسألة 3: الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد

(مسألة 3): الظاهر عدم جواز النيابة عن أكثر من واحد في اعتكاف واحد (63). نعم، يجوز ذلك، بعنوان إهداء الثواب، فيصح إهداؤه إلى متعدّدين أحياء أو أمواتا أو مختلفين (64).

مسألة 4: لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله

(مسألة 4): لا يعتبر في صوم الاعتكاف أن يكون لأجله بل

______________________________

(61) مقتضى جزمه (رحمه اللّه) في الشرط الخامس أنّ الليلتين المتوسطتين داخلتان في الاعتكاف الجزم بالبطلان هنا أيضا، لأنّ الإسلام شرط في الاعتكاف و قد بطل بالارتداد، و كذا لو حصل الجنون، أو الإغماء أو السكر في الليلتين المتوسطتين و يأتي في [مسألة 1] من (فصل أحكام الاعتكاف) أنّه لا فرق في حرمة محرّمات الاعتكافية بين اليوم و الليلة، فيكون كذلك ما يفسده أيضا.

(62) كل ذلك لأصالة عدم جواز العدول من نية إلى أخرى إلا ما خرج بالدليل و قد تقدم في الصلاة و الصوم أيضا.

(63) لأصالة عدم مشروعيتها إلا إذا دل عليه دليل بالخصوص و لا دليل كذلك في المقام إلا الإطلاقات الواردة في أصل النيابة في الحج و نحوه و ما ورد في القضاء عن الوالدين- كما تقدم- و هي في مقام بيان أصل تشريعها فلا وجه للتمسك بها لسائر الخصوصيات و الكيفيات.

(64) لأنّ الثواب حق للعامل حصل له بفعله و عمله، و له أن يهديه إلى كل من شاء و أراد واحدا كان المهديّ إليه أو متعدّدا، متحدا كان أو مختلفا، مضافا إلى ظهور الإجماع على صحته، و يشهد به العرف أيضا.

ص: 378

يعتبر فيه أن يكون صائما أيّ صوم كان، فيجوز الاعتكاف مع كون الصّوم استيجاريا أو واجبا من جهة النذر و نحوه (65)، بل لو نذر الاعتكاف يجوز له بعد ذلك أن يوجر نفسه للصّوم و يعتكف في ذلك الصّوم (66) و لا يضرّه وجوب الصّوم عليه بعد نذر الاعتكاف، فإنّ الذي يجب لأجله هو الصّوم الأعمّ من كونه له أو بعنوان آخر، بل لا بأس بالاعتكاف المنذور مطلقا في الصّوم المندوب الذي يجوز له قطعه (67)، فإن لم يقطعه تمَّ اعتكافه و إن قطعه انقطع و وجب عليه الاستيناف.

______________________________

(65) لاعتكاف النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في شهر الصيام، و ظهور اتفاق الأعلام، و ورود الأخبار في الاعتكاف في شهر رمضان(1)، و لأنّ المنساق من النصوص أنّ نسبة الصوم إلى الاعتكاف نسبة الطهارة إلى الصلاة و الطواف فيصح بكل صوم صحيح كما يصحان بكل طهارة صحيحة.

(66) لأنّ نذر الاعتكاف تعلق بما هو جائز شرعا، و المفروض جوازه بكل صوم بأيّ وجه وقع و لا فرق فيه بين كون الإيجار قبل تعلق النذر بالاعتكاف أو بعده لجريان ما قلناه في الصورتين. نعم، لو نذر صوم أيام معينة لخصوص الاعتكاف فقط يصير الإيجار للصوم فيها من صغريات مسألة الضد و يأتي في [مسألة 6] بعض ما يتعلق بالمقام.

(67) لأنّه لا معنى لكون الصوم مندوبا إلا جواز قطعه و الإفطار فيه متى شاء و لا ينافي عروض الاعتكاف الواجب بالنذر عليه، إذ يجوز قطع الاعتكاف أيضا، لفرض كونه مطلقا، فهذا الاعتكاف الواجب المطلق بالنذر لا يزيد حكمه على أصل الاعتكاف المندوب في اليومين الأولين في جواز القطع، و في اليوم الآخر في عدم جوازه كما يأتي في المسألة التالية.

ص: 379


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.

مسألة 5: يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأولين

(مسألة 5): يجوز قطع الاعتكاف المندوب في اليومين الأولين (68) و مع تمامهما يجب الثالث. و أما المنذور، فإن كان معيّنا، فلا يجوز قطعه مطلقا و الا فكالمندوب (69).

______________________________

(68) للأصل، و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم:

«إذا اعتكف الرجل يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج، و أن يفسخ الاعتكاف و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام» (1) و نسب ذلك إلى الأشهر.

ثمَّ إنّ الأقوال في المسألة بين الإفراط و التفريط: فعن الشيخ، و الحلبي و ابن زهرة عدم جواز القطع مطلقا حتى في اليومين الأولين، للإجماع الذي ادعاه الأخير، و لما دل على حرمة إبطال العمل، و ما دل على ثبوت الكفارة بالجماع حتى في اليومين الأولين كما يأتي في [مسألة 9] من الفصل التالي.

و الكل مخدوش: أما الأول: فلعدم تماميته في نفسه و على فرض التمامية، فلا يعارض ما تقدم من النص الصحيح.

و أما الثاني: فبعدم تمامية الدليل عليها كما مرّ مرارا، مع أنّ الصحيح يصلح لتقييده و الأخير: يمكن أن يكون لهتك الحرمة لا لحرمة الإبطال.

و عن الحلي، و المعتبر، و العلامة جواز القطع مطلقا حتى في اليوم الثالث، لاستصحاب جوازه، و أصالة البراءة عن حرمته، و يكفي في ردهم ما تقدم من الصحيح.

(69) أما الأول، فلوجوب الوفاء بالنذر كما وقع. و أما الأخير، فلأنّ النذر مطلق و موسع تعلق بالاعتكاف المشروع جواز رفع اليد عنه في اليومين

ص: 380


1- الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.

مسألة 6: لو نذر الاعتكاف في أيّام معينة و كان عليه صوم منذور أو واجب

(مسألة 6): لو نذر الاعتكاف في أيّام معينة و كان عليه صوم منذور أو واجب، لأجل الإجارة يجوز له أن يصوم في تلك الأيّام وفاء عن النذر أو الإجارة (70). نعم، لو نذر الاعتكاف في أيّام مع قصد كون الصّوم له و لأجله لم يجز عن النذر أو الإجارة (71).

مسألة 7: لو نذر اعتكاف يوم أو يومين

(مسألة 7): لو نذر اعتكاف يوم أو يومين، فإن قيّد بعدم الزيادة بطل نذره، و إن لم يقيّده صح و وجب ضمّ يوم أو يومين (72).

مسألة 8: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد، فاتفق كون الثالث عيدا بطل من أصله

(مسألة 8): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام معيّنة أو أزيد، فاتفق كون الثالث عيدا بطل من أصله (73)، و لا يجب عليه قضاؤه لعدم انعقاد نذره لكنّه أحوط (74).

______________________________

الأولين، و النذر لا يكون مشرعا، فما يظهر من الشرائع من وجوب المضيّ فيه مخدوش.

(70) لما تقدم من صحة الاعتكاف بكل صوم مشروع، و إجزاء كل صوم عن الصوم المشروط في الاعتكاف مطلقا و تقييده بالنذر لا يوجب و لا يستلزم تقييد الصوم به بأيّ وجه من وجوه الاستلزام.

(71) أما مع النسيان و الغفلة، فالظاهر الصحة، لعدم فعلية الأمر الذي تعلق به من جهة الاعتكاف المنذور فيه الصوم، فيكون المقتضي لصحة الصوم موجودا و المانع عنه مفقودا. و أما مع العلم و الالتفات إليه، ففيه إشكال تقدم في [مسألة 7] من أول كتاب الصوم فراجع.

(72) لكون متعلق النذر في الأول غير مشروع، فيبطل لا محالة بخلاف الثاني، فإنّه يمكن تصحيحه شرعا بضم الثالث.

(73) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه من غير دليل على الخلاف.

(74) الأحوط أن يأتي بالقضاء بقصد الرجاء إذ لا أمر بالأداء حتى يمكن له قصد الأمر، بل و لا ملاك أيضا إلا الملاك الاعتقادي مع كشف الخلاف.

ص: 381

مسألة 9: لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل

(مسألة 9): لو نذر اعتكاف يوم قدوم زيد بطل (75) إلا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر، و لو نذر اعتكاف ثاني يوم قدومه صح و وجب عليه ضمّ يومين آخرين (76).

مسألة 10: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد

(مسألة 10): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد (77).

مسألة 11: لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأولى فيه

(مسألة 11): لو نذر اعتكاف ثلاثة أيّام أو أزيد لم يجب إدخال الليلة الأولى فيه (78) بخلاف ما إذا نذر اعتكاف شهر فإنّ الليلة الأولى جزء من الشهر (79).

مسألة 12: لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين و إن كان ناقصا

(مسألة 12): لو نذر اعتكاف شهر يجزئه ما بين الهلالين و إن كان ناقصا، و لو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوما (80).

______________________________

(75) بناء على عدم كفاية التلفيق و عدم كونه صائما حين القدوم و إلا فالظاهر الصحة.

(76) لوجود المقتضي و فقد المانع للوفاء بالنذر، فيجب الوفاء به.

(77) لأنّه من النذر غير المشروع، و لما تقدم من دخول الليلتين المتوسطتين في الاعتكاف فلا موضوع للصحة حينئذ

(78) لما تقدم من خروجها و خروج الليلة الأخيرة عن الاعتكاف.

(79) بلا إشكال فيه من أحد لا لغة، و لا عرفا، و لا شرعا و قد تعلق نذره باعتكاف الشهر، فيجب الوفاء به بالاعتكاف في تمام أجزاء الشهر و منها الليلة الأولى.

(80) أما الأول فلصدق الشهر عليه لغة و عرفا، و لكن يجب عليه التتميم بيوم آخر بناء على وجوب كل ثالث من اليومين. و أما الأخير فلظهور الإطلاق في الكامل عند إرادة المقدار من الشهر كما هو كذلك، في كل مورد.

ص: 382

مسألة 13: لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع

(مسألة 13): لو نذر اعتكاف شهر وجب التتابع (81)، و أما لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق (82) ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون يوما، بل لا يبعد جواز التفريق يوما فيوما (83) و يضمّ إلى كلّ واحد يومين آخرين، بل الأمر كذلك في كلّ مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع (84).

مسألة 14: لو نذر الاعتكاف شهرا أو زمانا على وجه التتابع

(مسألة 14): لو نذر الاعتكاف شهرا أو زمانا على وجه التتابع سواء شرطه لفظا أو كان المنساق منه ذلك، فأخلّ بيوم أو أزيد بطل (85) و إن كان ما مضى ثلاثة فصاعدا (86) و استأنف آخر مع مراعاة التتابع فيه (87) و إن كان معيّنا و قد أخلّ بيوم أو أزيد وجب قضاؤه

______________________________

(81) لأنّه المنساق من اعتكاف الشهر عرفا و الأدلة منزلة على المنساق العرفي.

(82) لصحة إطلاق مقدار الشهر على المتتابع و المفرق في المحاورات العرفية المعتبرة.

(83) لتحقق مقدار الشهر هكذا أيضا، فينطبق عليه امتثال النذر و منه يعلم أنّه يجوز التفريق يومين بيومين، فيضم إلى كل منهما ثالث و الوجه في ذلك كله ظهور الإطلاق الشامل للجميع

(84) لأنّه لو كان المنساق منه ذلك يتعيّن التتابع حينئذ لتنزيل الأدلة عليه عرفا.

(85) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه سواء كان الشرط ذكريا أم انسباقيا.

(86) لأنّ المفروض اعتبار التتابع في جميع أيام الاعتكاف لا في بعضه دون بعض.

(87) لعموم دليل وجوب الوفاء بالنذر بعد كون ما أتى به لم يجز عن المنذور لفقد شرطه، و المفروض أنّ نذره مطلق و ليس بمعيّن، فيجب الإتيان به لا محالة، فلا بد من الاستيناف.

ص: 383

و الأحوط التتابع فيه (88) أيضا و إن بقي شي ء من ذلك الزمان المعيّن بعد الإبطال بالإخلال فالأحوط ابتداء القضاء منه (89).

مسألة 15: لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع

(مسألة 15): لو نذر اعتكاف أربعة أيّام فأخلّ بالرابع و لم يشترط التتابع و لا كان منساقا من نذره (90) وجب قضاء ذلك اليوم و ضمّ يومين آخرين (91)

______________________________

(88) أما أصل وجوب القضاء، فلظهور الإجماع عليه و عدم الخلاف فيه، و قوله (عليه السلام): «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (1)بناء على شموله للفريضة بالعرض أيضا، فيجب قضاء المنذور بتمامه لفرض عدم الإتيان به من جهة فقد الشرط.

و أما لزوم التتابع في القضاء فإن كان ملحوظا في المنذور مطلقا، فالظاهر وجوبه في القضاء أيضا، لأنّه حينئذ من شرط الصحة و إن لم يكن كذلك، فالدليل منحصر لشمول قوله (عليه السلام): «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»، و قوله (عليه السلام): «يقضي ما فاته كما فاته» (2) لمثل التتابع أيضا.

و يمكن الخدشة فيه: بأنّه يشمل أصل وجوب القضاء لا جميع كيفيات الأداء، و كذا المتيقن من الإجماع على القضاء ذلك أيضا، فتأمل.

(89) لأنّه بعض مراتب الميسور من الأداء حينئذ فلا بد من الاحتياط فيه.

(90) لأنّه مع اشتراط التتابع أو انسباقه من النذر وجب عليه قضاء تمام أربعة أيام، لعدم وفائه بنذره مع الإخلال بالتتابع.

(91) يدل على أصل وجوب القضاء ظهور الإجماع، و عدم الخلاف و حيث إنّه لا اعتكاف أقلّ من ثلاثة أيام وجب عليه ضم يومين آخرين مقدمة

ص: 384


1- تقدم في صفحة: 286.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب قضاء الصلاة حديث: 1.

و الأولى جعل المقضيّ أول الثلاثة (92) و إن كان مختارا في جعله أيّا منها شاء.

مسألة 16: لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادسا

(مسألة 16): لو نذر اعتكاف خمسة أيّام وجب أن يضمّ إليها سادسا (93) سواء تابع أو فرّق بين الثلاثتين.

مسألة 17: لو نذر زمانا معينا شهرا أو غيره و تركه نسيانا أو عصيانا

(مسألة 17): لو نذر زمانا معينا شهرا أو غيره و تركه نسيانا أو عصيانا أو اضطرارا وجب قضاؤه (94) و لو غمّت الشهور، فلم يتعيّن عنده ذلك المعيّن عمل بالظنّ (95) و مع عدمه يتخيّر بين موارد الاحتمال (96).

______________________________

لوجوب قضاء النذر الواجب.

(92) لما قيل: من أنّه لا يجوز جعله اليوم الثالث، لأنّه واجب فلا يصح قصد الوجوب، و لا اليوم الثاني، لأنّه حينئذ يصوم اليوم الأول بقصد الندب و لا يصح هذا القصد منه، لاشتغال ذمته بالصوم الواجب للاعتكاف، و تقدم أنّه لا يصح الصوم المندوب عمّن عليه الواجب.

و يرد الأول: بأنّه لا بأس بأن يكون لشي ء واحد جهات من الوجوب كما هو واضح.

و الثاني: بأنّه لا ريب في وجوب هذا الاعتكاف عليه لأجل القضاء، فيتصف صومه بالوجوب أيضا، و الوجوب العارضي لا ينافي الندب الذاتي، مع أنّ كل ذلك مبنيّ على اعتبار قصد الوجوب و الندب و لا دليل عليه بل مقتضى الأصل عدمه و منه يظهر وجه التخيير في جعله أيا منها شاء.

(93) لما دل على وجوب الثالث في كل اثنين الشامل للمنذور و المندوب، و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين الجمع في الثلاثتين أو التفريق بينهما.

(94) إجماعا، و عن المدارك أنّه مقطوع به بين الأصحاب.

(95) لانحصار طريق الامتثال به بعد عدم إمكان الاحتياط.

(96) لحكم العقل بذلك بعد عدم الترجيح.

ص: 385

مسألة 18: يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد

(مسألة 18): يعتبر في الاعتكاف الواحد وحدة المسجد (97) فلا يجوز أن يجعله في المسجدين سواء كانا متصلين أو منفصلين.

نعم، لو كانا متصلين على وجه يعدّ مسجدا واحدا فلا مانع (98).

مسألة 19: لو اعتكف في مسجد ثمَّ اتفق مانع من إتمامه فيه من خوف أو هدم أو نحو ذلك بطل

(مسألة 19): لو اعتكف في مسجد ثمَّ اتفق مانع من إتمامه فيه من خوف أو هدم أو نحو ذلك بطل (99) و وجب استينافه أو قضاؤه (100) إن كان واجبا في مسجد آخر أو ذلك المسجد إذا ارتفع عنه المانع و ليس له البناء سواء كان في مسجد آخر أو في ذلك المسجد بعد رفع المانع (101).

مسألة 20: سطح المسجد و سردابه و محرابه منه ما لم يعلم خروجها

(مسألة 20): سطح المسجد و سردابه و محرابه منه ما لم يعلم خروجها، و كذا مضافاته إذا جعلت جزءا منه كما لو وسع فيه (102).

______________________________

(97) لأنها المنساق من الأدلة و قد جرت به السنة فتوى و عملا.

(98) لوجود المقتضي حينئذ للصحة و فقد المانع عنها.

(99) لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

(100) الأول في النذر المطلق و الأخير في النذر المعيّن.

(101) أما عدم جواز البناء في مسجد آخر، فلما تقدم من اعتبار اتحاد المسجد في الاعتكاف الواحد فلا يصح حدوثا و بقاء في المتعدد.

و أما عدم جوازه في ذلك المسجد، فإن طال المانع بحيث عد اللاحق غير الأول عرفا، فلا يجوز أيضا، لعدم صدق وحدة الاعتكاف حينئذ، و أما إذا لم يطل و كان بحيث عد اللاحق و السابق متحدا عند المتشرعة فلا دليل على عدم الإجراء، بل مقتضى الإطلاقات الدالة على جواز الخروج للحوائج العرفية صحة البناء، لأنّ المقام من أحدها عرفا.

(102) كل ذلك للسيرة، و ظاهر الحال، فلا وجه لجريان أصالة عدم المسجدية مع هذه الأمارة العرفية.

ص: 386

مسألة 21: إذا عيّن موضعا خاصّا من المسجد محلا لاعتكافه لم يتعيّن

(مسألة 21): إذا عيّن موضعا خاصّا من المسجد محلا لاعتكافه لم يتعيّن و كان قصده لغوا (103).

مسألة 22: قبر مسلم و هاني ليس جزءا من مسجد الكوفة على الظاهر

(مسألة 22): قبر مسلم و هاني ليس جزءا من مسجد الكوفة على الظاهر (104).

مسألة 23: إذا شك في موضع من المسجد أنّه جزء منه أو من مرافقه لم يجر عليه حكم المسجد

(مسألة 23): إذا شك في موضع من المسجد أنّه جزء منه أو من مرافقه لم يجر عليه حكم المسجد (105).

مسألة 24: لا بد من ثبوت كونه مسجدا و جامعا بالعلم الوجداني

(مسألة 24): لا بد من ثبوت كونه مسجدا و جامعا بالعلم الوجداني، أو الشياع المفيد للعلم، أو البينة الشرعية (106) و في كفاية خبر العدل الواحد إشكال، و الظاهر كفاية حكم الحاكم الشرعيّ (107).

مسألة 25: لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية

(مسألة 25): لو اعتكف في مكان باعتقاد المسجدية أو

______________________________

(103) لأصالة البراءة، و أصالة عدم التعيين بمجرّد القصد. نعم، لو كان التعيين بملزم شرعيّ من نذر أو شرط في ضمن عقد لازم أو نحو ذلك يتعيّن حينئذ إن كان في البين غرض عقلائيّ فيه.

(104) لوجود الجدار الحاجز قديما و حديثا، و عدم معهودية الدفن في المسجد عند المسلمين، و أصالة عدم كون محلّ قبرهما من المسجد، فلا يصح الاعتكاف فيهما.

(105) لأصالة عدم كونه مسجدا و معنونا بهذا العنوان الخاص.

(106) لأصالة عدم ترتيب الأثر إلا بالحجة المعتبرة و العلم و البينة حجة معتبرة.

(107) تقدم غير مرّة وجه الإشكال في الاكتفاء بقول العدل الواحد راجع [مسألة 6] من (فصل ماء البئر) و غيرها.

و أما الثبوت بحكم الحاكم في مورد الخصومة، فلدليل اعتباره فيها، بل و كذا في غيرها، لعموم دليل اعتباره كما مرّ في ثبوت الهلال بحكمه.

ص: 387

الجامعية، فبان الخلاف تبيّن البطلان (108).

مسألة 26: لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل و المرأة

(مسألة 26): لا فرق في وجوب كون الاعتكاف في المسجد الجامع بين الرجل و المرأة، فليس لها الاعتكاف في المكان الذي أعدّته للصلاة في بيتها بل و لا في مسجد القبيلة و نحوها (109).

مسألة 27: الأقوى صحة اعتكاف الصبيّ المميز، فلا يشترط فيه البلوغ

(مسألة 27): الأقوى صحة اعتكاف الصبيّ المميز، فلا يشترط فيه البلوغ (110).

مسألة 28: لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل

(مسألة 28): لو اعتكف العبد بدون إذن المولى بطل، و لو أعتق في أثنائه لم يجب عليه إتمامه (111) و لو شرع فيه بإذن المولى ثمَّ أعتق في الأثناء، فإن كان في اليوم الأول أو الثاني لم يجب عليه الإتمام إلا أن يكون من الاعتكاف الواجب، و إن كان بعد تمام اليومين وجب عليه الثالث، و إن كان بعد تمام الخمسة وجب

______________________________

(108) لتعلق الحكم بالواقع دون الاعتقاد كما في سائر الموضوعات، فمع تبين الخلاف لا وجه للصحة.

(109) كل ذلك لظهور الإطلاق، و الاتفاق، و قاعدة الاشتراك إلا أن يدل دليل على التخصيص و هو مفقود، مضافا إلى ما يأتي في أخبار الباب من قولهم (عليهم السلام): «و المرأة مثل ذلك».

(110) لشمول العمومات، و الإطلاقات للصبيّ أيضا، و حديث الرفع (1) إنّما يرفع الإلزام الموافق للتسهيل و الامتنان دون أصل التشريع الذي فيه مصلحة التمرين و غيرها من سائر المصالح غير الملزمة، فهو مثل البالغين بالنسبة إلى الملاك و الخطاب و إنّما رفع الإلزام فقط امتنانا.

(111) أما البطلان، فلما تقدم من اشتراط صحته من المملوك بإذن المولى. و أما عدم وجوب الإتمام، فلأنّه لا وجه لوجوب إتمام ما انعقد باطلا و فاسدا.

ص: 388


1- الوسائل باب: 37 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 2.

السادس (112).

مسألة 29: إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه ما لم يمض يومان

(مسألة 29): إذا أذن المولى لعبده في الاعتكاف جاز له الرجوع عن إذنه ما لم يمض يومان، و ليس له الرجوع بعدهما لوجوب إتمامه حينئذ (113)، و كذا لا يجوز له الرجوع إذا كان الاعتكاف واجبا بعد الشروع فيه من العبد (114).

مسألة 30: يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة

(مسألة 30): يجوز للمعتكف الخروج من المسجد لإقامة الشهادة، أو لحضور الجماعة، أو لتشييع الجنازة و إن لم يتعيّن عليه هذه الأمور، و كذا في سائر الضرورات العرفية، أو الشرعية الواجبة، أو الراجحة سواء كانت متعلقة بأمور الدّنيا أو الآخرة مما يرجع مصلحته إلى نفسه أو غيره (115)، و لا يجوز الخروج اختيارا

______________________________

(112) كل ذلك، لأنّه حينئذ اعتكاف صحيح شرعي، فيجري عليه جميع أحكامه، و هذه كلها أحكام الاعتكاف الصحيح كما مرّ.

(113) أما الأول، فلقاعدة السلطنة. و أما الأخير فلقاعدة أنّه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (1).

(114) إن كان واجبا مضيقا و موسعا و قلنا بوجوب إتمامه بمجرّد الشروع فيه و إلا فحكمه حكم اليومين الأوليين.

(115) للإجماع، و النص، و قد تقدّم في الشرط الثامن فراجع. و من الحوائج الأغسال المندوبة كغسل يوم الجمعة و ليالي شهر رمضان، و نحوها، و قد ذكر الخروج لتشييع الجنازة، و عيادة المرضى في خبر الحلبي (2)، و تقدم الخروج لقضاء حاجة المؤمن في خبر ابن مهران (3)فراجع. و لو كان المعتكف إمام جماعة، أو أهل وعظ و إرشاد يجوز له الخروج لذلك ثمَّ الرجوع، لأنّ

ص: 389


1- تقدم في صفحة: 373.
2- تقدما في صفحة: 375.
3- تقدما في صفحة: 375.

بدون أمثال هذه المذكورات (116).

مسألة 31: لو أجنب في المسجد و لم يمكن الاغتسال فيه وجب عليه الخروج

(مسألة 31): لو أجنب في المسجد و لم يمكن الاغتسال فيه (117) وجب عليه الخروج و لو لم يخرج بطل اعتكافه لحرمة لبثه فيه (118).

مسألة 32: إذا غصب مكانا من المسجد سبق إليه غيره

(مسألة 32): إذا غصب مكانا من المسجد سبق إليه غيره بأن أزاله و جلس فيه، فالأقوى بطلان اعتكافه لحرمة لبثه فيه (119)، و كذا

______________________________

ذلك كلّه من المصالح.

(116) إجماعا، و نصّا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «و لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة»(1)، و يأتي في بعض الأخبار من قوله (عليه السلام): «و لا ينبغي أن يخرج من المسجد» محمول على الحرمة أيضا بقرينة الإجماع. و الظاهر أنّ حرمة الخروج في اليومين الأوليين وضعية و في اليوم الأخير تكليفية و وضعية كما أنّ الظاهر أنّ مجرّد الخروج لغير حاجة يوجب البطلان و إن لم يطل زمانه.

(117) بنحو المرور في غير المسجدين لا اللبث. و أما فيهما فلا يجوز لا مرورا و لا لبثا، كما مرّ تفصيل ذلك كله في كتاب الطهارة.

(118) فيفسد لا محالة من جهة النهي عن اللبث، و كذا في كل مورد حرم اللبث لخوف أو ضرورة، أو نحوهما فيفسد الاعتكاف، لأنّه من النهي في العبادة الموجب للفساد كما ثبت في محله. نعم، لو صادفت الجنابة آخر اليوم الثالث بحيث تقارن الخروج و الاغتسال و انقضاء الوقت، فالظاهر الصحة و كذا في الحوائج التي يجوز الخروج لها كما إذا خرج لتشييع الجنازة في الساعة الأخيرة من اليوم الثالث و فرغ من التشييع أول الغروب.

(119) البحث في هذه المسألة تارة: بحسب القاعدة. و أخرى:

ص: 390


1- تقدم في صفحة: 374.

.....

______________________________

بحسب النص. و ثالثة: بحسب الاعتبار. و رابعة: بحسب الكلمات.

أما الأول فلا ريب في أنّ المشتركات كالمباحات لا تختص بأحد دون أحد «و جميع الناس فيها شرع سواء باتفاق المسلمين، بل العقلاء، و لا يحصل حق الاختصاص إلا بالحيازة و السبق، فمن سبق إلى مكان في المسجد لغرض- كالصلاة، أو الاعتكاف- يكون أحق به و ليس لأحد إزعاجه سواء وافق غرضه غرض السابق أو خالف و هذا من المسلّمات شرعا و عرفا.

و إنّما البحث في أنّ هذه الأحقية من مجرّد الأحقية المجاملية لا تترتب عليه أحكام، و إن كانت المزاحمة من القبائح و المستنكرات، أو تترتب عليه أحكام الغصب مضافا إلى ذلك.

و بعبارة أخرى: الحق هنا من قبل الوصف بحال السابق إلى المحل أي:

يحرم ظلمه و إزعاجه. أو من قبل الوصف بحال نفس المحل بحيث حصل للسابق فيه حق فأخذه منه يكون غصبا و يترتب عليه أحكامه.

قد يقال: بالأول، لأصالة عدم ترتب أحكام الغصب، و لعدم تعرض الفقهاء للصلح، و أخذ العوض، و الإرث بالنسبة إلى هذا الحق، و لأصالة الصحة و عدم المانعية فيما لو أزعجه شخص و صلّى أو اعتكف في محله.

و الكل باطل، أما الأول: فلأنّ المتشرعة يشهدون بخلافه و يتنزهون عن الصلاة أو الاعتكاف في محل أزعج صاحبه عنه بالقهر و الظلم، و مقتضى هذا ترتب آثار الغصب عليه و هو بمنزلة الأمارة المقدمة على الأصل.

و أما الثاني: فلأنّ عدم تعرضهم أعمّ من ذلك كما هو معلوم، مع أنّه ليس في البين دليل على أنّ كل حق لا يجوز الإرث، و أخذ العوض بالنسبة إليه لا يتعلق به الغصب و أحكامه، بل هذا من مجرّد الدعوى فقط.

و أما الأخير: فهو مخالف لاستصحاب بقاء كليّ الحق، و مخالف لسيرة المتشرعة من استنكارهم لذلك و تنزههم عنه و يأتي باقي الكلام في كتاب إحياء الموات عند بيان المشتركات.

أما الثاني: فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر طلحة بن

ص: 391

إذا جلس على فراش مغصوب، بل الأحوط الاجتناب عن الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب مغصوب أو آجر مغصوب على وجه لا يمكن إزالته و إن توقف على الخروج خرج على الأحوط و أما

______________________________

يزيد: «سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل» (1).

و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن إسماعيل: «قلت له:

نكون بمكة أو بالمدينة، أو الحيرة، أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربما خرج الرجل يتوضّأ، فيجي ء آخر فيصير مكانه قال (عليه السلام): من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه و ليلته» (2).

و نوقش فيهما أولا: بضعف السند، و أنّ الأحقية أعمّ من ثبوت الغصب الاصطلاحي مع إزعاجه ثانيا، و بالتنافي بينهما في تحديد زمان الأحقية ثالثا.

و الكل مخدوش:

أما الأول: فلا وجه لمناقشة السند في هذه الأخبار التي اعتمد عليها الفقهاء في كل طبقة، و نزّلوها منزلة القواعد الكلية و فرّعوا عليها فروعا و أحكاما في المشتركات، و متنها يشهد بالوثوق بالصدور.

أما الثاني: فإنّ المنساق من الأحقية عرفا في جميع موارد الاستعمالاته:

أنّ قطع استيلائه عن مورد حقه بدون رضاه و طيب نفسه يكون ظلما و عدوانا و هذا هو عين الغصب الاصطلاحي في الكتاب و السنة و اصطلاح الفقهاء و إرادة غير ذلك يحتاج إلى قرينة و هي مفقودة.

و أما الثالث: فلا يضر ثبوت أصل الأحقية أولا، و ثانيا يمكن حمله على اختلاف الأغراض، ففي الأماكن- مقدسة كانت أو غيرها- تارة يطلب فيه البقاء إلى الليل. و أخرى: يطلب فيها بقاء اليوم و الليلة، كما أنّه يمكن الأخذ

ص: 392


1- الوسائل باب: 56 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.
2- الوسائل باب: 56 من أبواب أحكام المساجد حديث: 1.

.....

______________________________

بالأقل و حمل الأكثر على مطلق الرجحان و يأتي في أحكام المشتركات بعض الكلام هذا.

أما الثالث: أي البحث حسب الاعتبارات العرفية فلا ريب في أنّ العرف يرى للسابق حقا فيما سبق إليه، و ربما يحصل بينه و بين من أزعجه نزاع و تشاجر و الناس كلّهم يقولون: إنّ الحق مع السابق و لا يخفي ذلك على كل من تأمل في المشتركات عند سبق بعض إليها و مزاحمة آخر له.

أما الرابع: و هي كلمات الفقهاء، فإنّها مختلفة حتى من فقيه واحد في موضعين من كتابه و لكن لا اعتبار بها ما لم يكن إجماعا معتبرا. و من ذلك كله ظهر أنّ الأقوى بطلان الاعتكاف. ثمَّ إنّ المناط في البطلان هو أن يعد نفس الكون محرّما. و أما إن عدّ الكون مباحا و كان من التصرف في المحرّم، فيصح الاعتكاف و إن أثم في التصرف. و مع الشك في أنّه من أيّهما يجري استصحاب الصحة إن كان مسبوقا بها، و أصالة البراءة عن المانعية مع عدم السبق و منه يعلم حكم الجلوس على الفراش المغصوب، و الجلوس على أرض المسجد المفروش بتراب أو آجر مغصوب إذ لا ريب في حرمة التصرف في الجميع و مقتضى الأصل كما مرّ صحة الاعتكاف، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط.

فروع- (الأول): لو سبق شخص في محل من المسجد إلى الصلاة فيه، أو قراءة القرآن، أو الدعاء، فزاحمه غيره، فاعتكف فيه، فالحكم كذلك من غير فرق.

(الثاني): لو كانت مدة سبق الغير محدودة بحدّ معين- كساعتين أو ثلاث ساعات مثلا- فزاحمه و اعتكف فيه هذه المدّة لا يصح الاعتكاف في هذه المدّة بلا إشكال، بل يبطل أصل الاعتكاف أيضا، لأنّه قطع استمرار المكث بلا عذر شرعيّ.

(الثالث): لو أزال معتكف معتكفا آخر عن محلّه و اعتكف ثمَّ بعد الفراغ أجاز المعتكف الأول، فصحة اعتكاف الثاني مبنية على جريان الفضولي في مثل ذلك، و يمكن جريانه لو لم يكن إجماع على الخلاف.

ص: 393

إذا كان لابسا لثوب مغصوب أو حاملا له، فالظاهر عدم البطلان (120).

مسألة 33: إذا جلس على المغصوب ناسيا، أو جاهلا، أو مكرها، أو مضطرا لم يبطل اعتكافه

(مسألة 33): إذا جلس على المغصوب ناسيا، أو جاهلا، أو مكرها، أو مضطرا لم يبطل اعتكافه (121).

مسألة 34: إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه

(مسألة 34): إذا وجب عليه الخروج لأداء دين واجب الأداء عليه، أو لإتيان واجب آخر متوقف على الخروج و لم يخرج أثم، و لكن لا يبطل اعتكافه على الأقوى (122).

مسألة 35: إذا خرج عن المسجد لضرورة

(مسألة 35): إذا خرج عن المسجد لضرورة، فالأحوط مراعاة أقرب الطّرق (123) و يجب عدم المكث إلا بمقدار الحاجة و الضّرورة (124) و يجب أيضا أن لا يجلس تحت الظّلال مع الإمكان (125)،

______________________________

(120) لأنّه لا يصير بذلك من الكون المحرّم قطعا، بل هو من التصرف في الحرام عرفا، و في مثله لا وجه لبطلان أصل الاعتكاف.

(121) لسقوط النهي لأجل هذه الأعذار عن الفعلية، فلا نهي حتى يحرم الكون، فيبطل بذلك الاعتكاف.

(122) لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه كما ثبت في محله.

(123) لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها و مع التمكن من الأقرب يكون المشي في الأبعد مكثا زائدا على الضرورة، فيوجب البطلان إلا إذا كان يسيرا يتسامح فيه عرفا، و لعل تردده (قدّس سرّه) من جهة احتمال الجمود على الإطلاقات و هو مشكل، لعدم كونها في مقام بيان هذه الجهات.

(124) لأنّه المنساق مما دل على عدم جواز الخروج إلا للحاجة مضافا إلى ظهور الإجماع عليه.

(125) إجماعا، و نصّا قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح ابن

ص: 394

بل الأحوط أن لا يمشي تحته أيضا (126)، بل الأحوط عدم الجلوس مطلقا إلا مع الضّرورة (127).

مسألة 36: لو خرج لضرورة و طال خروجه بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل

(مسألة 36): لو خرج لضرورة و طال خروجه بحيث انمحت صورة الاعتكاف بطل (128).

مسألة 37: لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون

(مسألة 37): لا فرق في اللبث في المسجد بين أنواع الكون من القيام و الجلوس و النوم و المشي و نحو ذلك- فاللازم

______________________________

سرحان: «و لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك» (1)، و التقييد بالإمكان لتنزل الأدلة عليه عرفا.

(126) نسب عدم الجواز إلى جمع منهم الشيخ (رحمه اللّه)، و عن الانتصار دعوى الإجماع على أنّ المعتكف لا يستظل بسقف، و في الاكتفاء بمثل هذه الإجماعات في الحكم إشكال، و مقتضى الأصل و الإطلاق الجواز و لا ينبغي ترك الاحتياط.

(127) نسب عدم الجواز إلى الأكثر، لإطلاق قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر الحلبي: «لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ثمَّ لا يجلس حتى يرجع». و فيه: أنّه يمكن تقييده بقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن سرحان: «و لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك» (2) إلا أن يقال: إنّ لكل منهما حكما مستقلا غير مربوط بالآخر.

(128) لانعدام الموضوع بانعدام الهيئة و الصورة عرفا إلا أن يدل دليل على الصحة و هو مفقود.

ص: 395


1- راجع صفحة: 396.
2- راجع صفحة: 397.

الكون فيه بأيّ نحو كان (129).

مسألة 38: إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقا رجعيّا- وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد

(مسألة 38): إذا طلّقت المرأة المعتكفة في أثناء اعتكافها طلاقا رجعيّا- وجب عليها الخروج إلى منزلها للاعتداد و بطل اعتكافها (130) و يجب استينافه إن كان واجبا موسّعا بعد الخروج من العدّة، و أما إذا كان واجبا معينا، فلا يبعد التخيير بين إتمامه ثمَّ الخروج و إبطاله و الخروج فورا لتزاحم الواجبين و لا أهميّة معلومة في البين (131) و أما إذا طلّقت بائنا فلا إشكال لعدم وجوب كونها في منزلها في أيّام العدّة.

مسألة 39: قد عرفت أنّ الاعتكاف، إما واجب معيّن أو واجب موسع، و إما مندوب

(مسألة 39): قد عرفت أنّ الاعتكاف (132)، إما واجب

______________________________

(129) للإطلاق الشامل للجميع، فالكون في المسجد للعاكف كالكون في الموقفين للحاج يتحقق بالمعنى اللغوي بأيّ نحو وجد.

(130) نسبه في التذكرة إلى علمائنا أجمع، و قال في الجواهر: «و هو العمدة في هذا الحكم» و عليه فلا فرق بين كون الاعتداد في البيت حكما محضا أو من حقوق الزوج، لإطلاق معقد الإجماع كما لا فرق فيه بين المستحب و الواجب. نعم، لو لم يكن إجماع في البين و كان حق من حقوق الزوج كما يقتضيه قولهم: «المطلقة رجعية زوجة» فيدور مدار إذنه و تقدم التفصيل في الشرط السابع فراجع. و لا ثمرة لهذا البحث في المقام، لإطلاق معقد إجماع الأعلام و الماتن (رحمه اللّه) أصرّ في ملحقات العروة على أنّه من حق الزوج و هنا جزم بوجوب الخروج مطلقا.

(131) يكفي احتمال الأهمية و الظاهر كونه في الخروج كما لا يخفى على من راجع أحكام العدّة الرجعية، و قولهم: «المطلقة رجعية زوجة».

(132) هذه المسألة متكرّرة مع المسألة الخامسة و تقدم فيها ما ينفع المقام هنا أيضا.

فرع: تقدم جواز الخروج للحوائج الضرورية، و مقتضى الإطلاق جوازه

ص: 396

معيّن أو واجب موسع، و إما مندوب، فالأول يجب بمجرد الشروع، بل قبله و لا يجوز الرجوع عنه و أما الأخيران، فالأقوى فيهما جواز الرجوع قبل إكمال اليومين و أما بعده فيجب اليوم الثالث، لكن الأحوط فيهما أيضا وجوب الإتمام بالشروع خصوصا الأول منهما.

مسألة 40: يجوز له أن يشترط حين النية الرجوع متى شاء

(مسألة 40): يجوز له أن يشترط حين النية الرجوع متى شاء (133) حتّى في اليوم الثالث (134) سواء علق الرجوع على عروض

______________________________

حتى إذا استوعبت الحاجة يوما و ينتفي الاعتكاف حينئذ، و يقضي إن كان له قضاء و إلا فلا و قد مرّ في [مسألة 36] ما ينفع هنا.

(133) للنصوص، و الإجماع قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم» (1).

و في صحيح أبي ولاد: «عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها، فتهيأت لزوجها حتى واقعها، فقال (عليه السلام): إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تنقضي ثلاثة أيام، و لم تكن اشترطت في اعتكافها، فإنّ عليها ما على المظاهر» (2).

(134) لإطلاق الأدلة، و مفهوم صحيح ابن مسلم: «إذا اعتكف الرجل يوما و لم يكن اشترط، فله أن يخرج و يفسخ الاعتكاف. و إن أقام يومين و لم يكن اشترط، فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام» (3)، و هذا هو المشهور، فما نسب إلى المبسوط من المنع مخدوش.

ص: 397


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 6.
3- الوسائل باب: 4 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.

عارض أم لا، بل يشترط الرجوع متى شاء حتّى بلا سبب عارض (135) و لا يجوز له اشتراط جواز المنافيات- كالجماع و نحوه مع بقاء الاعتكاف على حاله (136)- و يعتبر أن يكون الشرط المذكور حال النية (137)، فلا اعتبار بالشرط قبلها أو بعد الشروع فيه، و إن

______________________________

(135) لإطلاق الأخبار كما تقدم في صحيح ابن مسلم، و كذا صحيح أبي ولاد. و نسب إلى الأكثر العمل بهما.

و أما ما في موثق عمر بن يزيد: «و اشترط على ربك في اعتكافك- كما تشترط في إحرامك- أن يحلك من الاعتكاف عند عارض لك، من علة تنزل بك من أمر اللّه تعالى» (1) فهو محمول على الغالب، لأنّ بناء المعتكفين على الإتمام و عدم الخروج إلا عند عروض العارض، مع أنّه لو اختص الشرط بصورة العذر لا أثر له حينئذ إلا التعبد المحض، لجواز الخروج معه شرط أم لا و هو خلاف ظاهر الشرط، فما عن جمع من التخصيص بصورة العذر مخدوش و يأتي في [مسألة 13] من (فصل كيفية الإحرام) ما ينفع المقام.

(136) لأنّه شرط مناف للاعتكاف، و يكون مخالفا للسنة و فرق واضح بين شرط حلّ الاعتكاف و إعدام موضوعه، و شرط الإتيان بمنافياته مع بقاء موضوعه و الدليل إنّما ورد في الأول، و الأخير خلاف ظواهر الأدلة، بل لا يحصل منه مع هذا الشرط قصد الاعتكاف المعهود في الشريعة.

نعم، لو شرط هذا الشرط و حصل منه قصد القربة و الاعتكاف المعهود في الشريعة و لم يأت بالمشروط، فالظاهر صحة اعتكافه.

(137) لأنّه المتفاهم من الأدلة، و كلمات الأجلة، فيبقى غيره على أصالة عدم التأثير تقدم أو تأخر. نعم، لو كان متقدّما و وقعت النية عليه يكون من الشروط البنائية فيكون مثل المذكور حين النية.

ص: 398


1- الوسائل باب: 9 من أبواب الاعتكاف حديث: 2.

كان قبل الدخول في اليوم الثالث، و لو شرط حين النية ثمَّ بعد ذلك أسقط حكم شرطه فالظاهر عدم سقوطه (138) و إن كان الأحوط ترتيب آثار السقوط من الإتمام بعد إكمال اليومين (139).

مسألة 41: كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيته كذلك يجوز اشتراطه في نذره

(مسألة 41): كما يجوز اشتراط الرجوع في الاعتكاف حين عقد نيته كذلك يجوز اشتراطه في نذره (140)، كأن يقول: للّه عليّ أن أعتكف بشرط أن يكون لي الرجوع عند عروض كذا، أو مطلقا، و حينئذ، فيجوز له الرجوع و إن لم يشترط حين الشروع في الاعتكاف، فيكفي الاشتراط حال النذر في جواز الرجوع، لكن الأحوط ذكر الشرط (141) حال الشروع أيضا و لا فرق في كون النذر

______________________________

(138) لأصالة بقاء أثره بعد عدم دليل على أنّ مثل هذا الشرط قابل للإسقاط.

(139) لأنّ الاحتياط حسن على كل حال. و قد أوجب هذا الاحتياط في المقام بعض الأعلام بناء منه (رحمه اللّه) على أنّ كل شرط قابل للإسقاط إلا ما خرج بالدليل، و لكن إثبات هذه الكلية حتى بالنسبة إلى مثل هذا الشرط يحتاج إلى الدليل.

(140) لإطلاق الأدلة الشامل للشرط في الاعتكاف و الشرط في نذر الاعتكاف أيضا، إذ ليس لنذر الاعتكاف من حيث هو موضوعية خاصة، بل هو طريق إلى إتيان نفس الاعتكاف على النحو المشروع و المفروض شرعية الشرط في نفس الاعتكاف و هذا هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، فلا وجه للإشكال- كما عن المدارك و الحدائق- جمودا على ظواهر الأدلة:

إذ فيه: أنّ مقتضى الجمود عليها جواز الشرط في نذر الاعتكاف أيضا، لما مرّ من أنّ النذر طريق إلى الاعتكاف المشروع و كل اعتكاف مشروع يصح فيه الشرط.

(141) خروجا عن مخالفة من أشكل و لم يجزم بالحكم.

ص: 399

اعتكاف أيّام معينة أو غير معينة متتابعة أو غير متتابعة، فيجوز الرجوع في الجميع مع الشرط المذكور في النذر، و لا يجب القضاء بعد الرجوع مع التعيين و لا الاستيناف مع الإطلاق (142).

مسألة 42: لا يصح أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له

(مسألة 42): لا يصح أن يشترط في اعتكاف أن يكون له الرجوع في اعتكاف آخر له غير الذي ذكر الشرط فيه، و كذا لا يصح أن يشترط في اعتكافه جواز فسخ اعتكاف شخص آخر من ولده أو عبده أو أجنبيّ (143).

مسألة 43: لا يجوز التعليق في الاعتكاف

(مسألة 43): لا يجوز التعليق في الاعتكاف، فلو علّقه بطل (144) إلا إذا علّقه على شرط معلوم الحصول حين النية، فإنّه في الحقيقة لا يكون من التعليق.

______________________________

(142) على المشهور في جميع ذلك، لانحلال الاعتكاف و زواله شرعا بواسطة الشرط و لا إعادة و لا قضاء فيما انحل و زوال و حكم الشارع بسقوطه ملاكا و خطابا.

(143) كل ذلك لأصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم الدليل على الصحة، و كون المنساق من أدلة المقام شرط المعتكف لنفسه في اعتكافه دون غيره.

و احتمال التعميم تمسكا بإطلاق: «المسلمون عند شروطهم» (1) لا وجه له، لأنّ المراد به الالتزام الذي يلتزم في العقود و المعاملات، فلا يشمل نقض العبادات و رفع اليد عنها، و يكفي الشك في الشمول في عدم الشمول كما هو معلوم.

(144) بلا إشكال فيه إن كان التعليق منافيا للنية. و أما مع عدم المنافاة فإن تمَّ إجماع على البطلان مع عدم المنافاة فهو، و إلا فلا وجه للبطلان مع حصول النية جامعا للشرائط، و حصول الإجماع مطلقا و على البطلان مشكل إن لم يكن ممنوعا، فراجع المطوّلات و تأمل.

ص: 400


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الخيار.

فصل في أحكام الاعتكاف

اشارة

فصل في أحكام الاعتكاف

يحرم على المعتكف أمور

اشارة

يحرم على المعتكف أمور:

أحدها: مباشرة النساء بالجماع

أحدها: مباشرة النساء بالجماع في القبل أو الدبر (1)،

______________________________

فصل في أحكام الاعتكاف

(1) كتابا، و سنة، و إجماعا بقسميه قال تعالى وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ (1). و في موثق ابن الجهم: «عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال (عليه السلام): لا يأتي امرأته ليلا و لا نهارا و هو معتكف» (2)، و في موثق سماعه: «عن معتكف واقع أهله فقال (عليه السلام): هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» (3).

و أما ما في بعض الأخبار من أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) لم يكن يعتزل النساء حين الاعتكاف كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): قال:

«كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، و ضرب له قبة من شعر، و شمر المئزر، و طوى فراشه. و قال بعضهم: و اعتزل النّساء، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام): أما اعتزال النساء فلا» (4)، فالمراد به عدم الاعتزال من جهة المعاشرة و المخالفة لا المجامعة و المباشرة.

ص: 401


1- سورة البقرة: 187.
2- الوسائل باب: 5 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 2.
4- الوسائل باب: 5 من أبواب الاعتكاف حديث: 2.

و باللمس، و التقبيل بشهوة (2) و لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة (3)، فيحرم على المعتكفة أيضا الجماع و اللمس و التقبيل بشهوة، و الأقوى عدم حرمة النظر بشهوة (4) إلى من يجوز النظر إليه و إن كان الأحوط اجتنابه أيضا (5).

الثاني: الاستمناء

الثاني: الاستمناء على الأحوط (6) و إن كان على الوجه الحلال كالنظر إلى حليلته الموجب له.

الثالث: شمّ الطيب مع التلذذ

الثالث: شمّ الطيب مع التلذذ (7) و كذا الريحان، و أما مع عدم

______________________________

(2) على المشهور، و مما قطع به الأصحاب، و أرسل إرسال المسلّمات، و يقتضيه الاعتبار و لا دليل على الحرمة غير ذلك.

و أما الاستدلال عليها بقوله تعالى وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ فمخدوش: لأنّ المنساق منها المواقعة لا مطلق المباشرة و إلا فهو خلاف الإجماع، بل الضرورة إن لم يكن مع الشهوة.

(3) للإجماع، و قاعدة الاشتراك.

(4) لأصالة البراءة بعد فقد الدليل على الحرمة.

(5) خروجا عن مخالفة ابن جنيد، و المختلف حيث ذهبا إلى حرمة النظر بشهوة أيضا و لا دليل لهما يصلح للاعتماد عليه.

(6) أما في اليوم، فلا ريب في حرمته، لبطلان الصوم بالإجناب العمدي كما تقدم في كتاب الصوم.

و أما في الليل، فاستدل على الحرمة تارة: بإجماع الخلاف. و أخرى:

بأنّه مثل الجماع. و ثالثة: بأنّه مستلزم للخروج من المسجد للاغتسال.

و الكل مخدوش: إذ الأول لا اعتبار به. و الثاني: قياس، و الأخير:

لا بأس به إن كان للحاجة و الاغتسال حاجة. نعم، الحرمة مناسبة لمرتكزات المتشرعة و مذاق الفقاهة و منه يعلم وجه الاحتياط.

(7) على المشهور المدعى عليه الإجماع، و في صحيح أبي عبيدة:

ص: 402

التلذذ كما إذا كان فاقدا لحاسة الشم مثلا، فلا بأس به.

الرابع: البيع و الشراء

الرابع: البيع و الشراء، بل مطلق التجارة (8) مع عدم الضرورة (9) على الأحوط، و لا بأس بالاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات حتى الخياطة و النساجة و نحوهما (10) و إن كان الأحوط الترك (11) إلا مع الاضطرار إليها، بل لا بأس بالبيع و الشراء إذا مسّت الحاجة إليها (12) للأكل و الشرب مع تعذر التوكيل أو النقل بغير البيع.

______________________________

«المعتكف لا يشم الطيب، و لا يتلذذ بالريحان، و لا يماري، و لا يشتري، و لا يبيع» (1) و المنساق من شم الطيب هو قصد تلذذ حاسة الشم، و المتيقن من الإجماع ذلك أيضا، كما أنّه المتفاهم من الصحيح و إن كان خلاف الجمود على ظاهر الإطلاق.

ثمَّ إنّ الظاهر هو أنّ التلذذ قصديّ فمع عدم القصد، أو فقد حاسة الشم لا يشمله الدليل و إن كان الأحوط الترك مطلقا و لا فرق بين أقسام الطيب و لا بين كونه في طعام أو لباس أو غيرهما، للإطلاق.

(8) أما البيع و الشراء، فللإجماع، و ما تقدم من الصحيح. و أما مطلق التجارة فلا دليل عليه بالخصوص إلا إلحاقها بالبيع و الشراء، كما عن المنتهى حاكيا عن المرتضى (رحمه اللّه) و له وجه يصلح للاحتياط دون الفتوى.

(9) و أما معها، فيجوز لعموم: «و ليس شي ء مما حرّمه اللّه تعالى إلا و قد أحلّه لمن اضطر إليه» (2) الشامل للمحرمات النفسية و الغيرية.

(10) للأصل بعد عدم الدليل على الحرمة إلا الإلحاق بالبيع و الشراء.

و فيه: ما لا يخفى. نعم، إن كان بعنوان المعاوضة فللإلحاق وجه.

(11) خروجا عن خلاف من ألحقها بالبيع و الشراء مطلقا.

(12) للأصل بعدم عدم شمول دليل المنع لهذه الصورة أو الشك في شموله لها.

ص: 403


1- الوسائل: باب: 10 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
2- الوسائل باب: 1 من أبواب القيام حديث: 7.
الخامس: المماراة

الخامس: المماراة (13)، أي المجادلة على أمر دنيويّ أو دينيّ بقصد الغلبة و إظهار الفضيلة (14). و أما بقصد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطإ، فلا بأس به، بل هو من أفضل الطّاعات، فالمدار على القصد و النية فلكلّ امرئ ما نوى من خير أو شر، و الأقوى عدم وجوب اجتناب ما يحرم على المحرم من الصّيد و إزالة الشعر و لبس المخيط و نحو ذلك (15) و إن كان أحوط.

مسألة 1: لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل و النهار

(مسألة 1): لا فرق في حرمة المذكورات على المعتكف بين الليل و النهار (16). نعم، المحرّمات من حيث الصّوم كالأكل و الشرب و الارتماس و نحوها مختصة بالنّهار (17).

مسألة 2: يجوز للمعتكف الخوض في المباح

(مسألة 2): يجوز للمعتكف الخوض في المباح و النظر في

______________________________

و دعوى: أنّ الأصل إنّما يرفع الحكم التكليفيّ فقط دون الوضعيّ من مجرّد الدعوى بعد ثبوت العموم، و كونه في مقام التسهيل و الامتنان.

(13) لما تقدم في صحيح أبي عبيدة مضافا إلى عدم الخلاف في الحرمة.

(14) لأنّ ذلك هو المتفاهم من المماراة المذمومة لغة، و شرعا

(15) للأصل، و السيرة بالنسبة إلى لبس المخيط، و عدم الدليل على الخلاف إلا ما أرسله في المبسوط: «روي: أنّه يجتنب ما يجتنبه المحرم» (1)، و لكن لم يثبت ذلك، بل في الجواهر: «المعهود من سيرة النبيّ و أصحابه و غيرهم خلافه» و منه يعلم وجه الاحتياط.

(16) لظهور الأدلة، و إجماع فقهاء الملة على أنّها من محرّمات الاعتكاف و هو متحقق في الليل و النهار كما مرّ.

(17) لانتفاء موضوعها في الليل فلا معنى للحكم بالحرمة لا محالة.

ص: 404


1- راجع المبسوط كتاب الاعتكاف الفصل الثالث منه.

معاشه مع الحاجة و عدمها (18).

مسألة 3: كلّما يفسد الصّوم يفسد الاعتكاف

(مسألة 3): كلّما يفسد الصّوم يفسد الاعتكاف (19) إذا وقع في النّهار من حيث اشتراط الصّوم فيه، فبطلانه يوجب بطلانه، و كذا يفسده الجماع سواء كان في الليل أو النّهار (20)، و كذا اللمس و التقبيل بشهوة، بل الأحوط بطلانه (21) بسائر ما ذكر من المحرّمات من البيع و الشراء و شمّ الطيب و غيرها مما ذكر، بل لا يخلو عن قوة (22) و إن كان لا يخلو عن إشكال أيضا (23).

و على هذا فلو أتمّه و استأنفه أو قضاه بعد ذلك إذا صدر منه أحد المذكورات في الاعتكاف الواجب كان أحسن و أولى (24).

______________________________

(18) للأصل بعد فقد الدليل على حرمتها.

(19) لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط إلا مع الدليل على الخلاف و هو مفقود.

(20) لظاهر الأدلة، و تصريح جمع من فقهاء الملة، و إجماع الغنية.

(21) لأنّ المتفاهم من الحرمة على فرض ثبوتها المانعية و الفساد دون مجرد الإثم.

(22) لأنّ الأصل في مثل هذه النواهي أن تكون إرشادا إلى الفساد بحسب الأنظار العرفية إلا أن يدل دليل على أنّها لمجرّد الحكم التكليفي فقط كما في محرّمات الإحرام، و لا دليل على الخلاف في المقام، و قد استقر رأيهم على العمل بهذا الأصل في غير المقام.

(23) نسب عدم البطلان بالبيع و الشراء إلى جماعة و استدلوا عليه بأنّ النهي خارج عن حقيقة العبادة فلا يوجب الفساد، و لكنه من مجرّد الدعوى و مخالف للمتفاهم من مثل هذه النواهي في نظائر المقام.

(24) جمعا بين الاحتمالين، فإنّه إن كان النهي لمجرّد الحكم التكليفي فقط يصح الاعتكاف و يجب إتمامه في الواجب و يستحب في المستحب و إن

ص: 405

مسألة 4: إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهوا

(مسألة 4): إذا صدر منه أحد المحرّمات المذكورة سهوا فالظاهر عدم بطلان اعتكافه (25) إلا الجماع (26) فإنّه لو جامع سهوا أيضا فالأحوط في الواجب الاستئناف أو القضاء مع إتمام ما هو مشتغل به و في المستحب الإتمام.

مسألة 5: إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات

(مسألة 5): إذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات، فإن كان واجبا معيّنا وجب قضاؤه و إن كان واجبا غير معيّن وجب استينافه (27) إلا إذا كان مشروطا فيه أو في نذره الرجوع، فإنّه لا يجب قضاؤه أو

______________________________

كان للفساد يبطل و حيث إنّه لا مانع من إتمام الباطل رجاء يتمه ثمَّ يقضيه في الواجب و يستأنف في المستحب.

ثمَّ إنّه إن كان النهي لمجرد الحرمة يحرم الارتكاب في الاعتكاف المستحب أيضا و إن كان للفساد فلا يحرم، لأنّه يجوز رفع اليد عنه اختيارا.

(25) لأصالة الصحة و عدم المانعية بعد الشك في أنّ النهي مطلق واقعيّ أو علميّ فقط، مضافا إلى بناء الشريعة على السهولة خصوصا في مثل الاعتكاف المشتمل على حبس النفس و المشقة.

(26) بدعوى أنّ من كثرة ما ورد في الشريعة من الاهتمام بترك الجماع في الاعتكاف حتى قال تعالى وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ يستفاد المانعية الواقعية المطلقة.

و فيه: أنّه تفريق بين الموانع بلا دليل فارق، فإن كانت المانعية مطلقة ففي الجميع كذلك و إلا فالجميع علميّ إحرازيّ إلا أن يتم إجماع على الفرق و هو مشكل و إن صلح ذلك للاحتياط.

(27) أما وجوب قضاء المعيّن، فعمدة دليلهم الإجماع، و إطلاق ما يأتي من موثق أبي بصير و غيره. و أما الاستيناف في غيره. فلبقاء الوجوب و عدم سقوطه، لأنّ الفاسد لا يوجب فراغ الذمة، فهي مشغولة إلى أن تفرغ.

ص: 406

استينافه (28) و كذا يجب قضاؤه إذا كان مندوبا و كان الإفساد بعد اليومين (29) و أما إذا كان قبلهما فلا شي ء عليه، بل في مشروعية قضائه حينئذ إشكال (30).

مسألة 6: لا يجب الفور في القضاء

(مسألة 6): لا يجب الفور في القضاء و إن كان أحوط (31).

______________________________

(28) لأنّه لا وجه للشرط إلا صحة رفع اليد عن أصل الاعتكاف و إسقاط كلفة القضاء و الاستيناف، فلا يبقى موضوع لهما مع الشرط.

(29) لكونه واجبا، فيشمله إطلاق معقد إجماعهم و اتفاقهم على وجوب قضاء الواجب.

(30) لعدم معهودية القضاء في المندوبات إلا فيما دل عليه الدليل بالخصوص- كصلاة الليل، و قضاء النوافل المرتبة، و صوم الثلاثة كما مرّ، و بعض الأذكار، و قد ورد في ذلك كله أخبار خاصة كما تقدم في محله- و لا دليل في المقام إلا مرسل الفقيه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «كانت وقعة بدر في شهر رمضان و لم يعتكف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين عشرا لعامه و عشرا قضاء لما فاته» (1) و لكنّه قاصر سندا و دلالة، لاحتمال أن يكون المراد بالقضاء الإتيان لتدارك ما فاته من الثواب لا القضاء الاصطلاحي.

و أما موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في المعتكفة إذا طمثت قال (عليه السلام): ترجع إلى بيتها فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها» (2) و عنه (عليه السلام): «إذا مرض المعتكف، أو طمثت المرأة المعتكفة فإنّه يأتي بيته يعيد إذا برئ و يصوم» (3) فمحمول على الاعتكاف الواجب دون مطلق الاعتكاف.

(31) أما عدم وجوب الفور، فللأصل. و أما الاحتياط، فلأنّه من

ص: 407


1- الوسائل باب: 1 من أبواب الاعتكاف حديث: 2.
2- الوسائل باب: 11 من أبواب الاعتكاف حديث: 3.
3- الوسائل باب: 11 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.

مسألة 7: إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء

(مسألة 7): إذا مات في أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليّه القضاء (32) و إن كان أحوط. نعم، لو كان المنذور هو الصّوم معتكفا وجب على الوليّ قضاؤه لأنّ الواجب حينئذ عليه هو الصّوم، و يكون الاعتكاف واجبا من باب المقدّمة بخلاف ما لو نذر الاعتكاف، فإنّ الصّوم ليس واجبا فيه و إنّما هو شرط في صحته، و المفروض أنّ الواجب على الوليّ قضاء الصّلاة و الصّوم عن الميت لا جميع ما فاته من العبادات.

مسألة 8: إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه و شراؤه

(مسألة 8): إذا باع أو اشترى في حال الاعتكاف لم يبطل بيعه و شراؤه (33) و إن قلنا ببطلان اعتكافه.

مسألة 9: إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع

(مسألة 9): إذا أفسد الاعتكاف الواجب بالجماع و لو ليلا وجبت الكفارة (34) و في وجوبها في سائر المحرّمات إشكال و الأقوى

______________________________

الاستباق إلى الخيرات و هو حسن، بل مندوب كما في الآيات و الروايات على ما تقدم.

(32) لأصالة البراءة بعد عدم دليل عليه، و ما يجب على الوليّ إنّما هو ما وجب أصالة على الميت دون ما وجب مقدمة للاعتكاف، فما نسبه الشيخ (رحمه اللّه) إلى بعض الأصحاب من وجوب قضائه على الوليّ لا وجه له و منه يعلم وجه الاحتياط، لأنّه للخروج عن شبهة الخلاف.

(33) لما ثبت في محله من أنّ النهي في المعاملات لا يوجب الفساد إلا إذا كان إرشادا إليه- كبيع الخمر، و الكلب، و نحوهما.

(34) إجماعا، و نصّا، ففي خبر عبد الأعلى: «عن رجل وطأ امرأته و هو معتكف ليلا في شهر رمضان قال (عليه السلام): عليه الكفارة. قلت فإن وطأها نهارا؟ قال (عليه السلام): عليه كفارتان» (1).

ص: 408


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 4.

عدمه (35)، و إن كان الأحوط ثبوتها، بل الأحوط ذلك حتّى في المندوب منه قبل تمام اليومين و كفّارته ككفّارة شهر رمضان على الأقوى (36) و إن كان الأحوط كونها مرتبة ككفّارة الظّهار (37).

مسألة 10: إذا كان الاعتكاف واجبا و كان في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النّهار

(مسألة 10): إذا كان الاعتكاف واجبا و كان في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النّهار فعليه كفارتان (38): إحداهما للاعتكاف و الثانية للإفطار في نهار رمضان، و كذا إذا كان في صوم قضاء شهر

______________________________

(35) نسب ذلك إلى أكثر المتأخرين. و عن جمع وجوبها في سائر المحرّمات أيضا إلحاقا لها بالجماع، و لإجماع الغنية. و الأول قياس. و الثاني موهون، و منه يعلم وجه الاحتياط.

(36) نسب ذلك إلى الأكثر، و ادعي عليه الإجماع، و في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن معتكف واقع أهله قال (عليه السلام):

عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا» (1).

(37) و هي عتق رقبة، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكينا، و نسب ذلك إلى المسالك، و المدارك، لصحيح زرارة: «عن المعتكف يجامع أهله قال (عليه السلام): «إذا فعل فعليه ما على المظاهر» (2)، و مثله صحيح أبي ولّاد (3) و حملهما على الاستحباب من الجمع العرفيّ المقبول لدى الأصحاب كما لا يخفى.

(38) إجماعا، و نصّا كما تقدم في خبر عبد الأعلى، و لأصالة عدم التداخل بعد إطلاق سببية كلّ منهما. و منه يظهر حكم الجماع بعد الزوال في الاعتكاف في قضاء شهر رمضان، فإنّ مقتضى إطلاق سببية كلّ منهما و أصالة عدم التداخل هو التعدّد، و كذا يظهر حكم تعدّد الكفارة في نذر الاعتكاف في

ص: 409


1- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 5.
2- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 1.
3- الوسائل باب: 6 من أبواب الاعتكاف حديث: 6.

رمضان و أفطر بالجماع بعد الزوال، فإنّه يجب عليه كفارة الاعتكاف و كفارة قضاء شهر رمضان و إذا نذر الاعتكاف في شهر رمضان و أفسده بالجماع في النهار وجب عليه ثلاث كفارات: إحداها للاعتكاف و الثانية لخلف النذر و الثالثة للإفطار في شهر رمضان.

و إذا جامع امرأته المعتكفة و هو معتكف في نهار رمضان، فالأحوط أربع كفارات (39) و إن كان لا يبعد كفاية الثلاث: إحداها لاعتكافه و اثنتان للإفطار في شهر رمضان: إحداهما عن نفسه و الأخرى تحملا عن امرأته و لا دليل على تحمل كفارة الاعتكاف عنها، و لذا لو أكرها على الجماع في الليل لم تجب عليه إلا كفارته، و لا يتحمّل عنها. هذا، و لو كانت مطاوعة فعلى كلّ منهما كفّارتان إن كان في النهار، و كفّارة واحدة إن كان في الليل.

تمَّ كتاب الاعتكاف

______________________________

شهر رمضان، فإنّ الجميع مبنيّ على إطلاق السببية، و أصالة عدم التداخل.

(39) نسب ذلك إلى المشهور، و في المختلف: «لم يظهر له مخالف» و هو صحيح بناء على التحمل لكفارة الاعتكاف أيضا، و لكنّه خلاف الأصل و يحتاج إلى دليل و هو مفقود إلا أن يتحقق إجماع و هو مشكل.

و الحمد للّه أولا و آخرا و صلّى الهّ على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدّين و لا حول و لا قوة إلا باللّه العليّ العظيم.

________________________________________

سبزوارى، سيد عبد الأعلى، مهذّب الأحكام (للسبزواري)، 30 جلد، مؤسسه المنار - دفتر حضرت آية الله، قم - ايران، چهارم، 1413 ه ق

ص: 410

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.